أزمة السلطة الفلسطينية تفرض عليها القبول باي اتفاق جديد
بقلم ممدوح نوفل في 18/07/1995
حدد المفاوضون الفلسطينييون والاسرائيليون أواخر تموز الجاري سقفا زمنيا للتوصل الى اتفاق حول تطبيق المرحلة الثانية من إتفاق اوسلو. واتفقوا على ان يتم التوقيع عليه مطلع الشهر القادم في البيت الابيض. فهل سيتم الالتزام هذه المرة بالخطوتين أم سيتجاوزهما رابين أيضا، ويضيفهما الى سلسلة التواريخ التي قال عنها انها غير مقدسة في الاتفاقات مع الفلسطينيين؟ وهل الاتفاق الجديد يعزز قوة الدفع الذاتية التي باتت تمتلكها عملية السلام الجارية في المنطقة منذ خمس سنوات تقريبا ام يضعفها؟ وهل يعالج المشكلات العالقة بين الطرفين؟؟ وهل يقرب الفلسطينيين من أهدافهم الاساسية أم أنه يغلق الطريق أمامها؟
في سياق الاجابة على هذه الاسئلة وسواها من الاسئلة التي يتداولها الفلسطينييون وكل المهتمين بصنع السلام والاستقرار في المنطقة يمكن القول:
1)القراءة الصحيحة والموضوعية لقرار رابين بالتقدم المحدود في هذه الفترة بالذات في المفاوضات مع الفلسطينيين، هي التي تقوم على الربط اولا بين الاتفاق الجزئي الجديد القادم والاوضاع الداخلية الاسرائيلية، وبخاصة مدى خدمته لرابين وحزب العمل في المعركه الانتخابية القادمة. وربطه ثانيا بالتقييم الاسرائيلي والامريكي لتجربة السلطة الفسطينية على إمتداد عام كامل، وبخاصة قدرتها على الوفاء بالالتزامات الامنية المطلوبة منها إتجاه اسرائيل والاسرائيليين بما في ذلك المستوطنيين. لقد اخر رابين التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين حول تنفيذ الشق الثاني من اتفاق اوسلو عاما كاملا. وكان بامكانه ولا شك تاخيره فترة زمنية أطول دون ان تتأثر مصالحه وعلاقاته الاقليمية والدولية ومع السطة الفلسطيينية. خاصة بعدما نجح في جعل المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية تسير بدون مرجعية ملزمة الا التي يقررها هو لها، وبدون اية ضوابط، وبدون حكام او رعاة.
فالاوضاع الداخلية الاسرائيلية، ومصالح رابين وحزب العمل من الان وحتى الانتخابات الاسرائلية القادمة في تشرين القادم، وفي المدى البعيد، تفرض على رابين التوصل الان الى اتفاق ما جديد مع الفلسطينيين. فالانقسام، والازمة الفكرية والسياسية والتنظيمية التي يعيشهما المجتمع الاسرائيلي حول السلام مع العرب عامة والفلسطينيين خاصة، قد بلغا مستوى حاسما. واصبح كل تراخي او توقف أو تراجع من قبل أي من المعسكرين عن الضغط على الآخر يعني ترجيح كفة الميزان لصالح احدهما، ويحسم في توجيه حركة المجتع الاسرائيلي في الإتجاه المضاد له. وصار التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين والسوريين من عدمه عاملا مقررا في ترجيح وجهة حركة المجتمع الاسرائيلي من الان ولسنوات طويلة قادمة، وحاسما ايضا في تقرير وجهة الحل للازمة الداخلية، وفي تقرير مصير ومستقبل الحزبين الكبيرين في اسرائيل. لا شك ان المصلحة الانتخابية المباشرة والاستراتيجية البعيدة المدى لرابين وحزب العمل وكل اطراف الائتلاف الحاكم في اسرائيل تفرض عليهم تحريك المجتمع الاسرائيلي ودفعه باتجاه انتصار افكارهم ومبادئهم، ونحو ما يحفظ وجودهما ومستقبلهما.
واذا كان الاتفاق مع الاردن انهى فكرة الوطن البديل وفكرة الترانسفير للفلسطينيين، فالاتفاق القادم مع الفلسطينيين حول الضفة الغربية، فهو موضوعيا وبغض النظر عن الموقف منه، يرسي من الناحية الاستراتيجية الاساس المادي والفكري لانتهاء فكرة أرض الميعاد، وفكرة اسرائيل التاريخية الكبرى، وينهي فكرة الاستيطان الذي يعتنقها الليكود وعدد من الاحزاب الدينية الاخرى كمبدأ وعقيدة في استيعاب المهاجرين، وفي بناء اسرائيل الكبرى و تركيز بنيان المجتمع في الدولة اليهودية. وبالمقابل فان عدم الاتفاق مع أي من الطرفين الان يرسخ قناعات إضافية لدى قطاعات واسعة من الاسرائيلين حول إنعدام امكانية التعايش مع العرب، ويزيد من رسوخ افكار اليمين ومن ضمنه المتديين. واذا كان الاتفاق مع السوريين موضع خلاف حاد داخل حزب العمل، ويستوجب اجراء استفتاء الشعب الاسرائيلي حوله، ولا مصلحة سورية او اسرائيلية في بيعه لادارة امريكية ضعيف وشبه راحلة، فالتوصل الى اتفاق الان مع الفلسطينيين يصبح هو المخرج لرابين وحزب العمل وميرتس. فليس من مصلحة لرابين ولحزب العمل وميرتس اجراء الاستفتاء الان حول الجولان، فالإستفتاء من الناحية العملية يعني تقديم موعد الانتخابات عاما كاملا. ناهيك عن كون الاتفاق مع السوريين لم ينضج بعد، والاستفتاء غير مضمون النتائج لا سيما اذا تم في ظل انقسام حزب العمل حوله.
2) استنادا للقاعدة التي حكمت مسيرة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية منذ اوسلو وحتى الان يمكن القول ان الاتفاق الجديد القادم حول توسيع رقعة الحكم المحلي الفلسطيني سوف يكون مريحا في كل الاحوال لرابين في معركته مع اليمين، ولا يتعارض مع قناعاته الفكرية والامنية ورفضه تحول اسرائيل الى دولة ثنائية القومية. وسوف يمّكنه من القول للناخب الاسرائيلي بأن ما قدمه للفسطينيين في الضفة الغربية اقل بكثير مما تضمنته اتفاقات كامب ديفيد التي وقعها بيغين مع المصريين. وان الحل مع الفلسطينيين لن يمس باي حال من الاحوال بامن دولة اسرائيل او امن الاسرائيليين بما في ذلك وجود وامن المستوطنيين في الخليل وسواها من المناطق الفلسطينية. وبامكان رابين وحكومته الاستشهاد بما قامت به السلطة الفلسطينية في الشهور الاخيرة في قطاع غزة ضد المعارضين لها ولاتفاق اوسلو، وضد الذين حاولوا تخريب الاتفاقات وحاولوا المساس بامن الجيش الاسرائيلي وامن المستوطنيين. وبامكانه القول للجمهور الاسرائيلي لقد اكدت التجربة ان السلطة الفلسطينية اثبتت قدرتها على ضبط الاوضاع في قطاع غزة وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها الامنية، وتنفيذ كل ما يتفق عليه بصورة حرفية ودقيقة،لاسيما ما يتعلق بالمسائل الامنية لاسرائيل كدولة وللاسرائيليين كافراد، بما في ذلك الدخول في صدام حقيقي مع المعارضة عندما تتجاوز الحدود المحمولة اسرائيليا.
3) من المؤكد وفقا لموازين القوى، وللقاعدة التي أعتمدت في صياغة الاتفاقات بين الطرفي ان رابين والمفاوضون الاسرائيليون سوف ياكلون في الاتفاق الجديد الكثيير من الحقوق الفلسطينية التي نصت عليها بروتوكولات القاهرة التي قضمت بعض الحقوق التي وردت في اتفاق اوسلو. والثابت وفقا للمعلومات المتوفرة حول مسودات الاتفاق الجديد، وحول ما لم ينجز وما أنجز حتى الان في المفاوضات التي تمت على كل المستويات وفي كل المجلات، في السفارة النرويجية في تل ابيب، وفي القدس وأريحا وايرتز وسواها من الاماكن التي تمت فيها المفاوضات ان الاتفاق الجديد لن يحل كل الخلافات حول تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق اوسلو. بل سيكون عبارة عن أربعة روشيتات. الاولى تعالج بعض القضايا العالقة بوضوح وقابلة للصرف الفوري. والثانية تشخص المرض لكنها تحدد العلاج بالعموميات لتاجيل الصرف. واظن ان التفاوض حولها قد لا ينتهي قبل ساعة التوقيع عليها في واشنطن ، تماما كما حصل في إتفاق أوسلو، وفي إتفاق البروتوكولات القاهرة يوم 4/5/94. اما الثالثة فسوف تصاغ بطريقة تستوجب متابعة المفاوضات والمراجعة الدائمة لتشخيص الخلل ولتحديد الدواء. أي ابقاء العديد من القضايا الاساسية عالقة. والرابعة سسوف تشطب بعض بنود اتفاق بروتوكولات القاهرة وتحولها الى شيء آخر، تماما كما شطبت بروتوكولات القاهرة بعض بنود اتفاق اوسلو. وسيتضمن الاتفاق الجديد بنودا جديدة تتحول لاحقا الى قاعدة في المفاوضات حول ما سيتبقى من اتفاق اوسلو ومن بروتوكولات القاهرة، وحول قضايا المرحلة النهائية التي يفترض أن تبدا بعد عشرة شهور من الان.
ومن يراجع سيرة الاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية يلاحظ أنها كلها تمت على قاعدة تحديد تواريخ التوقيع قبل التوصل الى اتفاق على القضايا المختلف حولها. وأظن ان من السذاجة الاعتقاد أن تعقيدات الوضع في الضفة الغربية هي السبب الرئيسي في ذلك. وذات الشيء ينطبق على أية مراهنة فلسطينية على ترك بعض نقاط الخلاف عالقة ليحلها الراعي الامريكي بالضغط في اللحظة الاخيرة على رابين. فتجربة المفاوضات حول تنفيذ بنود اتفاق اوسلو وبروتوكولات القاهرة وما بعدهما أكدت أن الراعي الامريكي شطب من قاموسه كلمة الضغط على إسرائيل التي لا زال يتعلق بها الفلسطينييون. وانه يعتبر الجزيئات التي يقدمها رابين للفسطينيين بين فترة واخرى خطوات عظيمة وعلى الفلسطينيين أن يقبلوها بإمتنان شديد لرابين. واكدت ايضا ان رابين قادر، اذا اراد، على التوصل الى اتفاق وحل أعقد القضايا خلال بضع ساعات فقط ، اذا كان ذلك يخدم مواقفه ومصالحه.والكل لا زال يتذكر كيف تم التوصل في ليلة ظلماء وعلى الهاتف بين تونس واسستكهولم، بواسطة المرحوم هولست وزير خارجية النرويج، الى اتفاق حول تسعة قضايا أساسية من القضايا التي كانت سببا في تعثر مفاوضات اوسلو. وفي تاخير التوصل الىاتفاق اعلان المبادىء الذي تم التوصل له هناك.
4) وبالتمعن في الاوضاع الفلسطينية الداخلية والتدقيق في اوضاع ومصالح السلطة الفلسطينية يمكن القول ان الانقسام والازمة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، والازمة التي تعيشها السلطة الفلسطينية وحرصها على وجودها ومستقبلها تدفع بها الى الاسراع في الوصول الى أي اتفاق جديد حول تنفيذ الشق الثاني من اتفاق اوسلو، والقبول بما يقدمه لها رابين في هذه المرحلة. واقصى ما تستطيع فعله هو الاحتجاج اللفظي على هضم الحقوق الواردة في اتفاق اوسلو وبروتوكولات القاهرة. وبغض النظر عن نصوص الاتفاق المتوقع بين السلطة الفلسطينية واسرائيل فهو ولا شك سوف يكون حاسما في تحديد وجهة حل الازمة التي يعيشها المجتع الفلسطيني، وسوف يكون حاسما في تحديد مستقبل المعارضة الفلسطينية. فهو رغم نواقصه وثغراته المتعددة والكبيرة سوف يعزز مواقع السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع، ويقويها في مواجه القوى المعارضة لها ولاتفاقات السلام مع اسرائيل. ويضع المعارضة الفلسطينية بكل تلاوينها أمام مفترق طرق السير في أي من اتجاهاته له مستلزماته وثمنه. فالاستمرا في رفع شعار اسقاط اتفاق اوسلو بالاستناد الى ذات الحجج، واستخدام ذات السبل والادوات التي استخدمت حتى الان يقود الى التصادم مع السلطة، ويفرض على المعارضة النزول تحت الارض وتحمل تبعات ذلك وهي ليست بسيطة في كل الاحوال . واذا كان لا مجال الان لمناقشة سياسة المعارضة الفلسطينية بكل تلاوينها فالواضح انها تعيش مأزقا قاتلا، وانها سهلت على السلطة الفلسطينية واعطتها الذريعة امام الناس القيام بما قامت به ضدها. واعتقد ان نجاح السلطة الفلسطينية في اعتقال المئات من كوادر المعارضة وقياداتها الرئيسية دون حصول ردود افعال شعبية مؤثرة يفترض ان تكون درسا للمعارضة يدفعها نحو التسريع في مراجعة مواقفها واساليب عملها كمعارضة من السلطة. فهل سيتم ذلك ؟؟