حذار من تصاعد الخلاف حول موضوع المبعدين
بقلم ممدوح نوفل في 06/04/1993
مع اقتراب الموعد المقترح للجولة التاسعة من المفاوضات الثنائية ارتفعت وتيرة النشاطات والاتصالات الديبلوماسية والسياسية الفلسطينية والعربية والدولية، باتجاه ايجاد حل مقبول لموضوع المبعدين، خاصة وأن قيادة م.ت.ف كانت ولا تزال تصر على اعتبار ابعاد ما يزيد على 400 مناضل فلسطيني عقبة كبرى زرعها رابين في طريق السلام، وأن عدم حلها يغلق الطريق أمام مشاركة الوفد الفلسطيني في الجولة التاسعة ويعطل قدرته على الذهاب الى واشنطن في (20 نيسان الجاري) الموعد الذي حدده الراعيان لاستئناف المفاوضات. وتفيد المعلومات الأولية التي رشحت عن سلسلة الاجتماعات التي عقدتها القيادة الفلسطينية مؤخراً في تونس، والتي رشحت أيضاً عن اللقاءات التي عقدها الوفد الفلسطيني في واشنطن بأن قيادة م.ت.ف بقيت عند موقفها القائم على التمسك بضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 799، وعلى اعتبار الحل الذي سبق وتوصلت له الادارة الأمريكية مع رابين حلاً ناقصاً ومقترحاً غير مقبول. وتفيد المعلومات أيضاً أن الوفد الفلسطيني تلقى عرضاً أمريكياً جديداً، وأن القيادة الفلسطينية ردت بمقترحات جديدة بعضها يتعلق بالابعاد والمبعدين، وبعضها الآخر له صلة بالقضايا التي أعاقت تقدم المفاوضات في جولاتها السابقة، منها مرجعية المفاوضات، وضمان ترابط الحل بين مرحلته الانتقالية ومرحلته النهائية، ومنها أيضاً موضوع القدس وقضايا أخرى تتعلق بحقوق الانسان الفلسطيني وبالحصار الاقتصادي المضروب على الشعب الفلسطيني، والاوضاع الاقتصادية القاسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني. وأظن أننا لا نستبق الأمور، ولا نفشي سراً اذا قلنا أن مساومات جدية وصعبة تدور الآن حول هذه المواضيع بين م.ت.ف والادارة الأمريكية. وربما يكون ممكناً التوصل في غضون الأيام العشر القادمة الى اتفاق جديد يرضي الجانب الفلسطيني ويلبي الحد الأدنى من مطالبه العادلة، ويعالج بصورة مقبولة موضوع المبعدين وعودتهم، ويفتح طريق العودة للوطن أمام أعداد من المبعدين الفلسطينيين الذين أبعدوا ما بين عام 67 و 87. ويقفل الطريق نهائياً أمام أية ابعادات جديدة في المستقبل.
إن علينا أن نأخذ هذا الاحتمال جدياً رغم ضعفه في الظرف الراهن ورغم المعوقات الكبيرة أمامه وفي مقدمتها إصرار حكومة اسرائيل على شروطها وعلى عدم الالتزام بالحدود الدنيا التي يمليها قرار 799.
وليس عسيراً على كل من تابع تصريحات المبعدين أنفسهم، والتصريحات الشخصية والبيانات الفردية والجماعية التي صدرت مؤخراً عن قيادة حماس وعن الفصائل العشرة ملاحظة ارتفاع درجة حرارة الخلافات الفلسطينية الداخلية حول موضوع المبعدين وحول من يملك صلاحية البت بموضوعهم، وأيضاً حول مسألة المشاركة الفلسطينية في عملية السلام وحضور الجولة التاسعة من المفاوضات. وبامكان المتابع أيضاً الاستنتاج والتنبؤ سلفاً بأن الحل أو الاتفاق الذي يحتمل التوصل له في الايام القادمة وهو مجرد احتمال ضعيف حالياً، سوف ترفضه حركة حماس ولن ترضى عنه الفصائل العشرة. ولا نتجنى على أحد اذا قلنا أن حماس ومعها الفصائل التسعة تسعى جاهدة لاستخدام المبعدين ومعاناتهم كورقة في الصراعات التنظيمية الفلسطينية الداخلية، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة لمعالجة موضوعهم بمعزل عن منظمة التحرير الفلسطينية، وعن وفدها المفاوض، وأنها لن تتوانى ولن تترد في عمل كل ما تستطيع لافشال أي حل أو اتفاق تأتي به منظمة التحرير.
واذا كنا لسنا بصدد مناقشة قضايا الخلاف بين منظمة التحرير والمعارضة الفلسطينية التي تقودها حركة حماس الآن فأظن أن الجميع يتفق على أن الخلاف في وجهات النظر أمر طبيعي وحق مشروع. وأن المصلحة الوطنية العليا ومصلحة المبعدين أنفسهم القدامى والجدد، تفرض الابقاء على الخلافات والتباينات في إطارها الديمقراطي السليم. وأن تصاعد الخلاف حول موضوع المبعدين، وتحوله الى صراع تناحري والى انقسام داخلي يلحق أضراراً بالغة بالحركة الوطنية الفلسطينية عامة وبالمصالح الوطنية العليا ومصلحة الانتفاضة خاصة، ويضر بالمبعدين أنفسهم، ويجعلهم عنوان صراع ونقطة تفجير، بدلاً من أن يكونوا عنواناً للوحدة الوطنية الفلسطينية ونقطة انطلاق لارساء العلاقات الفلسطينية الداخلية على أسس ديمقراطية ثابتة. وتصاعد الخلاف يسهل ولا شك على اسرائيل تحقيق أحد أهدافها الاساسية التي سعت لتحقيقها عندما أقدمت على عملية الابعاد، وذلك بضرب الفلسطينيين بعضهم ببعض وتحويل طاقاتهم النضالية نحو مواجهات داخلية بدلاً من بقائها مركزة نحو الهدف الرئيسي.
لا جدال أن من حق حركة حماس وكل المعارضة الفلسطينية أن تقول رأيها في الحل المحتمل اذا حصل -ونؤكد اذا حصل-، ومن حقها أن ترفض علناً. الا أن المصلحة الوطنية ومصلحة تكريس النهج الديمقراطي في معالجة الخلافات الداخلية تفرض على حركة حماس والمبعدين الالتزام بتنفيذ هذا الاتفاق، وتحميل قيادة المنظمة كامل المسؤولية عنه. ولا نستبق الأمور اذا قلنا أن رفض المبعدين ورفض حركة حماس الالتزام بتنفيذ الاتفاق في حال الوصول اليه رغم صعوبته، يدفع بالعلاقات الوطنية الفلسطينية نحو منزلق خطير عدا عن الخسائر المباشرة التي ستلحق بالمبعدين أنفسهم وبقضيتهم العادلة، وبسمعة منظمة التحرير. فالمنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولا تستطيع حركة حماس ومعها الفصائل الباقية الغاء هذه الصفة التمثيلية للمنظمة من خلال رفض تنفيذ الاتفاقات التي قد تتوصل لها المنظمة لاحقاً مع الاطراف الدولية ومع اسرائيل حول أي موضوع من مواضيع الصراع. فالنتيجة لهذا الرفض سوف تكون توسيع الشرخ الداخلي وتمنع اغلاق ملف المبعدين على الصعيد الدولي والعربي حتى ولو أصروا على البقاء في مرج الزهور. ولا أظن أن رفض الالتزام بالاتفاق المتوقع سوف يدفع الاطراف الدولية والاقليمية المعنية بمعالجة الموضوع نحو التوصل الى اتفاق آخر توقعه مع حركة حماس ومعها الفصائل التسعة!! فالمبعدون يعرفون وحركة حماس تعرف والفصائل التسعة الأخرى لا تستطيع انكار أن القرار رقم 799 صدر عن مجلس الأمن الدولي نتيجة جهد طويل ومضني بذلته قيادة م.ت.ف. وأن القوى الدولية بما في ذلك اسرائيل تعرف أن م.ت.ف هي عنوان الشعب الفلسطيني، وهي الجهة الوحيدة المخولة ببحث قضاياه، والقادرة على توقيع اتفاقات باسمه.
وفي معرض التحذير من تصاعد الخلاف حول موضوع المبعدين أظن أن من المفيد التنبيه الى ضرورة عدم الوقوع في أوهام بأن نقد قطاعات من الشعب الفلسطيني لمواقف وسياسات م.ت.ف يعني استعداد هذه القطاعات للتضحية بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وتخطيء حركة حماس ومعها الفصائل العشرة في التقدير إن هي اعتقدت أنها قادرة على فرض نفسها كبديل لمنظمة التحرير. ويخطيء كل من يعتقد أن بامكانه الاعتماد على وعود عربية في إبقاء قضية المبعدين مطروحة كقضية دولية أو عربية بمعزل عن دور ومواقف منظمة التحرير. ويفترض أن تكون المواقف المعلنة للدول العربية المشاركة في المفاوضات من موضوع ربط الذهاب للجولة التاسعة بحل قضية المبعدين كافية لدفع جميع القوى الفلسطينية الى الادراك بأن لا حل لقضية المبعدين الا الحل الذي تنتزعه م.ت.ف، وهي لا تدخر جهداً من أجل انتزاع أفضل الحلول الممكنة في ظل موازين القوى القائمة الآن. كما وان تعزيز الوحدة الوطنية في اطار المنظمة، وتعزيز النضال في اطار الانتفاضة هو السبيل الى احداث مزيد من التعديلات الضرورية على هذه الموازين.
وفي سياق التحذير المسبق من مخاطر تصاعد وتطور الخلاف بشأن قضية المبعدين وسواها من القضايا السياسية الخلافية لا بد من القول أن مصلحة الانتفاضة تفرض على الجميع الالتزام بالشعار القائل لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة، والالتزام أيضاً بالديمقراطية كوسيلة وحيدة لحل الخلافات الداخلية.
ممدوح نوفل
عضو المجلس المركزي الفلسطيني
تونس –