التحركات الدولية والعربية لم تغير توجهات الليكود ولم تزحزح مواقفه
بقلم ممدوح نوفل في 16/08/1997
اتجاهات عمل الليكود وسبل مواجهتها فلسطينيا وعربيا
(1)
بعد فوز الليكود في الانتخابات في اسرائيل، شهدت منطقة الشرق الاوسط سلسلة من التحركات الدبلوماسية الهامة. شاركت فيها الولايات المتحدة الامريكية وعدد من الدول الكبرى الاخرى، والجامعة العربية كمؤسسة وكدول.وانعقدت قمة عربية، وزار عدد من الزعماء العرب واشنطن وعدد من العواصم الكبرى المعنية بصنع السلام والاستقرار في المنطقة. والتقى بعضهم ببعض بعد قطيعة طويلة. وزار رئيس السلطة الفلسطينية سوريا لاول مرة منذ عدة سنوات. ومن البداهة القول ان القلق على مصير عملية السلام بعد فوز الثلاثي نتنياهوـ شارون ـ ايتان في الانتخابات الاسرائيلية، والخوف من اضطراب اوضاع المنطقة واوضاع دولها هو الذي دفع بهذه القوى للتحرك السريع وهو الذي اثار قلقها الشديد.
والان وبعد هدوء هذه الموجة القوية من التحركات الدبلوماسية، وبعد قرابة ثلاثة اشهر من حكم الليكود صار بالامكان اجمال مواقف الاطراف المعنية ورؤية الموقف في المنطقة بصورة اوضح. وان الاخذ بالحكمة السياسة القائلة “المهم الافعال وليس الاقوال والامور تقاس بنتائجها” يؤكد ان التحركات الدولية والاقليمية على اهميتها ـ ومع تقيرنا لرفعة المكانة السياسية للمشاركين فيها ـ قد اصطدمت بايدلوجية الليكود وفشلت في تحقيق اهدافها ولم تتمكن من تشغيل مولدات قطار السلام من جديد. واظنها زادت قلق القلقين وخوف الخائفين.
فالرؤساء والرسل والمبعوثين لم يفلحوا في احداث تغيير جوهري في توجهات الحكومة الاسرائيلية. ولم يستطعوا تليين مواقف نتنياهو. ولم ينجحوا في اقناعه بان البديل للمفاوضات من اجل السلام هو زج المنطقة في اضطرابات مؤلمة. ومهما كانت دوافع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي بشأن بعض اللقاءات والاجتماعات التي تمت بينهما للان، وابرزها لقاء ليفي مع عرفات واجتماع اللجنة المدنية، او التي قد تتم في الايام والاسابيع القليلة القادمة ومنها اللقاء المتوقع في الاسبوع القادم بين عرفات ووزير الدفاع الاسرائيلي، فالواضح انها كلها خطوات تفصيلية لا علاقة لها بجوهر عملية السلام ومتطلبات تفعيلها على المسار الفلسطيني . وهذا ما تقره وتؤمن به الجهات القررة في السلطة الفلسطينية وفي منظمة التحرير،ومعهم اكثر الفلسطينيين واقعية واعتدالا. ولا تعني ان المفاوضات على المسار الفلسطيني الاسرئيلي قد بدأت بانطلاقة قوية او انها تحركت من جديد ولو بخطى بطيئة كالتي سارت عليها في عهد حزب العمل. وهذا ما تؤكده طبيعة القضايا التي تناولها المجتمعون في اجتماعاتهم.
اما بشان الموقف الدولي الذي تم الرهان عليه وتوقع البعض ان يلعب دورا حاسما في الضغط على اسرائيل فالتحركات الدبلوماسية بينت عقم هذه المراهنة. واكدت ان الادارة الامريكية مازالت تصر على الاستفراد في ادارة عملية السلام. وان الحركة الفرنسية التي تمت كانت مقطوعة الجذور، ولا افق لها في منافسة او مشاركة ادارة الرئيس كلينتون. وذات الشيء ينطبق على الحركة الالمانية. وان كل الدول الكبرى المهتمة بعملية السلام وباستقرار اوضاع الشرق الاوسط، وبخاصة الادارة الامريكية، اكتفت نيابة عن الامم المتحدة وعن المجتمع الدولي بالتأكيد على اهمية استمرارعملية السلام. وطالبت الاطراف المشاركة فيها بعدم التراجع عن الاتفاقات التي توصلوا لها، وناشدتهم تجديد مفاوضاتهم باسرع وقت ممكن. وتجنبت تحديد متى وكيف واين وعلى اية اسس ستتجدد كي لا تصطدم مع حكومة نتنياهو ومع اللوبي الصهيوني الامريكي في مرحلة الانتخابات. ولذات السبب لم تعلن ادارة الرئيس كلينتون من المسؤول عن استمرار توقفها، ومن الذي يحاول تغيير اسسها. وسايرت اطروحات رئيس الحكومة الاسرائيلية وارسلت دينس روس للترويج لها عند العرب، وطالبتهم عدم التسبب في تعكير اجواء حملتها الانتخابية والتي يبدوا انها لن تكون سهلة.
وبجانب ذلك اكدت النشاطات الدولية والاقليمية التي تمت، ان الحديث العربي والدولي عن تراجع حزب الليكود عن مواقفه السلبية التي اعلنها خلال حملته الانتخابية من المفاوضات حول الجولان، ومن اتفاق اوسلو وملحقاته، ومن م ت ف ومن السلطة الفلسطينية ومن الامن الفلسطيني ومن ياسر عرفات شخصيا كان دربا من دروب التستير على الليكود وتمويه موقفها منه. وكانت اقرب الى اضغاث احلام لدى بعض العرب ممن افرطوا في التفاؤل، وتوهموا بان صعود الليكود للسلطة ووجود حزب العمل في المعارضة يسرع عملية السلام. وكشفت للكثيرين ان نتنياهو يخفي في جعبته افكار ومشاريع كافية ليس فقط لتعكير وتسميم مناخ السلام الذي عاشته المنطقة بعد مؤتمر مدريد بل وايضا قتل عملية السلام ذاتها، وتفجير صراعات دموية في المنطقة ان هو بقي متمسكا بها واذا حاول تنفيذها. وبينت اقتراحات نتنياهو بشأن تحريك عملية السلام وقرارات حكومته بشأن الاستيطان ان الاعلان عن الالتزام بالاتفاقات التي وقعت مع الاردن ومع م ت ف والسلطة الفلسطينية في عهد حكومة العمل ليس سوى محاولة لذر الرماد في العيون واخفاء نوايا الليكود الهادفة الى شطب بعض نصوص الاتفاقات مع الفلسطينيين تمهيدا لوأد اتفاق اوسلو ذاته. ومحاولة لتحميل الاتفاق الاسرائيلي الاردني ما لا طاقة له بها. وان اعلانها عن رغبتها في احياء المفاوضات مع كل الاطراف بدون شروط مسبقة ليست سوى دربا من دروب التضليل للراي العام الدولي، ومحاولة لكسب الوقت، ودربا من من الديماغوجيا التي اشتهر بها نتنياهو ايام مفاوضات مدريد وواشنطن. فالاتفاق بين رئيس السلطة الوطنية ووزير الخارجية الاسرائيلية على تجدد المفاوضات على المسار الفلسطيني الاسرائيلي، واحياء لجنة التوجيه المشتركة بقي حبرا على ورق. فلا المفاوضات تجددت ولا لجنة التوجية اجتمعت. وكل الدلائل تشير الى ان الليكود يخطط لها ان تتم بالتقسيط وعلى دفعات متباعدة، ولن يسمح لها بالتطرق للقضايا الجوهرية من الان وحتى اشعار آخر.ولحسن الحظ او سوءه ، لم يتأخر نتنياهو كثيرا في توضيح موقفه وتوضيح مفهومه لعملية السلام وتحديد نتائجها سلفا. فالتزامه ومطالبتة بعدم وضع شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات على المسارات الثلاث الفلسطيني والسوري واللبناني اقترنت بشروط اسرائيلية تعجيزية واضحة وكافية تماما لزج العرب والعالم في دوامة البحث عن اسس وقواعد العودة لطاولة المفاوضات .
اما بشأن تجدد المفاوضات على المسار الفلسطيني فقد ربطها نتنياهو بتنفيذ السلطة الفلسطينية لكل التزاماتها وتعهداتها الخطية والشفوية، ووقف خروقاتها للاتفاقات وبخاصة نشاطها في القدس..وتقديمها تفسيرات وتاكيدات اوضح حول قرار المجلس الوطني الفلسطيني في نيسان الماضي بالغاء ميثاق منظمة التحرير واعتبر القرار غامض وناقص. ورهن تنفيذ الاتفاق الخاص مدينة الخليل بترتيب الوضع الامني للاسرائيليين فيها وباعادة النظر في الاتفاق ذاته وبالموافقة المسبقة على تقسيمها بين العرب واليهود بدلا من اعادة انتشار الجيش الاسرائيلي فيها لجهة اخلائها وتسليم السلطات المدنية فيها للسلطة الفلسطينية. واقرت حكومة نتنياهو رفع الحظر عن النشاط الاستيطاني وتطالب القيادة الفلسطينية بالاقرار المسبق بان النشاطات الاستيطانية فيها ـ شق الطرق، وتوسيع المستوطنات في الضفة والقطاع على حد سواء، ونصب البيوت الجاهزة “الكرافانات ـ لا يتعارض مع روح ونصوص الاتفاقات. ويبدوا ان هناك سلسلة طويلة من المطالب الاسرائيلية سيجري التركيز عليها قبل ان يلتقي نتنياهو مع عرفات. وقبل ان تستأنف المفاوضات على هذا المسار.
واكدت التحركات الدبلوماسية ايضا محدودية تاثير القرارات والمواقف العربية التي صدرت عن قمة القاهرة. وبينت ان احياء التضامن واشهار سيفه في مواجهة التطرف الاسرائيلي الصاعد دون استخدامه حتى الان لم يقلق نتنياهو على الاطلاق ولم يدفعه الى تعديل او تغيير مواقفه. ولم يجيب على الاسئلة المطروحة في الشارع الفلسطيني والعربي. فالقمة العربية الجامعة نبهت الرأي العام العربي والعالم لمخاطر فوز الليكود وخطورة توجهاته لكنها لم تطرح توجهات سياسة عملية لمواجهتة. والرؤساء العرب اكتفوا في جولاتهم ولقاءاتهم بموقف يقوم على رفض بعض اطروحات نتنياهو والتشديد على تمسك العرب بعملية السلام وبأسسها التي قامت عليها في مدريد عام 1991 وبخاصة مبدأ الارض مقابل السلام، وناشدوا امريكا والدول الكبرى الضغط على نتنياهو وارغامه العودة الى طاولة المفاوضات على ذات الاسس التي قامت عليها. ولا اظلم احدا اذا قلت ان الزعماء العرب لم يطرحوا اية توجهات سياسة قادرة على شحن عملية السلام بديناميكية جديدة، ولم يتخذوا اية خطوات عملية وجدية ضاغطة على نتنياهو.وظهروا امام العالم وامام شعوبهم عاجزين عن الحركة، ولا يملكون مواقف واضحة ازاء ما يمكن فعله في مواجهة بلدوزرات الليكود الذي بدأت بالتحرك على الارض الفلسطينية، جارفة معها اسس عملية السلام، وفي مواجهة دبابات الجيش الاسرائيلي التي بدأت بالاستعداد للتحرك نحو الجنوب اللبناني لتبدد نهائيا مناخ السلام الذي عاشته المنطقة طيلة خمس سنوات. واذا كان مجرد تلاقي الزعماء العرب بعد قطيعة طويلة ورفضهم لاطروحات الليكود تعتبر احدثا ايجابيا فايجابيتها يمكن ان تتلاشا بسرعة اذا استمر العجز العربي عن الفعل والتاثير في الاحداث. وقد تتحول الى احباط للشارع العربي وقد تدفع الشعوب العربية نحو التطرف ونحو البحث عن مخارج للازمة بمعزل عن حكوماتها.
اعتقد ان بقاء العملية السلمية مجمدة وتراوح في ذات المكان الذي توقفت عنده في آذار الماضي يفرض على كل القوى العربية الحاكمة وغير الحاكمة،الخروج من حالة الانتظار واعادة قراءة توجهات الليكود، واعادة تقييم الموقف من جديد. والاجابة على السؤال التالي اذا كانت الدول العربية غير قادرة على ارغام نتنياهو على العودة الى طاولة المفاوضات والالتزام باسس عملية السلام، فمصلحتها تفرض التفكير في كيف ستقضي الوقت دون ان نبدو ضعفاء؟؟ بعدما اخذت توجهات الليكود تشق طريقها على ارض الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الجنوب اللبناني. وبعدما صار مؤكد انه من الان وحتى نهاية هذا العام لن بحدث أي ضغط امريكي على اسرائيل كفيل باخراج العملية من مأزقها القاتل الذي تتخبط فيه،ولن يصدر ايضا أي تهديد دولي جدي ضد نتنياهو.
اعتقد ان ضرورات مواجهة توجهات الليكود تتطلب تحرك الحركة الوطنية الفلسطينية نحو عقد مؤتمر وطني والشروع في تشكيل لجان للدفاع عن الارض في كل المدن والقرى. وان تبادر الدول العربية المشاركة في المفاوضات والمساندة لها الى التلاقي من جديد على اعلى المستويات بما في ذلك عقد قمة عربية ثانية، او مؤتمرا لوزراء الخارجية. على ان يسبقه اجتماع على اعلى المستويات للدول المشاركة مباشرة في المفاوضات. للاجابة على الاسئلة المصيرية المطروحة على الجميع ولوضع الخطط الكفيلة بحماية النظام العربي من التمزق ومواجة العاصفة القوية التي بدأت تهب في الجنوب اللبناني وعلى ارض الضفة والقطاع.