معالجة السلبيات ودحرها ممكن والعبرة في التنفيذ

بقلم ممدوح نوفل في 27/05/1992

عين على الانتفاضة وعين على مؤتمر السلام

(3)
ان التدقيق في نتائج تشخيص الظواهر المرضية والممارسات الخاطئة، كما وردت في المقالين السابقين يبين لنا أن الأمراض التي تعانيها الانتفاضة ليست من النوع الذي يستعصي على الحل. وأن أسس ومقومات العلاج لا زالت متوفرة. ولأنها أخطاء من فعل الذات (الفصائل)، فلربما كان اعتراف الفصائل بالمسؤولية الجماعية عنها مدخلا يقنع الشعب بجدية التوجه نحو المعالجة الحاسمة، ويدفعها نحو المشاركة في تقرير الحلول وفي تنفيذها. وتخطىء الفصائل او القيادة الوطنية الموحدة ان هي اعتقدت ان بامكانها وحدها من خلال البيانات، او بضع قرارات تصدرها التغلب على هذه الظواهر السلبية، فقد بلغت الامراض حدا بات يتطلب ان تستعين الفصائل بالجماهير على الذات التنظيمية.
وما يجري الان في بعض التجمعات، وخاصة في القطاع، من مؤتمرات وندوات شعبية موسعة لمناقشة أوضاع الانتفاضة وكل الظواهر الخاطئة التي تعانيها الجماهير فرصة تاريخية تفتح للفصائل مجالا للاعتراف بأخطائها والانطلاق من هذا الاعتراف ومن خلال هذه المؤتمرات نحول الحلول الناجعة. ولا أظن أن بامكان الفصائل منفردة او مجتمعة وضع حلول أفضل وأكثر عملية من القرارات والتوجهات التي تخرج بها هذه الاجتماعات والمهرجانات الشعبية الواسعة. لأنها تنبع من معاناة صميمية وحرص اكيد على المكانة القيادية للمنظمة. ولعل من الضروري ان تدرك الفصائل مسبقا ومن الان انها قد تجد العديد من كوادرها وعناصرها الحزبية المناضلة والمخلصة حقا، تنظر بريبة وشك الى مثل هذه الاجتماعات الشعبية ولنتائجها. وقد يعتبرها البعض مسا وقدحا وذما بالتنظيمات المناضلة. ولا يستبعد أن يمضي البعض منهم (ببراءة) الى ما هو ابعد من الريبة والشك في النظر الى هذه الاجتماعات وفي التعامل مع نتائجها. فظواهر الهيمنة الفصائلية، والتشبع بالعصبوية التنظيمية، قد تدفع بالعديد من كوادر الفصائل الى المقاومة والتصادم مع نتائج هذه الاجتماعات. ان واجب قاوم، وقيادات كل الفصائل المبادرة فورا الى اغلاق الباب امام مثل هذا الاحتكاك او التصادم المحتمل بين الهيمنة الفصائلية والعصبوية الحزبية وبين تطلعات الجماهير ورغباتها في مكافحة والخلاص من كل الظواهر الخاطئة التي تؤذيها وتلحق الضرر بمصالحها، وتنغص لها حياتها ومعيشتها اليومية. ان نقد وتشريح السلبيات في المؤتمرات الشعبية وادانتها لسلوك الملثمين وللاعدامات والاعتقالات والتحقيقات الكيفية ليس تجريحا بالفصائل كأطر مناضلة بقدر ما هي نقدا واستنكارا للمارسات الخاطئة سواء جاءت من افراد او مجموعات. ومنطلقها في هذه العملية هو الحرص على الانتفاضة، والحرص على تخليص الفصائل المناضلة من هذه السلبيات. وهي دعوة علنية وصريحة لكل الفصائل الى مراجعة ذاتية جرئية، ودعوتها الى تنظيف صفوفها من كل الزوائد التي علقت باجسامها والى السيطرة على أوضاعها. وأعتقد أن واجب قاوم والفصائل ليس فقط التجاوب مع هذه الدعوات، بل وايضا الانخراط في هذه الاجتماعات والتفاعل مع كل ما يطرح فيها من ملاحظات نقدية. وتوجيه أعضائها وأنصارها الى الالتزام الكامل بكل القرارات التي تصدر عنها. والمبادرة أيضا وبصورة خلاقة وديمقراطية الى توسيع هذه التحركات الشعبية ومدها الى كافة المدن والمخيمات الفلسطينية، والمساهمة في خلق الأداة القادرة على تنفيذ كل التوجهات والقرارات التي تصدر عن هذه المؤتمرات والاجتماعات الشعبية. واعتبارها قاعدة انطلاق لانجاز عددا من التوجهات والمهمات الوطنية على الصعيد الوطني العام وعلى صعيد اعادة بناء الأطر والهيئات القيادية لقاوم وللقضاء نهائيا على كل السلبيات والانتقال مع الانتفاضة نحو قفزة جديدة في مواجهة الاحتلال.
وأول هذه المهمات تصفية ذيول ونتائج السلبيات، وارساء أسس وطنية تضمن عدم الاطلال براسها من جديد، وتوحد الجهود والطاقات الوطنية في الانتفاضة وترسيها على قواعد سياسية وتنظيمية ثابتة. ولعل الاعلان في كل المؤتمرات الشعبية عن ميثاق شرف وطني ملزم لجميع الفصائل والشخصيات والمؤسسات الوطنية النقابية والاجتماعية والتنموية..الخ يوجد الارية لتعزيز الوحدة الوطنية الشاملة ويمنع تكرار التجاوزات وخاصة اذا تضمن تحريم الاعدامات والاعتقالات والتحقيقات الكيفية، والتعدي على ممتلكات المواطنين وحرياتهم الشخصية. وتحريم التلثم في وجه الجماهير مهما كانت الدوافع والمبررات. والتأكيد على تجنيب الانتفاضة كل آثار ونتائج الخلافات السياسية او التنظيمية، والالتزام بشعار الانتفاضة لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة. هذا الى جانب ابقاء المصلحة الوطنية العليا ومتطلبات مواجهة الاحتلال فوق كل الاعتبارات التنظيمية والفئوية والقبلية والعشائرية. وأن يتم كل ذلك تحت عنوان منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لكل الشعب الفلسطيني.
وثاني هذه المهام، خلق اداة الاشراف والرقابة على مدى الالتزام بتنفيذ هذا الميثاق، ومنحها الصلاحيات الوطنية الضرورية لوضع نتائج المؤتمرات الشعبية وبنود ميثاق الشرف موضع التطبيق، بما في ذلك صلاحيات التشهير بكل من يخرقها او يتطاول عليها. ولعل الطريق الأسلم لتشكيل مثل هذه الأدارة هي في انبثاقها مباشرة من المؤتمرات الشعبية وباسم اللجان الوطنية للدفاع عن ميثاق الشرف، او لجان ميثاق الشرف او اي اسم اخر يعبر عن مضمون عملها ومهماتها. ويمكن لهذه اللجان ان تتولى بصورة مؤقتة تنظيم شؤون حياة السكان تحت الاحتلال كبديل مؤقت للبلديات المعنية أو التي لا زالت بدون لجان بلدية شرعية. وان يجري التعامل معها بمثابة القيادة الوطنية الموحدة على مستوى المواقع والمدن والمخيمات. وان يستكمل بنائها على مستوى الالوية والمحافظات وعلى ذات الاسس الديمقراطية التي يجري تشكيلها على مستوى الاحياء والمدن والمخيمات.
اما ثالثها فهو استكمال هذه العملية الديمقراطية، بدمقرطة العلاقة داخل المؤسسات والاتحادات والاطر الشعبية والنقابية ودمقرطة علاقة الفصائل معها، باحترام استقلاليتها، واحترام أنظمتها ولوائحها الداخلية، والعمل على وتوحيد قطاعات الشعب وفئاته تحت لوائها. وانهاء كل اشكال الشرذمات والانقسامات فيها، والتي لا مبرر لها سوى اعلاء شأن الذات التنظيمية على حساب المصلحة الموحدة لجمهور كل قطاع من قطاعات الشعب، وعلى حساب الاطار الواحد الموحد والمعبر عن هذه المصالح. وفي هذا السياق فان فصائل وتنظيمات م.ت.ف مطالبة بالاعلان فورا عن توحيد كل أطرها النسوية والعمالية والطلابية بصورة فعلية ونهائية، وذات الشيء بالنسبة للمؤسسات والاطر الصحية والزراعية وسواها.
ورابع المهام المطلوبة، هو اعادة النظر في صيغة تشكيل القيادة الوطنية الموحدة واطرها، بما يؤمن انهاء تركيبتها الرباعية التي حولتها الى اطار تنسيقي معزول عن الجماهير، يخضع في حركته وصلته مع الشعب لأهواء ومواقف هذه الفصائل مجتمعة ومنفردة. ان تجديد ثقة الشعب وتعميق التفافه حول القيادة الوطنية الموحدة وتوجهاتها بات يتطلب توسيع قاوم وأطرها بما يكفل تمثيل كل القوى الوطنية وبما يساعد على حشد وتعبئة طاقات كل الشعب وليس فقط طاقات الفصائل والتنظيمات، وذلك بضم عددا من الشخصيات الوطنية المستقلة ذات الثقل الاجتماعي، وتشكيل مجلس موسع لقاوم، يكون بمثابة الهيئة التخطيطية والتوجيهية للقيادة الوطنية الموحدة.
اما خامس هذه المهام فهي العمل على تطوير النداء الدوري للقيادة الوطنية الموحدة بما يقربه من قضايا وهموم الجماهير، بحيث يتم تخليصه من طابعه الارادوي، ونفسه السلطوي. وان يتضمن بصورة منهجية ومبرمجة معالجة المسائل المباشرة التي يعانيها الشعب، وان تكون المهام المتضمنة فيه واقعية وقابلة للتنفيذ تنطلق أساسا من تفهم المزاج الجماهيري، ومن معرفة مباشرة لمدى استعداد الجماهير للتجاوب مع المهام المطروحة ومدى قدرتها على تنفيذها. و التباعد الزمني بين النداءات يخلق ولا شك فترة فراغ، ويبقي بعض القضايا الكبرى الطارئة بدون موقف وبدون علاج. ان تجاوز هذه المسألة امرا حيويا لبقاء القيادة الموحدة على صلة مع الشعب، ولاثبات حضورها الدائم مع الشعب في مواجهة الاحتلال. ولعل استكمال تشكيلات قاوم على مستوى المناطق والألوية، ومنحها صلاحيات معالجة القضايا الطارئة في مناطقها، يساعد على حل جزء من المسألة. كما وأن تثبيت ناطق رسمي باسم قاوم يعلق على التطورات والاحداث اليومية يعالج جزءا آخر منها، ولعل توجه النداء بصورة دورية لمخاطبة فئات معينة بمهام محددة، وترك تفصيل هذه المهام وتحديد آلية تنفيذها للهيئات القطاعية، يساعد في تفعيل دور كل قطاعات الشعب وفي تكريس الدور القيادي لهيئاتها، ويفسح المجال لاطلاق المبادرات الخلاقة والتي لا غنى عنها اذا ما أريد استعادة المشاركة الشعبية الواسعة في نضالات الانتفاضة. وبالتدقيق في هذه المهام يمكن القول انها ليست ضربا من المعجزات، وهي على كل حال اجتهاد في اطار التوجهات التي أقرها المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الأخيرة، وضمن نطاق توجيهات الهيئات المعنية عن متابعة شؤون الانتفاضة. واعتقد ان روح الوحدة المقرونة بالعزم التي أظهرتها الفصائل والشخصيات مؤخرا اتجاه تخليص الانتفاضة من السلبيات، كفيلة بالنهوض بهذه المهام، وبتحويلها الى برامج وخطوات عملية ملموسة على الارض خاصة وانها تتوافق الان مع حركة شعبية متدفقة تصب في ذات الاتجاه.
وقديما قالوا خطوة عملية واحدة خير من دزينة مقالات.

تونس