اللجوء للجامعة العربية ومجلس الامن لا يوقف مصادرة أراضي القدس
بقلم ممدوح نوفل في 05/05/1995
مطلع أيار الجاري أقرت الحكومة الاسرائيلية بصورة رسمية مصادرة 540 دونما من أراضي القدس لاغراض الاستيطان.وردا على ذلك لجأت السلطة الوطنية الى مجلس الامن الدولي، وطالبت الجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي بالتدخل في الموضوع.اما الشعب الفلسطيني وبخاصة اهل القدس واصحاب الاراضي المصادرة فلم يبادر احد الى تحريكهم وذات الشيء حصل مع هيئات ومؤسسات منظمة التحرير.لا شك ان قرار الحكومة الاسرائيلية وسلوك السلطة الفلسطينية اتجاه هذا القرار الاستفزازي والخطير يثيران عددا من الاسئلة منها:لماذا أقدم رابين على الخطوة الان وبهذه الطريقة الاستعراضية؟
لا حاجة لعبقرية سياسية حتى يتم اكتشاف ان خطوة الحكومة الاسرائيلية والطريقة الاستعراضية في الاعلان عنها، تمت بعد دراسة وافية لوضع السلطة الفلسطينية ومواقفهما المتوقعة،ولردود الفعل العربية والدولية المحتملة.وانهاجاءت في سياق تنفيذ برنامج حزب العمل الداعي الى تكريس وضع القدس كعاصمة أبدية لاسرائيل.وهي ليست معزولة عن معركة انتخابات الكنيست التي فتحت بصورة مبكرة. فتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية والحفاظ على وجودها،وضمان حماية الجيش الاسرائيلي لها هو جوهر تصور رابين لحل مشكلة الاستيطان. في السابق وقبل صعوده الى السلطة ميز رابين بين الاستيطان الامني والاستيطان السياسي، وفي حينها شدد على القيمة الاستراتيجية للصنف الاول ودعا الى تطويره وتقويته.اما بعد اوسلو فلم يعد يميز، وصار يتعامل مع كل المستوطنات كوحدة واحدة. ولا يخفى على احد ان استمرار رابين في الاستيطان في القدس يهدف وضع مستقبل هذه المدينه خارج البحث في المفاوضات الجارية منذ اكثر من ثلاث سنوات.ومن يدقق في ما قامت به حكومة رابين منذ توليها السلطة عام 1992في مجال مصادرة اراضي الضفة والقدس واستيطانها يستطيع ببساطة استنتاج انها واصلت ذات السياسة التي اتبعها الليكود ولكن بطريقة اقل اثارة واقل غوغائية.وانها مصممة على استباق بدء المفاوضات مع الفلسطينيين حول المرحلة النهائية بخلق حقائق على الارض لا تبقى شيئا يتفاوض عليه الفلسطينيين في القدس باستثناء وضعية الاماكن الاسلامية المقدسة فقط .
اعتقد ان اقدام حكومة رابين على خطوة المصادرة الجديدة في هذا الوقت بالذات، والاعلان عنها بطريق استعراضية واستفزازية له وظيفة اضافية تتعلق بانتخابات الكنيست المقرر اجراؤها في النصف الثاني من العام القادم. لقد اراد رابين ووزراء حزب العمل ان يفتتحوا حملتهم الانتخابية في ذكرى اعلان استقلال اسرائيل بقضية القدس بالذات، ليجردوا الليكود من ورقة القدس. وليزيلوا بعض التشويهات التي الحقها بمواقف حزب العمل حول مستقبل هذه المدينة. وليذكروا ويؤكدوا بالملموس للناخب الاسرائيلي بان مواقف حزب العمل بشان مصير مدينة القدس لم تتغير. وانه بالرغم من اتفاق اوسلو،ومن ادراجها كنقطة على جدول اعمال مفاوضات المرحلة النهائية، فالقدس كانت وستبقى في نظر حزب العمل مدينة موحدة وعاصمة اسرائيل الى الابد.واظنهم ارادوا ايضا تمييز مواقف حزبهم عن حركة ميرتس وكل اليسار الاسرائيلي،وليسكتوا بعض الاصوات اليمينية التي تتهم حزب العمل بالوقوع تحت تأثير اليسار شريكه الاساسي في الحكومة، ويظهروه بانه حزب الوسط.
والواضح ان خطوة المصادرة التي تمت سوف تتلوها في الفترة المتبقية للانتخابات خطوات اخرى. وان رابين وقادة حزب العمل قد قرروا وضع مسألة فوز الحزب في الانتخابات فوق الاعتبارات الاخرى.ويعتقدون ان التشدد في المفاوضات مع الفلسطينيين والتساهل مع المستوطنيين يكسبهم بعض اصوات اليمين. وانهم عندما اقدموا على خطوتهم اسقطوا كليا من حساباتهم اية انعكاسات سلبية لهذه الخطوة على عملية السلام. فتجربة المفاوضات مع الفلسطينيين منذ التوقيع على اتفاق اوسلو بينت لهم ان ما ترفضه السلطة الفلسطينية اليوم تقبله بعد بضعة ايام او بضعة اسابيع. وما تشكو وتصرخ منه الان تتحمله وتتعايش معه بعد فترة وجيزة. وما تطالب به في هذه الجولة من المفاوضات قد تنساه في الجولة التي تليها، وتتراجع عنه بسرعه اذا ما قدمت لها ترضيات رمزية في مجال آخر أو قضية اخرى. والحكومة الاسرائيلية تعرف اكثر من سواها ان لجوء السلطة الفلسطينية الى الجامعة العربية ومجلس الامن الدولي لا ينم عن تغيير نوعي في موقفها، بل يؤكد استمرارها في ذات المنهج الذي اتبعته منذ اكثر من عام.
بعد هذا العرض للموقف الاسرائيلي يبقى السؤال الرئيسي مطروحا ما العمل؟ وماذا عن الموقف الفلسطييني؟وهل الطريق الذي اختارته السلطة الوطنية الفلسطينية للمواجهة سيردع الموقف الاسرائيلي وسينقذ ارض القدس من سرطان الاستيطان الصهيوني؟ أم أنها ذهبت في الاتجاه الخاطىء وهربت من المواجهة ومن تحمل مسؤولياتها الوطنية؟ في هذا سياق يمكن تسجيل التالي:
اولا/ عدم الاستنجاد بالشعب الفلسطيني يضعف الموقف
اذا كان من غير المفيد الان العودة لمناقشة اتفاق اوسلو وبروتوكولات القاهرة، فالمسؤلية الوطنية تفرض التذكير بالخطأين الاستراتيجيين الذين ارتكبتهما خليةاوسلووالسلطة الفلسطينية.الاول عندما اعتمدت خلية اوسلو على حسن النوايا الاسرائيلية، ووافقت على القفز عن كل مسألة مصادرة الاراضي والاستيطان، ولم تحاول تضمين تلك الاتفاقات جملة واحدة حول هذا الموضوع. والثاني عندما كشفت السلطة الفلسطينية كل اوراقها التفاوضية، وبينت للجانب الاسرائيلي انها مستعدة لتمرير التجاوزات لاتفاق اوسلو، وتقبل بالترضيات الجزئية. والان يمكن القول ان رد فعل السلطة الفلسطينية، والطريق الذي اختارته السلطة الفلسطينية لمواجهة قرار مصادرة الاراضي يشجعان الحكومة الاسرائيلية على المضي قدما في مشروعها. فالذهاب الى العرب والمسلمين ومجلس الامن الدولي قبل التوجه للشعب الفلسطيني خطأ كبيرا ارتكبته السلطه الفلسطينية، تفهم منه القيادة الاسرائيلية ان السلطة الفلسطينية لا تنوي توتير العلاقة بين الطرفين وليست بصدد تعقيد الامورحول موضوع الاستيطان. وانها اختارت حصر الصراع حول مصادرة الاراضي في الميدان الدبلوماسي وعلى مستوى القمة، في وقت يعرف الجميع ان الديلوماسية الاسرائيلية هي الابرع في هذا المضمار. وان الاوضاع الاقليمية والدولية تضمن لها النتيجة سلفا.
صحيح ان السلطة الفلسطينية تعيش حالة لا تحسد عليها، الا ان ذلك يجب ان لا يمنع ابناء القدس وكل الوطنيين الفلسطينيين داخل الوطن وخارجه ان يتسائلوا حول الحكمة في عدم توجه السلطة الفلسطينيه للاستنجاد بشعبها الفلسطيني قبل الاستنجاد بالعرب والمسلمين والامم المتحدة ؟ وان يعتبروا مشاركة بعض الوزراء في المظاهرات والاعتصامات التي تمت بعد مصادرة اراضي قرية الخضر لصالح مستوطنة افرات، كانت حركة استعراضية مؤقته تمت لاغراض ذاتية حزبية وشخصية ضيقة. وان اعلان حزب فدا وآخرين في حينها عن تشكيل لجان الدفاع عن الارض لم تخرج عن هذا النطاق. وان صمت الاحزاب والفصائل الان وعدم تحركها لانقاذ ارض القدس وعدم تصديها للاستيطان تعبير عن عمق ازمتها، ودليل مادي على افلاسها السياسي والنضالي،وعلى عزلتها عن شعبها.
ولعل من المفيدالتنبيه من الان الى ان قفز السلطة الفلسطينية عن هذا الموضوع بعد بضعة ايام وتحميل العرب والمسلمين والعالم مسؤولية عدم انقاذ ارض القدس سوف يضعف من هيبتها ويزيد من ضعفها في الصراع اللاحق. ولن يقنع الشعب الفلسطيني بان ليس بالامكان افضل مما كان،. ولن يخفي تقصير السلطةالوطنية، وسوف يعمق من ازمتها التي تعيشها الان. فالثابت ان هذه المعركة لم تخاض بكل الوسائل المتاحة وكل القوى المتوفرة.
ثانيا / الجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي ادوات مستنزفة
اما الاستنجاد بالمؤتمر الاسلامي والجامعة العربية فالحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية وكل ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يعرفون ان اللجوء الى هذه المؤسسات المستنزفة لن يوقف مصادرة الاراضي في القدس، ولا ينقذها من سرطان الاستيطان الزاحف حولها، ونحو كل انحاء الضفة الغربية. فالجامعة العربية تعاني ما تعانيه القضية الفلسطينية بسبب التفكك العربي. وهي بحاجة لمن يخلصها من حالة الشلل والارتباك الذي تعيشه منذ ضربت حرب الخليج جذور التضامن العربي ضربة مميتة. وأظن ان استذكار السلطة الفلسطينية لدور الجامعة العربية ولكل العلاقة مع الدول العربية في المناسبات وفي ساعة الضيق فقط، لم ولا يساهم في تفعيل دورها، ويبقى التضامن العربي مع القضية الفسطينية محصورا في حدود بيانات الشجب والاستنكار، كالبيان المتوقع صدوره عن الاجتماع القادم لمجلس الجامعة العربية. فبيان وزراء الخارجية العرب لن يخرج عن المألوف. سيدين الخطوة الاسرائيلية ويعتبرها خرق للاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، ويمس صدقية التوجه الاسرائيلي نحو صنع السلام…الخ. وذات الشيء ينطبق على المؤتمر الاسلامي. ولكن يخطأ من يعتقد ان هذه البيانات المفيدة تمنع مصادرة اراضي القدس وتقضي على سرطان الاستيطان الصهيوني.
ثالثا / مجلس الامن نفض يده من القضية الفلسطينية
اما اللجوء الى مجلس الامن الدولي، فالسلطة الفلسطينية تعرف اكثر من سواها ان جميع مؤسسات الامم المتحدة نفضت يديها منذ مدة طويلة من كل موضوع الصراع الفلسطيني الاسرائيليي..واستجابت لطلب الادارة الامريكية وعهدت اليها رعايته ووكلتها به. ولم يسمح لاي من مؤسساتها وممثليها من الصعود الى قطارالسلام الذي انطلق من مدريد عام 1991، ولو بصفة شاهد. والكل يعرف ان الراعي الامريكي سوف يستهجن عودة الفلسطينيين له وللامم المتحدة طالما ان المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية السرية والعلنية متواصلة، واللقاءات على مختلف المستويات القيادية لا تنقطع. ومعظم ما يرده من تقارير واخبار وتصريحات فلسطينية واسرائيلية عن هذه المفاوضات واللقاءات يشيرالى انها ايجابية وتتحرك الى الامام. واظن ان الجواب الذي سوف تتلقاه السلطة الفلسطينية من الراعي الامريكي لن يختلف عن الجواب الذي تلقته عندما دعته لاخذ دور الشريك الكامل في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية على غرارما يجري في المفاوضات السورية الاسرائيلية. في حينها قيل ان من نجح في التوصل الى اتفاق اوسلو بدون مساعدة خارجية باستطاعته التوصل الى اتفاقات حول تفاصيل تنفيذ هذا الاتفاق. وفي هذا السياق من حقنا ان نتسائل عن الحكمة التي تقف خلف التصريحات (غير الحكيمة) التي صدرت وتصدر عن بعض وزراء السلطة الفلسطينية خلال المعركة حول مصادرة الاراضي والتي قالت وتقول: “أنه بالرغم من مصادرة الاراضي فالسلطة الفلسطينية قررت عدم اللجوء الى تعليق المفاوضات”. “وان الاتفاق حول انسحاب واعادة انتشار الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية وحول اجراء الانتخابات بات وشيكا…”.اعتقد ان خطأ جسيما ترتكبه السلطة الفلسطينية ان هي اعتقدت ان التساهل في موضوع مصادرة الاراضي يعجل في تنفيذ الشق الثاني من اتفاق اوسلو، ويسرع في انسحاب الجيش الاسرائيلي من الضفة الغربية وفي اجراء الانتخابات الفلسطينية. فتجربة ثلاث سنوات من المفاوضات بينت ان التسساهل الفلسطيني هو الذي دفع الجانب الاسرائيلي الى تجاوز كل التواريخ التي نصت عليها الاتفاقات. ويخطأ من يعتقد ان احدا مستعد لانقاذ السجين من تحت السياط اذا هو لم يصرخ في وجه الجلاد.
الرد على مصادرة الاراضي بتعليق المفاوضات والذهاب للتحكيم
بعد التوقيع على اتفاق اوسلو وقبل دخول الشرطة الفلسطينية والسلطة الوطنية الى غزة واريحا تساهل الفلسطينييون ومرروا لرابين قوله “ان المواعيد الواردة في الاتفاقات مع الفلسطينيين غير مقدسة”. ومنذ ذلك التاريخ تتابع خرق الحكومة الحكومة الاسرائيلية للاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين. وظهر ميل اسرائيلي نحو التشدد في المفاوضات. في حينه وقف العرب والعديد من دول العالم يراقبون تطور العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية، وراحت بعض دول العالم تغمز من القناة الفلسطينية، اما الدول العربية فبعضها بارك الاندفاعة الفلسطينية في هذا الاتجاه والبعض الاخر استغرب هذا السلوك ونبه الى مخاطره اللاحقة.
واللوحة العامة التي يمكن استقراؤها الان من السلوك الاسرائيلي ومن الموقف الدولي والعربي ازاء الاتفاقات والمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية ، ومن مسألة مصادرة الاراضي، وفي موضوع الاستيطان وبخاصة في القدس تؤكد:
(1) ان حكومة رابين تفصل بين مصادرة الاراضي والاستيطان في القدس من جهة وبين الحل السياسي من جهة اخرى. في الوقت ذاته تربط بصورة وثيقة بين أمن المواطنيين الاسرائيليين(وليس أمن الدولة) والحل السياسي وكل خطواتها في المفاوضات. وهذا السلوك المزدوج هواستمرار للنهج الذي اتبعته منذ التوقيع على اتفاق اوسلوفي 13/9/1993، والذي قام على تكريس صيغة بديلة للاتفاقات مع الفلسطينيين، يقرر فيها الجانب الاسرائيلي وحدة تفسيره للاتفاقات وما ينبغي تطبيقة وما يجب تأجيله او وقفه، دون ادنى مراعاة لا للنصوص الاتفاقات ولا للمصالح الفلسطينية. والقراءة الموضوعية للموقف الاسرائيلي تفرض الاقرار انه انتقل خلال الاشهر الماضية الى حد المجاهرة بنيته الرامية الى تغيير العناصر الاساسية في اتفاق اوسلو مستخدما في ذلك ذريعة الامن. ودعوته الى الاتفاق حول الانتخابات واجرائها بمعزل عن الاتفاق حول انسحاب الجيش الاسرائيلي من الاماكن الاهلة بالسكان في اطار خطة اعادة الانتشار، تؤكد هذا التوجه الرامي الى تحويل الحكم الذاتي في الضفة الغربية الى صيغة من صيغ التقاسم الوظيفي بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. وهذه الخطة تعني بوضوح احتفاظ اسرائيل بالسيطرة الامنية والجغرافية، وتولي السلطة الفلسطينية الصلاحيات الادارية والوظيفية تحت ظل الحكم العسكري الاسرائيلي والابقاء على قوانين الاحتلال كمرجعية. وبالربط بين هذا التوجه وبين الاجراءات القائمة على الارض، والفصل الامني والاقتصادي، وتكريس عزل القدس، ومصادرة الاراضي لتوسيع الاستيطان وبحجة شق الطرق لمنع الاحتكاك بين الفلسطينيين والمستوطنيين ، تتضح معالم الحل النهائي الذي تخطط له اسرائيل بقيادة حزب العمل. انه حل لا يتجاوز حدود وجود سلطة فلسطينية مقيدة وخاضعة في غزة واريحا وتمارس حكما ذاتيا اداريا وظيفيا في الضفة الغربية تحت السيطرة الامنية والاقتصادية والقانونية للاحتلال .
(2) لا نتجنى على احد اذا قلنا ان الجانب الفلسطيني يتحمل مسؤولية رئيسية في الوصول الى هذه الحالة في المفاوضات، والى هذا النمط من العلاقات مع الاسرائيليين. فالتساهل الفلسطيني وابداء المرونة العالية في المفاوضات التي تلت توقيع بروتوكولات القاهرة، والتستير لفترة طويلة على المأزق واخفاء طبيعة الازمة، وعدم محاولة السلطة الفلسطينية تأزيم العلاقة مع الحكومة الاسرائيلية، وتقسيم المفاوضات الى سرية واخرى علنية هو الذي اضعف امكانية استدراج تدخلات دولية لتصحيح مسار المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية والزام اسرائيل باحترام وبتنفيذ الاتفاقات التي وقعت عليها مع الفلسطينيين. وساهم ايضا في عدم القدرة على تحريك القوى الاسرائيلية المؤمنة بالسلام وبالتعايش بين الشعبين باتجاه الضغط على حكومة رابين.وان انعدام التفكير الفلسطيني على امتداد العام الماضي في الاستنجاد بالعرب والمسلمين ساهم في شل امكانية توليد حالة ضغط عربية جدية على اسرائيل، وعطل امكانية الاستفادة من انفتاح عدد من الدول العربية عليها.
(3) ان الاعتماد على حسن النوايا الاسرائيلية وحسن الاخلاق، وانتظار ضغطا دوليا اوعربيا حقيقيا يردع القيادة الاسرائيليةعن مصادرة الاراضي في القدس وسواها، ويلزمها بوقف الاستيطان، ويفرض عليها الربط بين وقف هذه الاعمال ومصلحة صنع السلام في المنطقة، يعني الانتظار الى اشعار آخر، والسقوط في الاوهام والمراهنة على سراب. ومؤشرعلى عدم استيعاب فلسطيني للمتغيرات الدولية والاقليمية التي وقعت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ووقوع حرب الخليج، وبعد انطلاق عملية السلام من مدريد عام 1991. واستمراره قد يعني على القدس وارضها السلام… ولعل تعطيل الادارة الامريكية حتى الان انعقاد جلسة لمجلس الامن لبحث الشكوى الفلسطينية، والتصريحات التي اطلقتها مندوبة الولايات المتحدة الامريكية في الامم المتحدة خلال زيارتها للمنطقة، وقولها بصراحة ان مجلس الامن الدولي ليس هو المكان المناسب للبحث في مصادرة اراضي القدس خير دليل على ذلك.
(جـ) ان وقف هذا السلوك الاسرائيلي، وحماية القدس وارضها رهن اولا وقبل كل شيء بما يقوم به الفلسطينييون انفسهم على الارض، وبالمنهج الذي يتبعوه في اطار المفاوضات مع الاسرائيليين. واذا كان رابين يحاول تغطية خطواته الاستيطانية التوسعيةهذه بالاستناد الى ان اتفاق اوسلو اجل البحث في موضوع المستوطنات والقدس الى مفاوضات المرحلة النهائية، فبامكان المفاوض الفلسطيني الاستناد الى احد الاسس الرئيسية التي قامت عليها كل عملية السلام، والذي نص على “انه لا يحق لاي طرف القيام باية اعمال تؤثر على مفاوضات المرحلة النهائية”. ورابين وكل الذين شاركوا في عملية السلام يعرفون انه اذا كان البت في الوضع النهائي لمدينة القدس مؤجل، فالبت في دورها في بناء السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي موقعها في اطار التحديد الديمغرافي للمناطق التي سيتم تسليمها في المرحلة الانتقالية للسلطة الفلسطينية امر معجل. فاتفاق اوسلو نص على مشاركة اهل القدس في الانتخابات الفلسطينية. كما ولا يمكن الحديث عن انسحاب واعادة انتشار الحيش الاسرائيلي من المناطق المأهولة بالسكان وبخاصة من مدينتي رام اللة وبيت لحم وقراهما قبل الاتفاق على تعريف حدود بلدية القدس وتحديدها. فهي من وجهة النطر الاسرائيلية تضم مساحات واسعة من اراضي مدينتي بيت لحم ورام الله. اما الفلسطينييون والامم المتحدة والامريكان فلم يعترفوا حتى الان بالتغيرات التي تمت على حدودها البلدية التي كانت قائمة في عام 1967.
اعتقد ان مجمل السلوك الاسرائيلي ازاء تنفيذ اتفاق اوسلو، وخطوة رابين اتجاه اراضي القدس، ورفض الراعي الامريكي السماح لمجلس الامن الدولي بحث الموضوع، واقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية وما يمكن ان ينتج عنها يفترض ان تكون بمثابة نواقيس انذار تحفز قيادة م ت ف والسلطة الفلسطينية وكل القوى الوطنية الفلسطينية المؤيدة والمعارضة لعملية السلام للدخول في حوار وطني واجراء بحثا معمقا للاوضاع الفلسطينية،وتدفعها نحو البحث عن وسائل اخرى لانقاذ ما تبقى من ارض القدس ومواجهة الاستيطان وعمليات مصادرة الاراضي التي تمت والتي سوف تتم لاحقا. والخطوة الاسرائيلية الاخيرة مناسبة لاجراء مناقشة هادئة ومسؤولة ومن منطلقات براغماتية بحته لفكرة تعليق المفاوضات والذهاب للتحكيم.اساسها اجراء حسابات دقيقة للارباح التي يجنيها الجانب الفلسطيني اوالخسائر التي قد تلحق به اذا اقدم على مثل هذه الخطوة.وبالتدقيق في راي المعارضين في السلطة الفلسطينية لهذه الفكرة يتبين انهم يعتقدون ان هذه الخطوة:(ا) تعطي رابين المبرر للتهرب من تنفيذ الشق الثاني من اتفاق اوسلو، وبالتحديد عدم تنفيذ البند المتعلق بالانسحاب من المناطق المأهولة بالسكان في الضفة الغربية.وتشجعه على التوجه للاردن لمعالجة مصير الضفة الغربية.(ب) تقدم له الذريعة للقيام بمزيد من الضغوط الاقتصادية والامنية على السلطة الفلسطينية، ولوقف بعض التسهيلات الادارية من تسهيل الحركة على المعابر وبين غزة واريحا (جـ) تسهل عليه الهروب من الضغوط الدولية ومن ضغوط الاتجاهات الاسرائيلية الحريصة على استمرار عملية السلام.(د) توتر العلاقة مع الادارة الامريكية ومع الدول المانحة للمساعدات(الدونرز).
وقبل الدخول في سوق منطلقات الرأي الاخر الداعي الى التعليق والذهاب للتحكيم لعل من المفيد التأكيد على نقطتين الاولى، التذكير بان فكرة الذهاب الى التحكيم ليست بدعة فلسطينية، وليس فيها أي خروج عن الاتفاقات الموقعة مع الاسرائيلييين. فالمادة 15من اعلان المبادىء(اتفاق اوسلو) تنص تحت بند تسوية المنازعات على [ (ا) ستتم تسوية المنازعات الناشئة عن تطبيق اوتفسير اعلان المبادىء هذا او اية اتفاقات لاحقة تتعلق بالفترة الانتقالية بالتفاوض من خلال لجنة الارتباط المشتركة التي ستتشكل وفقا للمادة رقم 10. (ب) ان المنازعات التي لا يمكن تسويتها بالتفاوض يمكن ان تتم تسويتها من خلال الية توفيق يتم الاتفاق عليها بين الاطراف.(جـ) للاطراف ان تتفق على عرض المنازعات المتعلقة بالفترة الانتقالية والتي لا يمكن تسويتها من خلال التوفيق على التحكيم. ومن اجل هذا الغرض وبناء على اتفاق الطرفين ستنشىء الاطراف لجنة تحكيم]. اما النقطة الثانية، فهي ان التحرر من المواقف المسبقة،ومن عقدة الصراع الداخلي، مع قليل من التأمل في الموقف الاسرائيلي تساعد على ايجاد ارضية مشتركة للبحث والنقاش. وفي هذا السياق يمكن القول ان:
(1) ان الحديث عن تعليق المفاوضات وطلب اللجوء الى التحكيم يساعد رابين على التهرب من تنفيذ الشق الثاني من اتفاق اوسلو حديث فيه الكثير من التسطيح والتبسيط. فالشق الثاني من اتفاق اوسلو ينفذ الان وفقا للمفهوم الاسرائيلي للمرحلتين الانتقالية والنهائية وللترابط بينهما. ووفقا للجدول الزمن الذي يضمن لاسرائيل تقييد الجانب الفلسطيني بهذا المفهوم وفرض تطبيقاته العملية على الارض. اما الخوف من توجه رابين نحو الاردن فاظنه خوف مبني على تحليل خاطىء للسياسة الاسرائيلية ولمفهومها لتسوية المسألة الفلسطينية. ومبني ايضا على رواسب الماضي وتعبير عن ضعف الثقة بالذات وبابناء الضفة الغربية. وهو اشبه بحكاية (الغولية) التي كانت ترويها الامهات والجدات قديما للاطفال من اجل تسكينهم وتسكيتهم ودفعهم الى النوم. فاتفاق اوسلو هو نتاج قناعة اسرائيلية بان الحل الاكثر ديمومة هوالذي يتم مع الفلسطينيين وبالتحديد مع قيادة م ت ف، فهي الاقدر بسبب ظروفها واوضاعها على التعامل مع المفاهيم الاسرائيلية. وتعرف القيادة الاسرائيلية ان التوصل مع أي طرف عربي لحلول للقضية الفلسطينية لن تدوم، وانه ليس سهلا على اي طرف عربي التورط في تحمل المسؤولية عن حلول لقضايا القدس واللاجئين والنازحين والمستوطنات والحدود، معروفة سلفا بانها لن تكون مرضية للفلسطينيين لانها لا تؤمن لهم الحدود الدنيا من حقوقهم. ويفترض بالمتأثيرين بهذا الهاجس وبالواقعين تحت ها الكابوس، ان تكون خطوات استلام السلطة الفلسطينية لعدد من السلطات المدنية في الضفة الغربية، وموافقة اسرائيل على انتشار اجهزة الامن الفلسطينية المتعددة في مدنها وبلداتها ومخيماتها، وعرضها الجدي باستلام سلطات اضافية، كافية لتحريرهم من هذا الهاجس، وعدم الخضوع للابتزاز الاسرائيلي الذي يمارس من خلال هذا الموضوع. اما الخوف من الحصارالاقتصادي ومن التضييق الامني على المعبر فتجربة عام تؤكد ان الاعتبار الامني هو الاعتبار الرئيسي لكل الخطوات الاسرائيلية التي تمت منذ دخول السلطة الى غزة وحتى الان . ورغم كل المحاولات لم يستطع المفاوض الفلسطيني التأثير في الموقف الاسرائيلي ولم يزحزحه عن اعتباراته .
(2) ان حسم السلطة الفلسطينية لموقفها، وعمل صدمة للحكومة الاسرائيلية، وتأزيم المفاوضات، واحداث تغيير نوعي في نهجها التفاوضي، وافهام رابين ان فوزه في الانتخابات ليس اهم من الارض الفلسطينية، ولا يمكن ان يكون على حساب الفلسطينيين. واعلانها في هذا الوقت بالذات عن تعليق المفاوضات واللجوء للتحكيم ودعوة الراعيين والاردن ومصر والدونرز وكل من تقترحهم اسرائيل للمشاركة فيه هوالذي يضغط على رابين باتجاه الالتزام بتنفيذ الشق الثاني من اتفاق اوسلو، ويساعد على توظيف طاقات كل الدول العربية والدول المانحة في هذا الاتجاه. ويعطل على رابين عملية اللعب على التعارضات العربية الداخلية. ويخلق مشكلة حقيقية داخل حزب العمل، وبين قطاعات واسعة من جمهورة، ومن الجمهور الاسرائيلي الذي انتخب قيادة العمل واوصلها الى الكنيست على امل انجاح عملية السلام مع الفلسطينيين ومع العرب الاخرين. كما ويخلق ايضا مشكلة جدية داخل الحكومة الاسرائيلية وداخل حركة ميرتس وبينها وبين رابين. وخطوة من هذا المستوى فقط، هي التي تدفع الادارة الامريكية والدول المانحة للتحرك الجدي باتجاه انقاذ عملية السلام.
ودخول اسرائيل معركة انتخابات الكنيست واقتراب موعد الانتخابات الامريكية عوامل مساعدة للفلسطينيين للاقدام على مثل هذه الخطوة..فمع اقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية تزداد حاجة رابين وقيادة حزب العمل الى تمييز مواقفهم عن الليكود وبقية قوى اليمين الاسرائيلي،وتزداد حاجتهم الى تحقيق بعض التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين، وبالحد الادنى عدم تدهورها. لا سيما وان الاتفاق مع السوريين صار شبه مؤجل الى ما بعد الانتخابات الامريكية.
ومن المفيد للسلطة الوطنية الفلسطينية استذكار الازمة التي نشأت بين الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية خلال مفاوضات واشنطون حول موضوع الاستيطان وموضوع ضمانات القروض. واستذكاران الموقف الرسمي الامريكي كان ولازال (نظريا) حتى الان يعتبر الاستيطان عقبة في طريق تقدم عملية السلام، ويرفض الاعتراف بالتغيرات التي حصلت على وضع مدينة القدس والتي قامت بها اسرائيل من جانب واحد.واقتراب موعد الانتخابات الامريكية يزيد من حاجة الرئيس كلينتون الى تحقيق انجازات خارجية اكبر، والشرق الاوسط هو الساحة الوحيدة المرشحة للنشاط من اجل تحقيق مثل هذه الانجازات.ومن اجل ذلك زار المنطقة في الشهور الخمسة الاخيرة فقط ، كل اركان الادارة الامريكية بدء من الرئيس كلينتون نفسة مرورا بنائبه آل غور، وكريستوفر وزير خارجيته، ووزير الدفاع، ووزير التجارة الخارجية، ودنيس روس منسق شؤون عملية السلام في الشرق الاوسط وانتهاء بمندوبة امريكا في الامم المتحدة. اعتقد ان خطوة فلسطينية قوية من مستوى تعليق المفاوضات واللجوء للتحكيم تدفع بالولايات المتحدة الامريكية وتساعدها على تطوير دورها في رعاية عملية السلام، وتمهد لدخولها كشريك مباشر في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. اما استمرارالسلطة الفلسطينية في التفاوض وفقا للمنهج الاسرائيلي الساري الان، وقبولها كل اللطمات التي توجه لها، وبقائها تعيش حالة من التردد. فهو الذي يفدقها الاسناد الخارجي الجدي، ويقود الوضع الفلسطيني نحو الاسوء.