توحيد الموقف العربي في مواجهة اوهام تحملها اولبرايت

بقلم ممدوح نوفل في 02/09/1997

بات في حكم المؤكد ان تقوم السيدة اولبرايت بزيارة منطقة الشرق الاوسط. واذا لم تقع مفاجئات فستصل اليها في 10 ايلول الجاري. وستمضي فيها اسبوعا كاملا تزور خلاله عدد من الدول، وتلتقى بعدد من زعمائها الاساسيين. ويفترض ان تلقي خاطبا هاما في المجلس التشريعي الفلسطيني. وأظن انه لن يخلو من التشديد على الديمقراطية وحقوق الانسان، رغم الضغوط القوية التي تمارس مع السلطة الفلسطينية لخرقها. وبصرف النظرعن النوايا، فحرصها على احاطة زيارتها بهالة خاصة، واعطائها اهمية استثنائية، يثير توقعات كبرى عند بعض العرب الفلسطينيين والمراقبين السياسيين. وتدفع بكثيرين من اهل المنطقة بمستويات مختلفة رفع سقف تطلعاتهم وتوقعاتهم. والنظر للزيارة كمحطة حاسمة في تجديد الرعاية الامريكية لعملية السلام، وفي حياة مسيرة السلام العربية الاسرائيلية، وبخاصة مسارها الفلسطييني الاسرائيلي. ويعتقد البعض بانها لن تقبل الفشل في الشرق الاوسط بعدما ذاقت طعم النجاح في اوروبا ومناطق أخرى من العالم.
لا شك في ان زيارة اولبرايت للمنطقة في هذا الوقت بالذات تكتسب اهمية خاصة. وطالما انها عقدت العزم على فتح ملفها فهي ملزمة ببذل كل جهد ممكن لانجاح مهمتها وحماية المصالح الامريكية الكبيرة والمتنوعة في المنطقة، والدفاع عن هيبتها وسمعتها الشخصية كوزيرة خارجية لدولة عظمى. وستحرص على أن تسفر زيارتها عن شيء جديد يحرك عملية السلام التي جمدتها سياسة نتنياهو شهور طويلة. وبما انها الزيارة الاولى منذ توليها منصبها، فأصول العلاقات الدبلوماسية بين الدول تفرض عليها العمل من اجل بناء اوسع علاقة ودية مع زعمائها. ولضمان النجاح، كما تفهمه، واصلت نشاطها وتحضير اوراقها دون توقف. فاجرت اتصالات واسعة مع الفلسطينيين والاسرائيليين، وأبلغتهم بانها لا ترغب في الغرق في حل القضايا التفصيلية العالقة بين الطرفين من نوع: العودة للتنسيق الامني، ورفع الاغلاق، ودفع مستحقات السلطة من الضرائب والجمارك. وطالبتهم معالجتها قبل وصولها للمنطقة. وحددت رؤيتها لاعادة عملية السلام الى مجراها الطبيعي. وقالت بان العناصر الاساسية للسياسة الامريكية هي تحقيق سلام عادل ودائم من خلال مفاوضات تستند الى قراري مجلس الامن الدولي 242و338 ومبدأ الارض مقابل السلام. وآخر ما ما قامت به هو رفض الاستجابة لطلب نتنياهو بارسال منسق عملية السلام للمنطقة من جديد لفحص مدى التزام السلطة بواجباتها الامنية. واستعاضت عن ذلك باستدعاء ممثلين عن الطرفين لتسمع منهم مباشرة، وليس بواسطة روس، ولتعرض عليهم توجهاتها بصيغتها النهائية.
لا شك ان التمعن في تحضيرات اولبرايت يوحي بانها “سوف تشيل الزير من البير”. وستعالج مشكلات المنطقة بصورة جذرية وحازمة. الا ان النظرة الواقعية الهادئة لجدول اعمال الوزيرة، وعمق الفجوة بين الطرفين، وطبيعة المشاكل التي تنتظرها، والموقف الامريكي المهادن لسياسات الحكومة الاسرائيلية، والفترة الزمنية التي ستقضيها في المنطقة..الخ كلها تقود لاستناج بأن الاهتمام العربي الفلسطيني الشديد بزيارة اولبرايت والتعاطي بايجابية معها شيء، وبناء اوهام واسعة، حول نتائجها المتوقعة شيء آخر.. فالوزيرة وسعت بيكار مهمتها ولم تحصرها بقضية رئيسية واحدة، كمعالجة حالة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. وزيارة واحدة ولاسبوع واحد لا تكفي لمعالجة مشكلات المنطقة المعقدة، ولن تستطيع بلقاء او لقائين اعادة بناء جسور الثقة المهدومة بين نتنياهو وعرفات. ولا أظن أنها قادمة لتأديب نتنياهو المتمرد على الجميع والرافض احترام الاتفاقات الدولية واحترام توقيع الرئيس الامريكي. ومهما تكن التوقعات لنتائج الزيارة فالمصالح الوطنية الفلسطينية والعربية وبخاصة تخفيف الضغط والانحياز الامريكي تفرض:
1) حرص عربي على ان تتم الزيارة في موعدها. وان لا يتحمل اي طرف فلسطيني مسؤولية تعطيل او تأخير الزيارة، مهما كان رأيه في الموقف الامريكي وما يمكن ان تفعله اولبرايت. ليس لان السيدة اولبرايت سوف تعيد للعرب حقوقهم من اول زيارة. بل لان تعطيلها، بسبب عملية عسكرية جديدة مثلا، تضعف الموقف الفلسطيني والعربي في المواجهات الصعبة القادمة، وتقدم خدمة كبرى لنتنياهو وتعزز اطروحاته، وتعفيه من دفع الاستحقاقات التي نصت عليها الاتفاقات، وتغلق الطريق امام امكانية توسيع شقة التباين بين الموقفين الامريكي والاسرائيلي. وفي هذا السياق اعتقد بان ترحيب المعارضة الفلسطينية وبخاصة حركتي حماس والجهاد الاسلامي بزيارة اولبرايت، مع عرض مفهومهم للسلام العادل، ونقدهم الشديد للسياسة الامريكية غير العادلة والمنحازة لاسرائيل، وحثها على تحمل مسؤوليتها ازاء صنع سلام حقيقي وشامل في المنطقة..الخ يقدم خدمة مفيدة الان للقضية الوطنية. لا سيما وان العوامل والاسباب التي دفعتهم للمشاركة في الحوار والتشديد على دعم مواقف السلطة، الرافضة الخضوع للابتزازت الاسرائيلية والامريكية، ما زالت موجودة. وان احتمالات التصادم بعد زيارة اولبرايت قائمة. ولا اظن ان اتخاذ مثل هذا الموقف يلحق اي ضرر بالمعارضة، بل يفيدها، ويجنبها التعرض خلال وبعد زيارة اولبرايت لضغوط محلية واقليمية ودولية اضافية. ويسحب من يد نتياهو ورقة علاقة السلطة بالمعارضة، ويعطل عليه امكانية استغلالها ورقة الامن في التغطية على حقيقة مواقفه المعادية للسلام ولطموحات شعب فلسطين. وتضعف قدرة حكومته على مطالبة الوزيرة اولبرايت بالضغط على السلطة الفلسطينية لايقاف الحوار معها وقطع علاقتها بها وتخريب الاجواء الوطنية الايجابية التي ولدتها الحوارات الفلسطينية الداخلية التي تمت مؤخرا.
2) من حق السيدة اولبرايت والناطقين الرسميين باسمها وباسم البيت الابيض القول بان المصالح الامريكية لا تتوقف عند المشكلة الفلسطينية الاسرائيلية، وما يدور بين غزة وتل ابيب فقط. فهم يمثلون دولة عظمى لها مصالح واسعة ومتنوعة في المنطقة. ومن حقهم ايضا ادراج اية ترتيبات اقليمية على جدول اعمال الوزيرة، يروها ضرورية لخدمة الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط. وكذلك الاصرار على بحث قضايا الخليج والموقف من ايران والعراق، والعلاقات العربية الاسرائيلية، وانعقاد المؤتمرالاقتصادي، وان يعتبروها قضايا اساسية موازية ومتساوية من حيث الاهمية مع اوضاع عملية السلام، قبل انقاذ عملية السلام وقبل استعادة العرب لحقوقهم كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية. الا من حق الطرف الفلسطيني والعربي الشك في النوايا الامريكية، والتخوف من ان يكون هناك توجهات جديدة لدى ادارة كلينتون ـ اولبرايت تقوم على اساس الفصل بين الترتيبات الامريكية لاوضاع الشرق الاوسط، بما في ذلك تطوير العلاقة الاقتصادية والامنية الاسرائيلية ـ العربية، وبين مجريات عملية السلام وحالة المفاوضات الفلسطينية والعربية الاسرائيلية. والتخوف تجريد القضية الفلسطيتية كليا من بعدها العربي، والفصل بين المسارين السوري واللبناني. وتقسيم العرب الى مجموعتين واحدة متورطة بمشاكل مباشرة مع اسرائيل واخرى غير متورطة. وتجريد نضال المجموعة الاولى من اجل انتزاع حقوقها من تضامن واسناد يمكن ان تقدمه المجموعة الثانية.
3) كنت اتمنى ان تستجيب الدول العربية للدعوة التي وجهتها السلطة الفلسطينية من اجل عقد قمة عربية طارئة قبل وصول اولبرايت للمنطقة، لمناقشة ما آلت اليه استراتيجية السلام التي اعتمدوها على ابواب مشاركتهم شبه الجماعية في مؤتمر مدريد عام 1991. الا ان الاوضاع الدولية والاقليمية، وتباين المصالح العربية تؤكد ان ليس كل ما يتمناه الانسان الفلسطيني والعربي يدركه من الدول العربية المنقسمة على ذاتها. وتدفع بالحريصين عدم تفكك الموقف العربي اكثر مما هو مفكك الآن نحو المطالبة، كحد ادنى، بتنسيق مواقف الدول العربية التي ستزورها اولبرايت. وعقد لقاء فيما بينها على مستوى وزراء الخارجية مثلا، لتوحيد رؤياها لما تحمله في جعبتها من مشاريع وافكار. وتوحيد مفهومها لاية ترتيبات اقليمية امريكية مشتركة مع اسرائيل. وبصرف النظر عما ستقوم به الاطراف العربية بهذا الاتجاه فاني اعتقد بان المصالح العليا للعرب تفرض عقد لقاء عربي بعد زيارة اولبرايت مباشرة لتقييم الموقف وتحديد التوجهات. اما المصلحة الفلسطينية المباشرة فتفرض على السلطة وقيادة م ت ف أخذ المبادرة فورا وابلاغ العرب، عبر مذكرات اذا تعذرت الزيارات، بالموقف الفلسطيني من جهود الوزيرة اولبرايت، وبالمفهوم الفلسطيني لتحريك عملية السلام باتجاه مفاوضات الحل النهائي. ومطالبة الدول العربية بموقف عربي يؤكد للوزيرة اولبرايت من جديد بأن لا سلام مع الاستيطان. وان الذهاب لمفاوضات الحل النهائي دون تنفيذ نتنياهو لاستحقاقات المرحلة الانتقالية وبخاصة الانسحاب من الارض، ووقف الاستيطان يعني دفع عملية السلام نحو الهاوية، ودفع المنطقة نحو الانفجار. تجديد الموقف العربي حول ربط استئناف المفاوضات المتعددة الاطراف بتطور المفاوضات على المسارات الثنائية. وبما يؤكد لها استحالة فصل تطور العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعلمية والامنية مع اسرائيل عن مدى التقدم باتجاه صنع السلام العادل والشامل وفقا للاسس التي حددتها الادارة الامريكية لمؤتمر مدريد، والقواعد التي سارت عليها عملية السلام منذ ذلك التاريخ وحتى الان.
اعتقد ان المصالح القطرية والقومية المشتركة تفرض على جميع الدول العربية افهام اولبرايت بصراحة ووضوح استحالة الفصل بين التقدم نحو السلام وتطبيع العلاقات العربية الاسرائيلية. وأن الأخذ بهذا التوجه يخلق اضطرابات واسعة في ارجاء متعددة من المنطقة. وان صمت الادارة الامريكية عن عدم الالتزام الاسرائيلي بتنفيذ الاتفاقات، وموافقتها على اعادة فتحها الاتفاقات مع الفلسطينيين يبعث القلق حول ما توصل له من اتفاقات مع الدول العربية، وحول اية اتفاقات مستقبلية يتم التوصل لها مع اي طرف عربي آخر، وتقلل قيمتها في نظر شعوب المنطقة.
واخيرا يمكن القول انه مهما تكن نتائج زيارة الوزيرة اولبرايت، سلبية ام ايجابية، فسيكون لها انعكاسات مباشرة متنوعة على اوضاع اهل المنطقة. ومهما تكن درجة انحيازها للموقف الاسرائيلي فوضوح الحقوق العربية والفلسطينية المغتصبة، وما قدمه العرب حتى الان من اجل صنع السلام وبناء الاستقرار في الشرق الاوسط، ومقارنتة بمواقف الحكومة الاسرائيلية وبما يقوم به نتنياهو يوميا على الارض، يفترض ان يكون كافيا لخلق فجوة في جدار العلاقات الامريكية الاسرائيلية، او توسيعها ان وجدت. وهذا أمر هام ومفيد للعرب خلال ما تبقى من حكم نتنياهو. وشرطه ان يستجمع العرب اوراقهم، ويوحدوا مواقفهم. وان يجيد الفلسطينيون ادارة المفاوضات مع الوزيرة اولبرايت. وينجحوا في ارغام نتياهو على كشف كل اوراقه المعادية للسلام وللاتفاقات التي تم التوصل لها. ولن يخسر الفلسطينيون شيئا اضافيا اذا انتهجوا سياسة تقوم على مرونة تكتيكية واسعة في العلاقات وصلابة مبدئية ثابتة في الدفاع عن الحقوق. واذا عادت الوزيرة اولبرايت وسلتها خالية من اية انجازات، شريطة ان يكون واضحا لها وللرأي العام العالمي بان نتنياهو هو الذي افشل الزيارة وافرغ سلتها من محتوياتها. واظنه سيمضي في رفضه وقف التوسع الاستيطان ورفض تنفيذ ما استحق من انسحابات من الارض.