هل يمكن تلافي الصدام العنيف بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو ؟

بقلم ممدوح نوفل في 30/06/1997

يدور نقاش واسع في الاوساط السياسية الفلسطينية والاسرائيلية والدولية
المعنية باستقرار اوضاع منطقة الشرق الاوسط، حول منحى تطور العلاقة الفلسطينية الاسرائيلية المأزومة والمتوترة جدا. ويكاد يكون هناك اجماع في الاوساط الامنية الاسرائيلية على استحالة بقاء الاوضاع الشعبية المحقونة في الضفة الغربية وقطاع غزة على ما هي عليه فترة طويلة. وتشير تقاريرها الى ان الامور تسير باتجاه التصادم بين الطرفين. وانها تقتربت من حافة الانفجار بعدما فقدت القيادة الفلسطينية الامل في احداث تغيير في مواقف حكومة نتنياهو ومن امكانية تحقيق تقدم في عملية السلام، وفقد الناس الثقة بعملية السلام وبكل القائمين عليها. اما تقارير المراقبين السياسين ورجال الاعلام عن الاوضاع في المنطقة فهي متشائمة ومقتضبة، وغابت منها الاحاديث الايجابية حول حالة عملية السلام، وتحذر من تواصل تدهور العلاقة بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو، ومن خطر انفجار الاوضاع والعلاقات بصورة دراماتيكية،. فهل نحن على ابواب معركة فلسطينية ـ اسرائيلية دموية عنيفة؟ أم أن ما يسرب لوسائل الاعلام حول استعدادتهما لمعركة عنيفة هو شكل من اشكال التفاوض؟ وحديثهما عن الحرب بصوت عال هو لمنع وقوعها وليس خوضها، وان ما يجري بين الطرفين من لقاءات شخصية تصب في هذا الاتجاه؟
القراءة الموضوعية للمستوى الذي بلغته حالة عملية السلام على مسارها الفلسطيني الاسرائيلي، وللاوضاع السائدة في الضفة والقطاع والمازومة من الاحتلال ومن الممارسات الخاطئة للسلطة الفلسطينية، تؤكد مشروعية التشاؤم الذي تبديه الاجهزة الامنية الاسرائيلية ووسائل الاعلام حيال تطور الاوضاع في المنطقة، وحول مستقبل عملية السلام على مسارها الفلسطيني الاسرائيلي. أما التدقيق في اوضاع ومصالح ومواقف حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية ومستوى العلاقة القائمة بينهما، ولموقف الراعي الامريكي وبقية الوسطاء فتبين بأن هناك تسابقا محموما بين اندفاع علاقات السلطة الفلسطينية بحكومة نتنياهو باتجاه التصادم الدموي العنيف، وبين العودة الى غرف المفاوضات. صحيح ان هذا السباق ما يزال يجري حتى الان على “طريق السلام”، الا ان الصحيح ايضا انه دخل مرحله ربع النهائي، وسيصل الطرفان في شهر ايلول القادم الى مفترق حاسم يتقرر عنده مسار العلاقة بينهما من جديد. حيث ينتظرهما في ذلك التاريخ “استحقاق انسحاب الجيش الاسرائيلي الثاني من الريف الفلسطيني”، وفقا لنصوص اتفاقية الخليل وملحقاتها، وتنظر له القيادة الفلسطينية الفلسطينييون باعتباره محطة مفصلية، والذي قال عنه الرئيس الامريكي “كلينتون” بأنه يجب ان يكون اوسع بكثير من الانسحاب الاول الذي أعلن عنه نتنياهو في آذار الماضي ورفضه الجانب الفلسطيني ولم ينفذ حتى الآن.
واذا كان بالامكان اعتبار شهر ايلول تاريخ حاسم في تقرير مصير الاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية ومصير العلاقة بين حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية، فليس عسيرا تصور ما يمكن أن يحصل من الان وحتى ذلك التاريخ وما يمكن أن يقع بعده، وبالامكان اجمال مواقف الاطراف المعنية ورؤية الموقف في المنطقة بعد عام واحد من حكم الليكود على النحو التالي:
اولا/ بما ان السباق بين عودة الطرفين الى ميدان القتال والعودة الى مائدة المفاوضات يجري في اجواء متوترة، وعلى طريق وعرة، ودون رقابة ورعاية خارجية، وبدون تنسيق أمني “حراسة” بين اجهزة الطرفين، فان احتمال نجاح المعارضين، من الطرفين لعملية السلام في استباق الطرفين وتفجير احدى العبوات الناسفة خلال هذه الفترة احتمال وارد. كما لا يمكن ايضا اسقاط امكانية تصادهما بصورة مباشرة نتيجة حادثة بسيطة عابرة تتحول الى شرارة تشعل النار في الضفة والقطاع. واعتقد بان ادراج مثل هذه الاحتمالات عند تقدير الموقف امر ضروري، لا سيما وان السلطة الفلسطينية رفضت وسوف تظل ترفض الشروع في التنسيق الامني المشترك حتى لو كان بحضور أمريكي، اذا لم يكن مقرونا بتحرك سياسي يضمن وقف حركة الاستيطان في جبل ابوغنيم، ويضمن تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الطرفين. ويخطأ نتنياهو وشارون وايتان اذا اعتقدوا بان بامكانهم الحصول على الامن والعودة الى التنسيق الامني دون الالتزام بهذين الامرين الحيويين للفلسطينيين ولتجنب الصدام العنيف بين الطرفين وابقاء عملية السلام على قيد الحياة. وفي هذا السياق لعل من الضروري القول بأن حديث اليسار الاسرائيلي عن قرب سقوط حكومة نتنياهو لا يمنع الصدام ولا ينقذ عملية السلام، ولن يفيد الشعب الفلسطيني سقوطها في بحر من الدماء الفلسطينية، المفيد للفلسطينيين هو منع نتنياهو من ارتكاب المجازر قبل السقوط .
ثانيا/ بعد هدوء موجة التحركات الدبلوماسية، ووفقا للمتوفر من معلومات، يمكن القول بان الجهود والوساطات المصرية والاوروبية التي شهدتها المنطقة في الاسابيع والشهور القليلة الماضية قد اصطدمت بأيدلوجية اليمين الاسرائيلي. ولم يفلح الرسل والمبعوثين وضمنهم “د. اسامة الباز والمبعوث الاوروبي” في اعادة الثقة المفقودة بين نتنياهو وعرفات، ولا في احداث تغيير جوهري في توجهات الحكومة الاسرائيلية، وبخاصة ما يتعلق بحجم الانسحاب الاول الذي تقرر في آذار الماضي، وحجم الانسحاب الثاني المفترض في ايلول القادم، وبتلك المتعلقة بالاستيطان في جبل ابوغنيم وسواه من المواقع الاخرى. ولم يستطيعوا زحزحة مواقفها السلبية من تنفيذ ما تبقى معلقا من الاتفاقات السابقة التي تم التوقيع عليها. ولم يستطعوا تليين مواقف نتنياهو، ولم ينجحوا في اقناعه بان بديل الالتزام بالاتفاقات وبديل مواصلة المفاوضات من اجل السلام هو زج المنطقة في اضطرابات مؤلمة.
وآمل بأن لا أتهم بالمساهمة في اشاعة التشاؤم حيال جهود الوساطة المصرية والاوروبية اذا قلت بانها لن تنجح في اعادة الفلسطينين والسوريين والاسرائيلين الى طاولات المفاوضات، طالما بقيت الادارة الامريكية تصر على الاستفراد في ادارة عملية السلام، وبقيت الحركة الاوروبية والمصرية غير قادرة على منافسة او مشاركة ادارة كلينتون في معالجة ازمة المنطقة. وأعتقد بان وظيفة تجددها، اذا تجددت قبل ايلول، لن تتجاوز مهمة استطلاع الحدود الدنيا والقصوى لمواقف اطراف الصراع وتقديمها للامريكان للتصرف وفقا لرؤيتهم الخاصة. ولن تستطيع تغيير مواقف حكومة نتنياهو في ظل الأزمة الداخلية والوطنية الحقيقية التي تعيشها. ويخطأ من يعتبر الأزمة القائمة داخل الائتلاف الحاكم في اسرائيل وازمة الحكومة تسهل الطريق أمام جهود الوسطاء وتساعد على نجاح الوساطات الاقليمية والدولية. فخلاصة تجربة أكثر من ست سنوات من المفاوضات ومن العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية تؤكد ما هو عكس ذلك. وتبين بان تعرض الحكومات الاسرائيلية ـ عمالية كانت او ليكودية ـ لمتاعب وازمات وطنية وداخلية، يؤثر تأثيرا سلبيا مباشرا على مواقفها من عملية السلام على كل مساراتها. وتدفعها مباشرة باتجاه التصلب في وجه الوساطات، والتشدد في المفاوضات، وتفتح شهيتها على المماطلة في تنفيذ الالتزامات، وعلى التلاعب بنصوص الاتفاقات مع العرب. وذات التجربة أكدت ايضا ان تخلص الاحزاب الاسرائيلية من المتاعب والازمات الوطنية والداخلية يتم عادة على حساب المصالح العربية وبخاصة مصالح الطرف الفلسطيني باعتباره الاضعف في المعادلة السياسة القائمة في المنطقة.
وبصرف النظر عن قناعات نتنياهو الايدلوجية وتوجهاته السياسية المعادية لاتفاقات اوسلو، فالازمة التي تمر بها حكومته الان تفرض عليه الانشغال في تجميع معسكره المتطرف من حولة، وفي مواجهة نشاطات وتحركات اليسار الاسرائيلي الهادفة اسقاطه واسقاط حكومته. وتجعلته اسيرا أكثر من اي وقت مضى للقوى الاكثر تطرفا ويمينية في المجتمع الاسرائيلي وداخل الحكومة. وتدفعه للتمترس في خنادقه الايدلوجية المقفلة باعتبارها أحصن المواقع واقواها للدفاع عن النفس وعن بقائه في السلطة، وللمحافظه ايضا على تحالفاته السياسية والحزبية. فهو يدرك بان التحصن في الخنادق الايدلوجية، والتمترس خلف متاريس الحفاظ على الامن، ومناصبة العرب والفلسطينيين العداء، واطلاق العنان للمستوطنيين للتوسع في الاستيطان وبخاصة في القدس ـ هي أفعل الوسائل لتعبئة وحشد طاقات جمهوره المتطرف، واقصر الطرق المؤدية لتطبيق النظرية التي يؤمن بها، والقائلة بان افضل وسائل الدفاع هو الهجوم. ومن غير المستبعد أن يلجأ نتنياهو واركان الليكود في الاسابيع والشهور القليلة القادمة ليس الى التشدد في المواقف والتصلب في وجه الوساطات فحسب، بل وان يعملوا على تفجير العلاقة مع السلطة الفلسطينية لتصدير ازمتهم الداخلية للخارج، واشغال الرأي العام الاسرائيلي بقضايا غير القضايا تفكك الائتلاف الحاكم، وطي الحديث عن ضعف نتنياهو وطريقة ادارته السيئة للسلطة. ولن يعجز نتنياهو عن خلق المبررات الواهية الضرورية لذلك. ولهذا يخطئ من يتصور بأن نتنياهو سوف يتجاوب الوساطات في حال تجددها. وفي السياق ذاته يمكن القول: اذا كانت لقاءات ابومازن مع شارون ومع آخرين من المتطرفيين الليكوديين مفيدة، “مع التحفظ على التوقيت”، لجهة نسف ايدلوجية اليمين الاسرائيلي وتوسيع شقة الخلاف داخله، وتعرية مواقف قادته المتطرفين من م ت ف ومن فكرة ارض اسرائيل الكبرى، فمن الخطأ الفادح الرهان عليها في كسر الجمود الحاصل في المفاوضات، او في احداث تغييرات جوهرية في مواقف حكومة نتنياهو من الاستيطان، ومن تنفيذ الانسحاب الاسرائيلي الاول والثاني من الريف الفلسطيني في ايلول القادم، وتنفيذ الاستحقاقات الاخرى المجمدة. ومن الضروري التنبه سلفا لاهداف شارون ـ نتنياهو الخاصة من عقد هذا اللقاء، ومن استخدامه داخليا وخارجيا لاغراض حزبية وأخرى تتعلق بالمفاوضات. وايضا التصدي للاوهام التي يمكن ان يبنيها اليميين الاسرائيلي عليه، وبخاصة ما يتعلق منها بأوضاع السلطة الفلسطينية ومستقبلها، وتلك التي قد تتوهم بأنها المنقذ لعملية السلام على مسارها الفلسطيني الاسرائيلي.
ثالثا/ لاشك في ان الادارة الامريكية هي وحدها القادرة، بنفوذها الدولي ونفوذها داخل اسرائيل في هذه المرحلة، على منع تدهور العلاقة الفلسطينية الاسرائيلية وتعطيل وقوع الصدام الدموي العنيف القادم بين الاجهزة الامنية والجماهير الفلسطينية من جهة والجيش الاسرائيلي من جهة أخرى. وقادرة اذا ارادت على فرض انضباط نتنياهو لقواعد واسس عملية السلام على مسارها الفلسطيني، والزامه بتنفيذ الاتفاقات التي تم التوقيع عليها في حديقة البيت الابيض، ومن ضمنها الانسحاب من المنطقة ب + ج في ايلول القادم بالنسبة الكبيرة التي تحدث عنها الرئيس كلينتون. فهل ستحرك الادارة الامريكية لمنع وقوع معركة شبه مؤكدة، أم انها تريد التحرك بعد معركة تستنزف فيها مواقف حكومة نتنياهو المتعنتة، وتضعف فيها مواقف السلطة الفلسطينية؟ اعتقد بأن قراءة الموقف الامريكي لا يدخل في باب التنجيم بالغيب، واذا كان بعض الفلسطينين ما زالوا يعتقدون بأن الادارة الامريكية سوف تتدخل في اللحظة المناسبة لمنع وقوع الانفجار، وارغام كل الاطراف على ابقاء تحركاتها العملية تدور في الاطار السلمي الذي رسمته لحركة أوضاع المنطقة، فنظرية كيسنجر حول حل الازمات بعد تسخينها، وحديث “يوئيل زنغر” مهندس الصياغات القانونية لاتفاقات اوسلو وما تلاه من اتفاقات في عهد حزب العمل، والمقرب الان من وزارة الخارجية الامريكية يؤكد العكس. فقد قال لاشيء يفرض على الامريكان التحرك الآن.