ازدواجية السياسة الأمريكية: عصا غليظة للعرب ورسل لحوار اسرائيل

بقلم ممدوح نوفل في 27/02/1995

تحت شعار الدفاع عن قرارات الشرعية الدولية، تعرّض العراق خلال أقل من اسبوع الى غارتين من طيران وصواريخ قوات الحلفاء. وخلال شهر واحد من إبعاد 413 مناضلاً فلسطينياً ومن تاريخ صدور قرار مجلس الأمن رقم 799 بشأن إعادة المبعدين، زار المنطقة مبعوثين مهمين أرسلا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وأجريا مباحثات مطولة مع الحكومة الاسرائيلية لمعالجة مشكلة المبعدين، وتنفيذ قرار مجلس الأمن. وخلال ذات الشهر التقى الأمين العام للأمم المتحدة مع وزير خارجية اسرائيل وتحركت العديد من دول العالم لمناقشة الحكومة الاسرائيلية ولايجاد حلول لقضية المبعدين!.
إن المفارقة بين هذين الاسلوبين في معالجة قضيتين دوليتين ساخنتين في ذات المنطقة نعتقد أنها كافية تماماً لاظهار نوعية المكاييل المختلفة التي استخدمتها الولايات المتحدة ومعها فرنسا وبريطانيا في كيل قضايا المنطقة. وكافية لتظهر ازدواجية المواقف، وكافية لادانة سلوك الولايات المتحدة وحلفائها بالجرم المشهود. ونظن أنها كافية أيضاً لتؤكد لكل العرب أن ضرب العراق من جديد لم يتم دفاعاً عن الشرعية الدولية وقراراتها، وانما لأغراض في نفس الأمريكي المعتدي. وفي سياق البحث عن الأهداف والاغراض الحقيقية لهذا العدوان لا يسعنا الا أن نسجل أن إدارة الرئيس كلينتون أيدت هذا العدوان ودعمته، ولا يسعنا أيضاً الا أن نستثني الجانب الشخصي المتعلق بموقف الرئيس بوش من الرئيس صدام. فالسذج سياسياً وحدهم هم الذين يقبلون تفسير أمر بهذا الحجم انطلاقاً من مسائل شخصية تافهة في الحسابات السياسية الكبيرة.
وبغض النظر عن الذرائع والمبررات التي استخدمتها ادارة بوش للتغطية على العدوان، وبغض النظر عن أخطاء الحكم في العراق التي يمكن أن تكون وفرت مثل هذا الغطاء فالواضح أن الادارة الامريكية قصدت العدوان وخططت له لتحقيق:
1) تأكيد حيوية مصالحها في المنطقة، واظهار استعدادها للدفاع بكل الوسائل عن هذه المصالح من الآن ولاشعار آخر. وفي هذا السياق بادرت الادارة الامريكية بارسال قوات برية الى الكويت لحماية هذه المصالح ولنهب مزيداً من الأموال العربية كنفقات لوجود هذه القوات.
2) إبقاء منطقة الشرق الأوسط كساحة وميدان تنظم الولايات المتحدة على أرضه علاقاتها مع الدول الكبرى الأخرى المنافسة لها. والابقاء على دورها القيادي المقرر لدور هذه الدول. وفي هذا السياق نجحت في تأكيد حقها المطلق في اتخاذ القرار وفي تحديد دور بريطانيا وفرنسا في اطار تنفيذ هذا القرار.
3) إبقاء الدول العربية تحت مظلة الترهيب والترغيب. فضرب العراق الآن رسالة لكل من يفكر بمحاولة المشاغبة على السياسة الامريكية خلاصتها من يشاغب ينال هكذا عقاب. ومن يطيع ويركع ينال ما نقدمه له من حماية وأمن. والغارة محاولة امريكية لنبش الصراعات العربية العربية وتأجيج نيرانها من جديد. ونظن أنها نجحت الى حد ما في ايجاد قضية تعرف الادارة الامريكية أنها ستكون موضع خلاف.
في ضوء هذه الرؤيا لهذا العدوان على العراق، وللسياسة المزدوجة الشخصية في التعامل مع القضايا العربية وقضايا المنطقة لا يسعنا الا تجديد الدعوة لكل الاشقاء العرب، شعوباً وحكام، باليقظة والترفع عن الصغائر والاحقاء. فالمؤشرات تدلل الى أن ما يسمى بالنظام العالمي الجديد لا يهمه انتشار الفوضى والصراعات في هذه البقعة او تلك من بقاع الأرض. ولا يضير القيم عليه انتشار الفوضى وتأجج الصراع في المنطقة العربية. همه الأول والاخير تأمين مصالحه ونهب ثروات المنطقة وأنه في سياق تحقيق هذا الهدف لا يتورع عن الكيل بمكيالين وثلاثة مكاييل مع القوي ومكيال مع الضعيف. وقديماً قالوا في الوحدة قوة وفي التفرق ضعف.. فهل ضرب العراق وترحيل مئات الفلسطينيين عن أرضهم كافياً لبعث التضامن العربي من جديد.