رسالة سياسية داخلية – التطورات والمهام
بقلم ممدوح نوفل في 25/07/1992
الى الجميع
على ضوء نتائج الانتخابات الاسرائيلية والتي أسفرت كما هو معروف عن سقوط حزب الليكود وفوز حزب العمل برئاسة رابين، شهد منطقة الشرق الاوسط سلسلة من النشاطات والتحركات السياسية المكثفة، تركزت كلها حول عملية السلام ومسارها اللاحق. حيث رأت كافة الاطراف المعنية بالصراع المباشرة وتلك المشاركة في مفاوضات السلام في نتائج الانتخابات وفي تشكيلة الحكومة الاسرائيلية الجديدة حدثا هاما، وتطورا نوعيا وضع المنطقة بصورة عامة وعملية السلام بصفة خاصة على أبواب مرحلة جديدة.
متابعة المواقف الرسمية والمعلنة لمختلف الأطراف تظهر بوضوح أن لكل طرف مفهومه ومنظوره الخاص لمدلولات هذا التطور ولنتائجه وتأثيراته المباشرة واللاحقة على أوضاع المنطقة وعلى مسار عملية السلام. ولهذا سارعت الادارة الامريكية وبعض الرئيسية الى التحرك على امل دفع حركة التطورات المحتملة في الاتجاهات التي تخدم مصالحها وأهدافها. وفي هذه الرسالة سوف نتناول 1) يزارة بيكر للمنطقة ولقائه مع الوفد الفلسطيني 2) واجتماعات القيادة الفلسطينية باعتبارهما حدثان مهمان يوضحان مواقف مختلف الاطراف والاتجاهات السياسية من التطورات التي تمر بها المنطقة وقد يكون لهما تأثيرات مباشرة على نضال شعبنا في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة.
أولا – زيارة بيكر للمنطقة:
ـــــــــــــــــــــــــ
وجدت الادارة الامريكية في حكومة رابين فرصة ثمينة لدفع مسار عملية السلام التي أسستها ورعتها خطوات جديدة للامام، وذلك بهدف تسريع ترتيب اوضاع المنطقة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، وعلى أمل توظيفها في الانتخابات الرئاسية. مستندة في ذلك على العلاقة الخاصة القائمة راهنا بينها وبين حزب العمل عامة ورابين خاصة، وعلى رؤيتها للمصالح المشتركة الاسرائيلية-الامريكية التي تجمع الطرفين في الوقت والظرف الراهنين وايضا في المستقبل المنظور.
وعلى ضوء اعلان الوزير بيكر عن عزمه القيام بجولة جديدة في المنطقة، بادرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الى اجراء مشاورات مكثفة مع الوفد الفلسطيني، ومع بعض الدول العربية لتوحيد الموقف الفلسطيني وتنسيق الموقف الفلسطيني-العربي. وفي هذا الاطار وجهت ل.ت رسالة الدول العربية التي أعلن الوزير بيكر عزمه زيارتها، دعت فيها الاشقاء العرب الى دعم الموقف الفلسطيني ومطالبة الوزير بيكر:
أ- بالضغط على رابين وحكومته لوقف الاستيطان بكل أشكاله الامني والسياسي وفي كل الاراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس.
ب- مطالبة الادارة الامريكية بعدم تقديم ضمانات القروض للحكومة الاسرائيلية الجديدة الا بعد الالتزام الرسمي بوقف الاستيطان.
ج- مطالبة الادارة الامريكية بالايفاء بكل التزاماتها الواردة في رسالة التطمينات المقدمة للجانب الفلسطيني بما في ذلك انجاز المفاوضات حول المرحلة الانتقالية قبل 30 اكتوبر القادم.
د- مطالبة الوزير بيكر بالضغط على الحكومة الاسرائيلية بالالتزام بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي وخاصة القرار 242 و 338 خاصة وان رابين وحكومته تجاهلوا هذه القرارات، علما بأنها قاعدة الحل، والمنطلق الاساسي لمؤتمر السلام.
هـ- رفض الاطراف العربية لكل اساليب المناورة والمراوغة التي قد يتبعها رابين سواء أكان ذلك بهدف التهرب من الالتزام بمتطلبات السلام الحقيقي او محاولة تجزئة الحل، واللجوء الى حلول منفردة على هذه الجبهة او تلك من الجبهات العربية. وابلاغ بيكر رفض الاطراف العربية لأي تقدم في المباحثات المتعددة الاطراف وفي مجال تطبيع العلاقات العربية-الاسرائيلية قبل التوصل الى تقدم حقيقي في المفاوضات الثنائية.
وفي اطار التحضير للقاء الوفد الفلسطيني مع الوزير بيكر، قررت اللجنة التنفيذية أن يقوم بهذه المهمة الأخوة: فيصل الحسيني، د. حيدر عبد الشافي، وحنان عشراوي وسامي الكيلاني وغسان الخطيب. وكلفتهم بتقديم مذكرة رسمية تضمنت النقاط الاساسية التالية:
– اعتبار وقف الاستيطان بكل انواعه وفي كل الاراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس شرطا ضروريا لتحقيق اي تقدم حقيقي في المفاوضات القادمة. واعتبار حديث رابين عن استيطان امني وآخر سياسي مؤشر على عدم جدية رابين وحكومته في الدخول في مفاوضات حقيقية توصل الى نتائج جوهرية ملموسة.
– ضرورة التزام الادارة الامريكية بموقفها المعلن من مسالة ربط تقديم ضمانات القروض بالوقف الشامل للاستيطان في كل الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67 بما في ذلك القدس. واعتبار أي تراجع من قبل الادارة الامريكية عن موقفها هذا مساس بمصداقيتها وبدورها كراعي امين للمفاوضات. ومثل هذا الموقف سيكون له انعكاساته على مسار عملية السلام برمتها خلال المرحلة المقبلة.
– مطالبة الادارة الامريكية باعادة حوارها مع م.ت.ف وذلك لخدمة تقدم عملية السلام، ولأن مبررات تعليقها زالت تماما.
– حرص الجانب الفلسطيني على دخول مفاوضات متواصلة وانهاء صيغة الجولات المتباعدة بهدف الوصول الى اتفاق حول نقل السلطة قبل 30 اكتوبر القادم ووفقا لصيغة الدعوة الى مؤتمر السلام. واستعداد الطرف الفلسطيني لاستئناف المفاوضات فورا.
– ضرورة الضغط على الحكومة الاسرائيلية للقيام بخطوات عملية كاجراء ضروري لبناء الثقة ولاظهار مصداقية وجدية الحكومة الاسرائيلية في تنفيذ بعض توجهاتها المعلنة.
– ضرورة الضغط على حكومة رابين لتسهيل اجراء انتخاب مجلس تشريعي فلسطيني تنبثق عنه سلطة تنفيذية انتقالية وان يتم ذلك قبل 30 اكتوبر القادم وفقا لصيغة الدعوة ورسالة التطمينات الامريكية. وان تتم هذه العملية باشراف دولي وبعد انسحاب القوات الاسرائيلية الى مواقع يتفق عليها في المفاوضات.
– تطوير أسس المشاركة الفلسطينية في المفاوضات الثنائية والمتعددة الاطراف بحيث يضم الوفد الفلسطيني ممثلين عن الداخل والخارج والقدس.
وفي ضوء النقاش الجدي والمسؤول الذي اجراه الوفد الفلسطيني مع الوزير بيكر اتضح الموقف الامريكي على النحو التالي:
ترى الادارة الامريكية في فوز رابين تطورا نوعيا، وانتصارا لها في صراعها ضد سياسة شامير وتعنته. وظهر بوضوح حرصها على تجميل صورة الحكومة الاسرائيلية الجديدة وتجميل مواقف رابين. حيث استرسل الوزير بيكر في اظهار الايجابيات. وفهم من كلامه بأن الادارة الامريكية معنية بدعم رابين وانجاح برنامج وتعزيز مواقعه على الصعيد الداخلي الاسرائيلي. وأنها راضية عن التصريحات التي صدرت عنه.
ترى الادارة الامريكية ان مواقف رابين المعلنة والمبلغة للوزير بيكر كافية لايجاد ارضية جيدة لتحقيق تقدم جدي في المفاوضات والوصول الى اتفاقات ملموسة وخاصة فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية من خلال المسار الفلسطيني الاسرائيلي ووفقا لرسائل الدعوة. وظهر بوضوح حرص الادارة الامريكية على الوصول الى اتفاق حول الموضوع قبل 30 اكتوبر القادم، أي قبل الانتخابات الامريكية. وان الادارة الامريكية باتت تنظر للتقدم في صنع السلام في الشرق الاوسط كورقة أساسية لتحسين مواقع الرئيس بوش في الانتخابات الرئاسية. فقد شدد بيكر على ضرورة الوصول الى اتفاق وشدد على ضرورة ان يكون الجانب الفلسطيني جاهزا لذلك. وفي سياق استثمار ورقة الشرق الاوسط في الانتخابات الرئاسية الامريكية عرض الوزير بيكر امكانية عقد الجولة القادمة في واشنطن وأن يتم ذلك في بداية آب القادم.
من خلال النقاش ظهر للوفد الفلسطيني ان الادارة الامريكية باتت تتبنى بعض المواقف القريبة من مواقف رابين في عدد من المسائل الجوهرية، منها على سبيل المثال محاولة التوفيق بين تقديم ضمانات القروض لاستيعاب المهاجرين الجدد ومسألة وقف الاستيطان. وكذلك ف يالموقف من مسألة انتخابات السلطة الانتقالية الفلسطينية، حيث رفض أن تكون انتخابات تشريعية.
– شدد على ضرورة التحضير لاجراء الانتخابات، وأن تكون تمثيلية وواسعة وليس بلدية. وطالب الوفد الفلطسيني ان يتم التركيز على سلطات وصلاحيات السلة دون تسميتها تشريعية. اما مصدر سلطات السلطة الانتقالية وحق التشريع ونطاق سلطات الحكم الانتقالي فقد ابقاه موضع تفاوض بين الاطراف. ورغم ان بيكر طرح مواقفه بصورة شبه محايدة، ولم يسقط امكانية ممارسة بعض الضغط الامريكي على الجانب الاسرائيلي الا انه لم يخف بأن الجانب الفلسطيني سيتعرض هو الاخر لضغط أمريكي، ومن سياق كلامه ظهر أن ضغطه على الجانب الفلسطيني سيكون أكبر وأشد من ضغطه على الجانب الاسرائيلي جاء ذلك في سياق تحذيره للجانب الفلسطيني من التصادم مع الادارة الامريكية في اكثر من قضية خلافية ومن ضمنها مسألة ضمانات القروض التي ستقدم لحكومة رابين.
– وأظهر النقاش رغبة الادارة الامريكية في فتح قنوات اتصال مباشر بين الوفد الفلسطيني والحكومة الحكومة الاسرائيلية لمعالجة ليس فقط بعض القضايا الادارية المتعلقة بوضع الوفد وحركته بل وأيضا لبحث قضايا اساسية تتعلق باجراءات بناء الثقة. ففي معرض رده على ضرورة ممارسة ضغط امريكي على حكومة رابين للالتزام بنصوص اتفاقيات جنيف الرابعة، بوقف الاعتقال الاداري، ووقف الابعاد، وازالة معسكر انصار، واطلاق سراح الموقوفين والمسجونين..الخ قال بامكانكم معالجة هذه الامور بالصلة المباشرة مع الوزراء في حكومة رابين والذين تربطكم بهم علاقات قديمة وطيبة.
– شدد الوزير بيكر على ضرورة الالتزام بأسس الدعوة الى مؤتمر مدريد، وأغلق الباب أمام امكانية احداث تغييرات اساسية عليها في مفاوضات المرحلة الانتقالية. لكنه لم يغلق الباب امام ذلك عند بدء مفاوضات الحل النهائي.
– من سياق النقاش ظهر حرص الادارة الامريكية على الابقاء على المفاوضات الثنائية الاردنية-الاسرائيلية والسورية-الاسرائيلية واللبنانية-الاسرائيلية تسير في مجراها الطبيعي خلال فترة البحث عن اتفاق فلسطيني-اسرائيلي حول المرحلة الانتقالية. وفهم ان الوزير بيكر يحمل من رابين أوراقا تكفي لطمئنة سوريا حول الحل على الجبهة السورية الاسرائيلية. وأنها تؤسس لتحقيق خطوة ما ثنائية سورية اسرائيلية خلال ذات الفترة. وهذا يدفعنا للقول أن الادارة الامريكية تراهن على حصان رابين لكسب ورقة التقدم في عملية السلام على اكثر من محور تفاوضي لتوظيفها مجتمعة في انتخابات الرئاسة، وللتسريع في اعادة ترتيب اوضاع المنطقة وفقا لمصالحها واستراتيجيتها الجديدة. أما بشأن زيارة الوزير بيكر لكل من اسرائيل ومصر وسوريا والاردن والسعودية فالواضح من حديثه مع الوفد الفلسطيني ومن التصريحات العلنية التي أطلقها في هذه الدول ومن بعض المعلومات الأولية أن الوزير الامريكي كرر مواقف بلاده بشأن نتائج الانتخابات الاسرائيلية والتي طرحها مع الوفد الفلسطيني كما كرر ذات الموقف بشأن ضرورة تحقيق تقدم جدي في عملية السلام. وتناولت محادثاته في هذه الدول دور كل منها في المفاوضات المقبلة وحاول تسويق مواقف رابين وتزيينها.
ثانيا – تحركات ونشاطات سياسية أخرى:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ) يزارة رابين للقاهرة:
قبل وصوله الى المنطقة، وفي اطار انجاح مهمته شجع الوزير بيكر حكومة مصر على لعب دور أكثر في عملية السلام وعلى القيام بمهمة تقريب وجهات النظر الاسرائيلية العربية. وتفحص مع الاسرائيليين والمصريين اتفاقيات كامب ديفيد وكيفية الاستفادة منها لاختصار الزمن للوصول الى اطار اتفاق حول المرحلة الانتقالية وقيام سلطة فلسطينية انتقالية.
هذا ومن الواضح أن الادارة الامريكية شجعت الحكومة المصرية ايضا على تقديم الاسناد المعنوي الممكن لحكومة رابين، وشجعت رابين على اعطاء مصر دورا أكبر في المفاوضات الثنائية والمتعددة الاطراف. وفي هذا السياق استقبلت القاهرة رابين في زيارة قصيرة, ومن المتوقع أن يقوم الرئيس حسني مبارك بزيارة اسرائيل خلال الفترة القريبة المقبلة. ويمكن القول أن الظروف باتت شبه مهيأة أمام مصر للقيام بدور أكبر في المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية القادمة وشبه مهيأة لتلعب دور الوسيط بين اسرائيل والاطراف العربية المشاركة في عملية السلام. وفي ضوء ذلك يمكن القول أن العلاقة المصرية الاسرائيلية قد تشهد انتعاشا يوظف في خدمة مصالح الطرفين. وان بامكان الطرف الفلسطيني الاستفادة من هذا الانتعاش ومن الدور المصري الجديد اذا ما أحسن التنسيق بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة المصرية. وأحسنت مصر توظيف علاقاتها وطاقاتها في خدمة الموقف التفاوضي الفلسطيني.
ب) لقاء الملك حسين بالرئيس الأسد:
في اطار التحركات التي شهدتها المنطقة بعد الانتخابات الاسرائيلية وعلى أبواب زيارة بيكر للمنطقة قام الملك حسين بزيارة خاطفة لدمشق وذلك بهدف تنسيق المواقف وتبادل وجهات النظر ويمكن القول أيضا أن هذه الزيارة تقع ضمن اطار ازالة بقايا التشنج الذي حصل في علاقة البلدين خلال حرب الخليج. ويجد البلدان في الوقت الراهن مصلحة مشتركة في تنسيق مواقفهما ازاء الاستحقاقات المقبلة لا سيما وأن دول الخليج لم توف بالتزاماتها تجاه سوريا التي وعدت بها في ضوء مشاركتها في تلك الحرب.
ج) الاجتماعي الوزاري الخماسي:
في اطار سعيها لتوحيد وتنسيق الموقف العربي، بادرت م.ت.ف قبل الانتخابات الاسرائيلية لاجراء سلسلة من الاتصالات مع العديد من الدول العربية لتأمين اجتماع عربي سباعي يضم ممثلين عن الاطراف العربية المشاركة في عملية السلام (السعودية، المغرب، مصر، سوريا، الاردن، لبنان) بهدف دراسة التطورات السياسية ومستقبل عملية السلام في ضوء نتائج الانتخابات الاسرائيلية. وفي هذا السياق وجه الأخ ابو عمار رئيس اللجنة التنفيذية رسالة للملك فهد، ولقيت جهود المنظمة ترحيبا من جميع الاطراف وحدد الموعد للاجتماع يوم 24 تموز.
الا أن م.ت.ف فوجئت بتراجع السعودية وتلاه تراجع المغرب عن حضور الاجتماع. وبهذا تحول من سباعي الى خماسي. وتحضيرا له شكلت م.ت.ف وفدها وحرصت أن يضم الاخوة فيصل الحسيني ود. حيدر عبد الشافي وصائب عريقات وان تعلن ذلك بصورة رسمية وذلك بهدف ابراز وحدة الداخل والخارج وابراز العلاقة العضوية الرابطة للوفد الفلسطيني في مفاوضات السلام مع قيادته الشرعية.
هذا وقد توجه الوفد الفلسطيني الموحد الى عمان وهو يحمل معه ورقة واحدة أعدتها وأقرتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. تطالب الدولا لمجتمعة العمل على ايجاد اطار عمل دائم يجمع الدول العربية المشاركة في عملية السلام (سباعي). وتدعوها الى توحيد استراتيجيتها وتكتيكاتها التفاوضية، والى التمسك بربط أي تقدم في المتعدد الأطراف بالتقدم في المباحثات الثنائية. وتطالبها بمواصلة الضغط على الادارة الامريكية لارغام اسرائيل على وقف الاستيطان في كل الاراضي العربية المحتلة وخاصة مدينة القدس واعتبار ذلك شرطا أساسيا لتحقيق اي تقدم في المفاوضات. كما تطالبها بدعم واسناد الموقف الفلسطيني في المفاوضات حول المرحلة الانتقالية. وذلك بعدم التقدم في المفاوضات العربية الا بعد انجاز المرحلة الانتقالية على الجبهة الفلسطينية أي بعد قيام سلطة انتقالية فلسطينية تؤسس لدولة مستقلة. وبعد الوصول الى اتفاق حول المرحلة الانتقالية يؤسس لمفاوضات جدية للمرحلة النهائية. أي اتفاق يؤمن الترابط بين المرحلتين.
ثالثا – اجتماعات القيادة الفلسطينية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على ضوء نتائج الانتابات الاسرائيلية، وما نشأ عنها من مواقف ومن تحركات سياسية، وعلى أبواب الجولة الجديدة للمفاوضات، وعلى ضوء المصادمات التي وقعت في قطاع غزة بين حركة فتح وحركة حماس، ارتأت اللجنة التنفيذية ضرورة دعوة القيادة الفلسطينية لاجتماع يبحث في كل هذه الاحداث والتطورات، وفي انعكاساتها على القضية الوطنية الفلسطينية ونضال شعبنا من أجل الحرية والاستقلال وعلى امتداد أيام 21 و 22 و 23 تموز تناول المجتمعون المواضيع المدرجة على جدول الاعمال وصدر عن الاجتماع بيان سياسي (مرفق) وأقر الاجتماع التوجهات الاساسية التالية:
أ) الوضع في الاراضي المحتلة:
بحث المجتمعون في الوضع داخل الاراضي المحتلة وتركز النقاش حول، الاشتباكات مع حماس، أحداث جامعة النجاح، الانتفاضة، المؤسسات الوطنية في الداخل. وتوصل المجتمعون الى ما يلي:
– اعتبار ما جرى في قطاع غزة ظاهرة خطيرة في مسيرة النضال الفلسطيني. تلحق اذى واضرارا فادحة بالوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال وبمسيرة الانتفاضة.
– اعتبر المجتمعون ان الاشتباكات وقعت على خلفية سياسية، تتعلق بمشاركة م.ت.ف في عملية السلام ومقاطعة حركة حماس لها. وكذلك رفض حماس الاقرار بالمنظمة كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وطرحها لذاتها كبديل للمنظمة، ومحاولتها فرض نفوذها وسلطتها على الشارع الفلسطيني، خاصة بعدما ارتفعت وتيرة الحديث عن اجراء انتخابات سياسية في الضفة والقطاع والقدس. ورأى المجتمعون في لجوء حماس للسلاح في حل الخلافات يمس بالقيم الفلسطينية ويهدد مستقبل العلاقات الديمقراطية التي تكرست كأساس لتنظيم الاوضاع الفلسطينية الداخلية.
– أكد الاجتماع ضرورة العمل على منع تكرار ما حصل، وتعطيل تمدده للمناطق الأخرى، وأقر تشكيل لجنة من كل قوى المنظمة للتحاور مع حماس باسم م.ت.ف ودعوتها للانضواء تحت رايات المنظمة الممثل الشرعي
ــــــــــــــــــــــــــ
(*) صيغة القيادة الفلسطينية، صيغة تنظيمية قديمة. قراراتها غير ملزمة. تضم عادة أعضاء اللجنة التنفيذية+هيئة رئاسة المجلس الوطني+ عدد محدود من قيادة كل فصيل من الفصائل المنضوية تحت راية م.ت.ف. مثل الجبهة في هذا الاجتماع الرفاق ياسر عبد ربه، صالح رأفت، ممدوح نوفل. وشاركت الجبهة الشعبية كالعادة في هذا الاجتماع فتعليق عضويتها يقتصر على اللجنة التنفيذية ولا يشمل الهيئات القيادية الاخرى.
(**) التوجهات والقرارات لم تؤخذ كلها بالاجماع، وهذا ما سنوضحه في الاستخلاصات الواردة لاحقا.
والوحيد لشعبنا والانخراط في كل مؤسساتها وفي كل أطر الانتفاضة. واعتبر الاجتماع رفض حماس لهذا التوجه خروجا على الاجماع الفلسطيني ويلحق اذى بالقضية الوطنية. كما كلفت اللجنة باجراء الاتصالات اللازمة مع قيادات حركة الاخوان المسلمني في عدد من البلدان العربية للغرض ذاته. وذلك باعتبار حركة حماس جزء تابع لحركة الاخوان المسلمين.
– حيا الاجتماع صمود طلبة جامعة النجاح في مواجهة الاعمال الفاشية والارهابية لجيش الاحتلال. ورأى في الموقف الموحد الذي تجلى في صفوف طلبة جامعة النجاح رغم التباين السياسي مثلا يحتذى به في مقاومة الاحتلال.
– اعتبر الاجتماع أن الاخوة الذين وافقوا على ابعاد ستة من الطلبة المناضلين، وقعوا في خطأ خاصة وأن حركة الادانة والاستنكار للموقف الاسرائيلي كانت آخذة في التصاعد. وأن بيكر في طريقه للمنطقة.
– توفير الحماية السياسية للانتفاضة، والعمل على تمكينها من التخلص من كل السلبيات التي برزت في مسيرتها وضمان تواصلها طالما هناك احتلال للارض الفلسطينية. والعمل على توجيه نضالاتها بما يعزز من الدور السياسي الفلسطيني في مختلف المجالات الدولية.
– شدد المجتمعون على ضرورة انتظام أعمال الهيئات الوطنية المعنية بشؤون الانتفاضة (لجنة عليا، لجنة فرعية) وتعزيز وتطوير دور القيادة الوطنية الموحدة بتوسيع صفوفها لتشمل الفصائل العاملة في اطار المنظمة وعددا من الشخصيات الوطنية ذات الثقل الاجتماعي لتخليصها من اسلوب العمل القائم على اساس التوافق بين الاطراف الاربعة المشكلة لها.
– أكد الاجتماع ضرورة تركيز الجهود باتجاه استكمال بناء المؤسسات الوطنية التي لم تستكمل بعد وان يتم ذلك على اسس جبهوية وديمقراطية. وتفعيل دور كل المؤسسات في مواجهة الاحتلال وفي اقامة المرتكزات الوطنية البديلة لتلك التي يستند عليها جيش الاحتلال وادارته المدنية. وشدد المجتمعون على أهمية استثمار كل اشكال الدعم والاسناد المقدم في بناء البنية الاقتصادية للسلطة الفلسطينية القادمة. ووقف كل ما يتعارض مع ذلك.
ب) الانتخابات الاسرائيلية ومفاوضات السلام:
استعرض الاجتماع مدلولات ونتائج الانتخابات الاسرائيلية وتفاعلاتها المحتملة على المفاوضات الثنائية والمتعددة الاطراف. وكذلك نتائج لقاء الوزير بيكر مع الوفد الفلسطيني، وما رشح عن زيارته للمنطقة ولقاءاته التي عقدها في . واستمع المجتمعون لعرض قدمه رئيس اللجنة التنفيذية عن نشاطات اللجنة واتصالاتها العربية وتحضيراتها للاجتماع الخماس العربي. وكذلك حول موضوع سحب الاسلحة الخفيفة في لبنان وفقا لنصوص اتفاق الطائف. وتوصل الاجتماع الى الاستنتاجات والتوجهات الاساسية التالية:
– سقوط الليكود والقوى اليمينية المتطرفة، ونجاح حزب العمل وتقدم قوى اليسار تعبير عن ميل قطاعات جديدة من الشعب الاسرائيلي نحو السلام. واقتناعها ان بالامكان تحقيق الامن من خلال السلام. وان ارض اسرائيل الكبرى حلم غير قابل للتحقيق.
– ان الانتفاضة وتواصلها ما يقارب الخمس سنوات وعجز حكومة الليكود عن اخمادها، وترافق حركتها النضالية مع الخط السياسي الواقعي الذي انتهجته م.ت.ف منذ اطلاقها مبادرة السلام الفلطسينية والذي تجسد لاحقا في المشاركة في عملية السلام كان لها اسهاما في تعزيز هذا التحول داخل المجتمع الاسرائيلي، وتعزيز مواقع اليسار وتوسيع القاعدة الاجتماعية الاسرائيلية المؤمنة بامكانية التعايش في اطار دولتين لشعبين على أرض فلسطين. وبالمرونة التكتيكية في المفاوضات وبالخطاب السياسي الواقعي ساهمت م.ت.ف في وضع شامير والليكود وفي موقع المتصادم مع الادارة الامريكية (ميل وحامي وجود اسرائيل) وحرمان اسرائيل من بعض أشكال الدعم الاقتصادي وخاصة ضمانات القروض. وبالتالي اشعار المواطن الاسرائيلي بأن حكم الليكود من جديد لا يؤمن الحل المطلوب لمشاكله السياسية والاقتصادية والامنية.
– تقف المفاوضات الان على ابواب مرحلة جديدية تحميل في طياتها مخاطر جدية، وتتضمن بذات الوقت امكانات فعلية لانتزاع شعبنا جزء من أهدافه المرحلة. ان تلاقي رغبة الادارة الامريكية في الوصول الى نتائج ملموسة قبل الانتخابات الامريكية مع الاستعداد الاسرائيلي العالي للتكيف مع السياسة الامريكية يجعل الشهور الاربع القادمة حاسمة في مسيرة المفاوضات ومؤثرة بنتائجها على مستقبل القضية الفلسطينية. ان دخول حل نزاع الشرق الاوسط كورقة اساسية في الانتخابات الامريكية عامل ايجابي من جهة حيث يسرع المفاوضات، الا أنه يحمل في طاته مخاطر تعرض المفاوض الفلسطيني الى ضغوط امريكية حقيقية.
– ثبت الاجتماع ان مقياس الحكم على صدق نوايا حكومة رابين في السلام هو الافعال والممارسات الملموسة على الارض وليس التصريحات التي تطلق للاستهلاك على اكثر من صعيد. وفي هذا السياق اعتبر المجتمعون حديث رابين عن الاستيطان الامني والاستيطان السياسي، وتجاهله الحديث عن قرار 242 و 338 والانسحاب مؤشرات سلبية تمس مصداقية الحكومة الاسرائيلية الجديدة وتشكك في جديتها في تسريع المفاوضات وانجاز المرحلة الانتقالية على الجبهة الفلسطينية.
– في ضوء المواقف المعلنة لرابين حول اجراء انتخابات فلسطينية في الضفة والقطاع والقدس وتوفر مناخا دوليا يدعم فكرة الانتخابات فقد رأى المجتمعون ان هناك فرصة كبيرة متاحة الان للضغط على اسرائيل وانتزاع حق شعبنا في الضفة والقطاع والقدس في اجراء انتخابات تشريعية. وفي سياق الضغط والتحضير العملي قرر الاجتماع: أ) الاسراع في انجاز الصيغة النهائية لقانون الانتخابات الفلسطينية. ب) تشكيل لجنة وطنية فلسطينية لمتابعة كل الموضوع من مختلف جوانبه السياسية والادارية الفنية. ج) التمسك بحق شعبنا في انتخابات سياسية بحيث يتم انتخاب مجلس تشريعي ذو صلاحيات مرجعية الشعب الذي انتخبه، وان ينبثق عن هذا المجلس سلطة تنفيذية واعتبار المجلس التشريعي في الداخل جزء من المجلس الوطني الفلسطيني. د) التمسك على حق أبناء القدس في المشاركة في الترشيح والانتخاب ضمن مدينتهم، باعتبار القدس جزء لا يتجزأ من الارض الفلسطينية التي احتلت عام 67. ورفض صيغة الانتخابات الادارية التي يريدها رابين.
– كما أكد الاجتماع على ضرورة مواصلة التعاطي الايجابي مع عملية السلام، مع التمسك بالثوابت الفلطسينية، وبمشروع ال P.S.G.A والمشاريع الاخرى المتعلقة بحقوق الانسان الفلطسيني والاستيطان التي قدمها الوفد المفاوض في الجولات السابقة. ومطالبة الادارة الامريكية الالتزام بتعهداتها التي وردت في رسالة التطمينات وخاصة تلك المتعلقة منها بالقدس والاستيطان، والتوقيتات الزمنية المثبتة حول الاتفاق على المرحلة الانتقالية وعلى ترابط المراحل.
– وأكد الاجتماع على ضرورة تفعيل لجان المجلس الوطني بعدما أنجز تشكيلها وتشغيلها في خدمة الاهداف الفلسطينية المباشرة. وشدد المجتمعون على ضرورة استنفار الهيئات الفلسطينية المعنية بشؤون الوطن المحتل.
مواقف القوى في اجتماعات القيادة الفلسطينية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالرغم من كل التطورات السياسية، وملموسية الانجازات التي تحققت بفضل السياسة الواقعية التي انتهجتها قيادة م.ت.ف خلال الفترة الماضية. الا أن مناقشات القيادة الفلسطينية ثبتت تمترس الاطراف المعارضة للمشاركة في عملية السلام عند مواقفها ولهذا يمكن القول:
1) ان التوجهات والقرارات والمواقف التي جرى استعراضها في هذه الرسالة هي وجهة نظر الاغلبية ولا تعبر عن الاجماع. حيث التقت مواقف حركة فتح، والجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب وجبهة النضال مع اغلبية الاعضاء المستقلين في التحليل وفي الاستنتاجات. دون ان يعني ذلك عدم وجود بعض التباينات فيما بينها والتي لا ترقى الى مستوى يمس الاساسيات.
2) تعمدت قيادة حركة فتح اظهار وحدة في الموقف من كل القضايا التي تم بحثها في الاجتماع، نظرا لدقة المرحلة واحباط محاولة البعض استغلال التباينات الفتحاوية واستخدامها لاغراضه الخاصة كما فعل نايف بعد كل اجتماع من الاجتماعات الفلسطينية السابقة. حيث اصدر العديد من التصريحات والتعاميم حول الموضوع ضمن عملية خداع الذات.
3) كررت الجبهة الشعبية موقفها السياسي المعروف من العملية السياسية ومن المفاوضات، واتضح ان توجه الشعبية هو مقاطعة الانتخابات مقاطعة شاملة، ومعارضتها باعتبارها جزء من عملية السلام المرفوضة من قبلهم. وتبين ان للشعبية رؤيتها الخاصة بشأن نتائج الانتخابات الاسرائيلية وانها كانت تحبذ فوز شامير واليمين المتطرف. اما بشأن الموقف من حماس فلم تظهر اعتراضا على التحليل والاتجاه العام للنقاش ولم تعترض على تشكيل لجنة من م.ت.ف لمحاورة حماس. هذا وقد أكد الرفاق في الشعبية حرصهم على العمل المشترك في اطار الانتفاضة وتوحيد الجهود في مواجهة الاحتلال.
ان رفض الشعبية للانتخابات، ورفضها قيام سلطة فلسطينية انتقالية لا يستبعد ان يترجم لاحقا ومع تقدم المفاوضات في خطوات عملية سلبية من مسألة المشاركة في المؤسسات الفلسطينية التي لا زالت تشارك فيها.
4) أما بشأن موقف تنظيم حواتمة فلا مبالغة في القول انه حير الجميع، فقد تحدث حواتمة مع الموقف ونقيضه في آن واحد. وكلامه في تونس يتناقض مع تصريحاته في دمشق. يعتبر فوز العمل واليسار في الانتخابات الاسرائيلية خطوة ايجابية تفتح المجال لتحقيق انجازات ما لشعبنا ويعارض في الوقت ذاته المشاركة في المفاوضات. أما موقفه من مسألة الانتخابات الفلسطينية فلا أظن أن أيا من الاعضاء استطاع فهم موقفه. ولعل أخطر ما ورد في حديثه هو التحريض ضد قيادة الداخل وخاصة الاخوة الذين اشرفوا على احداث جامعة النجاح حيث اعتبرهم طامحون لتشكيل قيادة بديلة لقيادة منظمة التحرير. وان حزب العمل يشجع هذه الاتجاهات. ولم يستطع حواتمة اخفاء غبطته بتنامي قوة حماس ولم يتردد في استخدامها كمثال على معارضة عملية السلام.
مهماتنا على الصعيد الوطني
ـــــــــــــــــــــــــ
بعد هذا العرض للاحداث والتطورات السياسية التي تمر بها منطقتنا وقضيتنا الوطنية، وفي ضوء الملامح الاولية لمسار الاحدث ومواقف مختلف الاطراف في المستقبل القريب. لعل من البديهي القول ان الشهور القليلة قادمة حاسمة في تاريخ قضيتنا الوطنية. وهي حاسمة ايضا في رسم مستقبل كل تنظمي وكل فصيل من فصائل الثورة. وخلالها سوف يتقرر ايضا موقعه في اطار مسار نضال شعبنا في بناء دولته المستقلة. ومما لا شك فيه ان النهوض بالمهام الكبرى التي تحملها معها الاسابيع والشهور القليلة القادمة تتطلب توحيد جهود وطاقات شعبنا داخل وخارج الوطن المحتل وتركيزها في الاتجاهات الرئيسية وفقا لسلم الاولويات. وهذا يفرض بالضرورة على القوى الديمقراطية والواقعية المتحملة راهنا مسؤولية قيادة المرحلة ان تستنفر اعضائها وجمهورها، وصرف أكبر قدر من الجهد الذهني والعملي والميداني من أجل انجاز المهام الاساسية التالية:
1) حشد طاقات شعبنا خلف الخط السياسي الواقعي الذي بفضله فتحت الافاق امام شعبنا لتحقيق بعض اهدافه الوطنية وتبيان مخاطر السياسات العدمية والانتهازية على قضيتنا الوطنية. وفي هذا السياق فان جهدا رئيسيا لا بد من بذله لتوحيد جهود وطاقات القوى والشخصيات الوطنية المنتمية للاتجاه الواقعي الفلسطيني. وتنظيم عملها السياسي والجماهيري. وتقديم الدعم والاسناد والحماية السياسية والجماهيرية للوفد المفاوض.
2) تركيز الجهود باتجاه بناء المؤسسات الوطنية على أسس ديمقراية وتفعيل دورها في قيادة مختلف مناحي حياة شعبنا. وتطوير قدراتها القيادية الجماعية وتعزيز صلاتها وعلاقاتها مع مختلف قطاعات شعبنا وتأهيلها لتكون قادرة على النهوض بمهام العمل المطلوب منها راهنا في عملية البناء الجارية للاقتصاد الوطني الفلسطيني ولمؤسسات السلطة الفلسطينية البديلة عن سلطة الاحتلال.
3) ان احداث غزة التي وقعت على خلفية سياسية، تبين عمق التضعضع في بنيان الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومن الواضح ان تقدم المفاوضات في المرحلة القادمة قد يزيد من ضعف الوحدة الوطنية ويعرضها لهزات خطيرة. ان مسؤولية وطنية كبيرة تقع اليوم على عاتق القوى الديمقراطية في العمل من اجل صيانة هذه الوحدة، وبالحد الادنى منع انهيارها. وتعطيل كل خروج عن الاعراف والتقاليد الفلسطينية، ومنع اللجوء الى العنف والسلاح في حل الخلافات الداخلية. ولعل الاساس في النجاح في هذه المهمة الوطنية الكبرى يكمن في تعبئة الشعب بهذا الاتجاه وتوظيف طاقاته الكبيرة في منع اي طرف الخروج عن الديمقراطية الفلسطينية التي تصون حقوق جميع الاتجاهات والتيارات السياسية الفلسطينية.
4) بالرغم من كل التطورات السابقة واللاحقة تبقى الانتفاضة عاملا رئيسيا في قوة الموقف الفلسطيني. ان توفير الحماية السياسية، وضمان تواصلها خلال مسيرة المفاوضات وطالما هناك احتلال مسألة في غاية الاهمية للنضال الفلسطيني على كل جبهات الصراع مع الاعداء سواء أكان الصراع على طاولة المفاوضات او ضد حجيش الاحتلال وقطعان المستوطنين. ان انجاز هذه المهمة الوطنية بات يتطلب عملا جادا وملموسا يخلص الانتفاضة من سلبياتها ويعيد للقيادة الوطنية الموحدة مكانتها في صفوف الشعب. ان دمقرطة أطر ومؤسسات الانتفاضة وتطوير اسلوب عمل القيادة الوطني هو السبيل الصحيح لذلك.
5) ان حق شعبنا في اجراء انتخابات تشريعية حق طبيعي تكفله المواثيق والاعراف الدولية. وهو حق استطاع المفاوض الفلسطيني انتزاعه وتثبيته في وثائق مؤتمر السلام. ان حديث الحكومة الاسرائيلية الجديدة عن اجراء انتخابات فلسطينية يعزز حق الشعب الفلسطيني ومطالبته السابقة والحالية في اجراء هذه الانتخابات قبل 30 اكتوبر القادم.
وبغض النظر عن موقف الحكومة الاسرائيلية في جولات المفاوضات اللاحقة من مسألة الانتخابات وبغض النظر عن موقف الحكومة الامريكية ورغبتها في وصول المفاوضات الى نتائج ملموسة قبل الانتخابات الامريكية. فان من واجب القوى الوطني والديمقراطية الفلسطينية وخاصة المنخرطة في المفاوضات العمل على تجهيز الاوضاع الفلسطينية بصورة كاملة لانتزاع هذا الحق ولممارسته. وهذا يستدعي وضع خطط العمل التفصيلية اللازمة لضمان حشد طاقات الشعب في النضال لانتزاع هذا الحق الطبيعي وكذلك تحضيرها لممارسة هذا الحق بصورة ديمقراطية وحرة ونزيهة. وتفرض على القوى الوطنية والديمقراطية الملتزمة بقضايا الشعب التدقيق في أوضاعها الذاتية وفي علاقاتها مع الشعب وازالة كل ما يشوه هذه العلاقة تمهيدا لنيل ثقة الشعب في الانتخابات.