أزمة السلطة الفلسطينية و سبل الخروج منها
بقلم ممدوح نوفل في 28/09/1994
2)احياء دور منظمة التحرير واجراء تغيير وزاري ضرورة وطنية
بتاريخ 10/10/93، قررالمجلس المركزي الفلسطيني في اخر اجتماع له: (اقامةالسلطه الوطنيه الفلسطينيه على كل الاراضي الفلسطينيه المحرره التىسيتم الانسحاب منها ، ويفوض المجلس اللجنه التنفيذيه وفقا لقرار المجلس الوطني تشكيل هذه السلطه من الداخل والخارج ، وان تكون انتقاليه ومرجعيتها م.ت.ف وان يترأسها رئيس اللجنه التنفيذيه .) وفي حينها صوت مع القرار 68عضوا وعارضه 3 اما الباقون فتوزعوا بين ممتنع عن التصويت وعن الادلاء بالرأي. وشدد الجميع على ضرورة الحفاظ على م.ت.ف وتفعيل دورها كممثل لكل الشعب الفلسطيني داخل وخارج الارض الفلسطينية وكمرجعية للسلطة . ولاحقا جرى تشكيل السلطه بشكل متسرع نسبيا،عندمااصرت اسرائيل على استلام اسماء اعضاء السلطة الفلسطينية قبل دخول الشرطة الى غزة واريحا وفقا لاتفاق البروتوكولات الذي وقع في القاهرة يوم 4/5 /94. في حينهااجرى ابوعمار مشاورات سريعه مع ابومازن وقدم للاسرائيليين اسماء 14 وزير ولاحقا ارتفع العدد الى20، وفي حينها اعتذر 3 عن المشاركه وبقيت 5 او6مقاعد خاليه بدون تعيين. وفهم الجميع ان ابوعمار ابقاها بيده على امل اقناع بعض الاطراف الاخرى بالمشاركه،من ضمنها حزب الشعب، ولسد بعض الثغرات التي كانت واضحة للجميع . والان وبتأمل موضوعي في اوضاع الوزارة الفلسطينية يمكن تكوين اللوحة التالية :
اعتقد اننا لا نتجنى على احد ولا نمس من طاقات اي وزير خاصة ممن لهم علاقة بالاقتصاد والادارة و المال اذا قلنا، ان الاسس التي اعتمدت في تشكيل الوزارة الفلسطينيه قبل ما يزيد عن مئة يوم ، طغى عليهااعتبارات سياسة وحزبية، وروعي الاعتبار الجغرافي وكل ذلك حصل على حساب الاعتبارات الاخرى. وخاصة الاقتصادي وما يتعلق ببناء المؤسسات وتكوين الادارة الحديثه. وفي حينها قيل هذه وزارة انتقالية والمهم الان الاسراع في التشكيل لتسهيل دخول الشرطة، و ضمان الانسجام السياسي والولاء للقضية . ولهذا جاءت تشكيلة الوزارة الفلسطينيه مليئة بالسياسيين وناقصة اخصائيين وخبراء في العمل المالي والإداري والإقتصادي. وطغى الوجود الفصائلي على حساب المستقلين من ذوي الكفاءة والإختصاص . و لاحقا جاءت تعينات وكلاء الوزارات و المدراء وما دونهم من مراتب ودرجات، وتعيينات قادة الاجهزة الامنية لتزيد من طغيان الفصائلية على بنية السلطة الفلسطينية. ولتظهر العصبوية التنظيمية بأبشع صورها ، و لتخلق حالة من الصراع على السلطة بين الداخل والخارج ، و بين كوادر التنظيمات وكوادر التنظيم الواحد . كل هذا تم في وقت سأم الشارع الفلسطيني كل الفصائل والأحزاب بصيغها وعلاقاتها و ممارستها السابقة ، و بات يتطلع إلى أطر تنظيمية و أحزاب سياسية أكثر ديمقراطية و أقل بيروقراطية وديكتاتورية . خاصة و أن أي من الفصائل و الأحزاب المعروفة لم يحاول تجديد نفسه. و لم يحدث أي منها أي تعديل أو تغيير في أسسه التنظيمية و لا في علاقاته الداخلية ولا في علاقاته مع الناس . ولم يطرح اي منها حتى الان برنامجا يتناسب مع المرحلة الجديدة التى عبرها النضال الوطني الفلسطيني . حقا لقد كرست وفرضت الوزارة و التعـينات الأخرى فـكر الثورة وأدواتـها، ونمط علاقاتها وآلية عملها على الدوله ولم تراعى متطلبات بناء إقتصاد قوي ، وبناء المؤسسةالعصرية. ولا مبالغة في القول أن الوزارة الفلسطينية في تشكيلها وطريقة عملها وفي علاقاتها الداخلية تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قبل عشر سنين. والفارق الوحيد بينهما هو غياب المعارضة ومناكفاتها. اماالعمل في الوزارات فلم يخلتف كثيرا عن عمل دوائر المنظمة ايام تونس وبيروت ، بل أن بعض الوزراء يترحموا على تلك الأيام . ولهذا كله غاب رموز الرأسمال الوطني الفلسطيني عن تشكيلة السلطة، وحتى الذي سمي منهم لم يستطع الإستمرار فيها ولم يسمع الناس رايه. ولم يفكر (اي روتشيلد) الفلسطيني في المشاركة فيها أو التعاون معها، و راح كل يفكر بمفرده ويعمل لخدمة بلده وفقا لرؤياه الخاصة. وحتى هذه اللحظه لازال مجلس الوزراء الفلسطيني غير مستكمل ، والمستنكفون او المستقيلون لم يجري تعيين بدلاء لهم ، ومعظم العاملين يشكون من سلب صلاحيتهم وبعضهم لا مكتب له حتى الان ، ومصابون بمرض اللامبالاة والحيرة والارتباك . اما بشأن العلاقة مع الناس فلم يصدر عن مجلس الوزراء بيان واحد حتى الان ، وبقي الشعب الفلسطيني غائب من الذهن ومغيب عن المساهمة في دعم السلطة في مواجهة الابتزازات الاسرائيلية التى تمت على الارض او في المفاوضات . وظل عرضة لما يسمعه من اوهناك .
أما وضع م.ت.ف فاظن ان لا مبالغة في القول انها باتت مقعدة وشبه مشلولة و تمر في مرحلة الاحتضار. فبالاضافة للانقسام السياسي والتنظيمي ، تعاني مؤسساتها الشرعية الرسمية من تاكل داخلي . فدورها مغيب تماما، وعدم اجتماع اي من هيئاتها التنفيذية والتخطيطية ( لجنة تنفيذ – مجلس مركزي ) امر بالغ الدلالة والخطورة لاسيما وانها المرجعية للسلطة والمسؤلة عن متابعة ومعالجة قضايا وهموم نصف الشعب الفلسطيني المقيم خارج الضفة والقطاع. وبغض النظر عن النوايا فان الخلط الذي جرى بين مهام الوزارة ومهام اللجنة التنفيذية ابقى العديد من المهام الوطنية الكبرى مهملة، ولا تجد من يتابعها . فلا الوزارة قادرة على ذلك ولا الاتفاقات تسمح لها ان هي حاولت. ولا نظلم احدا اذا قلنا ان المعارضة وكل المستنكفين عن المشركة في الوزارة والمشاركين فيها يتساوون في المسؤولية عن شلل المنظمة وعن النتائج الخطيرة التى ترتبت على ذلك حتى الان وتلك التى يمكن ان تظهر مستقبلا . فاذا كان مفهوما ان يكون لهذا الحزب او ذاك الفصيل او تلك الشخصية الوطنية من المعارضين او المؤيدين لعملية السلام موقفا من المشاركة في السلطة( الوزارة ) فمن غير المقنع وغير المفهوم اطلاقا استمرارهم في تجميد ادوارهم فى هيئات م.ت.ف ،او الانسحاب من اللجنة التنفيذية، الا اذا كانوا مقتنعين ان دور المنظمة قد انتهى ولم يعد هناك من مبرر لوجودها. واعتقد ان الاستمرار في الاستنكاف والمقاطعة والقاء المسؤولية على الاخرين لا يوقف التدهور الحصل في اوضاع المنظمة ولا يصوب عمل السلطة ولا يعالج قضايا الشعب الفسطيني داخل وخارج الوطن، بل يلحق اضرارا فادحة بالمصالح الوطنية العليا .ويخطأ كل من يعتقد انه بموقفه السلبي والاستنكافي عن المشركة في احياء المنظمة يعاقب احدا غير الشعب الفلسطيني ويخطأ اكثر من يعتقد ان بامكانه وراثتها او تشكيل بديلا لها. صحيح ان الاستنجاد بالفصائل والاحزاب الموجودة ينطبق عليه المثل القائل (ناديناك يا عبد المعين حتى تعين وجدناك بحاجة لمن يعين ) الا انه لا بديل لذلك من الان وحتى انجاز انتخابات وطنيه، وهذا الامر واضح انه يحتاج الى صراع مرير وطويل مع الذات ومع الاسرائيليين. وفي سياق البحث عن المخرج الوطني ، واستعادة الثقة بالسلطة الوطنية التي قرر المجلس المجلس المركزي تشكيلها، ولمنع تفاقم التردي في عمل الوزاره الفلسطينية، ووقف تدهور حالة م.ت.ف ومؤسساتها، ولادارة المفاوضات بشكل ومضمون افضل ،اعتقد انه بات من الضروري الاقدام على عدد من الخطوات الوطنية الجريئة العاجلة حتى ولو كانت مؤلمة لبعض القوى ولبعض الوزراء ,منها :
اولا_ الإسراع في حل الوزارة الفلسطينية وإعادة تشكيلها على أسس مختلفة عن تلك التي أعتمدت سابقا ، أهمها إعتماد الكفاءة و الخبرة والإختصاص، و خاصة في المجال الإقتصادي والمالي والتربوي ولاداري. وأعتقد أن تجربة الوزارة الحالية أكدت أن الجمع بين رئاسة اللجنة التنفيذية ورئاسة الحكومة تم على حساب دور م.ت.ف . ولعل تعيين وزير أول أو رئيس وزراء يكون مسؤولا أمام رئيس السلظة الوطنية _ رئيس اللجنة التنفيذية يسهم في انهاء التداخل القائم في مهام الوزارة ومهام اللجنة التنفيذية وقد يساعد على تشغيل المنظمة والحكومة كل في مهامه وبشكل أفضل . فالحكومة في مثل هذه الحالة تكون الإدارة التنفيذية للمنظمة و تكون مهمة متابعتها و توجيهها و محاسبتها مهمة من مهمات اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي، ويكون رئيس السلطة الفلسطينية -رئيس اللجنه التنفيذيه هو همزة الوصل ما بين الهيئتين . و لربما كان تكليف شخصية وطنية مستقلة بمهمة تشكيل وزارة تكنوقراطية لا علاقة لأي من أعضائها بالمنظمات و الأحـزاب هو الأنسب والأفعل في إنجاز مهمات البناء المطلوبة في غزة و أريحا خاصة اذا كان الوزير الاول والوزراء الاخرين من ذوي الخبرة والاختصاص وممن يتمتعون بمصداقية عند شعبهم وفي الاوساط العربية والدولية. و من الطبيعي ألا تكون لحكومة التكنوقراط أي علاقة بالمفاوضات الفسطينية_ الاسرائيلية . و أن تكون ملزمة بتقديم برنامجها وخطط عملها للّجنة التنفيذية ، وأعتقد أن مصادقة المجلس المركزي على تشكيلها وعلى برنامجها يعطيها مزيدا من المصداقية والقوة. وأظن أن اللجوء إلى ترقيع الوزارة الحالية باستكمال الشواعر يبقي المشكلة قائمة .
ثانيا_ العمل على إحياء منظمة التحرير كونها إطارا وطنيا يمثل الشعب كله ، ويضم كل قوى الحركة الوطنية الفلسطينية . معارضين و مؤيدين لعملية السلام لا شك ان حشد طاقات كل الشعب الفلسطيني في عملية بناء مرتكزات الدولة في غزة و أريحا ، والنهوض بالإقتصاد الوطني و قيادة معركة المفاوضات و تفعيل العلاقات الفلسطينية العربية مهام من الطراز الأول ومن إختصاص مؤسسات وهيئات م.ت.ف. ومن ضمنها الوزارة كل في مجاله المحدد له
ثالثا_ تشكيل لجنة وطنية متخصصة بشؤون الفاوضات بدءً من وضع الخطط التفاوضية و إنتهاءً بالتنسيق مع الأطراف العربية الأخرى المشاركة في المفاوضات. على أن تكون هذه اللجنة مرتبطة باللجنة التفيذية وتابعة لها. وأعتقد أن تفعيل الدور الفلسطيني في المفاوضات الحالية واللاحقة – الثنائية والمتعددة الأطراف -يتطلب بناء طواقم كفؤة ومتخصصة في المواضيع المطروحة على بساط البحث ، وتوفير طواقم مستشارين أخصائيين لكل المجالات .
وأخيرا أظن أن لا خلاف على كون إمتحان بناء الدولة أصعب وأعقد من إمتحان الثورة ، و أن العقل الفلسطيني يمر الآن في إختبار مصيري ، الفشل فيه ممنوع والنجاح واجب مفروض على الجميع . فهل سيتحمل الجميع مسؤولياتهم ، ويغير المقاطعون والمستنكفو مواقفهم ويساهم كل حسب طاقته في الخروج من الأزمة والمأزق التي تمر بها السلطة والمنظمة ، أم أنهم سيتمترسون خلف متاريسهم القديمة؟ سؤال مطروح على الجميع برسم الجواب …؟