دعم المعارضة الاسرائيلية ضد نتنياهو يتم بالتمسك بالحقوق الفلسطينية

بقلم ممدوح نوفل في 25/04/1997

بعد الاعلان عن نتائج التحقيق في ما اصطلح على تسميته بفضيحة بار أون ـ الخليل طرحت في اوساط القيادة الفلسطينية اسئلة كثيرة وتنوعة منها ما العمل؟ وما هي الخيارات المتاحة واقعيا امام العرب والفلسطينيين لمواجهة انعكاسات ما جرى، وسيجري داخل اسرائيل، على عملية السلام وعلى الاوضاع الداخلية الفلسطينية؟ في سياق الاجابة العامة على هذه الاسئلة اعتقد بأنه لا بد من التجرد من العواطف في تقييم ما حل بنتنياهو وبعدد من اركانه ومساعديه، وفي تقييم التطورات التي يشهدها المجتمع الاسرائيلي. وقراءة الخارطة السياسية ومصالح الاحزاب بصورة علمية وموضوعية، مجردة من الرغبات والامنيات الذاتية، تقود الى استنتاج رئيسي خلاصته ضرورة عدم بناء اية آمال على الأزمة الراهنة، وضرورة عدم المراهنة على سقوط نتنياهو وسقوط حكومته خلال فترة وجيزة. فاهتزاز اوضاع نتنياهو وحكومتة لا يعني بالضرورة سقوطه وسقوطها. وتحرك الدماء في عروق بيريز وقادة حزب العمل وميرتس ودخولهم المنازلة معه في الشارع، وتحت قبة الكنيست، لا يعني ضمان نجاحهم في اسقاطه واسقاطها. لا سيما وان المنازلة لا تتعلق بقضايا رئيسية تمس مصير دولة اسرائيل، ولا بقضايا تمس حياة قطاعات واسعة من المواطنيين مباشرة.

ورغم الهزة العنيفة التي تعرض لها الائتلاف اليميني الحاكم الا ان مصالح اطرافه تدفعهم للتوحد وللاستبسال في الدفاع عن وجودهم في السلطة فهم يدركون بان هزيمتهم امام المعارضة في هذه المعركة بالتحديد تعني تفككهم وتفجر الازمات الكامنة داخل كلا منهم. وأظن انهم قادرين على الصمود طويلا في مواجهة المعارضة. فالازمة قربتهم من بعضهم البعض، وقوتهم الحزبية والشعبية ليست بسيطة وليست ضعيفة، وتمثل نصف المجتمع الاسرائيلي. وتحركات شاس الاحتجاجية ليست ضد الحكومة بل ضد عدالة القضاء. وتجربة الصراعات الداخلية في اسرائيل تؤكد بان الجمهور اليميني المتطرف هو الابسل والاشرس في الدفاع عن مصالحه ومعتقداته واهدافه الكبرى والصغرى، والمستوطنون نموذج حي على ذلك. أما تهديد قيادة حركة شاس بحرق الاخضر واليابس واعلانها عن نفاذ صبر جمهورها فيجب عدم اخذه على محمل الجد وعدم البناء عليه. وقديما قالوا “من يريد ان يضرب ويصيب راس خصمه ويشجه لا يكبر حجره”. فتهديدات شاس تندرج تحت اطار ابتزاز القضاء الاسرائيلي وابتزاز نتنياهو، وتحسين مواقعها في السلطة والشارع، والحفاظ على تماسك جمهورها واستقطاب مزيد من اليهود الشرقيين. صحيح ان اطروحات شاس حول التمييز في القضاء بين يهود شرقيين وغربيين مؤشر على عمق التناقضات داخل المجتمع الاسرائيلي، وويكشف عن خطورة بعض انواعها واشكالها الكامنة، الا ان من الخطأ الاعتقاد بان دولة اسرائيل باتت قاب قوسين او ادنى من الدخول في حروب طائفية وعرقية مدمرة.

ولعل اخطر ما يمكن ان تقع فية القيادات الفلسطينية والعربية هو الوقوع في الاوهام، والعيش في حالة انتظار ما قد تسفر عنه تفاعلات الازمة السياسية في اسرائيل، وبقائها في موقع المتفرج صباح ومساء على ما تتناقله وسوف تتناقله وكالات الانباء من اخبار مشوقة ومثيرة حول الموضوع. فمثل هذا الموقف يعني مزيدا من الشلل السياسي، وبقاء العرب شهور طويلة كحالة من ينتظر مولادا جديدا من حمل كاذب، بينما يواصل نتنياهو الاستيطان.

اعتقد ان المصالح القومية والوطنية الفلسطينية تستوجب التعامل مع الاحداث الجارية داخل اسرائيل او التي ستجري لاحقا، باعتبارها صراع داخلي سوف يطول، وسترتفع وتيرة احيانا وتخبو احيان أخرى، ولن تتمكن المعارضة الاسرائيلية من حسمه بسرعة. واذا كانت المصالح العليا للشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية تتقاطع الان مع مصالح المعارضة الاسرائيلية ومع مواقفها من سياسات نتنياهو، ولا خلاف معها على ان استمراره في السلطة يعني قتل عملية السلام وتلتقي معها حول ضرورة حماية هذه العملية، وحول منع نتنياهو من دفع اوضاع المنطقة باتجاه الحرب والدمار، فان ذات المصالح المشتركة تفرض على الجانب الفلسطيني العربي التعامل مع كل الموضوع باعتباره قضية اسرائيلية داخلية تهم الشعب الفلسطيني مباشرة كما تهم الاسرائيليين، مع التمييز طبعا في الدرجة، اما مسألة العمل لحسمها فتقع اولا وأخيرا على عاتق القوى الاسرائيلية وحدها. وان اكبر مساعدة وخدمة تقدمها الاطراف العربية والفلسطينية لنفسها ولقضاياها العادلة ولمسيرة السلام، وللمعارضة الاسرائيلية في معركتها ضد الفساد، هي شن حملة اعلامية لفضح مواقف نتنياهو وسياساته المدمرة للجميع، والتمسك بعملية السلام كخيار استراتيجي، وبالحقوق الوطنية والقومية المغتصبة بالقوة، وبكل ما اعطته الاتفاقات اليها. وحث وتشجيع قوى السلام في اسرائيل على تحمل مسؤلياتها ومواجهة سياسة اليمين الرامية الى دفنها، ورفض اي تغيير في قواعدها واسسها التي قامت عليها وراكمتها في محطاتها الاساسية، بدء من الوثائق الاساسية لمؤتمر مدريد مرورا باتفاق اوسلو، والاتفاق الاردني الاسرائيلي في وادي عربة، واتفاق طابا وبروتوكولات القاهرة، وانتهاء باتفاق الخليل. وايضا بالاصرار الثابت على تنفيذ كل بنود الاتفاقات التي تم التوصل لها. وعدم التنازل عن ابسط واصغر الحقوق التي تضمنتها، حتى لو تعطلت المفاوضات طيلة عهد نتنياهو، وتجمدت عملية السلام من الآن حتى اشعار آخر. فبقاء المفاوضات وكل العملية السياسية في هذه المرحلة مجمدة على مسارها الفلسطيني خير مئة مرة من تحريكها وفقا لشروط نتنياهو وتوقيته، او وفق صيغة تساعده على الخروج من أزمته الداخلية، وتهدر بعض الحقوق الفلسطينية وتضعف حركة المعارضة الاسرائيلية. وذات المصالح العربية الفلسطينية الخاصة، والمصالح المشتركة مع المعارضة الاسرائيلية تفرض في الوقت ذاته رفض ومقاومة كل الافكار الفلسطينية والعربية المتطرفة التي تدعو لتغيير استراتيجية السلام التي اعتمدت منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. فاي تغيير فيها الان يقود، بوعي او بدونه، الى اعفاء نتنياهو امام شعبه وامام العالم من اعباء وتبعات الجريمة الكبرى التي ارتكبها بحق عملية السلام. وتؤدي بالنتيجة، بصرف النظر عن النوايا، الى تحمل الجانب العربي والفلسطيني مسؤولية جريمة لم يرتكبها. ناهيك عن ان العرب لن يحصلوا على اية مكاسب جديدة.

وكلي امل ورجاء بان لا يرتكب اي طرف فلسطيني ـ سلطة او معارضة ـ أخطاء في تقدير الموقف السياسي. وان لا يقوم أي طرف من أطراف المعارضة بأية اعمال تساعد نتنياهو في تصدير ازمته للخارج، وتسهل عليه الخروج من مأزقه. وتشغل المجتمع الاسرائيلي بقضايا اخرى غير قضية الفساد السياسي، وتضعف حركة المعارضة الاسرائيلية وتجهظها قبل ان يأخذ مفعولها الداخلي والخارجي مداه الكامل. وتضعف الموقف الفلسطيني، وتحرج السلطة الفلسطينية في علاقاتها الاقليمية والدولية. وتحرف انظار العالم عن الحقوق الفلسطينية التي نصت عليها الاتفاقات. وتعطي للمتطرفين الاسرائيليين ذرائع ومبررات لارتكاب مجازر ضد الفلسطينيين وارضهم. وتساعد الادارة الامريكية على الهروب من تحمل مسؤولياتها السياسية والاخلاقية اتجاه انقاذ ما ينقذه من الاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية. ولتسمية الاشياء باسمائها لا بد من القول: يفترض ان لا يكون هناك خلاف على ان قيام اي طرف من اطراف المعارضة، في هذا الوقت بالذات، باية اعمال عسكرية داخل اسرائيل توقع ضحايا في صفوف المدنيين الاسرائيليين الابرياء، فان مثل هذا العمل يلحق اضرارا واسعة بالمصالح الوطنية الفلسطينية. ويصب الماء، مهما كانت النوايا سليمة، في طاحونة اليمين الاسرائيلي، ويقدم لنتنياهو خدمة كبرى في معركته الداخلية. وسيكون بمثابة هدية تسقط على نتنياهو من السماء، ويرجح انه بانتظارها ويصلي لوقوعها اليوم قبل الغد.

وفي سياق استخلاص دروس وعبر ازمة الحكم في اسرائيل من المفيد جدا للفلسطينيين ولكل الانظمة العربية وكل الاحزاب والمنظمات غير الحكومية، ان ينظروا لقضية بار أون ـ الخليل بعيون موضوعية. وان يروا كل جوانب صورتها الظاهرة وشبه المخفية. واذا كان الظاهر منها هو التعدي على القانون وضرب المصلحة العامة لحساب المصالح الحزبية والشخصية، واساءة استخدام المواقع في السلطة، وصعود الفساد والتفسخ السياسي في اسرائيل الى قمة الهرم على “الطريقة الايطالية”، وبلوغه درجة السعي بكل جرأة للسيطرة على ارفع المناصب في الدولة، بما في ذلك منصب المستشار القانوني للحكومة..الخ فشبه المخفي من الصورة هو ما تحتويه من دروس بليغة في الديمقراطية، وهذا ما يجب ان يراه العرب والفلسطينيين ايضا. وان يستخلصوا منها ما يمكن استخلاصه من عبر مفيدة وضرورية لمعالجة اوضاعهم وشؤونهم الداخلية. فهم بحاجة ماسة في مرحلة جمود العملية السياسية الى ترتيب وتصليب لاوضاعهم الداخلية، والى تجميد صراعاتهم وخلافاتهم الفرعية. ناهيك عن حاجتهم الدائمة للديمقراطية الحقيقية، وتنظيم علاقات بعضهم ببعض على اسس موضوعية تعطي الحرية الكاملة للكلمة، ولكل ذي حق حقه. وتنهي مظاهر التفسخ والفساد المستشرية، وتزيل القليل من الشوائب الكثيرة الطافية على سطح بحور السياسة العربية والفلسطينية. وتكفل سيادة القانون وتطبيق النظام على الجميع دون استثناء. فهذه الظواهر السلبية وقفت وما زالت تقف حجرعثرة امام تطور وتقدم المجتمعات العربية، وتحول مع مسائل أخرى دون تطور جوانب كثيرة من اوضاع السلطة الوطنية الفلسطينية الناشئة.

وبصرف النظر عن الدروس التي سيستخلصها الفلسطينيون والعرب وما يمكن ان تقوم به الادارة الامريكية والقوى الدولية الاخرى، وما يمكن ان تفعله بعض اطراف المعارضة الفلسطينية بمبادرات ذاتية او بتحريض وتشجيع خارجي فان مواجهة نتائج وتفاعلات فضيحة بار اون ـ الخليل تفرض على الجميع، عرب وفلسطينيين، التعامل معها باعتبارها نهاية مرحلة من عمر عملية السلام اعطاها المجتمع الاسرائيلي بتركيبته الراهنة اقصى ما استطاع، وبداية مرحلة جديدة عنوانها سيادة حالة من حالات اللاحرب واللاسلام بين الدول العربية واسرائيل. واعتقد ان مواجهة استحقاقات المرحلة الجديدة، وتجاوز الاوضاع والظروف الصعبة التي سيواجهها العرب من الان وحتى نهاية عهد نتنياهو باتت تتطلب وضع استراتيجية عربية موحدة قادرة على مواجهة كل الاحتمالات وحماية الحقوق العربية، وحماية المكاسب التي تحققت من المشاركة في عملية السلام. ولاشك في ان عقد قمة عربية عادية او طارئة اصبح ضرورة قومية لبلورة موقف عربي موحد من كل التطورات التي وقعت على مسارات عملية السلام كلها. فهي القادر على بلورة خطة سياسية شاملة لحركة عربية نشيطة وفاعلة وطويلة الامد. ولا ادري اذا كان ما زال بالامكان الحديث عن دور ما موحد للقوى الشعبية العربية لنصرة الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته العادلة وحماية مدينة القدس المهددة بالتهويد الكامل والمعتبرة ملكهم جميعهم..؟