صراع قطبي الحرب الباردة أنتج هزيمة العرب 1967 حلقة 2
بقلم ممدوح نوفل في 30/04/1998
حلقة 2:
مع حلول عام 1967 كانت علاقة مصر بالولايات المتحدة الامريكية قد تدهورت تماما بسبب تطور وتنامي العلاقة السوفيتية المصرية من جهة، وترسخ العلاقة الامريكية الاسرائيلية من جهة اخرى. وكان العالم العربي يعيش ذروة الانقسام بين انظمة “تقدمية” واخرى “رجعية”. في تلك الفترة تصاعد التوتر بين اسرائيل وكلا من سوريا ومصر. وارتفعت وتيرة التهديدات الاسرائيلية ضد سوريا. ونقلت اكثر من جهة دولية معلومات للقيادتين السورية والمصرية بان اسرائيل تحضر لعدوان واسع ضد سوريا. وعلى أبواب حزيران 1967 أصدرت الحكومة السوفياتية في 23/5/1967 بياناً حذرت فيه من وقوع تلك الحرب، وحذرت مصر والدول العربية الاخرى من الحشودات العسكرية الاسرائيلية الكثيفة على الحدود السورية والمصرية. وذكّرالبيان أن الشرق الأوسط مجاور للاتحاد السوفيتي ويقع على حدوده. الا انهم بذات الوقت طلبوا من مصر وسوريا ان لا يكون اي منهما البادىء بالحرب. وفهمت القيادتين السورية والمصرية في حينه ان الاتحاد السوفيتي سوف يتدخل بجانبهم اذا بدأت اسرائيل بالهجوم.
في 12 ايار 1967 اعلن اسحق رابين رئيس اركان الجيش الاسرائيلي، في تلك الفترة، “اننا سوف نشن هجوما خاطفا على سوريا وسنحتل دمشق لنسقط النظام فيها ثم نعود”. اما ليفي أشكول رئيس الوزراء الاسرائيلي فقال “اسرائيل مستعدة لاستخدام القوة ضد سوريا”. وتوترت اجواء المنطقة وارسل عبد الناصر رئيس اركان الجيش المصري “محمد فوزي”لدمشق لدراسة الموقف والتشاور مع القيادة السورية. واعلنت حالة الطوارىء في القوات المصرية. وحرك “عبد الحكيم عامر” وزيرالحربية المصري بعض القطعات العسكرية الاساسية بصورة استعراضية لداخل شبه جزيرة سيناء. وظهرت صواريخ “الضافر” “والقاهر” في شوارع القاهرة.
وفي 16 ايار ارسل الفريق فوزي، بناء على تعليمات المشير”عامر” رسالة الى قائد القوات الدولية في قطاع غزة وشرم الشيخ تطلب منه سحب قواته. وفي 23 من الشهر نفسه اعلن عبد الناصر اغلاق خليج العقبة في وجه الملاحة الاسرائيلية. في ذلك اليوم أرسل الرئيس الامريكي جونسون رسالة تضليلية للرئيس عبد الناصر قال فيها “تعتقد حكومة الولايات المتحدة الامريكية انه من الضروري ان يتوقف الاتجاه الحالي لتعبئة القوات وحشدها على الجانبين. ولقد اخذنا بعين الاعتبار ان مصر واسرائيل تشيران الى ان تحركات قواتها المسلحة ذات أغراض دفاعية. وتستطيع حكومة الجمهورية العربية المتحدة ان تتأكد بيقين، وان تعتمد على ان حكومة الولايات المتحدة تعارض معارضة صارمة اي عدوان في المنطقة من أي نوع كان، سواء قامت به القوات المسلحة النظامية او قوات غير نظامية.” وامعانا في التضليل اتفقت الادارة الامريكية مع الحكومة المصرية على عقد لقاء مصري امريكي رفيع المستوى يوم 7حزيران1967 ووجهت دعوة رسمية بذلك. وقرر عبد الناصر ان يسافر “زكريا محي الدين” الى واشنطن.
وفي 27 ايار عطل الاتحاد السوفيتي ضربة جوية مفاجئة قرر عبدالناصر القيام بها ضد المطارات والدفاعات الجوية الاسرائيلية، لان مبادرة مصر في الهجوم يحملها تبعات كبيرة هي في غنى عنها، ويدفع بالامريكان للتدخل بجانب اسرائيل. في الاسبوع الاخير من شهر ايار 1967وصل الى واشنطن وفدان اسرائيليان، الاول برئاسة وزير الخارجية أبا ايبان، والثاني برئاسة رئيس الموساد “مائير ياميت”. واطلعا اركان الادارة الامريكية على تفاصيل الموقف الاسرائيلي وخطة اسرائيل العسكرية. وعاد الوفدان وهما مطمئنان تماما للدعم الامريكي اذا وقعت الحرب. وبأن الادارة الامريكية لن تسمح للعرب بهزيمة اسرائيل عسكريا. في 30 ايار وصل الملك حسين الى القاهرة، وطلب من عبد الناصر توقيع اتفاقية للدفاع المشترك مماثلة لتلك التي كانت بين مصر وسوريا. وخطوة الملك حسين جاءت بعد ان لمس تصعيد اللهجة العدوانية الاسرائيلية ضد الاردن وسوريا، وتيقنه من جدية تهديداتها لهما ومن احتمالات مبادرتها بالهجوم ضد الدول العربية ومن ضمنها الاردن. وادراكه باستحالة بقاء الاردن في موقع المتفرج في حال وقوع الحرب. وفي اليوم التالي عاد الملك حسين الى عمان بعد توقيع الاتفاقية، ومعه على نفس الطائرة احمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والفريق عبد المنعم رياض ليتولى مهمة قيادة الجبهة الاردنية في حال نشوب القتال.
الساعة الثامنة من صباح 5 حزيران 1967 بادرت اسرائيل وبتشجيع وتواطىء أمريكي لشن حرب واسعة ضد مصر والاردن وسوريا. ونجحت خلال اقل من سبع ساعات من تدمير القوات الجوية المصرية وقوات الدفاع الجوي. وتمكنت بأقل من “سبعة ايام” من إحتلال صحراء سيناء المصرية، والضفة الغربية من الاردن، وقطاع غزة “بقية الاراضي الفلسطينية”، ومرتفعات الجولان السورية. ونجحت القوات الجوية الاسرائيلية في مفاجئة القوات المصرية، والوصول بسهولة الى المطارات رغم تحذيرات عبد الناصر للقيادة العسكرية المصرية، ودمرت ما على ارضها من طائرات. في حينه قررت القيادة العراقية دخول الحرب وبدأت حشد قواتها الاحتياطية وحركت بعض قطعاتها العسكرية الثقيلة باتجاه الاردن عبر الصحراء. وقامت الطائرات العراقية بشن غارات جوية ناجحة على عدد من الاهداف الاستراتيجية الاسرائيلية. الا ان المفاجئة، وطول المسافة بين العراق واسرائيل، وتدمير المطارات الاردنية، اضعفت فعالية الهجوم الجوي العراقي، والحقت بقواته البرية خسائر كبيرة. وبعد اقل من 72 ساعة كانت الاذاعات تتناقل اخبار هزيمة العرب امام اسرائيل. وصار أمل الشعوب العربية ان يتدخل السوفيت لانقاذ حليفهم عبد الناصر. لكن النتيجة النهائية للحرب كانت عكس ذلك. واحتلت اسرائيل كل الضفة الغربية، ووقعت نكبة الفلسطينيين الثانية وتحول قسم من الفلسطينيين الى لاجئين جدد. ودخلت دباباتها ومشاتها باحة المسجد الاقصى، ورفعت قواتها العلم الاسرائيلي فوق قبة الصخرة عدة ساعات، ولم يتم انزاله الا بعدما تدخل القنصل التركي في اسرائيل. وتوحدت الارض الفلسطينية ولكن تحت الاحتلال. ومع نجاح الهجوم الاسرائيلي على الجبهات الثلاث المصرية والاردنية والسورية دخل الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي طورا جديدا، ودخلت العلاقات العربية ـ الاسرائيلية الامريكية وكل منطقة الشرق الاوسط مرحلة جديدة من الصراع. وتحركت رياح وعواصف الحرب الباردة بين القوتين الاعظم بقوة باتجاهه. وتحولت أرضه الى ميدان مفتوح لصراع العملاقين ولاختبار الاسلحة الالكترونية السوفيتية والامريكية.
بعد الهزيمة اولى جمال عبد الناصر الوضع الاردني وبخاصة مصير الضفة الغربية المحتلة اهمية خاصة. وطلب من الملك حسين عمل الممكن والتحرك باتجاه الادارة الامريكية والدول الغربية الاخرى، على امل انقاذ ما يمكن انقاذه. مقدرا له مشاركته في الحرب رغم ضعف القدرات العسكرية الاردنية في مواجهة اسرائيل. ومقدرا مطامع الحركة الصهيونية واسرائيل في الضفة الغربية، وخطورة بقائها فترة طويلة تحت الاحتلال. بعد تلك الحرب أصدر الرئيس جونسون مبادرته الشهيرة ضمت خمسة بنود: “الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود، تحقيق العدالة للاجئين، المرور البريء للملاحة في الممرات المائية، فرض قيود على سباق التسلح، والاستقلال السياسي ووحدة الاراضي للجميع. وشكلت هذه النقاط من وجهة النظر الأمريكية إطاراً لحل قضية الشرق الأوسط. ونصت في البند الخاص بالقضية الفلسطينية على ضرورة حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاًعادلاً. وطالبت كل الأطراف “بإنصاف اللاجئين بعدما زادت الحرب عمق مأساتهم”. وفي تلك الفترة 22 نوفمبر 1967 صدر قرار الأمم المتحدة رقم 242، ورفضت اسرائيل الالتزام به منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.
مع بدء حرب حزيران أدان الاتحاد السوفيتي العدوان الاسرائيلي على الدول العربية. وقطع علاقته الدبلوماسية مع اسرائيل. وطالبها بالانسحاب الفوري من كل الاراضي العربية التي احتلتها. وبادر إلى تبني وجهة النظر العربية في تفسير قرار الامم المتحدة 242، وأخذ بالنص الفرنسي الذي اعتمده العرب. والذي يقول “الانسحاب من الأراضي المحتلة”. ودعم جهود “يارنغ”. وبادر إلى إعادة تسليح كل من مصر وسوريا. وحمّل الولايات المتحدة مسؤولية تشجيع إسرائيل على العدوان. وبصرف النظر عن الاسباب التي دفعت بالسوفييت لثني عبد الناصر عن أخذ زمام المبادرة في حرب 1967، فالثابت أن هزيمة عبد الناصر والعرب في تلك الحرب رفعت من وتيرة الحرب الباردة في المنطقة، وفتحت الأبواب أمام السوفيات لتحقيق مزيد من التغلغل فيها. ومكنتهم من تحسين وتعزيز مواقعهم التي تواجدوا فيها بعد العدوان الثلاثي على مصر وغزة عام 1956. في تلك الفترة توترت العلاقة العربية الامريكية اكثر فاكثر، ولم تقدم الإدارة الأمريكية دعما حقيقيا لنشاطات المبعوث الدولي “غوناريارنغ”. وقطعت مصر وسوريا علاقاتهما الدبلوماسية مع امريكا. وراح كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة يرقب تفاعلات نتائج الحرب عند أهل المنطقة شعوبا وحكومات، ويحولها لحساب تعزييز مصالحه الخاصة في مواجهة الآخر.
وكرد فعل على الهزيمة المؤلمة ونتائجها المأساوية رفض الفلسطينيون بقيادة م ت ف الاعتراف بالقرار 242 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي، ورفضت سوريا ايضا الاعتراف به. وفي قمة الخرطوم (29/8/ ـ 1/9/67) رفع العرب بتوجيه من عبد الناصر شعار “لا صلح ولا إعتراف ولا مفاوضات مع إسرائيل”. وتمسكوا بشعار تحرير فلسطين، وكل الأراضي العربية المحتلة، سابقا وحديثا. وواصلوا الحديث عن تدمير دولة اسرائيل. ورفعوا القيود التي فرضوها على الحركة الوطنية الفلسطينية. وراحوا يتحدثون عن حرب التحرير الشعبية، وعن تصعيد الكفاح الفلسطيني المسلح. وشجع بعضهم الاحزاب والحركات الفلسطينية السياسية على تبني الكفاح المسلح. واطلقوا العنان للفدائيين الفلسطينيين ليقوموا بما يمكن القيام به من اعمال عسكرية ضد اسرائيل. وظل الاعتراف بدولة سرائيل أحد أكبر المحرمات الفلسطينية والعربية على المستويين الشعبي والرسمي. وأصبح ذكر فلسطين واللاجئين مقرونا بظلم العالم للفلسطينيين وجرح كرامة العرب والمسلمين.
أواخر عام 1969 ومطلع عام 1970 طور الاتحاد السوفياتي موقفه من الحركة الوطنية الفلسطينية. وراح يمد خيوط العلاقة باتجاهها بعدما برزت كقوة سياسية فاعلة في الساحة الفلسطينية والعربية. وبعد بروز الثورة الفلسطينية المسلحة واتساع النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط، خشيت الإدارة الأمريكية من تزايد النفوذ السوفياتي وتهديده لمصالحها في المنطقة. فتقدمت بمبادرة عن طريق مبعوثها وليام سكرانتون. تطرقت فيها للمرة الأولى إلى مسألة إعادة الأراضي التي احتلت عام 1967، وضرورة إعادة الضفة الغربية والقدس العربية إلى الأردن. ووضع الأماكن الدينية كلها تحت سلطة دينية دولية مشتركة. وأشارت لأول مرة إلى موضوع ضم قطاع غزة للأردن. في حينه وبالاستناد إلى قرارات قمة الخرطوم رفض العرب والفلسطينيون الاقتراح الأمريكي ورفضته إسرائيل ايضا. ورمى الاتحاد السوفياتي بثقله بجانب جمال عبد الناصر، وطوروا مستوى تسليح الجيش المصري. وشجعوا عبد الناصر على شن حرب الاستنزاف. وزادوا عدد خبرائهم على الأرض المصرية، وارسلوا اعدادا من الطيارين السوفيت للعمل في مصر. وعملوا من حرب الاستنزاف التي شنتها القوات المصرية على قنال السويس ميداناً لاختبار أسلحتهم في مواجهة الأسلحة الأمريكية. ورداً على الأحاديث الدولية والعربية التي حاولت النيل من سمعة السلاح السوفياتي، وحملته مسؤولية الهزيمة العربية في حرب 1967، استعرض السوفيات في حرب الاستنزاف بعض أسلحتهم المتطورة، وبرزت منها صواريخ سام 6 المضادة للطائرات.
وفي 9 كانون الأول (ديسمبر) 1969 أعلن وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز عن مبادرته الشهيرة التي قال فيها: أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط متوازنة، وأن التنازلات ينبغي أن تأتي من الجانبين. الا ان تلك المبادرة لم يكتب لها النجاح، ولم تترك اية آثار على الصراع في المنطقة. لاحقاً ومع تجدد حرب الاستنزاف، طرح الوزير “روجرز” مبادرة ثانية في 25 أيار1970 وأعلن في مؤتمر صحفي: أن الولايات المتحدة اتخذت خطوة دبلوماسية جديدة، وقدمت مقترحات سلام جديدة بالنسبة لأزمة الشرق الأوسط، بهدف وقف إطلاق النار والبدء في المحادثات من جديد تحت إشراف يارينغ. في حينه لم يتأخر رد القيادة السوفيتية على مبادرة روجرز. فقد انتهزت تصريح مسؤولين أمريكيين حمّلوا فيه السوفيات مسؤولية حرب 1967 واتهموهم بالتحريض على الحرب من جديد، فأصدرت الخارجية السوفيتية بياناً قالت فيه “إن الحكومة الإسرائيلية وبدعم من الولايات المتحدة الامريكية ترفض تنفيذ خطة يارنغ”، واتهمت الإدارة الأمريكية بتزويد إسرائيل بالسلاح، وبناء مصانع حربية جديدة، وفتح مطارات عسكرية اضافية.
في تلك الفترة وافق عبد الناصر على التعاطي من حيث المبدأ مع مبادرة “روجرز”. إلا أن القيادة الفلسطينية رفضتها رفضاً قاطعاً. وبدلاً من توجيه غضبها ضد الأمريكان شنت حملة واسعة ضد عبد الناصر وتوترت العلاقة بين الجانبين. في حينه نصح عبد الناصر الملك حسين مرة اخرى بالتعاطي مع تلك المبادرة، والقيام بكل التحركات التي تمكنه من استعادة الضفة الغربية والقدس. وحسب المصادر الفلسطينية فقد كانت النصيحة أوسع وأبعد من ذلك. وبجانب التوتر في العلاقة الفلسطينية ـ المصرية، ساهمت مبادرة روجرز في رفع حدة توتر العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية متوترة أصلا، وسرّعت وقوع التصادم المسلح بين الجانبين. حيث صار واضحا في شهر آب 1970 ان الطرفين يتجهان لا محالة للصدام المسلح.
يوم 29 حزيران ” يونيو” سافر الرئيس عبد الناصر الى موسكو لمناقشة الموقف العسكري على جبهة قناة السويس، وليطلب مزيدا من الاسلحة وبخاصة بعض انواع الصواريخ المضادة للطائرات وبعض انواع الطائرات. وخلال لقاءاته مع القادة السوفيت كانت مبادرة “روجرز” احدى النقاط الرئيسية التي طرحها السوفييت على جدول الاعمال. وتعرض عبد الناصر والوفد المرافق له الى استجواب حول الموقف منها. ولعل حديث الامين العام للحزب الشيوعي السوفيتي “بريجنيف” يوضح موقف الاتحاد السوفيتي من تلك المبادرة حيث قال في اجتماع رسمي: “نحن اصدقائكم بل واخوة لكم، اشتركنا سويا في اعمال ضخمة في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية، والان تحاول الولايات المتحدة ان تأخذ زمام المبادرة، وتدعي بانها تتقدم بمشروع كامل للتسوية وكأنهم اصحاب فضل في حل المشكلة. ولكن لايجوز ان نسمح باعطاء صورة باننا قبلنا مشروعا من جانب المعتدي. اننا نقدم لكم اسلحة للدفاع عن انفسكم، بينما تقدم الولايات المتحدة لاسرائيل كل الاسلحة اللازمة للاعتداء عليكم. وهم يريدون بمبادرتهم الاخيرة اخذ كل جهد بذلناه من اجل تحقيق السلام العادل، ومعاونتكم في ذلك. يمكننا التفكير سويا في الطريقة التي لا تعطي للعدو ثمار ما قمنا به. ولا يجوز ان نقف موقف المدافع عن نفسه، وكأننا نحن المعتدون. الدبلوماسيون المصريون والسوفيت يمكنهم ان يجدوا اساليب وطرق لطرح الامريكيين على ظهورهم كما في المصارعة، خاصة واننا نحظى بتأييد فرنسا” واختتم بريجنيف مداخلته بقولة انه تحدث بصراحة وانفعل بعض الشيء وذلك بسبب الطريقة الخبيثة التي قدمت بها المقترحات الامريكية.
علق عبد الناصر فقال ” اتفق مع الرئيس بريجنيف في انه لا يوجد فعلا مبادرة، واذا كنا نريد حلا سلميا عادلا للعرب فانا واثق بان الولايات المتحدة لن تقدم لنا مثل هذا الحل. لانهم يريدون التخلص منا في مصر قبل كل شيء، ثم السيطرة على مصر لتكون نواة لخدمة مصالحهم في المنطقة. ولذلك نحن ندخل معهم في معركة قاسية وطويلة، ونود الاتفاق معكم على الرد. وقد فهمنا منكم عدم رفض المبادرة من حيث المضمون، وان كنا نعلم انه لن تكون هناك نتيجة جادة لها”. تسائل بريجنيف: اذا قبلنا باقتراح الولايات المتحدة بوقف اطلاق النار لمدة ثلاثة اشهر فماذا سيحدث بعد ذلك ؟ رد عبد الناصر فورا سنعود الى ما كنا عليه. في نهاية اللقاء لخص عبد الناصر الموقف المصري من المبادرة وقال ” يجب ان نكون واضحين من الان، وبعد ان اصبحنا اقوياء، فاننا نقبل التعامل مع المبادرة من موقع القوة، ومفاوضاتنا ستكون على هذا الاساس. لاحقا تواصلت الاتصالات الامريكية المصرية واعلنت مصر واسرائيل قبولهما وقف اطلاق وتجديد مهمة يارينغ. وفي 7 آب 1970 دخل وقف اطلاق النار حيز التنفيذ. واستدل الستار على فصل مشرف من المعارك التي خاضها القوات المصرية والشعب المصري بمساندة ومشاركة عسكرية سوفيتية مباشرة محدودة.
ومع صمت المدافع على طول قناة السويس بدات مرحلة جديدة في النزاع العربي الاسرائيلي وتامل بعض المتفائلين العرب في المحادثات المصرية الامريكية الجديدة ان تفضي الى حل. وخشيت فصائل حركة المقاومة الفلسطينية كلها ان يأتي الحل على حساب وجودها وعلى حساب قضية شعبها فرفضت نتائجها. وجددت رفضها قرار مجلس الامن الدولي رقم 242 وأعلنت رفضها القاطع ومقاومتها الحازمة للمؤامرة الامريكية المسماة مشروع روجرز. في حينه ارتفعت وتيرة التوتر بين الجيش الاردني ومقاتلي فصائل حركة المقاومة الفلسطينية. ووقعت عدة مصادمات جديدة بين الطرفين. وبدأ كل منهما يحشد قواته داخل المدن الاردنية وفي محيطها. واتخذت القيادة السورية موقفا مضادا لمبادرة روجرز، وشجعت القيادة الفلسطينية على رفضها ومقاومتها على الساحة الاردنية. ولم تكن تخفي رغبتها في ان تبادر حركة المقاومة الفلسطينية الى الصدام مع النظام الاردني. وكان ممثلو قوات الصاعقة هم الاكثر تطرفا في الاجتماعات الفلسطينية. وكانوا يضغطون على قيادة حركة فتح للتخلي عن شعارها “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. وقدمت في حينه للقيادة الفلسطينية وعود سورية كبيرة وكثيرة، كان ضمنها التدخل عسكريا لاسقاط النظام الاردني اذا اقتضت الضرورة ذلك.
وفي ظل تلك الاجواء المشحونة بالتوتر قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باختطاف ثلاث طائرات يوم 7 ايلول 1970، وحول المختطفون اثنتين منها الى مطار المفرق. الاولى كانت تابعة لشركة الخطوط الجوية العالمية، والثانية تابعة لشركة الخطوط الجوية السويسرية. اما الثالثة فكانت فذهب بها الخاطفون الى مطار القاهرة وفجروها هناك بعد اخراج ركابها منها. وفي يوم 9 ايلول قامت مجموعة اخرى من الجبهة الشعبية باختطاف طائرة رابعة بريطانية وهبطوا بها في مطار المفرق. وتجاوز عدد الرهائن خمسمائة شخص تم تجميعهم في احد فنادق مدينة عمان. بعدها قام الخاطفون بتفجير الطائرات واطلقوا سراح معظم الرهائن يوم 13/9/1970 واحتفظوا باربعين راكبا كرهائن. وطالبوا مقابل اطلاق سراحهم بالافراج عن عدد من الفدائيين الفلسطينيين المحتجزين في سجون اسرائيل وسويسرا والمانيا الغربية. في حينه اصدرت اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية بيانا ادانت عمليات خطف الطائرات واحتجاز الرهائن وجمدت فيه عضوية الجبهة الشعبية فيها لا ان بيانها لم يحول دون وقوع ما اصطلح على تسميته بحرب ايلول بين الاردن ومنظمة التحرير .