مقابلة صحفية حول عملية السلام
بقلم ممدوح نوفل في 13/04/1993
الى أحمد حازم
من ممدوح نوفل (عضو المجلس المركزي، واللجنة العليا للوطن المحتل(
تونس 20/4/1993
تحية طيبة،،
ج1) من المعروف أن اجتماع وزراء خارجية الدول الخمسة (فلسطين، مصر، الاردن، سوريا، لبنان) الذي عقد يومي 16-17 نيسان الجاري هو استمرار لاجتماع سابق لم يتوصل في حينها الى أية قرارات نهائية سوى رفع الجلسات ومتابعة الاتصالات والمشاورات اللازمة. ولهذا يمكن القول أن مواقف الأطراف العربية كانت معروفة سلفاً للقيادة الفلسطينية، ومبلغة مسبقاً للادارة الأمريكية ومعلنة ومنشورة في الصحف.
قبل الجلسة الثانية (16-17 نيسان) كانت مواقف الأطراف العربية الخمسة بما فيها م.ت.ف موحدة حول الحرص على استمرار المشاركة في عملية السلام، وحول ضرورة استئناف المفاوضات والمشاركة في الجولة التاسعة. نقطة الخلاف الاساسية كانت بين م.ت.ف وبعض الاطراف حول هل تذهب الاطراف العربية الى واشنطن في الموعد الذي حدده الراعيان حتى لو لم تتم الاستجابة للمطالب الفلسطينية التي عرفت بالنقاط الست؟؟ التي قدمت للادارة الامريكية. وبرزت خلافات أخرى حول سقف المطالب الفلسطينية وحدودها الدنيا.
ولا نذيع سراً اذا قلنا أن الادارة الأمريكية عرضت على قيادة م.ت.ف في المشاورات والاتصالات التي سبقت الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب صفقة متكاملة تتكون من ثلاث رزم مترابطة فلسطينية واسرائيلية وأمريكية تعلن في وقت واحد. ويعرف الوزراء العرب أن قيادة م.ت.ف رأت في هذه الصفقة تلبية واستجابة نسبية للمطالب الفلسطينية الا أنها بقيت ناقصة ولا تلبي المطلوب من أجل المشاركة الفلسطينية في الجولة التاسعة. ويعرفوا أيضاً أن بعض ما تحمله الصفقة وارد في إطار الوعود وأن هذه الوعود بحاجة الى توثيق والى توكيدات رسمية.
وعند افتتاح الاجتماع الأخير كانت م.ت.ف لا زالت عند موقفها، وكان واضحاً لها أن الأطراف العربية تعتبر بنسب متفاوتة أن المعروض على الفلسطينيين كاف لتلبية الدعوة. ولهذا يمكن القول أن تباين مصالح الأطراف العربية بما فيها علاقتها مع الادارة الامريكية والتباين الحاصل في نظراتها ورؤيتها لعملية السلام عكس نفسه داخل قاعات الاجتماع. صحيح أن كل الاطراف العربية تقر بمشروعية وعدالة المطالب الفلسطينية لكن الواضح أن دعمها وتأييدها لهذا الحق وهذه المطالب له حدود. وحدوده هي عدم التصادم مع الأمريكيين، وعدم التضحية بمصالحها الخاصة.
وقبل الاجتماع سربت الادارة الامريكية أن كل الاطراف العربية المشاركة في المفاوضات باستثناء الطرف الفلسطيني قد أبلغتها رسمياً موافقتها على المشاركة في الجولة التاسعة في الزمان والمكان المحددين أي واشنطن 20 نيسان وأن الوفود السورية والاردنية واللبنانية ستحضر الجولة حتى لو تأخر عنها أو قاطعها الوفد الفلسطيني. وبغض النظر عن الهدف الابتزازي لهذا التسريب الامريكي وعن دقة المعلومات المسربة فمداخلات كل الوفود العربية أكدت على أهمية حضور الجولة التاسعة يوم 20 نيسان. ولم يخلو بعضها من توجيه النقد للموقف الفلسطيني المتشدد وبلغ النقد حد اتهام القيادة الفلسطينية بالمبالغة في قضية المبعدين كما ورد على لسان السيد فاروق الشرع وزير الخارجية السورية. حيث دعا الطرف الفلسطيني الى قبول ما قدم من حلول لقضية المبعدين والقضايا الأخرى وقال من الخطأ أن يرهن الفلسطينيون والعرب مشاركتهم في الجولة التاسعة بحدث عابر وقع على طريق المفاوضات ومن الخطأ اعتماد تكتيك كل شيء أو لا شيء. واقترح أن يبلغ العرب الراعي الأمريكي بأن الوفود العربية ستشارك في المفاوضات يوم 20 نيسان ونال اقتراحه موافقة الأطراف العربية الأخرى. وهنا ظهر التباين واضحاً في المواقف، حيث أصر الوفد الفلسطيني على تأجيل المفاوضات واستكمال الاتصالات لتحقيق ثلاث قضايا الأولى تحسين الحل المتعلق بموضوع المبعدين القدامى والجدد، والثانية معالجة الاوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل والثالثة زوال الاجراءات العسكرية والامنية الاستثنائية التي فرضها على الارض. أمام هذا الموقف الفلسطيني الواضح والحازم وجدت الوفود العربية نفسها أمام خيارات صعبة. إما الذهاب الى واشنطن والمشاركة في الجولة التاسعة يوم 20 نيسان وبدون الوفد الفلسطيني أو القبول بالتأجيل وضم جهودها للجهود الفلسطينية لتذليل العقبات وتحقيق ما يطلبه الفلسطينيون. وبعد جدال وافقت الأطراف العربية مشكورة على التأجيل المحدود. وكمخرج أبلغ الوزير الشرع الادارة الامريكية أن الاطراف العربية تطلب التأجيل حتى يوم 26 نيسان وأن الطرف الفلسطيني سيعطي جوابه النهائي خلال 48 ساعة.
والمعلوم أن وزراء الخارجية الخمسة سيعودون في غضون الساعات القادمة لاتخاذ القرار النهائي. ويمكن القول أن ما اتخذ من قرارات في اجتماع الخارجية الموسع الذي عقد في القاهرة يومي 18 و19 نيسان، وتوجيه الدعوة من الرئيس الأسد للرئيس ياسر عرفات لزيارة دمشق، الى جانب نتائج الاتصالات التي تمت منذ 16 نيسان وحتى الان تشجع قيادة م.ت.ف على اتخاذ قرار ايجابي والمشاركة في الجولة التاسعة يوم 27 نيسان خاصة وأن الادارة الامريكية سوف تعلن ضمانتها للصفقة المعروضة بما في ذلك التزام الحكومة الاسرائيلية الذي ستعلن بصورة رسمية خلال الساعات أو اليومين القادمين. ويمكن القول أيضاً أن الجولة التاسعة بدأت عملياً قبل موعدها بفترة طويلة وأنها جرت بصورة حامية على الارض وعبر الأطراف الدولية وتخللها مساومات صعبة وأن ما حققه الطرف الفلسطيني حتى الآن يساعده في الوصول الى طاولة المفاوضات مدعوماً بموقف عربي رغم التباينات التي ظهرت في الاجتماعات.
ج2) المتابع لمعركة المبعدين التي فتحها رابين في ديسمبر الماضي بامكانه ملاحظة أن القيادة الفلسطينية طورت مواقفها وعدلتها وفقاً للتفاعلات الدولية وللظروف التي أحاطت بالموضوع خلال الشهور الماضية.
في البداية كان الموقف والشعار لا عودة للمفاوضات الا بعد عودة المبعدين ال 400. وفي ضوء التفاعلات الدولية الايجابية وبعد صدور القرار رقم 799 طورت الموقف وحمل مطلب إنهاء الابعاد من حيث المبدأ. وبعد الاتفاق الأمريكي أضافت له عودة أعداد من المبعدين القدامى. وربطت بين قضية المبعدين والقضايا الوطنية الأخرى التي أدارتها م.ت.ف حتى الان، وأظن أن من الخطأ التضحية بما تحقق حتى الان. لقد انطلقت قيادة م.ت.ف من أن موضوع المبعدين ال 400 جزء من موضوع أكبر وأشمل يتمثل في مبدأ الابعاد ووضع المبعدين القدامى. وهي في موقفها هذا تنطلق من رؤيتها للمصلحة الوطنية العامة والعليا بمعزل عن مصالح الأحزاب والحركات. ولا نذيع سراً اذا قلنا أن عودة أعداد من المبعدين القدامى الى جانب أعداد من المبعدين الجدد بات مطلباً أساسياً طبعاً الى جانب تعهد الحكومة الاسرائيلية بعدم اللجوء الى الابعاد مرة أخرى. فالكل يعرف أن المبعدين الجدد سيعودون خلال فترة أقصاها خمسة أو ستة شهور من الآن. وأعتقد أن انتزاع حق أعداد من المبعدين القدامى في العودة الى أرض الوطن على حساب تأخير عودة المبعدين الجدد بضعة أشهر لا يمس الموقف المبدئي الفلسطيني بشأن عودة كل المبعدين ولا يتضمن أية تنازلات بل عكس ذلك هو الصحيح. فعودة مثلاً مائة مبعد جديد مع مائة مبعد قديم في إطار الدفعة الأولى فيه خدمة كبرى للمصلحة الوطنية العليا ولقضية المبعدين أنفسهم القدامى منهم الجدد. وأظن أن الكل يعرف أن المساومات تدور الآن حول أعداد المبعدين القدامى الذين سيعودون في الدفعة الأولى.
فعودة أعداد مقبولة من المبعدين القدامى يفتح الباب لمتابعة النضال لاعادة كل الذين أبعدوا منذ عام 67 وحتى الآن. ويفتح الباب لعودة كل النازحين الذين رحلوا ونزحوا عن ديارهم منذ 5 حزيران وحتى الآن. ولا نذيع سراً اذا قلنا أن الصفقة المعروضة تحمل موافقة اسرائيلية على عودة 101 من المبعدين الجدد فوراً وكدفعة أولى ويمكن لهذا الرقم أن يرتفع حتى 150. وأن يعود معهم 30 مبعد قديم وهذا الرقم موضوع مساومة. فالمنظمة ترفض القبول بعدد 30 وتطالب برفعه الى المئات. وتتضمن الصفقة أيضاً عودة الدفعة الثانية من القدامى خلال الجولة التاسعة من المفاوضات وتسعى النمظمة أن تتضمن الدفعة الثانية أعداد من المبعدين القدامى كما تعمل على تقريب موعد عودة الدفعة الثالثة والأخيرة.
لا شك أن ما هو معروض على المنظمة حتى الآن فيه مكاسب وواجب المنظمة العمل باستمرار على توسيع هذه المكاسب. ويمكن القول أنها حققت بعض ما تريد والذي لا يجوز التقليل من قيمته من نوع انضمام الأخ فيصل للوفد المفاوض وبغض النظر عن ورقة التوت التي يجري التستر بها أي العنوانين، فالأخ فيصل الحسيني يبقى ابن القدس حتى لو كان عنوانه في المريخ أو جزر القمر. ودخوله الى طاولة المفاوضات يعني دخول القدس الى صلب جدول الأعمال والقضايا المطروحة للتفاوض.
وبغض النظر عما عناه الوزير عمرو موسى في حديثه عن المبعدين فأظن أنه يقصد أن المطالب الفلسطينية أصبحت أكبر وأهم من موضوع المبعدين. فهو يعرف أنها تتضمن قضايا تتعلق بجوهر المفاوضات من نوع وضع القدس، ومرجعية المفاوضات، ومصير الضمانات والتأكيدات التي قدمتها الادارة الأمريكية للطرف الفلسطيني وقضايا أخرى تتعلق بحقوق الانسان الفلسطيني وبالاوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المنظمة ويعيشها شعب الانتفاضة في الضفة والقطاع. هذا ما وصلته حتى الآن قضية المبعدين. ومن الواضح أنها كانت ولا زالت موضع اهتمام من القيادة الفلسطينية وأن قيادة م.ت.ف قد استخدمتها كمعبر لتحقيق أهداف وطنية كبرى وفي مقدمتها ضرب أسس مبدأ الابعاد وعودة مبعدين قدامى وتحسين الموقف والموقع التفاوضي الفلسطيني في المفاوضات.
وفي هذا السياق لا بد من القول أن من حق الأخوة في قيادة حركة حماس رفض الصفقة الشاملة أو الاتفاق الذي سيتم التوصل له في غضون اليومين القادمين ولكني أعتقد أن المصلحة الوطنية العليا ومصلحة المبعدين أنفسهم تفرض على قيادة حماس ومعها الفصائل التسعة الباقية الالتزام بتنفيذ هذا الاتفاق والاستمرار في تحميل قيادة م.ت.ف المسؤولية عنه. ولا أظن أن رفض تنفيذه سوف يمس به وبكونه اتفاقاً ملزماً للشعب الفلسطيني وقعه نيابة عنه الطرف المعترف به دولياً وعربياً باعتباره الممثل الشرعي والوحيد لهذا الشعب. ويفترض بالمبعدين أنفسهم وبالاخوة قيادة حماس أن يستفيدوا من مجريات أعمال وزراء الخارجية العرب ومن مواقفهم من موضوع المبعدين.
ج3) أظن أن لا خلاف على أن انضمام الأخ فيصل الحسيني بما يرمز اليه مكسب فلسطيني ويمكن اعتباره تحسين اضافي على شروط وأسس مدريد. فدخول الأخ فيصل يعني كما قلنا دخول القدس الى طاولة المفاوضات بغض النظر عن الموقف الاسرائيلي من الموضوع ومن العنوانين. وانضمام الأخ فيصل للوفد كان دوماً مطلباً فلسطينياً. والكل يتذكر أن حكومة الوحدة الوطنية في اسرائيل “فرطت” عام 90 بسبب هذا الموضوع. في حينها وافق الوزير بيكر على انضمام فيصل للوفد المقترح ووافقت قيادة العمل على الموضوع الا أن الليكود رفضها ونشب صراع حاد حول القدس وحول فيصل بالتحديد.. والكل يتذكر أيضاً الشروط التعجيزية التي وضعها شامير على الطرف الفلسطيني قبل افتتاح مؤتمر مدريد. والكل يتذكر رفضه باصرار مشاركة فيصل في إطار الوفد الفلسطيني رغم محاولة بيكر في حينها استثمار مسألة العنوانين. ولهذا يمكن القول أن الموافقة الامريكية والاسرائيلية على انضمام فيصل الى الوفد تأتي كاستجابة لطلب فلسطيني قديم متجدد باستمرار. فالحديث عن ترشيح أمريكي للأخ فيصل يندرج في خانة التشويه المتعمد للأخ فيصل وللقيادة الفلسطينية وهو يندرج مع الأسف الشديد تحت بند تجاوز المحرمات في الخلافات حول الموقف من المشاركة الفلسطينية في عملية السلام. والحديث عن عزل المنظمة من خلال دخول فيصل حديث ينم عن عدم معرفة موقع فيصل في إطار المنظمة. فهو ليس عضواً في الفصيل الأساسي من فصائل المنظمة وإنما رئيساً للفريق الفلسطيني المفاوض -ثنائي ومتعدد- وعضواً في اللجنة القيادية العليا المشرفة على المفاوضات وتسمية فيصل في هذا الموقع قبل عام ونصف تم من قبل قيادة المنظمة وعلى كل من يشكك في هذا الحديث أن يسأل روبنشتاين وبيكر وشامير ونتنياهو زعيم الليكود الآن.
وأعتقد أن على كل من يشكك في الموضوع أن يراجع موقفه لسبب بسيط هو ما يعلنه نتنياهو زعيم الليكود صباح مساء حول الموضوع. ولا نذيع سراً اذا قلنا أن قيادة المنظمة لم تكتف بانضمام الأخ فيصل للوفد المفاوض وأنها تخوض صراعاً تفاوضياً عسيراً مع الادارة الأمريكية ومع رابين حول انضمام شخصية مقدسية أخرى الى جانب الأخ فيصل. صحيح أن المفاوضات اذا استؤنفت ستدخل منعطفاً جديداً سيقود على الأغلب الى تفتح مرحلة جديدة، لكن خطأً فاحشاً يرتكب عندما يقال أن دخول فيصل يعني ترشيحه لقيادة المرحلة الجديدة وأن ذلك يتم على حساب المنظمة. فالعكس هو الصحيح.
فرابين يعرف وكريستوفر يعرف وشامير ونتنياهو أكبر العارفين أن دخول فيصل الى طاولة المفاوضات يعني دخول المنظمة ويعني التسليم بأن المفاوض الحقيقي هو م.ت.ف. ويعني قبل هذا وذاك وفوقه كله اقتراب رابين من التسليم بالحقيقة المرة أن كل محاولات الليكود وبعده العمل في خلق قيادة بديلة للشعب الفلسطيني قد باءت بالفشل والتسليم بهذه الحقيقة يختصر ولا شك الكثير من الوقت ويوفر الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي ويقرب السلام.