هل حان وقت اعلان قيام الدولة الفلسطينية على الارض ؟

بقلم ممدوح نوفل في 15/02/1998

أزمة السلطة الفلسطينية و سبل الخروج منها
بعد اكثر من 16 شهرا من تولي الائتلاف اليميني الحكم في اسرائيل، وبعد كل المواقف النظرية والعملية التي اتخذها على الارض في القدس والضفة والقطاع، يفترض ان لا يكون هناك خلاف فلسطيني اطلاقا على ان عملية السلام كما عرفناها منذ مدريد واوسلو قد انتهت، ولا افق لاحيائها طالما بقي هذا الائتلاف يتربع على رأس السلطة في اسرائيل. وأن ما يصدر من تصريحات رسمية اسرائيلية حول الحرص على عملية السلام وحول الالتزام باسسها وبما انبثق عنها من اتفاقات على المسار الفلسطيني الاسرائيلي يندرج في اطار قتل الوقت. ومحاولة لتبرئة الذمة امام الراي العام العالمي والاسرائيلي المؤيد لصنع السلام في منطقة الشرق الاوسط من الجريمة المرتكبة، عن سابق قصد واصرار، بحق اتفاق اوسلو وما تلاه من اتفاقات فلسطينية اسرائيلية. ولعل مواقف الادارة الامريكية منذ صعود الليكود للحكم وحتى الان كافية لتوحيد الموقفين الفلسطيني الداخلي، والعربي ـ الفلسطيني، حول تكيّف مواقف ادارة الرئيس كلينتون مع مواقف نتنياهو. وتقلص اهتمامها بعملية صنع السلام في المنطقة، وتراجع دورها في رعايتها. واستمرار تمسكها بالتفرد بالعملية وتعطيل جهود الآخرين اذا كانت تتعارض مع مواقف ورغبات الحكومة الاسرائيلية. ويخطئ من يعتقد بان التحركات الاقليمية والدولية الموسمية التي تهب بين فترة واخرى قادرة على احداث تغييرات جوهرية في مواقف نتنياهو وحكومته، والزامها بالسير على درب صنع السلام العادل والشامل. فزيارة السيدة اولبرايت التي طال انتظارها بردت الازمة لكنها لم تخرج العملية من مازقها. ويخطئ اكثر من كل من يراهن على ميلاد عملية سلام جديدة وآلية، مفاوضات بديلة جديدة خلال عهد الليكود أي من الآن وحتى عام 2000. وأظن ان اظهار الحقيقة يفرض القول بان المعارضة الاسرائيلية لم تظهر للان غيرة حقيقة على عملية السلام، وعلى الاتفاقات التي وقعت معها. وانها لم تستطع التاثير على مواقف وسياسيات نتنياهو المعادية لتحقيق مصالحة تاريخية مع الفلسطينيين، وصنع سلام حقيقي العرب. وان حديثها عن تجميع 80 صوت في الكنيست لاسقاط نتنياهو من رئاسة الوزراء، وتبديل قانون الانتخابات تبخر امام نجاح نتنياهو في توحيد ائتلافه الحكومي. ونجاحه في لملمة قاعدته الشعبية وتوسيعها وتنشيطها. وبعد اكتشاف ان مصالح احزاب الائتلاف الحاكم تمنعها من المضي قدما في اسقاط نتنياهو لايغير هذا الاستخلاص. فتجميع مثل هذا العدد من الاصوات ليس سهلا، لاسيما وان جميع احزاب الائتلاف الحاكم
وترفض مواصلة نهج التقدم خطوة خطوة باتجاه الحل النهائي. وتصر على القفز عن المرحلية والذهاب فورا لمفاوضات الحل النهائي. وتعمل يوميا كل ما من شأنه تدمير ما بني، وتقرير مستقبل مفاوضات الحل النهائي مقدما. ومن يراجع برامج ومواقف احزاب الائتلاف الحاكم منذ ما قبل الفوز في الانتخابات وللآن لا يفاجئ بهذه القرارات. المفاجئ للبعض، قد يكون، درجة وضوح مواقفها، وصراحتها في التعبير عن توجهاتها. وتسرعها في اتخاذ القرارات وتنفيذها، بما في ذلك تلك التي لها انعكاسات اقليمية وابعاد دولية. وتهورها في تحدي الاطراف الدولية والعربية المشاركة والراعية والمساندة لعملية السلام والضامنة للاتفاقات. فرفض تنفيذ استحقاقات اتفاق الخليل الذي تم التوصل له برعاية امريكية مباشرة فيه تحدي صريح للادارة الامريكية، ولكل للاعراف الدولية التي لا تجيز لاي طرف حق الغاء اتفاقات ذات ابعاد دولية من جانب واحد.
*وأن الحقائق التي خلقتها على الارض وفي العلاقات العربية والفلسطينية الاسرائيلية معرضة، على المدى المباشر والبعيد، لاحتمالات متعددة. بعضها أصبح حقيقة من حقائق الاوضاع في الشرق الاوسط يقدر له ان يكرس نفسه وان يستمر في الحياة لاشعار آخر مثل: اتفاقات وعلاقات السلام الاردنية الاسرائيلية، الاعتراف المتبادل بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وجود كيان فلسطيني على اراض فلسطينية محررة، ووجود سلطة وطنية اجهزتها شبه مستكملة..الخ اما بعضها فقد كان وسيظل عرضه للتلآكل والاندثار مثل علاقات السلام الفلسطينية الاسرائيلية وبعض الاتفاقات التفصيلية التي تم توقيعها بين الطرفين. وان
لا أدعي الخبرة الواسعة في القانون الدولي، لكني اعتقد بان قرارات حكومة نتنياهو تثير اشكالية قانونية دولية تتعلق باقدام اسرائيل على الغاء اتفاق دولي وقعته مع الفلسطينيين. فالقراءة السياسية الهادئة للقرارات تبين ان اسرائيل الغت من جانب واحد، القواعد والاسس التي بنيت عليها الاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية، وقامت عليها علاقات فلسطينية اسرائيلية من نوع جديد. وهذا السلوك المتعمد غير القانوني، يعطي للطرف الفلسطيني حق التصرف بالمثل، والتحلل من الزاماته التي تضمنتها الاتفاقات. وأظنه يثير مخاوف جدية عند مصر والاردن حول مصير الاتفاقات التي وقعتها مع اسرائيل. ناهيك عن اثارة قلق عربي شامل من انتهاء عملية السلام على مسارها الفلسطيني الاسرائيلي، وقلق رعاتها ومسانديها من دخول المنطقة حالة فوضى واضرارابات. فنهاية اتفاقات مدريد واسلو وطابا والخليل تعني عودة العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية، بصورة واخرى، الى ما كانت عليه قبل مؤتمر مدريد. وتفتح باب الصراع بين الطرفين على كل الاحتمالات. وتطرح على الفلسطينيين سؤال ما العمل بعد قرار حكومة اسرائيل رفض الانسحاب من الارض، الذي اعتبره الفلسطينيون اساس مشاركتهم في عملية السلام وبدونه لا معنى للسلام.
لا شك في ان الجواب ليس سهلا. لاسيما وان قرارات وتوجهات حكومة الليكود تجد آذنا دولية صاغية وبخاصة في الادارة الامريكية. والخيارات المتاحة امام الفلسطينيين قليلة، ولكل منها ثمن. اعتقد شعب فلسطين باحزابه وقياداته يقفون الآن امام اختبار دقيق، الفشل فيه ممنوع. والبحث عن الجواب الواقعي الصحيح يفرض على الجميع وبخاصة مراكز الابحاث والدراسات الفلسطينية في الداخل والخارج، تقديم مساهمتها لمعالجة هذه المهمة الوطنية المركزية، والخروج من المأزق بأقل الخسائر الممكنة. ومطالبة بتكليف وبدونه، تقديم رؤاها لطبيعة الحركة الافعل والانفع للشعب الفلسطيني في ظل الظروف الصعبة التي تحيط بهم وبقضيتهم الوطنية .
وفي سياق المساهمة الاولية اعتقد بان القيادة الفلسطينية تواجه مهام كثيرة ومتنوعة داخلية وخارجية، سياسية وامنية واقتصادية وتعبوية وتنظيمية، مترابطة فيما بينها. ورغم ترابطها الوثيق الا ان معالجة كل واحدة بصورة منفصلة عن الاخرى وحسب الاولويات يسهل العلاج ولا يقلل من قيمته. وأظن بان قرارات وممارسات الحكومة الاسرائيلية تعطي للفلسطينيين حرية التصرف بالقرارات بالحدود التي تصرف بها نتنياهو. وحق التعامل معها بصورة انتقائية كما تعامل هو معها. وتعطيهم حق اتخاذ ما يناسب مصالحهم من خطوات سياسية. وأرى بان الشروع في التحضير للاعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على الارض الفلسطينية، اصبح احد ابرز الخيارات الفلسطينية للرد على مواقف وسياسات نتنياهو…الخ. فاذا كان هدف نتنياهو التخلص من عملية السلام واستحقاقاتها بالهروب باتجاه مفاوضات الحل النهائي ووأدها على هذا الطريق بهدوء ، فهدف الفلسطينيين ينبغي ان يكون عكس ذلك، وينطلق من الذهاب لمفاوضات الحل النهائي من اجل حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حلا جذريا، وقاعدة هذا الحل هي قيام دولة فلسطينية مستقلة بجانب دولة اسرائيل. واذا كانت اعماله تستهدف وضع مفاوضات الحل النهائي امام الامر الواقع، فحق الفلسطينيين ان يقرروا هم الآخرون سلفا مصير هذه المفاوضات وفقا لاهدافهم من عملية السلام.
قبل قرار حكومة نتنياهو بعدم تنفيذ الشق الثاني من الانسحاب واعادة الانتشار، كنت من المعارضين بشدة لفكرة اعلان الاستقلال وقيام الدولة على الارض لانها كانت ستلقي على كاهل الفلسطينيين شعبا وسلطة ومنظمة تحرير مسؤوليات دولية وعربية ثقيلة. اخطرها تحمل مسؤلية قتل عملية السلام، وعدم احترام الاتفاقات التي توقع عليها، والخروج عن قواعد واسس اللعبة السياسية. وكنت مع تأجيل الاعلان حتى ايار1999، التاريخ المفترض لانتهاء مفاوضات الحل حسب اسس الدعوة لمؤتمر مدريد. وكنت ضد الشروع في التحضير قبل ذلك التاريخ. الا ان شطب حكومة نتنياهو لتلك الاسس، امام العالم، بكل وصراحة ووضوح ، وتحملها بكل جرأة مسؤولية انهاء العملية التي عرفها العالم، ومحاولة التأسيس لعملية مختلفة تماما..الخ تنهي تحفظاتي وتنهي تحفظات كثيرين كما اعتقد. وتجعل الاقدام المدروس على اعلان الدولة احد المخارج القليلة المتاحة امام الفلسطينيين للحفاظ على اهدافهم وحقوقهم. فالسكوت على مواقفه وتصرفاته، او اتخاذ موقف انتظاري يسهل عليه تنفيذ توجهاته بسرعة شديدة، ودون عراقيل.
وحتى لا يساء فهم هذا الموقف الجديد، ويظهر الموقف الفلسطيني على انه خارج عن سياق الجهود الدولية المبذولة من اجل انقاذ عملية السلام، او يتحول الى خطوة غير مفهومة معلقة في الهواء ولا افق لها. اعتقد بان على القيادة الفلسطينية ان تعتمد الصراحة والوضوح مع الجميع، فلسطينيين وعرب واسرائيليين وكل دول العالم. وان توضح سلفا للجميع: بان اصرار حكومة الليكود على التوجه لمفاوضات الحل النهائي، ورفضها تنفيذ بقية استحقاقاتها التي لم تنفذ، هي التي تدفع بالفلسطينيين نحو هذه الخطوة. وانهم مستعدون لتجميدها اذا الغى نتنياهو قراراته المتعلقة بالمرحلة النهائية، ووافق على تنفيذ استحقاقاتها، جنبا لجنب مع الشروع في مفاوضات جدية وصادقة لقضايا الحل النهائي. وان تبادر بعد هذا التوضيح للتحرك بشمولية وبحيوية وابداع كما تم قبل وبعد “اعلان الاستقلال الفلسطيني من الجزائر عام 1988″، وهذا يتطلب:
1) القيام بالدراسات القانونية المطلوبة. وتشكيل لجنة من خبراء القانون الدولي، مهمتها تقديم دراسة قانونية وافية حول مدى تطابق التوجه الفلسطيني مع القانون الدولي ومع قرارات الشرعية الدولية. وحول تقاطعها وتعارضها مع الاتفاقات الفلسطينية الموقعة مع اسرائيل ودول العالم.
2) دعوة المؤسسة التشريعية الفلسطينية المعنية (المجلس الوطني) لاجتماع استثنائي يحضره اكبر عدد ممكن من ممثلي التجمعات الفلسطينية في الشتات. ومن المفيد عقد ما يشبه المؤتمرات الشعبية في الاماكن التي تتواجد فيها تجمعات فلسطينية كبيرة لدراسة التوجه. وتوحيد الموقف وحشد الطاقات، ورفع التوصيات، وتحديد اشكال التحرك والمهمات المطلوبة من الجميع.
3) التحرك باتجاه جميع الدول العربية لتوضيح مبررات الاقدام على هكذا خطوة سياسية كبيرة. ودعوتها لمآزرة الموقف الفلسطيني سياسيا وعمليا. واخذ موافقتها على الاعتراف بهذه الخطوة، واتخاذ ما يلزم من خطوات لترسيم اعترافها في اطار الجامعة العربية، وتوظيف شبكة علاقاتها لترسيمها في الامم المتحدة وبقية المحافل الدولية.
4) القيام باوسع اتصالات ممكنة مع دول مؤتمر مدريد وبخاصة مع الادارة الامريكية ودول السوق الاوروبية المشتركة. ومطالبتها بدعم الخطوة الفلسطينية باعتبارها تخدم التوجهات الدولية نحو خلق سلام دائم واستقرار استراتيجي ثابت في منطقة الشرق .
5) التحرك مع قوى السلام الاسرائيلية المؤمنة باهمية انهاء الصراع العربي الاسرائيلي المزمن، وبصنع سلام شامل ودائم بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ودفعها لتحمل مسؤولياتها في دعم واسناد هذا التوجه الفلسطيني باعتباره المدخل الاقصر والاسلم لتحقيق السلام وحل المشكلة جذريا.
وبجانب هذه الخطوات السياسية لا بد في كل الاحوال من الشروع في تحضير الاوضاع الفلسطينية لمواجة كل الاحتمالات. بعدما اصبحوا على ابواب مرحلة جديدة تختلف عن تلك التي قطعوها منذ انعقاد مؤتمر مدريد وحتى الان. واذا كان التسرع في الرد على مواقف نتنياهو وفي تحديد التوجهات يلحق اضرارا بالمواقف والمصالح الفلسطينية فأضرار الجمود والسكون كبيرة وكثيرة ايضا، والمطلوب عمله كثير جدا .