وقفة أمام عام من المفاوضات العربية الاسرائيلية
بقلم ممدوح نوفل في 06/12/1994
قبل ايام وفي 30 اكتوبر الماضي اكملت المفاوضات العربية الاسرائيلية عامها الاول. عقدت خلاله الوفود العربية مع الوفود الاسرائيلية سبع جولات من المفاوضات الثنائية وجولتان من المفاوضات المتعددة الاطراف. ومن المعروف ان مؤتمر السلام بشقيه الثنائي والمتعدد انطلق قبل عام آخذا على عاتقه معالجة كل اوضاع المنطقة الشرق الاوسط بعقدها التاريخية وصراعاتها المستفحلة، وعلاقاتها العدائية المستحكمة، وسار بها برعاية امريكية فعلية، وامريكية روسية اسمية، نحو مرحلة جديدة تختلف في نظمها ومفاهيمها وعلاقاتها السياسية والاقتصادية والامنية والفكرية والثقافية اختلافا نوعيا عن تلك المفاهيم والعلاقات التي سادت في المنطقة على مدى نصف قرن من الزمن.
ومنذ الافتتاح أثار مؤتمر السلام الكثير من الاسئلة. القليل منها وغير الحاسم أجابت عليها جلسات المفاوضات التي عقدت حتى الان. اما الاسئلة الاخرى الهامة والمعقدة فلا زالت بدون اجابات حاسمة شافية. واذا كان من المتعذر الان استقراء كل النتائج النهائية التي ستتركها وكل المتغيرات التي ستحدثها مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية على الاوضاع المستقبلية لدول وشعوب المنطقة، فليس صعبا على من تابعها وراقبها رؤية تفاعلاتها ونتائجها الاولية على اسرائيل، وعلى الشعب الفلسطيني داخل وخارج الارض المحتلة، وعلى الدول العربية المشاركة فيها.
ان وقائع المفاوضات ومجرياتها تؤكد صحة الرؤيا الفلسطينية والعربية التي اعتبرت المفاوضات ميدانا من ميادين الصراع ضد العدو لانتزاع الحقوق العربية وفي مقدمتها استعادة الاراضي العربية التي احتلت عام 67 ، وتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق اهدافه الوطنية المشروعة في العودة وتقرير المصير وبناء دولته المستقلة. صحيح ان المفاوضات لم توصل الاطراف العربية لاهدافها حتى الان، ولكن الصحيح ايضا انها لم تخسر شيئا ولم تقدم تنازلا واحدا يلحق الاذى بالمصالح العربية، أو يمس اشكال النضال الاخرى. ويسجل للوفود العربية عامة والوفد الفلسطيني خاصة انهم نجحوا في تحويل المفاوضات الى ساحة محاكمة دولية علنية للاحتلال وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني وضد المواطنين اللبنانيين والسوريين في الجولان وجنوب لبنان، ونجحوا في عرض قضايا شعوبهم وخاصة قضية الشعب الفلسطيني وبينوا عدالتها، وازالوا الكثير من التشويهات التي لحقت بها على مدى سنوات طويلة. وتمكنوا من ترسيخ وتوسيع جبهة الاصدقاء، وكسب مواقف العديد من القوى المحايدة، وحيدوا بعض القوى الدولية التي كانت منحازة لاسرائيل ومعادية للقضايا العربية. وتواصل المفاوضات عاما كاملا دون الوصول الى اية اتفاقات خير دليل على ان الوفود العربية لم تستجدي حلولا، لكنها بينت للعالم اجمع تطاول اسرائيل على قرارات الشرعية الدولية، وان استمرار غياب الحل العادل للصراع العربية-الاسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية، يلحق اضرارا فادحة بمصالح شعوب المنطقة، ومصالح كل الدول والشعوب المحبة للسلام.
ومن خلال المشاركة، وبحسن اداء الوفد الفلسطيني لوجباته تم تكريس وحدة الشعب ووحدة التمثيل الفلسطيني واستقلاليته وتم قطع الطريق على أوهام ومحاولات بعض القوى الدوليةو الاقليمية خلق بدائل لمنظمة التحرير او بدائل لقيادتها الشرعية.
وفي نهاية الوصلة الاولى من الجولة السابعة من المافوضات ابدع الدكتور حيدر عبد الشافي والوفد المرافق له، حين وضعوا الاعتداء الاسرائيلي الاخير على مخيم نهر البارد فوق طاولة المفاوضات، وحين ادخلوا ارواح الشهداء الى مبنى وزارة الخارجية الامريكية حيث تنعقد المفاوضات. ان طرح الدكتور حيدر مسألة الاعتداء على المخيمات الفلسطينية في لبنان، وتلاوة الفاتحة، وتوقيف المفاوضات خمس دقائق حدادا على أرواح الشهداء ليس سوى تأكيد على وحدة الشعب، ووحدة التمثيل، ووحدة القضية وترابط هموم وقضايا الشعب الفلسطيني من مخيم نهر البارد في لبنان الى عبسان في قطاع غزة. وهي رسالة واضحة لاسرائيل ولكل المجتمع الدولي بأن لا أمن واستقرار ولا سلام في المنطقة بدون الحل العادل لكل جوانب القضية الفلسطينية وفي مقدمتها قضية اللاجئين.
وبالمشاركة في عملية السلام تمكن الانتفاضة من تعريف العالم بأهدافها وبنضالاتها اليومية، وتحولت قضايا الاستيطان والقتل والقمع والاعتقال وقطع الاشجار..الخ التي يمارسها جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين من قضايا محلية الى قضايا سياسية دولية.
صحيح ان المفاوض الفلسطيني لم يستطع الزام اسرائيل بوقف او تجميد الاستيطان بشكل كامل لكن اضطرار رابين على الاعلان عن وقف بناء المستوطنات جديدة وعن تجميد سبعة الاف وحدة سكنية كانت قيد الانشاء يعتبر مكسبا اوليا يحتاج الى استكمال. وفي المعركة المفاوضات متواصلة. ولعل سقوط شامير وخروج الليكود من السلطة وتمكن قوى السلام في اسرائيل من التقدم خطوات الى الامام، وتحول القضية الفلسطينية الى قضية اساسية داخل المجتمع الاسرائيلي تعتبر هي الاخرى انجازات اولية ما كانت لها ان تتحقق لو لم تكن هناك مفاوضات، ولو لم تكن هناك مشاركة فلسطينية في عملية السلام. وذات الشيء يمكن قوله ايضا عن احياء حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة او التعويض ونفض الغبار عن القرار رقم 194 الخاص بهم وبقضيتهم العادلة.
والان وبعد عام على بدء المفاوضات العربية الاسرائيلية لا بد من تجديد القول ان الطريق طويل وشائك ومعقد. وان السير فيه يحتاج الى صبر ايوب الفلسطيني. وعدونا مفاوض صعب المراس. ولا بد من القول ايضا ان المكاسب والانجازات الهامة التي حققتها القضية الفلسطينية والقضايا العربية الاخرى لا زالت لم تلامس الاهداف الجوهرية للشعب الفلسطيني والشعوب العربية الاخرى، وانها لا زالت عرضة للتبخر والاندثار، فالمعركة في بدايتها وجولاتها القادمة هي الاصعب والاعقد. وحتى لا نحمل الوفد الفلسطيني والوفود العربية الاخرى ما يفوق طاقاتها، وحتى لا نكون مثل قوم موسى الذين قالوا له اذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون، لا بد من الاقرار بأن المفاوضات وكسب جولاتها اللاحقة مسؤولية عربية جماعية يتحملها الجميع، انظمة وقوى بغض النظر عن مواقفها المؤيدة او المعارضة لعملية السلام. ومقومات كسبها متوفرة. تكمن اولا في تعزيز الوحدة الوطنية داخل الاقطار العربية المشاركة في المعاوضات عامة وفي الساحة الفلطسينية خاصة. واذا كانت المعراضة للمفاوضات حق، فللمصالح الوطنية العليا واجبات تفرض حشد وتوظيف طاقات لجميع في مواجهة العدو الرئيسي، وعلى العقل العربي ان لا يعجز عن التوفيق بين حق المعارضة في التعبير عن آرائها وبين توجيه كل الجهود وتسخير كل الامكانات في خدمة المواقف العربية في المفاوضات وتعزيز الديمقراطية واحترام اسسها وقواعدها هي الطريقة الاساسية والوحيدة القادرة على تحديد الحقوق للجميع الى جانب الواجبات ومع الوحدة الوطنية تقف مهمة توحيد استراتيجيات المفاوضيت العرب وتمتين ترابط الحلول على كل الجبهات. واذا كانت تكتيكات المفاوض الاسرائيلي واضحة في سعيها لشق وحدة الوطقف العربي في المافوضات فالواجب القومي يفرض على الجميع اقفال الطريق امام هذه المناورات. وبالاضافة لهذا الواجب وذاك تبقى مهمة ادامة الانتفاضة وتوفير الحماية السياسية لها، وتمكين الشعب الفلسطيني من الصمود تحت الاحتلال مهمة فلسطينية وعربية يجب ان تكون على رأس سلم أولويات الجميع. فالانتفاضة ورقة قوية بيد المفاوض الفلسطيني وكل المفاوضين العربي الآخرين.
فبالموقف السياسي الواقعي والصحيح، وبالانتفاضة والوحدة الوطنيةو التضامن العربي وتنسيق المواقف في المافوضات نصون الحقوق الفلطسينية والعربية ونحقق الاهداف طال الطريق أم قصر. وعلى ابواب العام الثاني من المفاوضات تبرز اهمية تحضير الاوضاع الذاتية لمواجهة التطورات والتعايش مع كل ما سنتج خلاله عن المفاوضات.
تونس 30 اكتوبر 92
ممدوح نوفل
عضو المجلس المركزي الفلسطيني
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية / التجديد.
عام على مفاوضات السلام
بعد أيام تكمل عملية السلام العربية والفلسطينية الاسرائيلية عامها الاول. عقد المتفاوضون خلاله سبع جولات من المفاوضات الثنائية وجولتان للمتعدد الاطراف. وبذلت جهود مضنية فلسطينية وعربية ودولية، وأعدت عشرات الدراسات والمشاريع، شارك فيها المئات من الباحثين والخبراء، وكله تم كما هو معروف في اطار البحث عن السلام في الشرق الاوسط، وجوهره حل القضية الفلسطينية. ومنذ الافتتاح أثار مؤتمر السلام الذي عقد في مدريد في 30 اكتوبر 91 الكثير من التساؤلات. القليل منها وغير الحاسم اجابت عليه جولات المفاوضات التي عقدت حتى الان، أما الاسئلة الهامة والمعقدة فلا زالت بدون اجابات شافية وحاسمة. منها وأهمها هل ستتمكن عملية السلام الجارية من تحقيق الاهداف التي تحددت في مبادرة الرئيس بوش، وفي رسالة الدعوة، وكتب التطمينات الامريكية التي اعطيت للاطراف المعنية مباشرة بالصراع؟. أم أن مصير هذه المحاولة سيكون كمصير المحاولات الامريكية والدولية الكثيرة التي سبقتها؟.
واذا كان من المتعذر الان استقراء النتائج النهائية التي ستتركها، والمتغيرات التي ستحدثها مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية مستقبلا على اوضاع دول وشعوب المنطقة، فليس عسيرا على كل من تابعها وراقبها رؤية تفاعلاتها ونتائجها الاولية على الشعب الفلسطيني داخل وخارج الارض المحتلة، وعلى قضيته العادلة. وفي هذا السياق يمكن القول ان مجريات المفاوضات ووقائعها اثبتت صحة الرؤيا الفلسطينية التي اعتبرت المفاوضات ميدانا من ميادين الصراع ضد العدو ومن أجل انتزاع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها طرد الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال. فالوقائع تؤكد أن الوفد الفلسطيني خاض المعركة بنجاح اذ حول جولات المفاوضات الى جلسات محاكمة دولية علنية للاحتلال وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني. ونجح في عرض قضية شعبه وبين عدالتها، وازال الكثير من التشويهات التي لحقت به وبقضيته، وبين قدرته على التعامل المؤثر مع الواقع الدولي الجديد ومتطلباته. لم يستجد حلولا لكنه بين أن استمرار غياب الحل العادل يضر بمصالح شعوب المنطقة، ومصالح كل الدول والشعوب المحبة للسلام. ومن خلال المشاركة في عملية السلام تمكن الشعب الفلسطيني من توسيع وترسيخ جبهة اصدقائه، وكسب تأييد العديد من القوى المحايدة، وحيد بعض القوى الدولية التي كانت تناصب قضيته العداء. وبحسن اداء الوفد لمهامه تم تكريس وحدة الشعب ووحدة التمثيل واستقلاليته، وقطع الطريق على اوهام خلق بدائل لمنظمة التحرير او بدائل لقيادتها الشرعية. وتمكنت الانتفاضة خلال جولات المفاوضات من تعريف العالم بأهدافها وبنضالاتها اليومية، وتحولت قضايا الاستيطان والقتل والقمع والاعتقال والابعاد..الخ التي يمارسها جيش الاحتلال من مسائل محلية الى قضايا سياسية دولية. صحيح أن المفاوض الفلسطيني لم يستطع الزام اسرائيل بوقف او تجميد الاستيطان بشكل كامل، لكن اضطرار رابين على الاعلان عن وقف بناء مستوطنات جديدة وعن تجميد سبعة آلاف وحدة سكنية كانت قيد الانشاء يعتبر مكسبا أوليا يحتاج الى استكمال. ولعل خروج الليكود من السلطة، وتمكن قوى السلام في اسرائيل من التقدم خطوة الى الامام، وتحول القضية الفلسطينية الى قضية هامة داخل المجتمع الاسرائيلي تعتبر انجازات ما كان لها أن تتحقق لو لم تكن هناك مشاركة فلسطينية في عملية السلام. وذات الشيء يمكن قوله أيضا حول احياء حقوق اللاجئين الفلسطينيين ونفض الغبار عن القرار 194 الخاص بهم وبقضيتهم. والان وبعد عام على بدء مفاوضات السلام لعل من الضروري تجديد القول ان الطريق طويل وشائك ومعقد. وان السير فيه يحتاج الى صبر ايوب الفلسطيني. وأن المكاسب والانجازات الهامة التي تحققت لا زالت لم تلامس الاهداف الجوهرية للشعب الفلسطيني، وانها لا زالت عرضة للتبخر والاندثار. فالمعركة لا زالت في بدايتها وجولاتها القادمة هي الاصعب والاقسى. وحتى لا نحمل الوفد الفلسطيني ما يفوق طاقته ومسؤولياته يجب الاقرار بأن المفاوضات وكسب جولاتها اللاحقة مسؤولية جماعية تتحملها كل قوى الشعب بغض النظر عن مواقفها مع أو ضد المشاركة في عملية السلام. ولعل مقومات كسب هذه المعركة الحاسمة تكمن اولا في ادامة الانتفاضة وتطوير فعالياتها النضالية ضد الاحتلال وضد كل مرتكزاته. فالانتفاضة هي السند القوى والسلاح الفعال بيد المفاوض الفلسطيني داخل وخارج غرف المفاوضات، تماما كما هي الطريق الرئيسي لرفع كلفة استمرار الاحتلال، ولطرده من أرضنا، ونيل الحرية والاستقلال. ومما لا شك فيه ان تعزيز الوحدة الوطنية وحماية وتحصين القلعة الفلسطينية سلاح آخر فعال في دعم واسناد الموقف الفلسطيني في مواجهة التعنت الاسرائيلي داخل غرف المفاوضات وفي مواجهة اصرار القيادة الاسرائيلية على انكار الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا، وسعيها الدؤوب والمتصاعد لارباك الانتفاضة وكل الوضع الفلسطيني بغزو القلعة من داخلها. فبالانتفاضة والوحدة الوطنية والخط السياسي الواقعي والصحيح نصون الحقوق ونحقق الاهداف طال الطريق أم قصر.