تأجيل الإتفاق حول الجولان عجّل في الإتفاق حول الضفة الغربية
بقلم ممدوح نوفل في 09/07/1994
بعد شهور طويلة من المماطلة والتسويف، ومن مفاوضات كانت أشبه بحوار الطرشان قرر رابين الإفراج عن بعض نصوص إتفاق أوسلو وبروتوكولات القاهرة، التي حجزها وجمدها أكثر من عام. ورغم أن طبخة الإتفاق حول اعادة الانتشار والانتخابات وتسليم السلطات المدني للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لم تستكمل حتى الآن، وهي موضوعة على نار حامية الآن، فالمرجح أن يتوجه الفلسطينييون والاسرائيليون في الثلث الأخير من تموز الجاري الى واشنطن ليوقعوا برعاية أمريكية روسية مشتركة وفي إحتفال دولي قد يكون مهيب..على إتفاق جديد يتعلق بتنفيذ المرحلة الثانية من إتفاق أوسلو. وسيخرج أركان الادرة الامريكية على العالم ليقولوا بان عملية السلام في الشرق الاوسط بألف خير، وان رعايتهم لها متواصلة وانهم الذين انجزوا هذا الاتفاق الجديد.ولن يتطرق احد الى الى البنود التي لن يفرج عنها رابين او الى اكله عاما كاملا من عمر الاتفاق القديم. والمعلومات الواردة تؤكد ان ضغط الادارة الامريكية نحو التوقيع في واشنطن فيه هضم لحقوق النرويجيين وسلب لدورهم، تماما كما هضمتها وسلبتها يوم التوقيع على إتفاق اوسلو(13/9/1993) في حديقة البيت الأبيض. فالإجتماعات الحاسمة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي عقدت في السفارة النرويجية في تل أبيب، وكان لوزيرالخارجية النرويجية وأركان سفارته في تل ابيب دورا رئيسيا في تقليص بعض الفجوات بين مواقف الطرفين. وأن أركان الإدارة الامريكية فضلوا تجنب التورط المباشر في الموضوع كي لا يجدوا أنفسهم مجبريين على الإدلاء بشهادتهم حول تفسير بنود إتفاق أوسلو، وبنود اتفاق بروتوكولات القاهرة، وعلى ممارسة بعض الضغط على رابين بإتجاه التسريع في الإفراج عن الاتفاق وفي تنفيذه.
وبقراءة مختزلة للمسودات ولمواقف الطرفين وللظروف التي تحيط بالموقف الفلسطيني، يمكن القول ان الاتفاق الجديد سوف يكون في كل كل الاحوال ناقصا، فالجانب الاسرائيلي حريص على وضعه بصيغة ناقصة ليكون تنفيذه بحاجة الى ملاحق، والى جولات أخرى من المفاوضات قد تتواصل على إمتداد العام القادم كله. وانه سوف يثبت التوجه الاسرائيلي الرامي الى تحويل الحكم الذاتي في الضفة الغربية الى صيغة من صيغ التقاسم الوظيفي بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. بحيث تحتفظ اسرائيل بالسيطرة الامنية والجغرافية على معظم الارض والسكان ، وتتولي السلطة الفلسطينية الصلاحيات الادارية والوظيفية تحت ظل الحكم العسكري الاسرائيلي والابقاء على قوانين الاحتلال كمرجعية في العديد من المجالات. وبالربط بين ما سيتضمنه الاتفاق الجديد وبين الاجراءات القائمة والجارية بتسارع على الارض، والفصل الامني والاقتصادي، وتكريس عزل القدس، ومصادرة الاراضي لتوسيع الاستيطان وشق الطرق لمنع الاحتكاك بين الفلسطينيين والمستوطنيين، تتضح معالم الحل النهائي الذي تخطط له اسرائيل بقيادة حزب العمل. انه حل لا يتجاوز حدود وجود سلطة فلسطينية مقيدة وخاضعة في غزة واريحا وتمارس حكما ذاتيا اداريا وظيفيا في الضفة الغربية تحت السيطرة الامنية والاقتصادية والقانونية للاحتلال.
وإذا كان تفكير رابين الأمني، وذهنيته الصهيونية التوسعية، وشكوكه في النوايا الفلسطينية، وتردده في التقدم نحو صنع سلام حقيقي مع الفلسطينيين، وتركيزه على الانتخابات القادمة كانت كلها عومل أساسية في تأخير الاتفاق مع الفلسطينيين على تنفيذ الشق الثاني من إتفاق اوسلوعاما كاملا.فاني أعتقد ان نتائج المفاوضات التي اجراها امنون شاحاك مؤخرا مع رئيس اركان الجيش السوري في واشنطن، وقرار رابين وإلتزامه أمام حزبه وأمام شعبه وفي الكنيست بالذهاب الى الاستفتاء حول أي اتفاق بشأن الجولان، قد عجلا في تحريك المفاوضات مع الفلسطينيين. فذهاب رابين الى الاستفتاء يتطلب توصل الاسرائيليون والسوريون الى مسودة إتفاق اولية. ورغم الحديث عن الأجواء الايجابية التي سادت مفاوضات رئيسي أركان البلدين، ورغم التصريحات الإيجابية الامريكية والسورية والإسرائيلية التي صرنا نسمعها مؤخرا عن سير المفاوضات على المسار السوري-الأسرائيلي، فالتدقيق في مواقف الطرفين وفي أهدافهما يؤكد أن لا مجال أمامها للتوصل لمثل هذا الاتفاق خلال بضعة اسابيع او شهور قليلة، وانها تدفعهما باتجاه التأجيل لحين انتهاء الاسرائيليين من إنتخابات الكنيست، وإنتهاء الامريكان من إنتخابات الرئاسة أواخر العام القادم. فالعوامل التي دفعت بالطرفين الى التشدد في المفاوضات وأخرت توصلهما الى أي إتفاق خلال مفاوضات قارب عمرها الاربع سنوات لا زالت قائمة حتى الان، وأضيفت لها عوامل محلية ودولية جديدة، ويمكن تكثيفها بالتالي:
1) لقد حاول رابين في اكثر من مرحلة من مراحل المفاوضات التوصل الى اتفاق جزئي مع السوريين يعفيه من فككة أي من مستوطنات الجولان، ويجنبه الدخول في صراعات حاسمة مع اليمين الاسرائيلي الداعم للمستوطنيين، ويجنبه وقوع انشقاق في حزبه.وحاول إغراء السوريين باتفاق مرحلي، أقرب الى صيغة فك إشتباك كالتي تمت بعد حرب تشرين. وعرض عليهم إنسحابا جزئيا مقابل سلام جزئي، الا أن مصالح سوريا الوطنية والاقليمية حالت دون ذلك. فما عرضه رابين كان اقل بكثير مما حققه السادات في كامب ديفيد. وتجربة مرحلة الحلول على المسار الفلسطيني الاسرائيلي التي فرضت على م ت ف منذ بداية عملية السلام كانت محبطة وغير مشجعة وغير ناجحة. وظروف سوريا الداخلية وعلاقاتها الاقليمية والدولية غير ضاغطة باتجاه التوصل الى اتفاق ناقص ومسلوق كما كان الحال مع منظمة التحرير الفلسطينية. وخلا الفترة الماضية لم تستطع الادارة الامريكية ممارسة إبتزازها وضغوطها على السوريين باتجاه قبول مثل هذا الحل المقترح من الاسرائيليين كما مارستها مع قيادة م ت ف في اتفاق بروتوكولات القاهرة، وتمارسها الان من أجل التوصل للاتفاق الجديد. فقرارات الشرعية الدولية،واسس مؤتمر مدريد،وبخاصة قرار 242 وتنفيذه، تمكنها من الهروب من الضغط الامريكي وتفرض العكس. فسوريا دخلت عملية السلام بهدف تعزيز دورها الاقليمي، وتمتين اقتصادها الوطني الى جانب استردادها لارضها المغتصبة.اما المنظمة فدخلت العملية على امل انقاذ الذات وانقاذ ما يمكن انقاذه من الارض الفلسطينية التي كانت تبتلعها بتسارع جنازير جرافات ومعاول المستوطنيين. وسوريا دخلت عملية السلام عام 1991 قبل ان تقبض من الامريكان ثمن دعمها العملي ومؤازرتها الواسعة للسياسية الامريكية في الشرق الاوسط حين شاركت في حرب الخليج ضمن التحالف الدولي الذي بناه وقاده الامريكان في مواجهة الغزو العراقي للكويت. بينما م ت ف خرجت من تلك الحرب وهي مطاردة دوليا ووعربيا. وبلغة المال يمكن القول ان سوريا دخلت عملية السلام وهي دائنة، اما م ت ف فدخلتها وهي مديونة ورصيدها عند الامريكان والعرب دون الصفر.
2) صحيح أن لا أحد من أطراف الصراع في المنطقة، أو من رعاة عملية السلام، أشارحتى الان من قريب أو بعيد للعلاقة بين ما جرى ويجري على المسار الاسرائيلي السوري، وبين إعلان بيريز وابوعمار في إيرتز يوم 3 / تموز عن إتفاقاقهما على العديد من القضايا الهامة، وعن اتفاقهما على التوصل الى اتفاق نهائي حول المرحلة الثانية من إتفاق أوسلو قبل الخامس والعشرين من تموز الجاري. الا أن التدقيق في متطلبات أي اتفاق اسرائيلي ـ سوري ونتائجه المباشرة على الموقف الانتخابي لحزب العمل، بالمقارنة مع متطلبات ونتائج الاتفاق المتوقع مع الفلسطينيين يظهر مثل هذا الترابط.ولعل تأجيل الاعلان عن (إتفاق التفاهم) الفلسطيني الاسرائيلي الجديد الى ما بعد لقاء رئيس أركان الجيش السوري العميد حكمت الشهابي مع أمنون شاحاك رئيس أركان جيش الدفاع الاسرائيلي، يدّعم ويقوي هذا الاعتقاد. ويشيرالى أن الاستخلاصات التي قدمها إمنون شاحاك عن نتائج مفاوضاته مع رئيس الاركان السوري، كان لها دورها في دفع رابين نحو حسم أمره، باتجاه تأجيل الاتفاق مع السوريين الى ما قبل او بعد الانتخابات الاسرائيلية، وإعطاء الضوء الاخضر لبيريز وللمفاوضين الاسرائيليين الاخرين بالتقدم ضمن حدود معينة في المفاوضات مع الفلسطينيين. فالمفاوضات بينت ان التوصل الى اتفاق متكامل كما يطالب السوريين يحتاج الى وقت طويل. وان ما سيطّر الى تقديمه للسوريين يثير العديد من القضايا الشائكة غير المتفق عليها في اسرائيل عامة وداخل حزب ذاته، وهذه القضايا بمقدورها تفجير الاوضاع داخل حزب العمل، واثارتها الان يضعف الموقف الانتخابي لرابين وكل حزب العمل. لا سيما وأن مجموعة كهلاني هددت رسميا بالانسحاب من الحزب في حال التوصل الى اتفاق مع السوريين يتم بموجبة فككة أي من المستوطنات في الجولان.
ويدرك رابين ان الاتفاق مع السوريين يتطلب قبول اسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان السوري وحتى حدود عام 967 بما في ذلك الاراضي الفلسطينية المحتلة المتاخمة للجولان والتي كانت تحت السيطرة السورية قبل حرب حزيران 67, كمنطقة الحمة، ومنطقة مثلثات كعوش، والشواطىء الشرقية لبحيرة طبريا. وكذلك القبول بتواجد دولي في هضبة الجولان، ويتطلب ضمان الحصول على مليارات من الدولار لدفعها للمستوطنيين كتعويضات، ولبناء المنشئات العسكرية الضرورية كبديل عن المنشئات الموجودة في الجولان ولاقامة الضروري منها لتنفيذ الاتفاق. وكذلك الاتفاق على مستقبل الوضع في لبنان..الخ. وبالتدقيق في هذه القضايا يتبين انها لا تثير الخلافات الخلافات الداخلية فحسب، بل قد تتسبب ايضا في توتير علاقة حزب العمل مع بعض أقسام اللوبي اليهودي الصهيوني الامريكي، ومع الكونغرس ومجلس الشيوخ الامريكيين بأغلبتهما الجمهورية، وتجعل السياسة الاسرائيلية ومتطلباتها المالية والعسكرية موضع خلاف أمريكي داخلي. فالكل يعرف ان صراعات الحزب الجمهوري مع الحزب الديمقراطي على ابواب انتخابات الرئاسة الامريكية دفعت بالغالبية الجمهورية في المجلسين الى معارضة نشر قوات امريكية في هضبة الجولان، وانها لن تسهل لادارة الرئيس كلينتون الحصول على الاموال اللازمة لتغطية نجاح سياسي ودبلوماسي من مستوى حجم التوصل الى اتفاق سوري اسرائيلي.
واعتقد ان مصلحة الحزب الجمهوري تكمن في تاجيل مثل هذا الاتفاق الى ما بعد الانتخابات، وبعد توليه السلطة في البيت الابيض. وان الاوضاع الاسرائيلية الداخلية لا تحتمل التوصل الى اتفاقين على جبهتين السورية والفلسطينية في وقت واحد. واعتقد ان لا مصلحة لرابين وحزب العمل في خوض الصراع الداخلي حول قضيتين كبيرتين في ان في واحد. فالاتفاق مع الفلسطينيين بصيغته المتوقعة هو الاقل الاثارة، ويبقي حزب العمل موحدا، ويوحد قوى السلام في اسرائيل خلف رابين، وما سينشأ عنه من صراع مع اليمين وبخاصة مع المستوطنيين يكفي اتشغيل رابين وقيادة حزب العمل من وحتى الانتخابات الاسرائيلية.