قراءة هادئة لموقف المعارضة من المشاركة في الجولة التاسعة
بقلم ممدوح نوفل في 02/05/1993
قبل وبعد صدور القرار الفلسطيني-العربي بالمشاركة في الجولة التاسعة من المفاوضات، صدر عن المعارضة الفلسطينية فيضاً من البيانات والتصريحات الفردية والثنائية والرباعية والعشارية. وكل من قرأها يمكنه ببساطة ملاحظة تباين في نبرتها واسلوب صياغتها مع محافظتها على وحدتها في في المواقف والأهداف. كما يمكنه ملاحظة شذوذ معظمها عن المألوف سماعه من قبل وبقاء القليل منها في إطار المألوف والقبول.
إن طرح المعارضة لآرائها ومواقفها المعارضة لعملية السلام ومطالبتها بصورة علنية وبنبرة عالية عدم المشاركة في الجولة التاسعة ظاهرة صحية، وهي أصلاً مشروعة ومكفولة ضمن التقاليد الفلسطينية وضمن نصوص اعلان الاستقلال. وهي في كل الأحوال ضرورية ومفيدة للقضية الوطنية بصورة عامة وللموقف التفاوضي الفلسطيني بشكل خاص. فالكل مجمع على أن ما تواجهه قضيتنا الوطنية من استحقاقات تاريخية مصيرية تجعل من وقوع تباينات واجتهادات وخلافات حقيقية حول مؤتمر السلام مسألة طبيعية وظاهرة صحية. فالمعروض على شعبنا في هذه المرحلة ولا سيما فترة الحكم الذاتي الانتقالي يستحق أن نختلف حوله لأنه لا يلبي الحد الأدنى من طموحات شعبنا ومن حقوقه الوطنية التاريخية.. وأعتقد أن فوائد المعارضة تزداد بمقدار ما تكون مواقفها موضوعية وهادئة تتناول المواقف والآراء كأفكار وكوجهات نظر لتيارات وهيئات فكرية وسياسية وتنظيمية، وتقل قيمتها وفائدتها اذا كانت متأثرة بمواقف خارجية تفقدها فلسطينيتها من حيث النكهة والولاء، أو اذا ظهرت متوترة ومنفعلة تركز على الأفراد. وأظن أن قيمتها وفائدتها تكبر أكثر وأكثر اذا بقيت تدور في إطار احترام الديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر، وأيضاً اذا بقيت تدور في إطار الدفاع عن المصالح العليا للشعب والوطن، والتي تفرض الالتزام بالديمقراطية، والالتزام بالحرص على الوحدة الوطنية وعدم تجريح أو إيذاء العلاقات الوطنية هيئات وأفراد.
واذا كان جوهر موقف المعارضة بكل تلاوينها الفكرية والسياسية والتنظيمية من عملية السلام ككل معروف للشعب الفلسطيني ولهيئاته القيادية الشرعية فمواقفها المعلنة من المشاركة الفلسطينية في الجولة التاسعة وما ورد في محاضر لقاءاتها الداخلية حول الموضوع تؤكد وقوع تطور نوعي في جوهر معارضتها وفي الأساليب التي تنوي اتباعها في المرحلة اللاحقة.
في السابق كنا نسمع تصريحات موزونة ومسؤولة نسبياً، تعبر عن وجهة نظر أصحابها بهدوء ومسؤولية. ولا نتجنى على أحد اذا قلنا أن ما سمعناه مؤخراً فيه الكثير من التوتر والانفعال، وينضح بالذاتية التنظيمية، وينطق باسم الشعب والقضية ويمنح الذات الحق في تصنيف الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية بين خائن ووطني، بين مناضل ومستسلم.. وبين متمسك بالحق الوطني وبائع له..!! وفي السابق كانت بيانات المعارضة تخاطب الشعب وتتوجه له كمرجع لحسم في الخلاف، أما ما سمعناه مؤخراً فلا نتجنى اذا قلنا أن فيه الكثير من الشطط والمس بالمحرمات الوطنية الفلسطينية خاصة تلك التصريحات التي حملت في ثناياها التهديد والتلويح باللجوء الى العنف في حل الخلاف. ونظراً لما تحمله في طياتها هذه المواقف والبيانات من مخاطر على الوحدة الوطنية وعلى العلاقات الوطنية الفلسطينية الراهنة والمستقبلية، ونظراً لما قد تفرزه في حال استمرارها من ارباكات واشكالات داخلية، الجميع في غنى عنها، فإن الواجب الوطني يفرض على جميع الوطنيين والديمقراطيين الفلسطينيين التحرك لمنعها من الاندفاع في الاتجاه الذي تسير فيه. والعمل على اعادة الأمور الى نصابها الديمقراطي الصحيح.
وفي هذا السياق، وفي إطار المناقشة الهادئة والهادفة يمكن تسجيل الملاحظات الجوهرية التالية على مواقف المعارضة كما عبرت عنها بياناتها وتصريحاتها الفردية والجماعية:
أولاً – لغة التخوين والتهديد:
أظن أن ليس من حق المعارضة جماعات أو فرادى تخويل أنفسهم صلاحيات منح الصفة أو الهوية الوطنية الفلسطينية لهذا الانسان الفلسطيني وسحبها وحجبها عن ذاك لمجرد أنه يخالفهم الرأي والموقف حول المشاركة في عملية السلام أو المشاركة في جولتها التاسعة. واذا كان مثل هذا الحق لا تملكه اطلاقاً الأغلبية وأية أغلبية سواء كانت منتخبة أو غير منتخبة فهو بالتأكيد خارج نطاق ملكية الأقلية غير المنتخبة أيضاً. وإدعاء الغيرة على المصلحة الوطنية حق عام يملكه كل الوطنيين الفلسطينيين بغض النظر عن مواقفهم وآرائهم ومواقعهم خارج أو داخل الأطر والهيئات الشرعية التشريعية والتنفيذية. ولا يحق لأحد تنصيب نفسه باعتباره الغيور والقيّم الأوحد والوحيد على القضية الوطنية. أو باعتباره مالك الحقيقة المطلقة التي لا يرقى لها الشك ولا حقيقة غيرها أو سواها، حتى ولو كانت بجانبها وليست بديلاً لها. فاللجوء الى لغة التخوين والتهديد تذكرنا بفترة المراهقة السياسية التي مرت بها معظم الفصائل الفلسطينية حيث كانت الغرائز والعواطف هي القوى المسيطرة على مواقف بعض القوى وكانت المواقف الأيديولوجية والتصنيفات الطبقية هي الموجه والمرشد لسلوكها في العلاقات الوطنية. وأكدت التجربة أن هذه الأساليب تلحق أضراراً فكرية وسياسية وتنظيمية بأصحابها وطبعاً بالقضية والانتفاضة وبالعلاقات الوطنية وبالمصالح العليا للشعب، ونتيجتها المؤكدة هي انعزال أصحابها عن الشعب والتصادم معه ومع ما يتمناه.
ثانياً – تغليب المصالح الفئوية على العامة:
في دعوتها لمقاطعة الجولة التاسعة استندت بيانات المعارضة على عدم التزام اسرائيل بتنفيذ قرار 799 وعدم عودة الدفعة الأخيرة من المبعدين. وبعضهم اعتبر (مع الأسف) عودة أعداد من المبعدين القدامى صفقة هدفها تمويت قضية المبعدين الصامدين في مرج الزهور، وتعزيز اتجاه سياسي على آخر. أظن أننا لا نظلم أحداً اذا قلنا أن المفاهيم الفئوية والعصبوية الضيقة كان لها دورها في ظهور مثل هذه المواقف. وهي التي منعت المعارضة من التعامل مع الموضوع من زاويته الوطنية العامة والنظر له بنظرة شمولية مسؤولة عن كل المبعدين.. ومن حقنا أن نسأل هل القرار 799 هو القرار الوحيد الذي يتضمن بعضاً من النصوص حول الحقوق الوطنية الفلسطينية؟؟ وهل اذا طبق هذا القرار ينتهي الاشكال حول المشاركة في المفاوضات؟؟. ثم ألا يحق للمبعدين القدامى أن يطالبوا القيادة والوفد وكل القوى الوطنية أن يضعوا قضيتهم في سلم الأولويات داخل وخارج المفاوضات وهم الذين طالت غربتهم عن الوطن.. أما الجدد فلن تدوم غربتهم سوى بضعة شهور. أعتقد أن الموضوعية تفرض على المعارضة الاقرار بأن عودة أعداد قليلة من المبعدين القدامى الذين لا يشملهم القرار 799 هو النسف العملي لمبدأ الابعاد ومرتكزاته وهو أقوى من كل النصوص التي وردت في القرار. فعودتهم سابقة تفتح الباب للمطالبة بعودة ليس فقط من أطلق عليهم اسم المبعدين بل ومن سموا نازحين أو لاجئين، فكل الفلسطينيين المقيمين خارج وطنهم مبعدين. والبعد والابعاد عن الوطن واحد مهما تعددت الأسباب وتنوعت الأساليب أو الأسماء. وأعتقد أن خطأ كبيراً يرتكب في تحويل موضوع المبعدين الى نقطة خلاف وتفجير وتفريق. إن قدسية قضيتهم وحقوقهم تفرض على الجميع جعلها نقطة توحيد وتجميع. وكم كان جميلاً ومؤثراً سياسياً ومعنوياً لو أن شعبنا استقبل يوم 30 نيسان دفعات من أبنائه المبعدين القدامى والجدد وهم موحدين. ولو أن أرضنا فتحت أحضانها من الشرق والشمال لتستقبل أبنائها المناضلين. ولو أنها اشفت بعضاً من غليل شوقها على المبعدين الآخرين الباقين بتقبيل أقدام 131 بدلاً من 30. وأظن أن الأرض الفلسطينية تنادي الآن وتقول يا كل المبعدين عودوا. المهم أن تعودوا حتى ولو كانت عودتكم بالتقسيط أو على دفعات، فالمهم أن تعودوا. وأعتقد أن واجب كل من انتزع حقه في العودة أن يعود فوراً وأن يلبي هذا النداء.
ثالثاً – اعتبار المكاسب تفريط وتنازلات:
قبل الدخول في مناقشة موقف المعارضة من المكاسب التي تحققت في معركة المبعدين، ولقطع الطريق على أي التباس أو سوء فهم، لا بد من القول أن كل المكاسب التي تحققت أو يمكن أن تتحقق لاحقاً تبقى صغيرة وناقصة طالما لم يحقق شعبنا أهدافه في العودة وتقرير المصير وبناء دولته المستقلة. ولكن أظن أن لا خلاف مع المعارضة أن تحقيق الأهداف الكبرى والصغرى في هذه المرحلة أو تلك لا يتوقف على الرغبات والطموحات الذاتية فقط بل وعلى طبيعة موازين القوى مع العدو في الفترة واللحظة المحددة. وأن موازين القوى السائدة الآن بين الشعب الفلسطيني ومن يسانده وبين اسرائيل ومن يساندها لا تسمح بتحقيق العودة والدولة دفعة واحدة وبخبطة واحدة. وأن هذه الموازين ومعها الظروف والأوضاع الدولية المحيطة بالقضية الوطنية الفلسطينية وبالنزاع العربي-الاسرائيلي هي التي جعلت مؤتمر السلام والمفاوضات ممراً اجبارياً لا بد من عبوره والمرور فيه في هذه المرحلة بالذات.
واذا كان لا مجال في هذا المقال للحديث عن التحسينات النوعية او الجزئية التي طرأت على وضع القضية ووضع م.ت.ف خلال فترة عملية السلام وبسبب من قرار المشاركة في الجولة التاسعة، فلا أحد يصدق أن تعزيز المكانة السياسية للمنظمة عربياً ودولياً، واحتلال القضية الفلسطينية موقع الصدارة في أولويات القضايا الدولية المحتاجة الى علاج، هو تنازل قدمته “القيادة المتنفذة لـ م.ت.ف” أو أنه ألحق أضراراً بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني.
ولا تستطيع المعارضة أن تقنع أحداً بأن عودة 30 مبعداً قديماً ودخول فيصل الحسيني الى طاولة المفاوضات، واقرار رابين بترابط الحل بين المرحلتين الانتقالية والنهائية؛ وإقراره بأن القرار 242 و338 هما أساس للعملية وقاعدة للحل النهائي؛ واعلان وزير الخارجية الأمريكي بأن الحكم الانتقالي الفلسطيني سيحل محل الاحتلال، واقرار بضرورة الشروع في معالجة الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية وحصول بعض الخطوات الصغيرة في هذا المجال، وتأكيده على الالتزام بما ورد في رسالة التطمينات المقدمة للطرف الفلسطيني والتي تؤكد من ضمن ما تؤكد بأن “الادارة الامريكية تعتبر القدس الشرقية أراضي محتلة ولا تعترف بتغيير حدودها البلدية لعام 67″، والشحنة التضامنية العربية التي أعطيت للقضية ولمنظمة التحرير في دمشق والقاهرة بما في ذلك دفع بعض أشكال الدعم المادي..الخ بأنها كلها تنازلات مجانية! قدمتها م.ت.ف على أبواب الجولة التاسعة رضوخاً لضغوطات خارجية عربية ودولية!!. وأعقتد أن استمرار المعارضة في تبهيت المكاسب أو إنكار وجودها أو تحويلها وتصويرها على أنها تنازلات لا يغير في الأمر شيئاً “فالشمس لا يحجبها غربال”. ولعل في هذا السياق مفيد تذكير المعارضة بأن بعض ما ورد أعلاه كان من ضمن النواقص التي انتقدتها على امتداد عام كامل من المفاوضات.
ووفقاً لما رشح عن الاسبوع الأول من مفاوضات الجولة التاسعة، فلا نعرف كيف ستتصرف المعارضة وماذا ستقول عن تسليم رابين بدخول الأخوين د. كميل منصور وأحمد الخالدي (عن الخارج) أو انضمام شخصيات أخرى من القدس لاحقاً الى الوفد المفاوض؟. ولا ندري كيف ستصور المكسب الجديد الذي تحقق بتشكيل لجنة فلسطينية-أمريكية لمراقبة أعمال الاستيطان على الأرض..! أو ما يمكن أن تقوله في حال انتزاع الوفد الفلسطيني حق دفعة جديدة من المبعدين القدامى في العودة الى أرض الوطن أو رضوخ اسرائيل مثلاً وشروعها في التجاوب مع المطالب الفلسطينية المتعلقة بحقوق الانسان؛ وإطلاق سراح بضعة آلاف من المعتقلين مثلاً.. هل ستصورها مؤامرة امبريالية دولية عربية فلسطينية ضد المعارضة؟؟ أم أن كل هذه المكاسب “الصغيرة” ستدفع بالمعارضة أو بعض أطرافها الى التراجع عن مواقفها السابقة والالتحاق بركب الأغلبية!! والاعتراف أمام الشعب الفلسطيني بخطأ تقديراتها لمسار الأحداث والتطورات الدولية الجديدة؟؟. أم أن أمراض الذاتية السياسية، والعصبوية التنظيمية، ونقص الديمقراطية المصابة بها الفصائل الفلسطينية تمنع المعارضة، وتعطل قدرتها على رؤية حقيقة أخرى غير التي أقنعت نفسها بها وحقنت بها كوادرها؟.
رابعاً – التشكيك في شرعية قرار المشاركة:
بعض بيانات المعارضة الفلسطينية قالت “أن قرار المشاركة في الجولة التاسعة لا شرعي” وأدعت أن أغلبية اللجنة التنفيذية عارضت القرار..! وبعض بياناتها أسقط الشرعية عن المنظمة وأعتبرها غير مخولة لاتخاذ هكذا قرار.. وآخرين شطبوا بجرة قلم! م.ت.ف كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.. وفي الوقت ذاته انتقدوها لأنها مارست ضغوطاً كبيرة على الوفد وفرضت عليه المشاركة في الجولة التاسعة..!. لا شك أن من حق المعارضة أن تقول ما تشاء، ولكن من حق القوى الأخرى وأصحاب الرأي الآخر توضيح الأمور وتصحيح المعلومات، وطرح ما عندهم من تساؤلات حول مواقف المعارضة. وفي هذا السياق وفي إطار هذا الحق، نسأل: أليست هذه المواقف مليئة بالتناقضات ناهيك عن المغالطات؟ فكيف تجمع المعارضة بين طعنها في شرعية المنظمة وفي أهليتها لاتخاذ القرار وبين حديثها عن اعداد المؤيدين والمعارضين والمتحفظين من أعضاء التنفيذية على القرار؟ ثم كيف توفق بين الحديث عن شرعية القرار وبين مقاطعتها للهيئات التشريعية والتنفيذية الفلسطينية (مجلس مركزي، لجنة تنفيذية، قيادة فلسطينية..) وهل مثلاً اعلان ثلثي أعضاء اللجنة التنفيذية عن موافقتهم (وبالصوت والصورة) على المشاركة في الجولة التاسعة ينهي الاشكال؟ وهل اذا عقد المجلس المركزي دورة خاصة للنظر في القرار سيحضرون أم سيقاطعون؟ وهل اذا أقر القرار بأغبية ساحقة سيلتزمون بالنتيجة وينتهي الاشال ويُحل الخلاف؟؟..
وبغض النظر عن مصادر معلومات المعارضة، أو اجاباتها على هذه الاسئلة، فلا أظن أن التشكيك في شرعية القرار، والطعن في التمثيل الفلسطيني يقدم أية خدمة للقضية الفلسطينية أو للانتفاضة وأهلها الصابرين الصامدين. فمثل هذا التشكيك والطعن يوسع الهوة ويعقد حل الاشكال. وتعرف المعارضة أن طعنها وتشكيكها لن يرقى في نتائجه الى مستوى التأثير على التعامل العربي والدولي الرسمي مع م.ت.ف ولا مع القرار.
لا بديل عن الاحتكام للديمقراطية
بعد هذا العرض لبعض مواقف المعارضة الفلسطينية، وفي ضوء التقدم البسيط أو الواسع الذي ستتمخض عنه مفاوضات الجولة التاسعة أو ما سيتلوها من جولات، فالواضح أن المعارضة ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما:
1) الاعتراف بخطأ مواقفها السابقة من المشاركة في عملية السلام وخاصة تلك التي شككت في علاقة الوفد بالمنظمة وطعنت في تركيبة الوفد وعدم تضمنه شخصيات من القدس والخارج، أو تلك التي تحدثت عن غياب المرجعية للمفاوضات واعتبرت صيغة الحديث عن القرار 242، 338 ملتبسة ولا تفي بالغرض المطلوب.. فكل هذه المسائل حسمت لصالح الموقف الفلسطيني.
2) الامعان في مواقفها ورفع وتيرة وأشكال معارضتها. وبالتدقيق في ما صدر عن المعارضة وما رشح عن اجتماعاتها الداخلية يمكن القول (بكل أسف) أن الوجهة العامة لسياستها تشير الى أنها اختارت الخيار الثاني.
ولا نستبق الأمور اذا قلنا أن الاسابيع والأشهر القليلة القادمة تحمل في طياتها مزيداً من تصاعد الخلاف الداخلي الفلسطيني والذي نأمل أن يبقى محصوراً في إطار التراشق بالبيانات.. واذا كان من حق المعارضة الفلسطينية أن تختار من المواقف ما تريد، وأن تعتمد ما تريد من الأساليب في التعبير عن معارضتها لسياسة م.ت.ف ولكل ما سينتج عن المفاوضات، فإني أعتقد أن لا خيار أمام الاتجاهين (القيادة والمعارضة) سوى تنظيم علاقاتهما الوطنية وبنائها على عمودين أساسيين:
الأول: الحرص على الوحدة الوطنية العامة وعلى وضع المصالح الوطنية العليا وفي مقدمتها مصلحة الانتفاضة وضمان تواصلها فوق أي اعتبار آخر.
والثاني: الاحتكام للديمقراطية واعتمادها كأساس لمعالجة قضايا الخلاف.
فقد أكدت تجارب شعبنا وتجارب العديد من الشعوب الأخرى أن في الديمقراطية علاج شافي لكل أنواع التباينات والخلافات الداخلية. وأنها قادرة على إعطاء كل ذي حقٍ حقه ووزنه. وبالمقابل أكدت أيضاً خطأ كل من يعتمد بدائل عنها.. فهل ستبقى الخلافات محكومة للديمقراطية؟؟.