الخلاف حول مفهوم الديمقراطية يعطل دخول حماس للمنظمة

بقلم ممدوح نوفل في 11/01/1993

قبل الابعاد، وقبل اجتماعات السودان واجتماعات القيادة الفلسطينية التي عقدت في تونس في ديسمبر الماضي بمشاركة حركة حماس، كان الانطباع السائد في الأوساط السياسية الفلسطينية وغير الفلسطينية أن حركة حماس لا تريد الانخراط في مؤسسات م.ت.ف، ولا في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة. وأنها تسعى لتشكيل البديل، وبالحد الأدنى تشكيل اطار موازي للمنظمة ولامتدادها في الداخل. وكان التقدير أنها تجد في بقائها خارج هذه الأطر الجبهوية ما يعطيها حرية أوسع في الحركة السياسية وفي الميدان. بما في ذلك استثمار الأخطاء والنواقص والثغرات السياسية والتنظيمية، والمسلكية التي ترتكب وتُلصق باسم منظمة التحرير. وجاءت خطوة انضمام حركة حماس “لجبهة الرفض العشارية” وتسليط هذه الجبهة لنيرانها ضد منظمة التحرير ليكرس هذا الانطباع. ويعززه في ذهن المواطن العادي.
واذا كان من غير المفيد الآن التوقف مطولاً عند هذا الموضوع، أو التدقيق في مدى دقة وصحة هذه الانطباع فالضروري والمفيد وطنياً أن تبادر حركة حماس لمعالجة هذا الانطباع وازالة هذا التقدير أو بقاياهما وأسباب بروزهما خاصة بعدما أكد ممثلوها في اجتماعات القيادة الفلسطينية في تونس والسودان خطأه، ونفوا مضمونه. وطرحوا بشكل رسمي استعدادهم التام للانخراط في الأطر التشريعية والتنفيذية للمنظمة شريطة الاتفاق على:
1) الخط السياسي وخاصة الموقف من المشاركة في عملية السلام.
2) إعادة النظر في تركيبة المؤسسات التشريعية والتنفيذية بما يضمن عدالة في التمثيل مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي وقعت في السنوات الأخيرة على بنية الحركة الوطنية الفلسطينية.
3) فتح حوار وطني شامل يضم جميع القوى أي أطراف جبهة الرفض العشارية.
وبغض النظر اذا ما كان هذا الموقف جديداً أم قديماً، تكتيكياً أم ثابتاً، فانه ولا شك يرسي أساساً للبحث في تعزيز الوحدة الوطنية ويقدم مشروعاً جدياً يستحق النقاش.
وفي هذا السياق يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
أولا: لا أحد يستطيع أن ينكر حقيقة أن تبدلاً نوعياً وقع في السنوات الأخيرة على الوزن الشعبي والدور السياسي والكفاحي للفصائل والقوى الوطنية المنظمة، والقوى الاجتماعية الفلسطينية غير المنتمية للتنظيمات. فبعضها نما وصعد وبعضها الآخر تقلص وتراجع دوره. هذا الى جانب التغير النوعي الذي أحدثه انتقال ثقل الحركة الوطنية الفلسطينية لداخل الوطن. وبغض النظر عن التقديرات التي يمكن أن يعطيها هذا الطرف أو ذلك لحجم وثقل هذا الفصيل أو ذلك فإن الاتفاق أو التباين في التقديرات لا يلغي ضرورة إعادة النظر في النسب التمثيلية للقوى المُشكلة لمنظمة التحرير بما يعطي لكل ذي حقٍ حقه، بما في ذلك حق حركة حماس أن تدخل الأطر التشريعية والتنفيذية للمنظمة وأن تنال النسبة التي تستحقها. وفي هذا الاطار لعل من الضروري القول أن مسألة دخول حماس للمنظمة موضع إجماع الفصائل الأساسية المنضوية تحت لواء م.ت.ف. وأن كل ما يُنقل لقيادة حماس حول الاعتراض على دخولها من هذا الطرف أو ذاك يندرج تحت خانة الدس والافتراء. وهدفه تعطيل كل جهد وطني فلسطيني يصعب باتجاه تصليب وتعميق الوحدة الوطنية.
ثانيا: من حق حماس أن تعطي لنفسها الحجم والثقل الذي تراه، ومن حقها أيضاً أن تطرح نسبة التمثيل التي تراها عادلة. وطبيعي أن تحاول الحصول على أفضل صيغة ونسبة ممكنة لتمثيلها. الا أن من حق الآخرين أيضاً أن يُقيّموا، واجب وطني تقع مسؤوليته على كاهل الجميع والوصول الى قواسم مشتركة واقعية.
وأعتقد أن اعتماد الديمقراطية واعتماد مدلولات نتائج بعض العمليات الانتخابية التي تمت في العامين الأخيرين في صفوف ممثلي بعض القطاعات الشعبية الفلسطينية داخل وخارج الأرض المحتلة (طلاب، كتاب، مرأة، عمال، تجار، مهنيين..الخ) يساعد في تقريب التقديرات من بعضها البعض. وأن وضع المصالح الوطنية العليا للشعب، ومصلحة الجميع في الوحدة في مواجهة الاحتلال، فوق الاعتبارات التنظيمية يسهل الوصول الى اتفاق يرضي الجميع، ويقطع الطريق على كل الأطراف المعادية للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وعلى الذين حاولوا ولا زالوا يحاولون اللعب على التعارضات القائمة في الصف الوطني واستثمارها لأغراضهم السياسية أو التنظيمية الخاصة.
وتجدر الاشارة الى أن نسبة التمثيل ليست العقبة الوحيدة التي تحول دون انخراط حماس الآن وفوراً في الأطر التشريعية للمنظمة وخاصة المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، فهناك قضايا قانونية يحددها النظام الأساسي للمنظمة، واللائحة الداخلية للمجلس الوطني وهي تحتاج الى علاج. ولعل تركيز البحث الآن حول موقع ودور حماس في إطار القيادة الوطنية الموحدة، وفي القيادة الفلسطينية والمجلس المركزي ودوائر ومؤسسات م.ت.ف يساعد على تحقيق خطوات عملية ملموسة، ذات مردود نضالي ومعنوي كبير. ويتعزز هذا المردود أكثر فأكثر بايجاد صيغة مؤقتة للمشاركة في اجتماعات اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي وتمكين حركة حماس من المباشرة في المشاركة في صنع التوجه والقرار الفلسطيني المركزي.
ثالثاً: من حق قيادة حركة حماس أن تطرح مفهومها للوحدة الوطنية، وأن تطالب بحوار وطني شامل وبالصيغة التي تعتقد أنها تفيد. لكن من غير المفيد لا لحركة حماس، ولا للوحدة الوطنية أن تجعل الحوار بين قوى م.ت.ف وجبهة الرفض القديمة شرطاً لدخولها في أطر المنظمة. فهذا موضوع شائك عدا عن كونه لا ديمقراطياً. وجعله شرطاً يستوجب نبش جذور وأسباب بقاء بعض القوى خارج المنظمة، ويتطلب مراجعة للجهود والمحاولات التي بُذلت، والتدقيق في العوامل والدوافع التي حالت حتى الان دون حصول حوار بين قوى المنظمة والقوى الخارجة عنها بالرغم من الدعوات المتكررة التي وجهت لها سابقاً. ولا أعتقد أن قيادة حركة حماس تجهل أن الاصرار على هذا الشرط يرهن دخولها في أطر المنظمة بمواقف عربية، ويبقيه معلقاً ريثما تسوى الكثير من الاشكاليات المعقدة بين هذه الدول ومنظمة التحرير. وأعتقد أن مصلحة الوحدة الوطنية تفرض على حماس التدقيق في مواقف بعض القوى العشرة ولماذا لم ولا ترهن وجودها في إطار المنظمة بإجراء هذا الحوار الوطني الشامل!!.
رابعاً: تعطي التقاليد والأعراف الديمقراطية الفلسطيني لكل الفلسطينيين المنضوين تحت رايات م.ت.ف (فصائل وحركات، ومنظمات شعبية وشخصيات) الحق في التعبير العلني عن مواقفهم من الخط السياسي الذي تنتهجه م.ت.ف. ومن حق كل الذين خارجها أن يقولوا رأيهم. ومن حق حركة حماس أن يكون لها رأيها في السياسة الحالية لـ م.ت.ف، ومن حقها أن ترفض كل أو أجزاء من البرنامج المرحلي الذي أقره المجلس الوطني عام 74، وأن ترفض مبادرة السلام الفلسطينية التي أطلقها المجلس في عام 88، وأن ترفض مبادرة السلام الجارية جملة وتفصيلاً. وهي في مواقفها من هذه القضايا تتفق وتختلف مع أكثر من طرف فلسطيني داخل وخارج م.ت.ف. ولا نكشف سراً اذا قلنا أن قوى م.ت.ف ليست موحدة الموقف من عملية السلام، واذا قلنا أن أكثر من فصيل فلسطيني أساسي غير موحد على المستوى الذاتي من مسألة المشاركة في المفاوضات. فهذا أمر طبيعي ومقبول لا سيما وأن كل الفلسطينيين، معارضين ومؤيدين، يجمعون على أن الحلول التي تحملها عملية السلام الجارية لا تلبي الحقوق الوطنية والتاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني، وأن الاستحقاقات التي تحملها معها تستحق أن يختلف حولها وأن يجتهد الجميع في سبل التعاطي معها.
ومن قراءة مواقف حماس المعلنة، وبالتدقيق فيما طرحه ممثلوها في الاجتماعات الرسمية، يتبين أن القضية السياسية الأساسية التي تضغط عليها كشرط للدخول في مؤسسات المنظمة هي مسألة المشاركة في المفاوضات. أما المسائل السياسية الخلافية الأخرى من نوع البرنامج المرحلي، ومبادرة السلام الفلسطيني فهي ليست شروطاً ملزمة. واذا كانت هذه القراءة صحيحة (وأظن أنها كذلك) تكون حماس قد تساوت في موقفها مع مواقف القوى الأخرى المعارضة لعملية السلام. ولهذا فالنقاش في هذا الموضوع ينتقل الى مستوى آخر، ويصبح نقاشاً مع الاتجاه الفلسطيني (ككل) المعارض لعملية السلام. ومن حق كل فلسطيني أن يسأل قيادة حركة حماس عن أسباب ودوافع انخراطها في تحالف الفصائل العشرة؟. واذا كانت مهمة معارضة عملية السلام هي القاسم الوحيد المشترك بينها وبينهم، فكيف تجعل من وقف المشاركة في مفاوضات السلام شرطاً مسبقاً للدخول في المنظمة؟ ولم تجعل من قضايا الخلاف مع العشرة شروطاً مسبقة للتحالف معها؟. واذا كانت معارضة المفاوضات قاسماً مشتركاً رضيت به حماس للتحالف مع العشرة في مواجهة م.ت.ف، فلماذا لا تكون مقاومة الاحتلال والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في كل مكان وتكريس التمثيل والهوية الوطنية المستقلة قواسم مشتركة تجمعها مع الآخرين تحت رايات م.ت.ف؟. أليس من حقنا أن نستنتج أن هناك مكيالين يتم التكييل بهما في بناء التحالفات!! مكيال مع العشرة ومكيال مع م.ت.ف؟؟. ثم ألا يوجد ضمن الفصائل العشرة من لا زال مقتنعاً بضرورة العمل في إطار المنظمة وتحت رايتها رغم اعتراضه على عملية السلام؟ ومن هو ممسك بعضويته في اللجنة التنفيذية بيديه وأصابعه العشرة رغم تحريضه المتواصل ضد المنظمة وضد دخول حماس فيها الا بعد الاستجابة للشروط المسبقة التي يضغط على حماس لأن تتبناها!! ولا يتبناها هو ذاته!! من نوع وقف المفاوضات والانسحاب من عملية السلام.. والحوار الوطني الشامل..الخ.
بعد هذه الاسئلة والاستفسارات أعتقد أن من الضروري القول أن وضع مسألة وقف المشاركة في عملية السلام شرطاً مسبقاً للدخول في المنظمة يتعارض مع أبسط مباديء الديمقراطية، والأخذ به يحول م.ت.ف من إطاراً جبوياً يتسع لكل الآراء والاتجاهات الى شيء آخر لا نعرفه..! وهو في كل الاحوال لن يكون الا إطاراً ضيقاً يتسع فقط لأصحاب وجهة نظر واحدة محددة، أصحاب رأي واحد، ولن يجد أصحاب الرأي الآخر لهم مكاناً فيه.
ومن هذا كله يمكن الاستنتاج أن الخلاف مع حماس حول الموقف من المشاركة في عملية السلام خلاف جدي، لكنه لا يبرر بقائها خارج أطر المنظمة. وأن الخلاف حول مفهوم الديمقراطية وأسس التعامل بها في الساحة الفلسطينية هو الذي عطل حتى الان دخولها. وأن الاتفاق حول مفهوم موحد للديمقراطية في العمل الفلسطيني، والالتزام بهذا المفهوم الموحد هو أقصر الطرق نحو دخول حماس في أطر المنظمة. وهو ذاته القادر على صنع وحدة وطنية في إطار م.ت.ف راسخة وقوية لا تتأثر بالتقلبات السياسية، ولا بالصراعات والمزاودات أو المناقصات التنظيمية بين الفصائل أو داخل الفصيل الواحد. ومحصنة ضد كل أشكال التدخلات الخارجية الضارة.