نقاش هادئ لمذكرة المعارضة الفلسطينية
بقلم ممدوح نوفل في 19/03/1992
رفعت 178 شخصية وطنية فلسطينية يمثلون المعارضة الفلسطينية مذكرة جماعية الى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني ورئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة يوم 14 /3 /92، عبروا فيها عن قلقهم ازاء مجرى العملية السياسية وما رافقها من أعمال قمعية اسرائيلية. وتطالب المذكرة قيادة م.ت.ف وكشرط مسبق “الاصرار على أن م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبالتالي التمسك بحقها في تمثيل شعبنا بوفد موحد من الداخل والخارج بما فيها القدس، والاصرار على اعتماد قرارات الشرعية الدولية، ووقف الاستيطان”.
وتخلص المذكرة الى القول “ان الالتزام العملي بهذه الاسس من شأنه المحافظة على الحقوق الوطنية لشعبنا، وحماية مكتسباته، ويفتح الباب لمراجعة شاملة تكفل ارساء العملية السياسية على أسس تتطابق مع قرارات الشرعية الدولية والعربية والفلسطينية”.
لا شك أن طرح ممثلوا المعارضة الفلسطينية موقفهم وآرائهم بصورة علنية، من المشاركة الفلسطينية في عملية السلام، ومن سير المفاوضات في الشهور الماضية يعتبر ظاهرة صحية. وهو على كل حال جزء من التقاليد السياسية الفلسطينية، ويقع ضمن اطار الحق المكفول ديمقراطيا للأقلية السياسية التنظيمية وفقا لما ورد في اعلان الاستقلال. واذا كان جوهر موقف المعارضة معروف للقيادة الفلسطينية، فالواضح أن طرحه بشكل موحد وفي هذا الوقت بالذات لا يخلوا من بعض الدلالات. ونعتقد أن من الضروري والمفيد وطنيا، أن يتم التعامل مع مذكرة المعارضة بمسؤولية وطنية، من خلال بحث ما ورد فيها في الاطر الشرعية للمنظمة، وأيضا بتحويل نصوصها ومضامينها الى مادة حوار سياسي فلسطيني بناء مفتوح، وحتى يتحمل كل طرف مسؤوليته الوطنية، ولا يكون مصيرها “قل كلمتك وامش”، وحتى لا تتحول المعارضة الى ما يشبه حالة قوم موسى الذين قالوا له “اذهب أنت وربك فقاتلا اننا هاهنا قاعدون”.
وفي اطار هذا الحور فاننا نعتقد أن الديمقراطية الفلسطينية التي نعتز بها جميعا تكفل لنا ذات الغطاء في طرح رأينا، وأن المسؤولية الوطنية تفرض علينا واجب التوضيح. وفي هذا السياق يمكن قول التالي:
أولا – ان ما تواجهه قضيتنا الوطنية من استحقاقات مصيرية، وما يحيط بها من تعقيدات سياسية عربية ودولية، وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، وبعد حرب الخليج، تجعل وقوع اجتهادات وتباينات في الآراء حول الموقف من مؤتمر السلام مسألة طبيعية وظاهرة صحية. ولعلنا لا نبالغ اذا قلنا أن وجود معارضة وطنية للحركة السياسية الجارية ضرورة وطنية، ليس فقط من أجل توفر الرقابة المسؤولة على دور القيادة الفلسطينية في المفاوضات، بل ولأننا جميعا “معارضة وقيادة” متفقون على أن المعروض على شعبنا في هذه المرحلة، ولا سيما في فترة الحكم الذاتي الانتقالي، يستحق أن نختلف حوله لأنه لا يلبي الحد الأدنى من حقوقنا الوطنية وطموحات شعبنا.
ثانيا – تعرف المعارضة أن مجلسينا الوطني والمركزي قد أقرا المشاركة الفلسطينية بأغلبية ساحقة، وأن هذه الأغلبية قد انطلقت في دخولها المفاوضات من مفهوم أنها ساحة صراع، وميدان جديد للاشتباك مع العدو وحول كسب الرأي العام العالمي وأمام ما يزيد عن ثلاثين دولة مقررة في عالم اليوم. وأن المصلحة الوطنية تفرض عدم الغياب وعدم ترك هذا الميدان للعدو يسرح فيه ويمرح على هواه، بل النزول له مسلحين بعدالة قضيتنا، وبقرارات الشرعية الدولية. وأن نخوض الصراع على مرأى من العالم أجمع متمسكين بأهدافنا الوطنية، نشيطين في تعريف دول العالم والرأي العالم العالمي بعدالة قضيتنا وبكل الممارسات الفاشية والعنصرية التي يتعرض لها شعبنا يوميا على يد سلطات وجيش الاحتلال، وذلك بهدف توسيع جبهة الاصدقاء وتضييق جبهة الاعداء وتحييد الممكن تحييده منهم. ونعتقد أن تجربة المشاركة الفلسطينية في الجولات الأربع الماضية، أكدت باعتراف الاعداء قبل الاصدقاء، أن الوفد الفلسطيني قد نجح في كسب لصالحه نسبة كبيرة من الرأي العام العالمي، وتمكن حتى الان من محو الكثير من التشويهات التي ألحقتها الحركة الصهيونية بقضيتنا وبنضالنا العادل والمشروع، وحيد بعضا من الأعداء القدامى. وعلمتنا تجربة المفاوضات أن من الخطأ الانطلاق من تصور وتقدير أن الرأي العام العالمي، أو حتى الاشخاص المقررين في العديد من الدول الكبرى على علم ومعرفة بما يعانيه شعبنا تحت نير الاحتلال، أو بطبيعة وجوهر الصراع الفلسطيني والعربي-الاسرائيلي. ولعل الأمانة والموضوعية تفرض على القيادة والمعارضة الاعتراف بأن ما قامت به الأخت حنان عشراوي في هذا المجال في الشهور الخمس الماضية مع باقي أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض يستحق التقدير والاحترام، ويؤكد سلامة وصحة قرار الأغلبية في الدخول في هذا المعترك من الصراع.
ثالثا – يعرف الجميع أن قرارت مجلسينا الوطني والمركزي شددت على أن المفاوضات ليست بديلة عن أي شكل من أشكال النضال الوطني الذي يخوضه شعبنا، داخل وخارج الارض المحتلة، بل هي شكل نضالي رديف لها تغذيها وتقويها. وأكدت أيضا أن تعزيز أوراق المفاوض الفلسطيني وتقوية موقفه فوق طاولة المفاوضات يفرض بالضرورة، ليس فقط تواصل هذه الاشكال، بل وتصعيدها وخاصة نضال شعبنا في اطار حركة الانتفاضة المجيدة. ونظن أن الموضوعية تفرض القول أن جولات المفاوضات الاربعة ما رافقها من نشاطات سياسية واعلامية، كانت بمثابة شاشة عرض دولية وعدسة عاكسة ساعدت الانتفاضة على تعريف العالم بأهدافها، وبنضالاتها اليومية، وأنها ساهمت بشكل جزئي في تحديد سقف لحركة قمع وارهاب جيش الاحتلال ضد شعبنا، فبات الابعاد مثلا قضية يحسب العدو لها ألف حساب. ولكننا وبذات الموضوعية، ومن موقع المسؤولية الوطنية، نسأل هل استطاعت المعارضة التوفيق بين موقفها المعارض للحركة السياسية والمفاوضات (والذي نحترمه) وبين مهامها في تصعيد النضال ضد الاحتلال في اطار الانتفاضة، وواجبها في تعزيز وتقوية موقع ونفوذ منظمة التحرير داخل وخارج الارض المحتلة باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، أم ان الخلاف السياسي طغى على هذه المهمة الكبيرة، وقاد الى تحالفات أدت الى ما هو عكس ذلك. ونظن أن تساؤلنا هذا له ما يبرره لا سيما وأن المذكرة تضمنت “الاصرار على أن م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا”.
رابعا – ونعتقد أن لا داعي لمثل هذا الاصرار على تمثيل م.ت.ف، فالمنظمة كانت ولا زالت وستبقى الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا. وتؤكد مجريات الصراع وواقع العلاقات السياسية الفلسطينية الحالية مع دول العالم والدول العربية، ان المشاركة الفلسطينية في عملية السلام قد حسمت نهائيا وحدة شعبنا وعززت المكانة السياسية للمنظمة وأكدت بصورة عملية وحازمة بأنها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا. فكل القوى المشاركة في مؤتمر السلام الثنائي والمتعدد بما في ذلك اسرائيل والولايات المتحدة تعرف تماما أن المفاوضات التي سبقت افتتاح مؤتمر السلام قد تمت مع م.ت.ف وأن مفاوضات الجولة الأولى والثانية والثالثة والرابعة تمت مع م.ت.ف. ولا نذيع سرا اذا قلنا أن خطة وتكتيك المفاوضات في كل جولة يقرر رسميا من قبل الهيئات المعنية في المنظمة. وأن أعضاء في المجلس الوطني والمجلس المركزي الفلسطيني، وفي الهيئات القيادية الأولى للقوى الفلسطينية المشاركة في المفاوضات يتواجدون في كل لحظة مع الوفد، وأن الوفد ومساعديه ومستشاريه على صلة مع قيادة م.ت.ف. ولا نظن أن الامريكيين والاسرائيليين لا يعرفون الانتماء التنظيمي لأعضاء الوفد المفاوض. ونعتقد أن ليس من حق أحد أن يطعن في انتماء الوفد للمنظمة. ولعل من المفيد التذكير بأن د. حيدر عبد الشافي كان من مؤسسي م.ت.ف، وعضوا في أول لجنة تنفيذية لها. ولا نعتقد أن شعبنا بحاجة للتأكد من أن الوفد المفاوض هو وفد المنظمة، وفد كل الشعب ويفاوض باسم كل الشعب. والكل يعرف أن كثيرين من أعضاء الوفد كان يمكن أن يكونوا أعضاء في اللجنة التنفيذية للمنظمة لولا الظروف الاستثنائية التي يفرضها الاحتلال. ونظن أن الظروف قد نضجت أو أوشكت للبدء في أشغال الداخل لمواقعه المحجوزة في المؤسسات القيادية لمنظمة التحرير.
اننا نعتقد أن ما ورد في مذكرة المعارضة الفلسطينية فرصة لمناقشة معمقة لمفهوم م.ت.ف ولمفهوم التمثيل الفلسطيني وموقع الداخل ودوره فيها. فقد أكدت وقائع المفاوضات وكل ما قدم خلالها من وثائق فلسطينية أن تعبير الخارج والداخل الفلسطيني لم يكن له أي مكان على طاولة المفاوضات، وأن قضايا كل الشعب الفلسطيني بغض النظر عن مكان اقامة مجموعاته هي التي كانت حاضرة في كل جلسات المفاوضات. ونظن أن انتزاع حقنا في المقاعد المخصصة للبحث في القضية الفلسطينية، بممثلين فلسطينيين، مكسبا تاريخيا من الخطأ تشويهه بالحديث عن داخل وخارج فلسطيني. والكل يعرف أن الأخ فيصل هو رئيس الفريق الفلسطيني لمؤتمر السلام، وبصفته هذه التقى بالعديد من الشخصيات العالمية وقابل بيكر أكثر من مرة خلال المفاوضات، ولهذا اذا كان من الخطأ تقسيم التمثيل الفلسطيني بين من يمثل الداخل ومن يمثل الخارج فان هذا يسحب نفسه أيضا على تقسيم الداخل بين قدس وغزة ونابلس..الخ. ورغم ذلك فان ضم لجنة التوجيه (S.C) لثلاثة شخصيات من الخارج وثلاثة آخرين من القدس نعتقد أنه كاف لازالة أي التباس حول الموضوع. ونظن أن الاساس الذي علينا اعتماده كمقياس أساسي للتمثيل الفلسطيني هو كيف يقدم الوفد نفسه وبأية صيغة يتعامل مع الآخرين، ومن الذي خوله أو فوضه بالمهمة المسندة له، وأيضا ما هية القضايا التي يطرحها ويدافع عنها، وليس وفقا للوظيفة أو المنصب الذي يشغله الان. ونعتقد أن لا لبس ولا غموض في أن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي شكلت الوفد وهي التي خولته وفوضته للتحدث باسم الشعب الفلسطيني كله، وأنه استطاع أن يفرض ذاته باعتباره مكلف بتمثيل الشعب الفلسطيني في المفاوضات، وأنه أبرز التزاما عاليا في الدفاع عن كل قضايا شعبنا بدءا من قضايا الذين أبعدوا من الكويت وانتهاءا بقضايا الذين شردوا عام 48.
خامسا – أما اشارة مذكرة المعارضة لضرورة الاصرار على اعتماد قرارات الشرعية الدولية، فاننا نعتقد أن لا الوفد الفلسطيني ولا القيادة الفلسطينية قصرت في الاصرار على ذلك، بل ونضيف أنها حولت اصرارها من أقوال مجردة الى مواقف رسمية ثبتت في وثائق رسمية تسلمها الوفد الاسرائيلي. ولعل كل من يطالع مشروع الحكومة الذاتية الانتقالية وباقي الوثائق سيجد تمسكا فلسطينيا حازما جازما بكل قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بدءا من القرار 181 مرورا بقرار 194 وانتهاء بآخر قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي او الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وحتى لا يكون هناك أي التباس حول هذا الموضوع فقد أصرت القيادة الفلسطينية على أن تنطلق العملية السياسية من قرارات 242 و 338 كأساس، وهذا ما ثبت في الوثائق الاساسية لمؤتمر السلام. واحتفظت بحقها في نبش كل القرارات القديمة ووضعها على طاولة المفاوضات وهذا ما مارسه الوفد بابداع.
لا شك أن هناك الكثير من المآخذ والملاحظات الفلسطينية على الأسس التي قامت عليها العملية السياسية الجارية وخاصة تقسيم الحل الى مرحلتين انتقالية ونهائية، ولكن ما يجب أن لا ننساه هو موازين القوى التي كانت سائدة لحظة انطلاق العملية، وكذلك الأوضاع والظروف الدولية والعربية التي كانت تحيط بقضيتنا الوطنية آنذاك. ونعتقد أن احداث تعديل في ميزان القوى بيننا وبين الأعداء، وتحسين الظروف العربية والدولية المحيطة بقضيتنا مهمة لا زالت مطروحة على كل قوى الشعب والثورة (قيادة ومعارضة)، وأن مثل هذه المهمة تستحق أن تتوحد جهود الجميع حولها وتتوجه نحوها سواء من خلال العمل من داخل المفاوضات أو من خارجها.
سادسا – تدعو مذكرة المعارضة الى الاصرار على وقف الاستيطان كشرط مسبق. لا شك أن سرطان الاستيطان هو الخطر الكبير والمباشر الذي يهدد الارض والأمل الفلسطيني. ومن هذا المنطلق ركزت القيادة الفلسطينية ومن مثلها في المباحثات التمهيدية لمؤتمر السلام على مسألة وقف وتجميد الاستيطان، ونعترف بصراحة أننا لم نستطع انتزاع، بشكل مسبق، التزاما أمريكيا واضحا بوقف الاستيطان، ولكننا في الوقت نفسه لم ندخل عملية السلام الا بعد أن حصلنا على تعهدات أمريكية، ثبتت خطيا في رسالة التطمينات الامريكية حيث ورد بالنص “بأنها عارضت وستواصل معارضتها للنشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة عام 67″ الفقرة 16. وورد في نص آخر “ان الولايات المتحدة ما انفكت تعتقد منذ زمن طويل أنه ينبغي على أي طرف أن لا يقوم بأعمال من جانب واحد بهدف البت المسبق في قضايا لا يمكن أن تحل الا من خلال المفاوضات”.
ولم تكتف لا قيادة المنظمة ولا الوفد المفاوض بهذه النصوص، بل جعلت من معركة تجميد الاستيطان ام المعارك الفلسطينية داخل وخارج غرفة المفاوضات. ولا نبالغ اذا قلنا بأنها كانت السبب الرئيسي الذي أعاق تقدم المفاوضات، وجعلها تدور حول نفسها أربع دورات كاملة. والكل يعرف أن الوفد الفلسطيني المفاوض جعل من وقف الاستيطان شرطا لتحقيق أي تقدم في المفاوضات. وأنه لم يتقدم بمشروع الانتخابات ومشروع الحكومة الذاتية الانتقالية الا بعد أن أظهرت الادارة الامريكية جديتها في معارضة الاستيطان، وبعد أن ربطت تقديم ضمانات القروض بتجميد الاستيطان. ولعل الموضوعية تفرض الاقرار بأنه لولا الدخول في المفاوضات لما وقع مثل هذا الاشتباك الامريكي-الاسرائيلي المحدود حول الاستيطان. ولا نظن أن المقاطعة الآن تخدم تواصل هذا الاشتباك، أو أنها ستوقف الاستيطان. ونعتقد أن من حقنا ان نسأل هل معركة وقف الاستيطان تخاض فقط من خلال المفاوضات؟ أم أنها معركة كل قوى الثورة وميادينها واسعة ومتعددة الأوجه والاشكال، بدءا من تمكين عمالنا من مقاطعة العمل في المستوطنات وانتهاءا بتحويل حياة المستوطنين الى جحيم. ونعتقد أن المعارضة تتفق مع القيادة على أن كسب معركة الاستيطان لن تكون بالضربة القاضية، بل بتراكم النقاط نقطة نقطة، ولا شك أن زيادة عدد النقاط المكتسبة والتعجيل في ربح هذه المعركة يتطلب تضافر جهود الجميع معارضة وقيادة.
سابعا – تدعو مذكرة المعارضة الى اجراء مراجعة شاملة لكل العملية السياسية. لا شك أن هذه الدعوة حق مشروع، وتعرف بعض قوى المعارضة أو كلها أن المراجعة الاولية قد تمت بحضورها بعد انتهاء الجولة الثالثة من مفاوضات واشنطن، وأن الاستخلاص الرئيسي الذي تم التوصل له هو أن المشاركة الفلسطينية في مفاوضات السلام قد اعطت لقضيتنا الوطنية وللمنظمة كممثل شرعي ووحيد بعض المكاسب السياسية والاعلامية والعملية المحدودة، ودون ان تلحق بها أية خسائر تذكر، وأكدت المراجعة الأولية على ضرورة تواصل المشاركة الفلسطينية في المفاوضات لتحقيق المزيد من الانجازات الصغيرة ومراكمتها انجازا فوق آخر. واذا كنا في هذا المقال لسنا بصدد اجراء معالجة شاملة وتقييم متكامل لنتائج المشاركة الفلسطينية في مؤتمر السلام، فاننا نعتقد أن ما ذكر أعلاه وما لم يذكر، كالذي يجري داخل الليكود، وداخل المجتمع الاسرائيلي وغير ذلك، يؤكد صحة موضوعية الاستخلاصات التي توصلت لها المراجعة الاولية التي أجراها الوفد الفلسطيني المفاوض، والتي أجرتها القيادة الفلسطينية بحضور ممثلين عن المعارضة. وأخيرا لعل من المفيد القول اذا كانت الديمقراطية الفلسطينية تعطينا جميعا الحرية الكاملة، والحق المكفول بأن نعبر عن رأينا (قيادة ومعارضة) داخل وخارج المؤسسات، فمن حق الديمقراطية علينا جميعا العمل بالحكمة القائلة “الرجوع عن الخطأ فضيلة والعودة الى حق فضيلة أكبر”. ومن حق الوطن أن يطالب بوضع مصالحه العليا فوق كل الاعتبارات الذاتية او التنظيمية الضيقة. ومن حق الانتفاضة أن تنال من الجميع كل الدعم والاسناد الممكن، ولعل أول ما يجب تقديمه لها هو أن لا يعلو أي صوت فوق صوتها.
تونس