هل ستشارك حركة حماس في العملية السلمية الجارية ؟
بقلم ممدوح نوفل في 19/10/1997
لم تنجح العمليات الاستشهادية الكثيرة والمكلفة التي نفذتها كتائب “عزالدين القسام” الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية في اطلاق سراح مؤسسها الشيخ احمد ياسين. وجاءت محاولة الاغتيال الفاشلة التي نفذها الموساد الاسرائيلي اواخر شهر ايلول الماضي في شوارع عمان لتحقق هذا الهدف الذي ناضل واستشهد من اجله كثيرون. وبصرف النظر عن ظروف وملابسات عملية اطلاق سراح الشيخ ياسين، فقد شكلت مكسبا كبيرا للتيار الاسلامي في فلسطين، وبخاصة لحركة حماس. وعززت مواقعها في صفوف الحركة الفلسطينية، ورفعت بصورة واخرى من رصيدها الجماهيري، وسيكون لها تفاعلاتها على أكثر من صعيد. فالشيخ ياسين مؤسس حركة حماس يتمتع، لاسباب كثيرة ومتنوعة، باحترام قطاعات واسعة من ابناء فلسطين “الداخل” وبخاصة في قطاع غزة. وساهمت مواقفه المعتدلة، وهو داخل السجن، من السلطة، ومن الوحدة الوطنية، ومن المكاسب التي حققها الشعب الفلسطيني عبرعملية السلام، في نيل احترام اركان السلطة وقطاعات واسعة ابناء الضفة والقطاع. ولم تتعرض مواقفه، ولا هو كشخص، لاي هجوم من اي من القوى الوطنية الفلسطينية المشاركة في عملية السلام، رغم كل الخلافات والمشاحنات السياسية والتنظيمية التي وقعت بين السلطة وقواها وبين قيادة حماس. بل ان قوى السلطة كثيرا ما اشادت به وبحكمته، وبخاصة حرصه على الوحدة الوطنية وتحريمه للاقتتال الفلسطيني الفلسطيني. وعملت ما بوسعها من اجل اطلاق سراحه. وكانت دوما تميز مواقفه عن مواقف الآخرين من قادة حماس. وتعتبر خروجه من السجن وتواجده في قطاع غزة عاملا مساعدا على فلسطنة مواقف حركة حماس، ونقل قرارها السياسي من الخارج للداخل، وتعزيز مواقفها الواقعية. وتعزيز الوحدة الوطنية.
وجاءت تصريحاته بعد خروجه من السجن، حول الدولة الفلسطينية المستقلة، وحول السلطة ورئيسها لتكرس هذا الموقف. وزادت التفاؤل على مختلف المستويات الفلسطينية بامكانية ازالة اسباب التوتر القائمة بين السلطة وقيادة حركة حماس، وبامكانية اعادة تنظيم العلاقة بينهما على اسس نضالية واقعية ثابتة. اما أحاديثة الكثيرة المعتدلة حول الهدنة مع اسرائيل، وعن خيار السلام وانتزاع الحقوق الوطنية الفلسطينية عبر طريق السلام، فقد أزاحت مؤقتا صورة حماس الارهابية المتطرفة عن واجهة الصحافة واجهزة الاعلام الدولية. ووضعت مكانها صورة،غير ثابتة، لحركة اسلامية مستعدة للتعامل بواقعية مع المتغيرات التي تعيشها المنطقة. ودفعت بالعديد من القوى المحلية والاقليمية والدولية للصمت على مواقف وممارسات حماس السابقة. وصمتت على تقبيل الشيخ ياسين، بينما اثارت سابقا زوبعة كبيرة حول “قبلة” الرنتيسي.. ويمكن القول بان حركة حماس موضوعة الان تحت رقابة مشددة من قبل جميع القوى المعنية بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي، تمهيدا لتحديد الموقف منها وتقرير وجهة التعامل معها. والكل ينتظرون التطورات، ويتسائلون حول انعكاسات خروج الشيخ ياسين من سجنه على اوضاع حماس الداخلية ومواقفها وتوجهاتها وممارساتها العملية.
في لقائي مع عدد من قادة حماس في عمان بعد خروج الشيخ من سجنه، قلت بان خطيئة الموساد اعطت لحماس مكاسب سياسية كبيرة علينا جميعا استثمارها. والخطوة الاولى تبدأ بطرح حماس مبادرة سياسة رسمية متكاملة. توضح فيها موقفها من القضايا المطروحة، وتحدد رؤيتها للواقع الفلسطيني ومستقبله، وتجيب على كل التساؤلات المطروحة عليها. والان زادت قناعتي بضرورة طرح مثل هذه المبادرة. واعتقد بان تلكؤها ليس في صالحها ولا يخدم الصالح العام. فتوقيت طرح المبادرات عنصر هام في تحديد مصيرها. ولا يمكن للقوى الدولية والاقليمية المعنية باستقرار اوضاع المنطقة الانتظار طويلا كي تتعرف بصورة رسمية على الجديد في مواقف حماس. كما لا يمكن للشعب الفلسطيني وسلطته وقواه الوطنية محاكمة مواقف حركة حماس والحكم عليها بالاعتماد على تصريحات صدرت وما زالت تصدر عن الشيخ ياسين، مع تقديرنا الكبير لموقعه القيادي داخل حركة حماس وعلى الصعيد الوطني العام.
اعتقد بان الستارة سوف تستدل في الايام والاسابيع القليلة القادمة على الدور الارهابي لجهاز الموساد الاسرائيلي، ومحاولته اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، واغتيال الاتفاق الاردني الاسرائيلي، وحول صفقة التبادل التي خرج بموجبها الشيخ من السجن. وسوف يقل الحديث عنها في الصحافة ووسائل الاعلام. الا ان اسدال الستارة حول هذه المسائل وقلة تناولها في وسائل لا يعني عودة اوضاع حركة حماس الداخلية وعلاقاتها الفلسطينية والعربية والدولية الى ما كانت عليه قبلها. فاذا كان خروج الشيخ من سجنه قد اعطى لحركة حماس مكاسب سياسية وتنظيمية عامة، فالواضح ان اطلاق سراحه يمثل نقطة تحول في مسيرة حماس الداخلية والخارجية. فموقعه القيادي، ووجوده في غزة، وتوجهاته السياسية الجديدة، وحرصه على الوحدة الوطنية تثير اشكالات داخلية سياسية وتنظيمية متعددة. منها مسألة العلاقة الحزبية بين الداخل والخارج، وبين الضفة والقطاع، ومكان مركز ثقل القرار السياسي التنظيمي لحماس، وحدود العلاقة بين الوطني الفلسطيني والقومي العربي والاسلامي الاممي.
قبل خروج الشيخ من السجن كان قرار حماس يتمركز في الخارج حيث يتواجد رئيس مكتبها السياسي وغالبية اعضاء قيادتها المقررة. وكان قرارها يتأثر بنسبة واخرى بالمكان وبمصالح القوى الاقليمية الداعمة والمساندة لها. مثلها مثل بقية فصائل العمل الوطني الفلسطيني قبل دخول قيادة وكوادر م ت ف الوطن. وكثيرا ما تعمدت قيادة حماس احرج السلطة واظهارها بمظهر الضعيف غير المسيطر وغير القادرعلى ضبط الاوضاع في مناطقه، وعلى الوفاء بالتزامته التي التزمها في الاتفاقات الموقعة مع الاسرائيليين. ومن البديهي القول ان تواجد مؤسس الحركة وزعيمها الروحي دون منازع، في الداخل سوف يخفف من ثقل دور “حماس الخارج” في صناعة القرارات الاساسية، ويقلص من درجة تأثره بمواقف الآخرين. ففي الداخل يتواجد الآن ثقل الحركة الوطنية الوطنية وثقل القرار الوطني الفلسطيني، وثقل ورشة العمل الفلسطيني. وتجربة المنظمات والاحزاب والحركات الفلسطينية بينت بان ثقل قراراتها يتواجد دائما حيث تتواجد مؤسسة الرئيس او الامين العام اوالسكرتيرالاول. ولا أظن بان حركة حماس سوف تشذ عن هذه القاعدة. لا سيما وان الشيخ احمد ياسين مصمم، كما هو واضح، على استعادة دوره القيادي كاملا. فبجانب حماسه الشديد على مواصلة العمل، هناك ايضا مصلحة لمعظم قيادات وكوادر”حماس الداخل” التنظيمية والعسكرية في تعزيز دورها في صناعة القرارات، ولهم حساباتهم الحزبية الخاصة. فهم الذين كانوا يدفعون ثمن المواقف والقرارات السياسية والعسكرية الخاطئة. وكانوا يلمسون مباشرة انعكاساتها السلبية على الشارع الفلسطيني في الضفة والقطاع. وأظن بانهم سيجدون لاسباب متعددة ومتنوعة سياسية وتنظيمية، دعما واسنادا كاملين من السلطة الفلسطينية. فالقيادة الفلسطينية مقتنعة بان الكثير من مواقف حركة حماس المتطرفة، السياسية والتنظيمية الوطنية، ناتجة عن ضغوط وتأثيرات خارجية عربية واسلامية. ومؤمنة بان المصلحة الوطنية الفلسطينية وضمنها مستقبل العلاقة مع حماس، تقضي تقليص هذه التأثيرات الخارجية قدر الامكان. فلقاءاتها الكثيرة مع قادة حماس في الضفة والقطاع ومع قيادات قوى المعارضة الاخرى بينت لها بان التفاهم مع قيادات الداخل اسهل واسرع، فهي الاقرب للواقع والاكثر اعتدالا. ويفترض ان تكون مواقف الشيخ وتوجهاته المعتدلة عاملا مساعدا لاعادة تنظيم العلاقة بين السلطة وحركة حماس، يخفف عن السلطة ضغوط اسرائيل والقوى الدولية الدافعة باستمرار نحو اتخاذ اجراءات ضد حماس تؤدي الى توتر العلاقة بين الطرفين. فاعتدال مواقف حماس مصلحة دولية واقليمية وليست فلسطينية فقط.
وبجانب العلاقة بين الداخل والخارج سوف تواجه قيادة حركة حماس مشكلة توحيد موقفها حول الموقف من السلطة والتزامتها الواردة في الاتفاقات، ومن عملية السلام واساليب معارضتها لها. قبل اطلاق سرح الشيخ كانت حركة حماس تعيش حالة من الانسجام السياسي. وكانت ظاهريا موحدة فكريا وسياسيا وتنظيميا. وكانت تياراتها واتجاهاتها متفقة على رفض المفاوضات كوسيلة لانتزاع الحقوق، ورفض الاتفاقات التي وقعتها السلطة مع اسرائيل برعاية دولية، وتعتمد الكفاح المسلح اسلوبا رئيسيا لتحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتعطيل مسيرة السلام على مسارها الفلسطيني الاسرائيلي، ولاحراج السلطة، وتكريس الذات كقوة فاعلة لا يمكن تجاوزها. وكل من يدقق في تصريحات عدد من قادتها بعد وصول الشيخ الى غزة، يشتم ويرى تباينا اساسيا حول اطروحات الشيخ ومواقفه التي تضمنت مواقف جديدة قياسا لما كانت تطرحه قيادتها قبل خروجه من السجن. واقوال عدد من قادة حماس، بان لا جديد في مواقف الحركة بعد خروج الشيخ من السجن، ولا تباين بين ما قاله ويقوله وبين الخط السياسي الرسمي للحركة..الخ غير مقنعه، ولا يمكنها طمس التباين الخلاف الموجود. فالكل على سبيل المثال لا الحصر، يعرف بان قيادة حماس كانت ترفض البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير، بينما اطروحات الشيخ تتقاطع معها. وترفض ان يقتصرالانسحاب الاسرائيلي من الاراضي التي احتلت عام 1967 فقط، بينما الشيخ يطالب بذلك. وترفض الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود، والشيخ يتحدث عن هدنة وعن التعايش مع اليهود وعدم معاداتهم بسبب دينهم. وكانت قيادة حماس تعارض مرحلة الحلول للصراع الفلسطيني الاسرائيلي. ولم يكن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع هدفا بارزا في برنامجها. ولا ترى اية امكانية لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بالطرق السلمية، وتعتمد الكفاح المسلح وسيلة رئيسية للتحرير. ولم تكن تقر وتعترف قبل خروج الشيخ من سجنه بان السلطة الفلسطينية هي الممثل للشعب الفلسطيني وهي عنوانه الوحيد..الخ . وأظن ان لا حاجة لبذل جهد كبير لرؤية تباين مواقف الشيخ حول كل هذه الامور الوطنية الكبيرة. واعتقد بان تبهيت الجديد سياسيا في مواقف الشيخ، لا يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية العامة، ويلحق في هذا الوقت بالذات بحركة حماس ذاتها اضرارا تنظيمية وسياسية داخلية وخارجية. وبصرف النظر عن حدود وعمق التباين بين مواقف الشيخ ياسين ومواقف قيادة حماس في الخارج، يبقى السؤال المطروح ما هو موقف “كتائب عز الدين القسام” من اطروحات الشيخ؟ وهل سينجح الشيخ ياسين بمواعظه اليومية التي يطلقها من بيته في تكريس مواقفه وتوجهاته كخط ملزم لكل حركة حماس وضمنها جناحها العسكري. ام ان اطروحاته التي اثارت خلافات قوية بين الداخل والخارج “الحمساوي” ستدفع بالاتجاهات المتشددة للقيام بعمليات عسكرية تقطع الطريق على الوجهة الواقعية التجديدية التي يطرحها؟ واذا كان الجواب لن يتأخر، وآمل ان نقرأه في وثيقة سياسية رسمية. فسلفا يمكن القول بأن الحديث عن مشاركة حماس في عملية السلام غير واقعي. فقبله لا بد لحركة حماس من استكمال انعطافتها الجارية نحو الواقعية وباتجاه البوابة الفلسطينية. وهذا لن يتم دون مخاض فكري سياسي تنظيمي عسير .