هل نتائج لقاء لندن ستختلف عن اللقاءات السابقة
بقلم ممدوح نوفل في 24/04/1998
في الرابع من أيار القادم يتوجه كل من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس الوزراء الاسرائيلي الى لندن للقاء بوزيرة الخارجية الامريكية “اولبرايت” كل على انفراد للبحث في سبل تنفيذ اتفاق الخليل، الذي وقعه الطرفان مطلع العام الماضي برعاية امريكية ومباركة دولية شاملة. واحيط هذا اللقاء بهالة فاقت كل اللقاءات التي سبقته بما في ذلك اللقاءات بالرئيس كلينتون ومع الوزيرة اولبرايت ذاتها. فهل لقاء لندن المنتظر يختلف عن اللقاءات الكثيرة والمتنوعة التي عقدها الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي مع مسؤولين امريكيين من مستويات مختلفة ؟ وهل ستنجح الحركة الامريكية الجديدة في انقاذ عملية السلام الشرق أوسطية كما نجحت حركتها مع بريطانيا في ايرلندا، ام ان ما يصح في ايرلندا لا يصلح للشرق الاوسط وشعوبه، ولقاء لندن لن يغير شيئا ؟
اعتقد بان لقاء لندن ليس طلسما يصعب حل رموزه. واذا كان المكتوب يقرا من عنوانه فبالامكان معرفة نتائج هذا اللقاء سلفا من خلال: اولا التمعن في صيغته ومكان انعقاده وطريقة الاعلان عنه. ثانيا نتائج الزيارات والاجتماعات واللقاءات وضمنها زيارة طوني بيلير للمنطقة التي تمت مؤخرا. ثالثا الموقف الامريكي من اطروحات نتياهو التي ادت الى تجميد المفاوضات. والتدقيق في العناصر الثلاث يؤكد بان لقاء لندن لن ينقذ عملية السلام ولن يخرج المفاوضات الفلسطينية من مأزقها بل قد يعمقه. ولن يخفف من درجة التوتر القائمة في العلاقة الفلسطينية الاسرائيلية بل قد يزيدها توترا وقد يدفعها نحو التدهور. فاللقاء كان متفق عليه من حيث المبدأ قبل زيارة “طوني بلير” للمنطقة، وكان الخلاف قبل الاعلان عنه يدور حول شكله ومكانه، وبالتحديد هل يتم في رام الله وتل ابيب ام في واشنطن او في عاصمة رابعة بعيدة عن الشرق الاوسط ؟ وهل يبدا ثلاثيا ام ثنائيا يتحول الى ثلاثي في حال النجاح ؟ وكان نتنياهو يفضل ان يبدأ بصيغة ثلاثية. وحسمت اولبرايت امرها ولم تاخذ بوجهة النظر الفلسطينية والعربية التي كانت تفضل عقده في واشنطن بحضور اوروبي روسي عربي، وقررت عقده في لندن بعيدا عن ارض الشرق الاوسط وعن واشنطن، بعد ان تاكدت من ان نتائجه سوف تكون بائسة. فالاتصالات واللقاءات التي تمت، على مدى شهرين وليس اسبوعين فقط، اكدت لها ان حكومة الليكود متمسكة بمواقفها التي شلت قدرة الادارة الامريكية على الحركة وادت الى تعطيل المفاوضات مع الفلسطينيين. فلقاءات الملك حسين وطوني بلير ووليم كوهن وقبلهما “دينس روس” منسق عملية السلام مع نتنياهو لم تفلح في اقناعه تعديل موقفه، ولم تنجح في زحزحة الحكومة الاسرائيلية عن موقفها الايدلوجية الطامعة بالارض والرافضة عمليا الالتزام بتنفيذ اتفاق الخليل وبخاصة شقه المتعلق بالانسحاب. والتي تعطي الامن المبالغ فيه افضلية على السلام مع العرب وعلى كل الاتفاقات مع الفلسطينيين بما في ذلك الاتفاق الذي صادقت عليه. وأظن ولو اغلب الظن اثم بان مصير لقاء الرئيس حسني مبارك بنتنياهو لن يكون افضل، والرسالة الهامة التي وجهها الملك حسين لنتياهو تعبر بوضوح عن المازق الذي بلغته عملية السلام، وتبين الوجهة التي يدفع المنطقة نحوها.
لقد جاء رئيس وزراء بريطانيا “طوني بلير” للمنطقة بصفته رئيس المجموعة الاوروبية، واستجاب قبل وصوله لتعديلات اساسية ادخلها نتنياهو على برنامج زيارته وضمنها الغاء المبيت في غزة، وظن للحظة بان التريث وتجميد المبادرة الاوروبية لصالح الحركة الامريكية، وخفض سقف موقفه ومواقف المجموعة التي يمثلها يساعد في اقناع نتنياهو على تشغيل مطار غزة وعلى الشروع في بناء منطقة صناعية كبيرة في “كرنيه” في قطاع غزة تستثمر فيها دول السوق الاوروبية مبالغ كبيرة، وتكون قادرة على تشغيل اعداد كبيرة من العمال الفلسطينيين وتدر ارباحا هامة على الاسرائيليين، الا ان نتنياهو خيب ظنه وعاد “طوني بلير” رئيس وزراء بريطانيا العظمى رئيس المجموعة الاوروبية “بخفي حنين” وبصفعة دبلوماسية وجهها نتنياهو له عندما رفض منحه هذا الانجاز الصغير، وعندما تعامل مع لقاء لندن، ومع طوني بلير ذاته، بخفة واستهتار واعلن في المؤتمر الصحفي المشترك عن لقاء لندن وتاريخه دون بحثه ونقاشه معه، وعندما طرح الموضوع بطريقة ديماغوجية اوحت وكأنه وافق على مشاركة اوروبا ممثلة ببريطاني في اللقاء الموعود.
اما جولة المبعوثين “دينس روس” ومعه “مارتن انديك” مساعد وزيرة الخارجية الامريكية لشؤون الشرق الاوسط، فأظن بانها لن تختلف عن جولات روس المنفردة والتي صارت تعد ولا تحصى، وينطبق عليها القول “جعجعة مزعجة دون طحين”. واصبحت نوعا من الحركة الروتينية المكررة والممجوجة من قبل المواطنيين الفلسطينيين وعدد من المراقبين الدبلوماسيين. اما مواقفه وتصريحاته فقد اصبحت شبه اسطوانه تتكرر فيها الاصوات والمواقف ذاتها لدرجة لم تعد تثير انتباه احد بما في ذلك مفاوضوا الطرفين. ومرافقة “انديك” له هذه المرة لن تغير من نتيجتها حتى لو غيرت شكلها الممل. وذات الشيء ينطبق على زيارة نائب الرئيس الامريكي “آل غور” الذي سيصل المنطقة لمشاركة الاسرائيليين احتفالاتهم بذكرى قيام دولتهم، وطبعا لن يربط نائب الرئيس الامريكي المعروف بمساندته المطلقة للمواقف الاسرائيلية بين سعادة الاسرائيليين وفرحتهم بالذكرى الخمسين لقيام لدولتهم وبين “النكبة” التي حلت بالفلسطينيين والعذاب الذي ألحقوه بهم. فكلهم يعرفون بان نتنياهو يتعامل مع لقاء لندن باعتباره محطة جديدة للمماطلة يتوجه لها للضغط على الطرف الفلسطيني وليبتز الجانب الامريكي وليكسب وقتا اضافيا يخلق خلاله حقائق اضافية على الارض. واظن بان الشيء الذي لم يقدمه نتنياهو في لقائه الذي تم مع الرئيس كلينتون مطلع العام الجاري لن يقدمه للرئيس مبارك ولا لآل غور او لروس وانديك او للسيدة اولبرايت في لقاء لندن. في حينه عقد لقاء كلينتون ـ نتنياهو بعد مرور اربع شهورعلى استحقاق الانسحاب الثاني (ايلول 97) وفق نصوص اتفاق الخليل، وفيه تمسك نتنياهو بمواقفه الرافضة تنفيذ الاتفاق. ومنذ ذلك التاريخ لم يفعل رئيس أعظم دولة في العالم شيئا يلزم نتنياهو تنفيذ اتفاق رعاه وشهد عليه. وفترة الشهورالاربع الاخيرة التي تفصلنا عن ذالك اللقاء مضت ولم يصدرعن كلينتون وادارته ما يشير الى استعدادها اتخاذ موقف حازم من سياسة الليكود، ولم تتاثر علاقة الحكومة الاسرائيلية بالادارة الامريكية خلال هذه الفترة. واقصى ما فعلته ادارة كلينتون هو الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بما يعرضه نتنياهو. وطوت مبادرتها وتراجعت عن اطروحاتها واطلقت تهديدات بالتخلي عن ملف القضية الفلسطينية والانسحاب من رعاية العملية، ولم تصر على تنفيذ الاتفاقات التي رعتها وشهدت عليها. وامتنعت اولبرايت عن زيارة المنطقة، وكأن نتنياهو سيذرف الدمع لعدم قيامها بزيارة المنطقة، او ان انسحابها من رعاية عملية السلام سيهز أركان حكومة الليكود..!
ويتوجه نتنياهو الى لندن يوم 4/5/1998 وهو واثق من عجز ادارة كلينتون ـ اولبرايت عن ممارسة ضغوط فعليه ضده وضد حكومته. فقد نجح بتفوق في شل الحركة الامريكية وشطب لها مبادرتها وحولها الى افكار سرية، ويبدو انها اصبحت مؤخرا خارج اي بحث ونقاش. وسيصل العاصمة البريطانية وهو يعرف بان السيدة اولبرايت قادمة مرتبكة من واشنطن. فقد قرأت هي والرئيس كلينتون مذكرة ال 81 عضو من اعضاء مجلس الشيوخ الامريكي ال 100 التي طالبتهما بعدم ممارسة اي نوع من انواع الضغط على اسرائيل، ودعتهما الى ترك حكومة اسرائيل وحدها تقرر مطالبها واحتياجاتها الامنية، وتحدد مساحات الارض التي يمكنها التخلي عنها وأوقات تنفيذ هذا الانسحاب. اي تدعوهما نظريا وعمليا الى الغاء اتفاق الخليل وشطب الحقوق الفلسطينية الواردة فيه. والواضح ان نتياهو ذاهب الى لندن وهو اشد تمسكا بمواقفه وشروطه بشأن تشغيل مطارغزة وبناء المنطقة الصناعية. ومصمم على الانسحاب فقط من 1.9% من ارض الضفة الغربية. فالحديث الاسرائيلي عن الانسحاب واعادة انتشار من مساحة مقدارها 9% خدعة كبرى فهي مقسمة الى مراحل مدتها الزمنية 12 اسبوع ومربوطة بموافقة الجانب الفلسطيني الرسمية على عدد من الشروط التعجيزية لا يمكن للجانب الفلسطيني الموافقة عليها، وتعطي نتنياهو ذرائع لعدم تنفيذها كلها حتى لو وافق الفلسطينيون عليها منها: التعاون بصورة افعل في سبيل القضاء على الارهاب، وتقليص عدد افراد الشرطة الفلسطينية، وتشكيل لجنة للتدقيق في الخط التعبوي للسلطة والمنظمة، والدخول فورا في مفاوضات حول قضايا الحل النهائي، والموافقة على الاكتفاء بهذه النسبة البائسة والغاء المرحلة الثالثة من الانسحاب التي سوف يستحق تنفيذها منتصف شهر حزيران القادم حسب اتفاق الخليل الذي نص ضمن مسائل أخرى على “بدء اول الانسحابات الثلاث من المناطق الريفية في الضفة الغربية خلال الاسبوع الاول من شهر آذار 1997″ و “انهاء الانسحاب الثالث في فترة سنة بعد الانسحاب الاول ولكن ليس بعد منتصف عام 1988″. وفي حينه استخدم تعبيرMid وليس Middle واعطى كريستوفر للجانب الاسرائيلي بشخص “داني نافيه” رسالة اشار فيها الا ان اواسط شهر آب تاريخ مقبول لتفسير هذا الالتزام.
ولا حاجة لعبقرية خارقة حتى يتم الاستنتاج بان العومل التي تحكمت بمواقف ادارة كلينتون خلال العام الماضي ومنعتها من ممارسة ضغوط جدية على حكومة نتنياهو لم تتبدل ولن تتبدل خلال الايام المحدودة التي تفصلنا عن لقاء لندن. وسيسمع الطرف الفلسطيني في هذا اللقاء نصائح امريكية مكررة بالقبول بما هو مقدم من نتياهو. وستكون مغلفة باعتذارات عن عدم قدرة الادارة الامريكية على ممارسة ضغوط كبيرة على حكومة الليكود. وسوف يضاف كلام امريكي مبالغ فيه عن ردود فعل اللوبي الامريكي المساند لاسرائيل.
اعتقد بان على العرب والفلسطينيين التعامل مع لقاء لندن باعتباره محطة حاسمة في تقرير مستقبل عملية السلام على مسارها الفلسطيني الاسرائيلي. فلا معنى لاية لقاءات بعد هذا اللقاء اذا تواصل الاستيطان، واذا لم تحترم تواريخ الانسحاب الاسرائيلي وبخاصة الانسحاب الثالث في حزيران، واذا تحولت الى تواريخ غير مقدسة. واذا كان لا خلاف بين العرب على ان لا افق لعملية السلام في عهد نتنياهو وان الادارة الامريكية الحالية كانت وستبقى منحازة لجانب اسرائيل لاعتبارات كثيرة، فعليهم حسم امرهم وتحديد موقفهم بصورة حازمة. وافهام نتنياهو بان العمل بصدق تجاه صنع السلام يؤسس لعلاقات نامية ومفيدة للطرفين، اما تخريب عملية السلام فيرسي علاقات ضارة بكل الاطراف. وخير للطرف الفلسطيني الف مرة ان يفشل لقاء لندن وان يغضب الراعي الامريكي اذا كان ثمن رضاه التنازل عن حقوقه الواردة في الاتفاقات والصمت على الاستيطان. فالحقوق الفلسطينية في الاتفاقات وخارجها أهم من منطقة صناعية وأكبر من مطار.