انعكاسات اتفاق الخليل على الاوضاع الاسرائيلية

بقلم ممدوح نوفل في 17/01/1997

لاسيما وان موافقة نتنياهو على الاتفاق الجديد وبخاصة الجدول الزمني للانسحاب من الضفة الغربية (يهودا والسامرا) يتناقض مع كل مواقفه السابقة ومواقف الليكود الرسمية والعلنية من اتفاق اوسلو. فما قام به نتنياهو عملية انقلابية على عقيدته وعلى شركائه في الحكم. وهذا الانقلاب احدث تغييرا نوعيا في تقييم معظم القوى والمفكرين والمحللين السياسيين لمواقف الليكود ومستقبل عملية السلام في عهد نتنياهو. الا ان ظروف وملابسات وقوعه وقصر الفترة الزمنية التي تفصلنا عن تاريخه تجعل من الصعب الحسم الان هل هو انقلاب استراتيجي تاريخي أم تكتيكي مؤقت ومحدود النتائج والآثار؟ اما تنفيذ عملية الانسحاب بسرعة من 80% من مدينة الخليل واختزال الزمن المقرر فاعتقد انها وحدها لا تكفي لاعتمادها كمقياس لاطلاق احكام نهائية وجازمة
بعد فوز الليكود في الانتخابات برز في الساحة الفلسطينية والعربية وداخل اسرائيل تقيمان متناقضان لموقف نتنياهو من عملية السلام. الاول قال: نتنياهو في السلطة يختلف عن نتنياهو في المعارضة. وان عملية السلام سوف تتواصل في عهدة وتحقق مزيدا من التقدم. واستشهد اصحابة باتفاقات كمب ديفيد وقرار الليكود بالانسحاب من سيناء. اما اصحاب الرأي الآخر وكنت واحدا منهم فقالوا : لا تقدم جوهري في عملية السلام طيلة عهد الليكود، وان صحراء سيناء ليست يهودا والسامرا التي يعتبرهما الليكود وكل اطراف الائتلاف الحاكم جزء من ارض اسرائيل، واستشهد اصحابه بمواقف احزاب التكتل الحاكم الرافضة لاتفاقات اوسلو. وكان لكل منهما حججه النظرية القوية المستمدة من التاريخ ومن تجارب عملية سابقة.
وجاء اتفاق الخليل بكل ما يحتويه من نواقص وسلبيات او ايجابيات على الوضع الفلسطيني ليرجح الى حد ما صوابية الرأي الاول. وليؤكد ان الانجازات العملية لعملية السلام، وقوة الدفع الذاتية التي راكمتها على امتداد خمس سنوات اقوى من النوايا والرغبات الذاتية النابعة من العقيدة القديمة الجامدة التي يتبناها اليمين الاسرائيلي. وان قوة الدفع الدولية وبخاصة الامريكية جاهزة للتحرك في الوقت الضروري لمنع فشل وانهيار عملية السلام. وان فعلها في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة مؤثر على “اسرائيل الليكودية” لدرجة ارغامها على التخلي عن طموحاتها غير الواقعية وعن بعض جوانب معتقداتها. فالليكود الذي عرفناه سابقا يرفض بقوة اتفاقات اوسلو ويرفض بعنف فكرة الانسحاب من الضفة الغربية باعتبارها يهودا والسامرا لم يعد موجودا حتى لو ماطل وأخر تنفيذ ما وقع علية، وادعى بانه لم يتخلى عن معتقداته وانه ينفذ “مكرها” اتفاقات رسمية سيئة ورثها عن حكومة حزب العمل. فاليوم الذي وقع فيه نتنياهو على بروتوكول اعادة الانتشار في الخليل ووافق على الانسحاب من مساحات رئيسية من اراضي الضفة الغربية وفق جدول زمني محدد مكفول امريكيا ومصريا واردنيا، هو تاريخ صعودة الى قطار اوسلو من محطة الخليل مدينة اباء وانبياء الفلسطينيين والاسرائيليين، وهو تاريخ قبوله بالسير على الطريق المرسوم له حتى لو كانت خطواته بطيئة وثقيلة. ونتنياهو يعرف اكثر من سواه ان شروط الرحلة في قطار اوسلو ومن محطة الخليل تختلف نوعيا عن تلك التي جربها في قطار مدريد. فرحلة اوسلو تأسست على اساس انهاء الاحتلال الصهيوني للاراضي الفلسطينية وانهاء الاستعمار الاسرائيلي للشعب الفلسطيني. وهي بصرف النظر عن النوايا والرغبات الذاتية تقود تدريجبا الى تكريس الانفصال بين الشعبين والارضين. ويعرف ايضا ان ركاب قطار اوسلو ـ م . ت . ف ـ هم الذين رفض هو وشامير صعودهم من محطة مدريد. وعندما كشف صعودهم في اسلو، نزل هو وكل اركان اليمين الى الشوارع واقسموا بالحفاظ على يهودا والسامرا كجزء من ارض اسرائيل، واتهموا رابين بالخيانة الوطنية وبالتنازل عن ارض اسرائيل التاريخية وتسببوا بصورة او اخرى في اغتياله. وبين اتفاق “الخليل” ايضا ان الليكودي نتياهو يختلف عن قادته الليكوديين السابقين امثال بيغن وشامير. وانه يمزج بين متانة العقيدة الايدلوجية والانتهازية السياسية، وقابل للتعامل مع المواقف المبنية على الايدلوجيا على اساس براجماتي. ولعل مواقف شامير خلال فترة حكمه من الضغوط الخارجية وبخاصة الامريكية تبين الفرق بين تكوين الاثنين، وبين الفرق بين التكوين المبني على الايدلوجية الجامدة الصلبة، والتكوين القائم على هذا النوع من المزيج. فالكل يتذكر كيف واجه شامير ضغوط الادارة الامريكية في عهد بوش ـ بيكر على اسرائيل لوقف الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة خلال مفاوضات مدريد ـ واشنطن. فرغم معرفته بانه قد يخسر ضمانات القروض الامريكية لاسرائيل والتي كانت لا غنى عنها للحكومة الاسرائيلية لاستيعاب المهاجرين الجدد الا انه رفض بصلابة وعنا الاستجابةلطلب الادارة الامريكية ورفض الخضوع لضغوطها. صحيح انه دفع ثمن ذلك غاليا في الانتخابات كلنه آثر المحافظة على مواقفه الايدلوجية على كسب ود الراعي الامركي.*** واتفاق الخليل يكفي نتنياهو من الان ولشهور طويلة وبامكانه استثماره جيدا مع الجمهورالاسرائيلي المعارض والمتحفظ على عملية السلام مع الفلسطينيين، وايضا مع قوى السلام وجمهورها. فبامكانه القول للاتجاه الاول ان الحكم الذاتي الذي اعطاه للفلسطينيين في طابا، اقل من الذي وافق عليه بيغن في اتفاقات كامب ديفيد عام 1978، بامكانه القول للعالم ان اتفاق الخليل يؤكد ان عملية السلام مع الفلسطينيين وهي بألف خير..*ثالثا/ وفي سياق البحث في النتائج البعيدة لاتفاق الخليل فالواضح انه هز الفكر الصهيوني المتطرف، الذي يتعامل مع اراضي الضفة الغربية باعتبارها أرض الميعاد. وجعل مصير المستوطنيين والمستوطنات قضية صراعية بين المستوطنيين والاحزاب اليمينية المتطرفة وبين الائتلاف الحاكم وداخله ايضا. وتعرف القيادات الاسرائيلية يمينها ويسارها ان تنفيذ هذا الاتفاق وتفاعلاته اللاحقة، سوف يفرض آجلا او عاجلا على اسرائيل رسم حدودها الدولية مع جيرانها بما في ذلك الكيان الفلسطيني المجاور لها. وأن تنفيذه يفصل بين الشعبين والكيانين. ويخلق أمرا واقعا يقود مع الزمن الى التخلي عن فكرة اسرائيل الكبرى، ويوجه ضربة صميمية لعقيدة الليكود وكل الاحزاب الدينية واليمينية الاخر،ويقفل الطريق امام العقلية التوسعية التي تحكمت في السياسة الاسرائيلية منذ قيامها وحتى الان. ولعل هذا الادراك هو الذي يفسر حالة الهستيريا التي يعيشها المستوطنون وكل الاحزاب اليمنية الاسرائيلية الان.لاسيما وانها تعرف ان خيار الحرب كطريق لتحقيق الاهداف الوطنية لم يعد واردا ناهيك عن فشله في السنوات الطويلة السابقة