فدا وقضية الموقع السياسي في منظمة التحرير الفلسطينية
بقلم ممدوح نوفل في 07/03/1993
قبل أسابيع قليلة طالعتنا وكالات الأنباء والصحف المحلية بأخبار تتعلق بميلاد تنظيم سياسي فلسطيني جديد اسمه (فدا)، وأحرف هذا الاسم الجذاب هي الأحرف الأولى من كلمات الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني بعد ترتبيها بصورة معكوسة.وفي حينها علق العديد من السياسيين والصحفيين الفلسطينيين والعرب على فكرة ميلاد تنظيم سياسي فلسطيني جديد، وتناولوا الموضوع من زوايا مختلفة. ولعل التساؤل حول موقف قيادة م.ت.ف من هذا المولود الجديد، وحول موقع هذا التنظيم الجديد في اطار المنظمة من أهم المواضيع التي تحتاج الى توضيح. فالكل يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية بمثابة البيت الفلسطيني الذي يضم داخله كل الوطنيين الفلسطينيين بغض النظر عن اتجاهاتهم وقناعاتهم الفكرية والسياسية والتنظيمية. وواضح أن الغرض من هذا التساؤل هو معرفة اذا كان التنظيم من أهل البيت الفلسطيني أم أنه غريب عن المنظمة أو من الخوارج على أهل البيت.
وانطلاقاً من كوني عضواً في (فدا) ومن الحريصين على تطوره وعلى تمكينه من النهوض بالمهام الوطنية الفلسطينية وتحقيق الأهداف التي من أجلها وجد، فاني أمنح نفسي حق توضيح هذا الموضوع. وفي هذا السياق يمكن القول أن (فدا) كتنظيم سياسي ليس مولوداً جديداً غريباً عن الارض والشعب الفلسطيني أو ممثله الشرعي والوحيد م.ت.ف وانما هو مولود معروف النسب والهوية قبل ميلاده. أبوه الارض الفلسطينية وأمه المنظمة واخوانه كل فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية وهم والحمد لله يزيد عددهم عن العشرة.فالاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا) ولد من رحم المنظمة، وشارك في تأسيسها، حافظ على وجوده فيها ولم يغادرها لحظة واحدة منذ عام 69 وحتى الآن. عانى ما عانته، وفرح بكل ما أفرحها، وهو موجود الآن في قيادتها، له ممثليه في اللجنة التنفيذية، وفي المجلس الوطني والمجلس المركزي الفلسطيني وفي كل الأطر واللجان القيادية السياسية والاقتصادية والنضالية المعنية بشؤون الوطن المحتل وبكل قضايا الشعب الفلسطيني المبعثر في الشتات. وهو موجود في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة وفي كل أطرها ومؤسساتها النضالية والبنيوية. ولأنه من المنظمة ومن قواها الأساسية فهو لا يحتاج اطلاقاً الى إعادة ترسيم لوجوده فيها ولا لتجديد الاعتراف به كتنظيم سياسي فلسطيني يكافح مع الشعب وقواه الوطنية من أجل الحرية والاستقلال وبناء الدولة المستقلة.
إن إنصهار الجبهة الديمقراطية / جناح الديمقراطية والتجديد مع عدد من المجموعات والعناصر الديمقراطية ومع العديد من الشخصيات الوطنية المكافحة في اطار تنظيم أوسع ليس سوى محاولة جادة لاحداث شيء من التجديد والتطوير في بنية م.ت.ف وبنية قواها الأساسية بعدما هرمت (كما أعتقد) وأصبحت غير قادرة على تلبية متطلبات المرحلة النضالية التي عبرها النضال الفلسطيني منذ انطلاقة الانتفاضة. وهي محاولة جادة من قبل القوى المشكلة لفدا لتجديد الذات ودمقرطتها في اطار المجموع المكون للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني.
وأعتقد أن مثل هذه المحاولة الطلائعية المقدامة لا تستوجب إعادة الاعتراف من المنظمة بالتنظيم الجديد. ولا نذيع سراً اذا قلنا أن الأخ رئيس اللجنة التنفيذية ومعظم القيادات الفلسطينية وغالبية الاتجاهات التي طرح عليها هذا التوجه، رحبت به وقدرت لأهله هذه المبادرة الخلاقة وقالوا لممثلي (فدا) “سيروا على بركة الله وكان الله في عونكم على هذا الحمل الكبير الثقيل”. وهم بهذا الموقف يترجمون قرار المجلس الوطني الفلسطيني في دورته العشرين، والذين نص على حل الخلاف في الجبهة الديمقراطية بروح الحرص على الوحدة، وإن تعذر ذلك يتم التعامل مع الطرفين كتنظيمين مستقلين لهما ممثليهما في اللجنة التنفيذية وفي كل هيئات ومؤسسات م.ت.ف.
أما موقع (فدا) من السياسة التي تنتهجها م.ت.ف فالواضح من مكوناته ومن تراثه، أنه حزب الوحدة الوطنية والواقعية السياسية، سياسته من سياسة م.ت.ف، يلتقي ويتعارض مع مواقف القوى المشكلة للمنظمة في إطار نهجها الواقعي وفي اطار الحرص على الوحدة، يؤمن بالصراع في إطار الوحدة، له رؤياه واجتهاداته السياسية الخاصة، يناضل لتحويلها من سياسة خاصة الى سياسة وطنية عامة، يؤمن بأن السلام العادل والشامل يتحقق فقط عندما يتمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وحقه في بناء دولته الوطنية المستقلة، وعندما تلتزم اسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين. ويؤمن أن من حق الشعب الفلسطيني استخدام كل أشكال النضال من أجل تحقيق أهدافه الوطنية المقدسة. و(فدا) بموقعه السابق في إطار المنظمة ملتزم بكل قرارات المجلس الوطني التي أصدرها في دوراته المتعاقبة. وهو من موقعه الجديد في إطار المنظمة ومؤسساتها يناضل من أجل تنفيذ هذه القرارات وتحقيق الأهداف التي تضمنتها. ويؤمن بأن المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية ساحة نضال لا يجوز أن يغيب الشعب الفلسطيني عنها. فالغياب يشجع البدائل، ويعيد الوصاية والاحتواء. ولهذا يدعم الوفد الفلسطيني الى مفاوضات السلام وينظر له باعتباره قوة طليعية مقدامة تمثل الشعب وتدافع عن القضية.
ولهذا يمكن القول أن لا مشكلة حول الموقع السياسي لفدا في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ومشكلته في هذا السياق تكمن في مدى قدرته ونجاحه في المساهمة بفعالية في تكريس المشاركة الشعبية الواسعة ضمن الانتفاضة وفي تقرير السياسة الوطنية الفلسطينية وفي دمقرطة الأطر الجماهيرية وتعزيز مساهمتها في الكفاح الوطني وفي تكريس الواقعية السياسية في الفكر السياسي الفلسطيني، وفي المساهمة الفعالة في تنشيط سياسة م.ت.ف وتفعيلها في المجالات العربية والدولية. وكذلك في مدى اسهامه في الدفاع عن القرار الوطني المستقل. فهذه المهام هي المحك العملي لفدا وهي التي تقرر طبيعة الموقع الذي يحتله فدا في اطار منظمة التحرير.. فهل سينجح (فدا) في جعل موقعه هذا موقعاً تجديداً فاعلاً؟
سؤال برسم الجواب، والجواب تقدمه دائماً الممارسة.