آفاق جديدة لتعزيز الديمقراطية الفلسطينية
بقلم ممدوح نوفل في 29/05/1992
يستطيع كل متابع لتطور الاوضاع الداخلية الفلسطينية أن يسجل حدثين مهمين وقعا مؤخرا. الأول حسب الترتيب الزمني، موقف الرفاق قيادة الجبهة الشعبية في المجلس المركزي الفلسطيني، والثاني انعقاد عددا من المؤتمرات الشعبية في قطاع غزة تحت شعار محاربة السلبيات في الانتفاضة. هذان الحدثان اذا قدر لهما أن يأخذا مداهما في العلاقات الفلسطينية الداخلية، يمكنهما حقا تعزيز وتطوير الديمقراطية الفلسطينية ونقلها خطوة جديدة الى الامام. فالكل يتذكر صورة الوضع قبيل انعقاد دورة المجلس المركزي حيث أثيرت عدة أسئلة حول قدرة القيادة الفلسطينية على الخروج من الدورة بقرار سياسي يرسم المشاركة في المؤتمر المتعدد الاطراف ويؤكد على مواصلة التعاطي الايجابي مع مؤتمر السلام، والحفاظ بذات الوقت على الوحدة الوطنية الهشة القائمة بين الفصائل. ومضى بعض المراقبين الى حد التنبؤ بانفجار اجتماع المجلس المركزي، وتوقعوا مزيدا من التصدعات في الوحدة الوطنية الفلسطينية المتصدعة حسب مقاييسهم.
ولم ينطلق المراقبون في تنبؤاتهم وتوقعاتهم من فراغ، فلا دخان بدون نار. ودخان المراقبين انبعث من بعض الحرائق الكلامية الصغيرة التي حاول البعض اشعالها داخل البيت الفلسطيني، وخاصة ما أشاعه وروج له السيد نايف حواتمة وأنصاره، حول دورة المجلس المركزي وحول الموقف الذي ستتخذه المعارضة الفلسطينية في حال دفع المجلس نحو قرار بالمشاركة في المتعدد الاطراف. ملوحين براية الانقسام التنظيمي، مبشرين ان هذا الانقسام قد يكون شاملا لانه يقوم على اسس سياسية وحول قضايا جوهرية ومصيرية.
واذا كنا لسنا في هذا المقال بصدد مناقشة مواقف كل الاطراف داخل المجلس المركزي، ولا النتائج السياسية والتنظيمية التي خرجت بها هذه الدورة، فالثابت انها كانت دورة ناجحة تماما. فقد استطاع المجلس المحافظة على الوحدة الوطنية وردم بعض ثغراتها النافرة، والجميع في اطارها بين رغبة الاغلبية في مواصلة التعامل مع العملية السياسية بشقيها الثنائي والمتعدد الاطراف وبين احتفاظ الاقلية بمواقفها المعارضة والمتحفظة على مؤتمر السلام.
وانصافا للحقيقة لا بد من القول ان الموقف الوطني الفلسطيني والمسؤول الذي اتخذه الرفاق ممثلو الجبهة الشعبية في المجلس المركزي كان له دورا اساسيا في الوصول الى هذه النتيجة، التي فاجأت المراقبين، وخذلت كل الراغبين في رؤية البيت الفلسطيني يحترق من داخله وبكل من فيه.
فقد أكد الرفاق حرصهم المطلق على الوحدة الوطنية الفلسطينية في اطار م.ت.ف والانتفاضة، بالرغم من التباين والخلاف حول مؤتمر السلام. وأكدوا بالامكان بل من الضروري تكريس تعددية الآراء والمواقف السياسية والفكرية داخل البيت الفلسطيني، وتوظيف الخلاف لصالح القضية الوطنية الفلسطينية. وبهذا الموقف وضع الرفاق المصلحة الوطنية العليا، مصلحة الشعب والقضية، ومصلحة المنظمة والانتفاضة فوق الاعتبارات التنظيمية، وفوق المصالح الحزبية الضيقة.
وهم بهذا الموقف يكونوا قد ساهموا في دفع العلاقات الوطنية الفلسطينية خطوة جديدة على درب تعزيز الديمقراطية الفلسطينية، ودفعها خطوة جديدة الى الامام. وساهموا في تكريسها اعتبارها الصيغة القادرة على بناء ائتلاف وطني قوي، وارساء اسس ثابتة للتعايش المشترك والدائم ضمن اطار تنظيمي وطني واحد (م.ت.ف) يستوعب التعددية الفكرية والسياسية والتنظيمية. وقيمة موقف الرفاق في قيادة الجبهة الشعبية تبرز في نقطتين اساسيتين.
الاولى صيانة الوحدة الوطنية وافشال رغبات ورهان البعض على تحول الانقسام السياسي الفلسطيني الى انقسام تنظيمي، وهو بتواصله ينهي تقاليد سابقة كانت مبعثا للانقسامات التنظيمية الخطيرة ولخلق “جبهات الرفض” بأشكالها واسمائها المتعددة والمتنوعة، ويفرض تقاليد جديدة تدفع كل من لا زال خارج اطار م.ت.ف الى اعادة النظر في موقه وموقعه. وتدفع كل من كان يفكر في الخروج منها والانضمام الى جبهة الانقاذ باعادة النظر في حساباته.
اما النقطة الثانية فهي ان هذا الموقف للرفاق في قيادة الجبهة الشعبية يرسي أساسا أوليا لبناء تحالفات في أطر تنظيمية موحدة في اطار م.ت.ف، تجمع وتوحد القوى الواقفة على أرضية فكرية وتنظيمية واحدة. وان فشل المركزية الديمقراطية الملتفة حوله (كما اثبتت تجارب الاحزاب الشيوعية والاحزاب الماركسية اللينينية) يفرض بالضرورة على قوى اليسار الفلسطيني اعادة النظر في استمرار اعتمادها لهذا المبدأ الذي أثبت فشله. والبحث بصورة جدية ومعمقة في ايجاد مفاهيم تنظيمية جديدة، قادرة على استقطاب كل الاتجاهات والقوى الديمقراطية في صفوف الشعب الفلسطيني، وتلبية تطلعاتها وتعلقها بالديمقراطية. وان تأخذ بعين الاعتبار طبيعة المرحلة التي يمر بها النضال الفلسطيني والواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للقوى الاجتماعية التي يسعى الحزب لها ومن أجلها. واذا كان تقدم الرفاق في قيادة الجبهة الشعبية بهذه الخطوة الصحيحة والمسؤولة لا يعفيهم من مسؤولياتهم ازاء متابعة ما يجب ان يبنى عليها من حقوق وواجبات على المستوى الوطني، وخاصة اتجاه الانتفاضة ومراقبة المفاوضات فانني اعتقد ان مسؤولية وطنية كبرى ألقتها هذه الخطوة على عاتق القوى الوطنية الفلسطينية عامة وقوى اليسار بصورة خاصة. وهذه المسؤولية تفرض بالحد الأدنى ملاقاتها بخطوة مماثلة ان لم يكن بخطوتين.
فهل ستتمكن القوى الوطنية الفلسطينية وقوى اليسار من التحرك بهذه الخطوات المطلوبة أم أن الارث التنظيمي والعصبوية الفصائلية تثقل أجسامها عن الحركة وترغمها على المراوحة في ذات المكان والزمان؟ سؤال هام يبقى مطروحا بانتظار الجواب نظريا وعمليا.
أما الحدث الثاني والمتمثل في انعقاد عددا من المؤتمرات الشعبية في قطاع غزة، فيمكن رؤية آثاره المحتملة على مستقبل الديمقراطية في الساحة الفلسطينية من خلال التعمق في رؤية الاسس والمنطلقات التي قامت عليها هذه المؤتمرات، وقراءة البعد التنظيمي للاهداف والشعارات التي رفعتها. صحيح ان رسالة اللجنة العليا لشؤون الوطن المحتل والتي صيغت بناء على التوجهات التي اقرها المجلس المركزي ووقعها الاخ ابو عمار، قد اعطت الغطاء الشرعي لهذه المؤتمرات، ولكن الصحيح ايضا ان هذه المؤتمرات قامت بمبادرات شعبية محلية، وتعبيرا عن حاجة موضوعية وذاتية. وما ورد في الرسالة حول ميثاق الشرف، ونقد السلبيات اعطى لها وجهة عمل محددة، وزودها بقوة الدفع اللازمة لها لتجاوز المعوقات الذاتية التي لم يكن مستبعدا بروزها.
وكم كانت الامنية ان تتم هذه المؤتمرات الشعبية بناء على بيان من القيادة الوطنية الموحدة يكون فاتحة مرحلة جديدة من عملها القيادي. لكن الامنيات شيء وواقع الحال شيء آخر. فانعقادها يعبر عن الحالة الراهنة التي تعيشها قاوم التي نتمنى لها ان تكون مؤقتة. وان تكون المؤتمرات حافزا للقيادة الموحدة وللفصائل بدفعها لتسريع خطاها وتنفيذ كل القرارات والتوجهات التي التزمت بها في الرسالة وأمام المجلس المركزي وخاصة تلك المتعلقة بالمسألة التنظيمية ودمقرطة العلاقة الداخلية ومع الشعب والمؤسسات ومسألة التجاوزات واخراج ميثاق الشرف والعمل المشترك الى حيز الوجود في مواجهة الاحتلال.
ويمكن القول ان المؤتمرات الشعبية هي بمثابة الاختبار العملي الاول لمدى جدية قيادات الفصائل في الالتزام بالتوجهات التي اتفقت عليها. وهي في الوقت ذاته امتحان عملي للقيادة الوطنية الموحدة ولقدرتها على تجاوز حالة السكون والروتين التي تعيشها والانطلاق نحو النهوض بالمهام التنظيمية والكفاحية التي تضمنتها توجيهات المجلس المركزي الفلسطيني، والتي ظهرت كشعارات عقدت تحت رايتها المؤتمرات. وكل قراءة موضوعية لهذا النمط من التحركات الشعبية الواسعة تؤكد ان الانتفاضة قادرة على تجديد ذاتها، وان شعبها لا زال يختزن طاقات كبيرة رغم كل الظروف وكل الاوضاع القاسية والصعبة التي عاشها على مدى 54 شهرا من المقاومة المباشرة للاحتلال. وان استعادة الزخم الشعبي لتحركات الانتفاضة لا زال ممكنا، وهو جاهز للظهور بقوة في الشوارع عندما تكون القضايا المطروحة، قضايا تلامس حياة الشعب ومشكلاته اليومية المباشرة.
وتؤكد المؤتمرات ان الانتفاضة لا زالت محتفظة في اعماقها بطابعها وسماتها الجماهيرية وانها لا زالت حريصة على هذا الطابع ومتمسكة بهذه السمات، وانها لن تقبل بتغلب النزعات السلطوية على سماتها وعلاقاتها الديمقراطية، ولن ترضى بالفئوية الضيقة كبديل عن كل قوى الشعب. ان تمسك شعب الانتفاضة بالديمقراطية، واستعداده للنزول للشارع دفاعا عنها وفي وجه التسلط والتجاوزات يوفر للديمقراطية طاقة كبيرة وقوة تجعلها قادرة على شق طريقها والتقدم خطوات الى الامام باتجاه التغلغل والانتشار داخل حياة وعلاقات المجتمع الفلسطيني. وهذا بدوره يمهد ويسهل الطريق امام القوى المؤمنة حقا بالديمقراطية لتأخذ مكانها في اطار هذه التحركات الشعبية الديمقراطية، ولتنهض بمهامها اتجاه ما تؤمن به، وتعمل على توسيع وتعيق انتشار الافكار الديمقراطية داخل اطرها وداخل المؤسسات الوطنية وفي صفوف الشعب.
ومن الواضح أن تواصل هذه الحركة الديمقراطية، وتمددها الى بقية المواقع، وبلوغها لاهدافها، لن يكون أمرا سهلا، ولا يتوقع أن يمر دون مقاومة. ولعل فرض العدو لمنع التجوب وبصورة شاملة على كل قطاع غزة لمدة ثلاثة ايام ثم تجديده ثلاثة اخرى خلال التحركات يؤكد ذلك. فالعدو يدرك الابعاد الخطرة لهذه الحركة، ويعرف ان نجاحها سوف يكون على حساب اطالة امد وجوده، وسوف يحرمه من فرصة اخفاء جرائمه ضد المناضلين، ومن تحميلها للخلافات الداخلية والمسلكيات الخاطئة. ولا أظن أن من التجني القول ان بعض الاتجاهات غير الديمقراطية، وبعض المتضررين من هذه الحركة سيحاولوا ايضا اعاقة وعرقلة تقدمها.
ان نجاح هذه التحركات الديمقراطية، وجعلها حدثا نوعيا في حياة الانتفاضة، مسؤولية تتحملها اولا القوى الديمقراطية. وتقصيرها قد يحولها الى حدث عابر يسجل في تاريخ الانتفاضة، وطبعا سوف يسجل بجانبه ملاحظة. لقد قصرت القوى الديمقراطية في استثماره على صعيد تخليص الانتفاضة من السلبيات، وفي مجال تكريس وتعزيز الديمقراطية في العلاقات.فهل ستستطيع القوى الديمقراطية جعل موقف الرفاق في الجبهة الشعبية في المجلس المركزي، والمؤتمرات الشعبية التي انطلقت من القطاع نقاط ارتكاز لحركة نشيطة ومثابرة باتجاه التجديد الديمقراطي؟؟ سؤال يضاف لجملة الاسئلة المطروحة على هذه القوى. فهل سيلمس الناس الجواب تونس
آفاق جديدة لتعزيز الديمقراطية الفلسطينية
يستطيع كل متابع لتطور الاوضاع الداخلية الفلسطينية أن يسجل حدثين مهمين وقعا مؤخرا. الأول حسب الترتيب الزمني، موقف قيادة الجبهة الشعبية في المجلس المركزي الفلسطيني، والثاني انعقاد عددا من المؤتمرات الشعبية في قطاع غزة تحت شعار محاربة السلبيات في الانتفاضة. هذان الحدثان اذا قدر لهما أن يأخذا مداهما في العلاقات الداخلية، يمكنهما تعزيز وتطوير الديمقراطية الفلسطينية ونقلها خطوة جديدة الى الامام. في هذا المقال سنتناول الحدث الأول أما الثاني فلربما تطلب أن يقف كل من هو على تماس مع الانتفاضة لدراسته واستخلاص دروسه المستفادة وفي سياق مناقشة موقف الرفاق في الشعبية الكل يتذكر صورة الوضع قبيل انعقاد دورة المجلس المركزي حيث أثيرت عدة أسئلة حول قدرة القيادة الفلسطينية على الخروج من الدورة بقرار سياسي يرسم المشاركة في المؤتمر المتعدد الاطراف ويؤكد على مواصلة التعاطي الايجابي مع مؤتمر السلام، والحفاظ بذات الوقت على الوحدة الوطنية الهشة القائمة بين الفصائل. ومضى بعض المراقبين الى حد التنبؤ بانفجار اجتماع المجلس المركزي، وتوقعوا مزيدا من التصدعات في الوحدة الوطنية الفلسطينية المتصدعة أصلا حسب مقاييسهم.
ولم ينطلق المراقبون في تنبؤاتهم وتوقعاتهم من فراغ، فلا دخان بدون نار. ودخان المراقبين انبعث من بعض الحرائق الكلامية الصغيرة التي حاول البعض اشعالها داخل وحول البيت الفلسطيني، وخاصة ما أشيع وروج له حول الموقف الذي ستتخذه المعارضة الفلسطينية في حال دفع المجلس نحو قرار بالمشاركة في المتعدد الاطراف. ولوح البعض في حينها براية الانقسام التنظيمي، وبشر بان هذا الانقسام سيكون شاملا لانه اذا وقع يقوم على اسس سياسية وحول قضايا جوهرية ومصيرية.
واذا كنا في هذا المقال لسنا بصدد مناقشة مواقف كل الاطراف داخل المجلس المركزي، ولا النتائج السياسية والتنظيمية التي خرجت بها هذه الدورة، فالثابت انها كانت دورة ناجحة تماما. فقد استطاع المجلس المحافظة على الوحدة الوطنية وردم بعض ثغراتها النافرة، والجمع في اطارها بين رغبة الاغلبية في مواصلة التعامل مع العملية السياسية بشقيها الثنائي والمتعدد الاطراف وبين احتفاظ الاقلية بمواقفها المعارضة والمتحفظة على مؤتمر السلام.
وانصافا للحقيقة لا بد من القول ان الموقف الوطني الفلسطيني والمسؤول الذي اتخذه ممثلوا الجبهة الشعبية في المجلس المركزي كان له دورا اساسيا في الوصول الى هذه النتيجة، التي فاجأت المراقبين، وخذلت كل الراغبين برؤية البيت الفلسطيني يحترق من داخله بكل من فيه.
فقد أكد الرفاق حرصهم على الوحدة الوطنية الفلسطينية في اطار م.ت.ف والانتفاضة، بالرغم من التباين والخلاف حول مؤتمر السلام. وأكدوا امكانية بل ضرورة تكريس تعددية الآراء والمواقف السياسية والفكرية داخل البيت الفلسطيني، وتوظيف الخلاف لصالح القضية الوطنية الفلسطينية. وشدد الرفاق على ضرورة وضع المصلحة الوطنية العليا، مصلحة الشعب والقضية، ومصلحة المنظمة والانتفاضة فوق الاعتبارات التنظيمية، وفوق المصالح الحزبية الضيقة ودعوا الى وحدة العمل ضد الاحتلال.
ولاشك أنهم بهذا الموقف ساهموا في دفع العلاقات الوطنية الفلسطينية خطوة جديدة على درب تعزيز الديمقراطية الفلسطينية وخلقوا ظروفا مناسبة للتقدم نحو اعادة صياغة هذه العلاقات على أسس متقدمة عن تلك التي عاشتها الساحة الفلسطينية حتى الان، فموقف قيادة الشعبية كرس الديمقراطية باعتبارها الصيغة التنظيمية القادرة على بناء الائتلاف الوطني القوي والذي بامكانه الصمود والحفاظ على الذات حتى في اشد فترات التباين والخلاف. وساهم في تثبيت مفايهم للعمل المشترك والتعايش الدائم ضمن اطار تنظيمي واحد (م.ت.ف) يستوعب التعددية الفكرية والسياسية والتنظيمية. ولعل القيمة الاضافية لموقفهم تبرز في الظروف الفلسطينية الراهنة في ثلاث نقاط أساسية:
1) الشروع في معالجة اوضاع الانتفاضة ومشكلاتها، وتخليصها من الظواهر المرضية الاساسية التي تجمع كل القوى على وجودها، وعلى انها السبب الرئيسي في تراجع حجم المشاركة الجماهيرية في فعالياتها النضالية في مواجهة الاحتلال، قياس لما كانت عليه في فترات سابقة. فتأكيد الرفاق على وحدة العمل في اطار الانتفاضة وتجنبيها كل آثار ونتائج التباين السياسي، يساعد ولا شك في تحسين عمل قاوم وتمكينها من مكافحة بعض الظواهر السلبية والعديد من المسلكيات الضارة بالانتفاضة، وخاصة الهيمنة الفصائلية، والتنافس الفئوي وحرب الشعارات والتفرد في تنفيذ بعض الاجراءات المتعلقة بأمن الانتفاضة وصيانتها من الاختراقات المعادية.
2) صيانة الوحدة الوطنية في اطار م.ت.ف والمحافظة عليها في مرحلة مصيرية وحاسمة من مراحل النضال الوطني الفلسطيني وافشال مساعي وجهود العديد من القوى المعادية والحاقدة والتي تستهدف شطب استقلالية الحركة والقرار الفلسطيني، والتشكيك ف يوحدانية تمثيل م.ت.ف لكل الشعب، ومحاولة خلق بدائل او تمثيل مواز لها ومتصارع معها. فموقف الرفاق في الجبهة الشعبية ينهي بتواصله تقاليد سابقة كانت مبعثا للانقسامات التنظيمية الخطيرة، وينهي المبررات والاسس التي كان ستند عليها في خلق وبناء جبهات الرفض باشكالها واسمائها المتعددة والمتنوعة في تركيبها واهدافها. ويكرس بديلا عن ذلك أسس وتقاليد جديدة تدفع كل من لا زال خارج اطار م.ت.ف الى اعادة النظر في موقفه وفي موقعه. وتدفع من كان او لازال يفرك في الخروج منها والانضمام الى جبهة الانقاذ او بناء جبهة رفض جديدة الى اعادة النظر في حساباته وممارساته العملية التي تصب في هذا الاتجاه.
3) ايجاد الارضية والاسس الملائمة لبناء انواع واشكال من التحالفات الوطنية داخل م.ت.ف تجمع وتوحد جهود وطاقات القوى التي كانت او لا زالت تنطلق من ارضية فكرية وتنظيمية واحدة. وتكون في الوقت نفسه مصدرا لتعزيز وتصليب الوحدة الوطنية وتعميق رسوخ الديمقراطية في العلاقات الفلسطينية الداخلية ودون ان يقود ذلك الى خلق محاور تكتلات تكون مصدرا للنزاعات الفكرية او سواها. وفي هذا السياق لعل من المفيد القول ان فشل المركزية الديمقراطية (رأي خاص) كمبدأ تنظيمي، كما ثبت من تجارب العديد من الاحزاب الشيوعية والماركسية اللينية الاخرى عربية واممية، ولاسباب لا مجال لسردها او مناقشتها في هذا المقال، يفرض بالضرورة على القوى (اليسار الفلسطيني) التي كانت او لا زالت تعتمد هذا المبدأ اعادة النظر فيه. والبحث بصورة جدية ومعمقة (جماعية او افرادية) عن ايجاد مفاهيم وأسس تنظيمية جديدة تكون قادرة على بناء علاقات ديمقراطية حقيقية داخل التنظيم، وخاصة في مجال صنع القرارات الاساسية وعلى صعيد علاقة هيئاته القيادية المركزية بالهيئات القاعدية والوسيطة. وعلاقة التنظيم مع اطره الديمقراطية الملتفة حول برنامجه وخطه السياسي. وان تكون ايضا قادرة على استقطاب كل الاتجاهات والقوى الديمقراطية الموجودة في صفوف الشعب وتستجيب لتطلعاتها نحو الديمقراطية. وتأخذ بعين الاعتبار طبيعة مرحلة التحرر الوطني التي يمر بها النضال الفلسطيني ومتطلبات تحشيد القوى في مواجهة الاحتلال والحصول على الاستقلال.
واذا كان تقدم قيادة الجبهة الشعبية بهذه الخطوة الصحيحة والمسؤولة وطنيا، لا يعفيهم من مسؤولياتهم ازاء متابعتها، ومتابعة ما يجب ان يبنى عليها على المستوى الوطني من حقوق وواجبات داخل الانتفاضة، وداخل المنظمة، وفي مراقبة مسار المفاوضات، فانني اعتقد أن مسؤولية وطنية كبرى القتها هذه الخطوة على عاتق القوى الوطنية الفلسطينية عامة، وقوى (اليسار) بصورة خاصة. وهذه المسؤولية تفرض بالحد الادنى ملاقاتها بخطوات مماثلة ان لم يكن بخطوتين باتجاه البحث عن القواس المشتركة، وتوسيع مساحات العمل المنسق او الموحد. بل ستتمكن هذه القوى من استثمار هذه الافاق الجديدة والانطلاق نحو تعزيز الديمقراطية الفلسطينية وتطويرها؟ أم ان بعضا من الارث الفكري والتنظيمي، والعصبوية الفصائلية تثقل أجسامها لدرجة تعرقل حركتها بهذا الاتجاه، وترغمها على المراوحة في ذات الزمان والمكان؟ سؤال ينتظر الجواب.
تونس