الترابط بين قيام الدولة الفلسطينية وأمن اسرائيل / درؤاسات فلسطينية
بقلم ممدوح نوفل في 23/11/1998
عدم الإلتزام بالإتفاقات يعرقل مفاوضات الحل النهائي
منذ انطلاقتها من مدريد أواخرعام1991، إصطدمت عملية السلام بوجود خمسة شعوب “فلسطينيون، سوريون، أردنيون، لبنانيون، وإسرائيليون”، يعيشون في أربعة كيانات متصارعة على الوجود والامن والحدود. في حينه حاولت حكومة الليكود الهروب من المشاركة في عملية السلام ومن مواجهة الحقيقة الفلسطينية المرة التي ظلت تتجاهلها سنين طويلة. إلا أن رياح المتغيرات الدولية وريح الإنتفاضة، فرضت عليها الإنخراط فيها. في حينه حاول رئيس الوزراء الاسرائيلي “شامير” تجنب التفاوض مع وفد فلسطيني مستقل تشكله م ت ف، وقال “الموافقة على التفاوض مع المنظمة يعني اليوم غرفة وغداً مدينة وبعدها دولة، وقيام دولة فلسطينية غرب نهر الاردن خطر على أمن اسرائيل وتهديد لوجودها”. فهل أوشكت نبوءة شامير أن تتحقق، أم أن متطلبات أمن إسرائيل ستعطل قيامها ؟ بصرف النظرعن مبالغة شامير وكل الاحزاب والحكومات الاسرائيلية بعده في حديثهم عن مسالة الامن، فالواضح أنها عقدة تاريخية حقيقية يعيشها الاسرائيليون المؤيدون والمعارضون للسلام مع العرب. نشأت مع المجازر والمحارق التي ارتكبها النازيون في ثلاثينات والاربعينات بحق اليهود الاوروبين، وتواصلت بعدها باشكال مختلفة. ونجحت الصهيونية العالمية على مدى أربع عقود في زرع الخوف من العرب في صفوف اليهود، وأقنعت دول العالم بأنهم يعملون على تدمير دولة إسرائيل ويسعون لذبح اليهود ورميهم في البحر.. واذا كانت قيادة الحركة الصهيونية نجحت في إستثمار مجازر النازيين وتعميق عقدة الامن في صفوف اليهود فيجب الاعتراف أن العرب والفلسطينيين قدموا للقيادة الاسرائيلية المستلزمات اللازمة للإستمرار في إثارة عقدة الامن، والتغطية على مواقفها العدوانية وأطماعها التوسعية في الاراضي العربية. ورغم تخليهم بعد سنين عن أفكارهم المتطرفة الداعية لتدمير دولة اسرائيل، واعتراف بعضهم بها، ودخولهم مفاوضات مباشرة معها، الا انهم لم يفلحوا في نزع ذريعة الامن من يد القيادة الاسرائيلية. وظلت تستخدمها للتهرب من دفع استحقاقات صنع السلام في المنطقة. وطغيان المسائل الامنية على اتفاق “واي ريفر” يؤكد الاستخلاص.
وبغض النظرعن المواقف الفلسطينية والاسرائيلية السابقة، وعن نتائج ومجريات سبع سنوات من المفاوضات بينهما، فإنتهاء الفترة الانتقالية وانتهاء مرحلة الحكم الذاتي الفلسطيني الانتقالي في 4 أيار القادم 1999، يضع الفلسطينيين والاسرائيليين وجها لوجه أمام مسائل أمنية قديمة وجديدة. فالطرفان إقتربا من موضوع الدولة الفلسطينية، وقضايا الحل النهائي “القدس، الاستيطان، اللاجئون، الحدود، الامن الخارجي والعلاقة مع الجوار، والمياه”، كلها شديدة الحساسية وسريعة الاشتعال، ولم تتناولها مفاوضاتهم من قبل. ومع بدء المفاوضات حولها دخل الفلسطينيون والراعين لها نفقا مظلما، ودخلت عملية السلام مرحلة فاصله معقدة. وستمر في الشهورالخمس القادمة في مخاض مؤلم وعسير، وستعيش حالة متأرجحة بين الحياة والموت. وسيتعرض الراعي الامريكي خلالها لاختبارات كثيرة ومتنوعة تؤثرعلى دوره المعنوي في قيادة النظام الدولي “الجديد”، ويتقرر فيها مصير جهودة السابقة، ويحسم مصير عملية السلام برمته. وسيبقي الشعبان الفلسطيني والاسرائيلي وكل المعنيين بصنع السلام في المنطقة يعيشون حالة من القلق والترقب المضطرب، وانتظار نتائج صراع الطرفين وسباقهم مع الزمن لأملاء الفراغ الذي سينشأ في ايار القادم.
واذا كان ليس سهلا التنبوء بنتيجة هذه المعركة المصيرية، وبمدى قدرة عملية السلام على الخروج من المأزق بأمان وسلام، فالواضح أن طرفي الصراع شرعا مبكرين في تحضير قواهما وأوضاعهما الذاتية، ويعملان الان على تهيئة علاقاتهما الخارجية لخوض “معركة النفق” القادمة حتما. خاصة وأن إتفاقهم الأخير في “واي ريفر” لم يعالج مسألة الدولة الفلسطينية وقضايا الحل النهائي. وما تضمنه لا يتعدى حدود تظهيرالمأزق حولها وتثبيتها كمشاكل مطروحة للحل. حيث نص على “سيستأنف الجانبان بشكل فوري مفوضات الوضع النهائي، وسيعملان بتصميم للتوصل الى اتفاق مشترك حتى 4 ايار 1999، وستكون هذه المفاوضات متواصلة ودون انقطاع، وأعربت الولايات المتحدة عن استعدادها لتسهيلها”. ومنح الاتفاق الطرفان حق خوض معركة حلها في إطار مفاوضات خاصة بها بدات قبل ايام على نار خفيفة. فهل سيتم التوصل الى اتفاق حول موضوع الدولة وقضايا الحل النهائي قبل التاريخ المذكور؟ وما هي طبيعة ونوعية الالتزامات المطلوبة من الفلسطينيين قبل وبعد إعلان الدولة بصرف النظر عن التوقيت ؟
تؤكد خبرة سبع سنوات من المفاوضات أن إنتهاء الفلسطينيون من معركة صياغة الاتفاقات مع الاسرائيليين ـ ليكوديين وعماليين ـ تعني بدء معركة تثبيتها وتنفيذها، ودائما كانت الأصعب والأقسى عليهم. فالاسرائيليون يتعاملون مع الاتفاقات التي وقعوها وع الفلسطينيين على قاعدة لا تواريخ أو نصوص مقدسة. واتفاق “واي ريفر” لن يشذ عن هذه القاعدة. واذا كانت حكومة نتنياهو التزمت ونفذت الشق الاول من الاتفاق فتلاعبها بقصة المعتقلين وبمساحة الانسحاب يثبت الاستخلاص. ويؤكد ان تنفيذ بقية بنوده لن يسير في خط مستقيم ولن يتم دون مشاكل. فمفاوضات “واي ريفر” بينت سوء نوايا نتياهو، ومواقفه بعيد التوقيع أكدت ان موافقته على الاتفاق تمت بضغوط خارجية ولم تتم عن طيب خاطر، ولم تكن وليدة تبدل جوهري في قناعاته. ورغم حصوله على ما أراد من ترتيبات تتعلق بالأمن الفلسطيني الداخلي، فإعلانه بعد مواجهة قصيرة مع أركان اليمين بأن الاتفاق لا يقيد الاستيطان، ومبالغته في الحديث من جديد عن دور الامن لا يبشر بالخير، ولا يساعد على نجاح المفاوضات اللاحقة. وتثبت رغبته في التنصل من بعض أسس الاتفاق، والتلاعب في تفسير نصوصه، والتهرب من تنفيذه. صحيح أنه نفذ المرحلة الاولى من بروتوكولات “واي ريفر”، الا أن لا أحد يمكنه ضمان تنفيذه المرحلة الثانية في موعدها، وتوصل الطرفان الى إتفاق حول مساحة الإنسحاب الثالث، خاصة وان نتياهو حدد سلفا حدها الادنى 1% ، والخلافات والانقسامات الحزبية الصاخبة التي فجرها توقيع وتنفيذ اتفاق “واي”، داخل أحزاب الائتلاف الحاكم، توفر له الغطاء اللازم. وبينت انه لم يعد بمقدوره الاستمرار في إدارة دفة الحكم بحماية المعارضة، مع بقاء نسبة كبيرة من وزراءه معارضه ومتحفظة على توجهات سياسية رئيسية التزم بها.
ولا حاجة لعبقرية خارقة حتى يقال بان الجدول الزمني المثبت لتنفيذ مراحل الاتفاق سوف يتم خرقه ومطه أطول فترة زمنية ممكنة. وأن تنفيذ القضايا المتفق عليها لن يتم بسلاسة والمعركة حولها سوف تكون طويلة وقاسية. ويستطيع كل ملم بطبيعة استحقاقات عملية السلام في المرحلة القادمة تقدير مصير المفاوضات الجديدة في ظل هكذا أوضاع اسرائيلية داخلية. وبامكانه ببساطة الإستنتاج أنها لا توفرالمناخ الملائم، ولا تسهل تحقيق التقدم المطلوب. ويرجح أن تقود تفاعلات الأزمة البرلمانية والحكومية الحادة التي يعيشها الائتلاف الحاكم الى أحد خيارين: الاول، العمل على المحافظة على ما تبقى من وحدة أطراف الائتلاف الحاكم بإفتعال أزمة كبيرة في المفاوضات، وتأجيل تنفيذ المرحلة الثانية من إتفاق “واي ريفر” وتعطيل التوصل الى اتفاق حول الانسحاب الثالث. ولن يعجز نتياهو عن ايجاد الذرائع والمبررات فالشق الأمني من اتفاق “واي” حافل بها. والثاني حل الحكومة والكنيست والذهاب الى إنتخابات مبكرة. وأظن أن مصالح حزب العمل وبخاصة مصلحته في المحافظة على تماسك قاعدته وتفعيل حركته المعارضة للحكومة، ورص صفوفه وتقوية وحدته الداخلية تلغي إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل أيارالقادم. وبديهي القول أن وقوع مثل هذه التطورات او بعضها سوف يؤثر سلبا على مفاوضات الحل النهائي. ويرجح أن تجمدها لحين إنتهاء الاسرائيليين من معالجة قضاياهم الداخلية.
لا أفق للإتفاق حول الدولة قبل أيار1999
في إطار تحديد المواقف وحشد الطاقات وترتيب الملفات للجولة الجديدة من الصراع كررت السلطة الفلسطينية رسميا نيتها إملاء الفراغ الذي سينشأ بالاعلان يوم 4 أيار 1999عن قيام الدولة على الاراضي التي أحتلت عام 1967وبسط السيادة الفلسطينية عليها، اذا لم يتم التوصل الى إتفاق حتى ذلك التاريخ. وأكد رئيسها من جديد بأن كل الخيارات مفتوحة، وأن لا تراجع عن خيار الدولة. وأن الفلسطينيين مستعدين لاشهار بنادقهم دفاعا عن أهدافهم وحقوقهم. وتعتقد السلطة ان هناك موافقة دولية شبه شاملة على قيام دولة فلسطينية تستمد شرعيتها من قواعد وأسس عملية السلام، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. ويمضي البعض حد الاعتقاد بأن الادارة الامريكية سوف تضم إعترافها بالدولة الفلسطينية لإعتراف غالبية دول العالم المؤك وتعتبر زيارة الرئيس كلينتون لمناطق السلطة الفلسطينية في شهر كانون القادم والقاءه خطابا امام اعضاء من المجلسين الوطني والتشريعي مؤشرعلى ذلك. وبجانب هذا الرأي ظهر في صفوف البحاثة والمحللين الاستراتيجيين الفلسطينيين من يحذر التسرع في الإعلان عن قيام الدولة، ويتساءل عن قيمته ويشكك في جدواه ومردوده الوطني. لكنهم إكتفوا بالتحذير ولم يطرحوا بديلا وطنيا مقنعا، قادرعلى صيانة الحقوق الوطنية الفلسطينية. وبصرف النظر عن هذا التباين، فالجميع يقر بأن الدولة الفلسطينية المستقلة كانت ومازالت وستبقى حتى قيامها هدفا مركزيا لكل الفلسطينيين، ولن يتوقفوا عن النضال من اجلها حتى تقوم. وأن كل المفاوضات والاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية تستند في مشروعيتها وشرعيتها الوطنية الى مدى تقريبها للفلسطينيين من حقوقهم الوطنية المشروعة وفي مقدمتها قيام الدولة. وكلها تفقد شرعيتها ومبرر وجودها في نظرهم إذا ما أدت الى فصلهم عن أهدافهم الوطنية وفي مقدمتها هدفهم المركزي بإزالة الاحتلال عن أرضهم واقامة دولتهم المستقلة عليها. ولا فرق عند الفلسطينيين في الداخل والخارج بين إعلان القيادة الفلسطينية للدولة كإجراء من جانب واحد أو إعلانه كنتيجة للمفاوضات الجارية.
أما نتياهو فقد إعتبر تطلعات الفلسطينيين وتوجهات سلطتهم الوطنية وتصريحات رئيسها بمثابة تهديد عملي لأمن اسرائيل وإعلان حرب ضدها. وأكد أنه سوف يتعامل مع ترسيم وتنفيذ الموقف الفلسطيني المعلن بإعتباره الغاء للإتفاقات الموقعة بين الطرفين ونسف لأسس عملية السلام. وهدد باتخاذ إجراءات صارمة ضد الفلسطينيين سلطة وأرض وشعب، وتنفيذ كل الخطوات والاجراءات السياسية العملية الكفيلة بالحفاظ على أمن دولة اسرائيل ومصالحها الاستراتيجية. بما في ذلك الاعلان عن ضم مساحات واسعة من الأرض واخضاعها للسيادة الاسرائيلية وتطبيق القانون الاسرائيلي عليها. أما وزير خارجيته “شارون” فقد دعا المستوطنيين لتثبيت وجودهم فوق كل تلة يمكنهم إحتلالها واستيطانها. وطالب بعض المتطرفين الاسرائيليين بالغاء كل الاتفاقات التي تم توقعيها مع السلطة الفلسطينية، وإعادة إحتلال المدن الخاضعة لسلطتها اذا أعلنت الدولة من جانب واحد. وشرع المستوطنون في تلبية نداء شارون وأسسوا عددا من المواقع الاستيطانية الجديدة. ولا تزال الحرب الكلامية مشتعلة بين الفلسطينيين والاسرائيليين حول الدولة والاستيطان والأمن، وأظنها سوف تحتدم أكثر فأكثر في الشهور القادمة.
وفي مواجهة المستوطنين والمتطرفين ظهر في صفوف الإسرائيليين الواقعيين من إعتبر التوجهات الفلسطينية نتيجة طبيعية لعملية السلام، ولمسار تطورالصراع بعد خمسين عام. ونتيجة حتمية للواقع السكاني القائم على أرض الضفة والقطاع، حيث يعيش قرابة ثلاثة ملايين إنسان فلسطيني عدا عن مليون آخر يعيشون في إسرائيل. وأربعة آخرون يعيشون في المهاجر كلهم موحدين حول الدولة. وظهر في الشارع الإسرائيلي قوى حزبية أساسية جدية يتزعمها حزب العمل وحركة ميرتس تدعو لمساعدة الفلسطينيين على إقامة دولتهم باعتبارها، كما قال “سريد وبيريز”، “ضرورة لا غنى عنها لقيام سلام حقيقي مع الفلسطينيين، والمحافظة على ديمقراطية دولة إسرائيل وبقاء هويتها يهودية”. وبينت استطلاعات الراي العام الاسرائيلي أن أكثر من 50% من الاسرائيليين يؤيدون قيام دولة فلسطينية، وأكثر من 70% يعتقدون بأنها ستقوم حتما، ويعتقدون بأن لا أمن ولا سلام مع الفلسطينيين دون قيامها. بتلخيص شديد يمكن القول أن معركة الدولة الفلسطينية قد فتحت على مصراعيها وسوف تكون قوية ومصيرية حاسمة، وقاسية على جميع الأطراف. وستعيش شعوب المنطقة وكل المعنيين بصنع السلام فيها على وقع تفاعلاتها القادمة بقوة. ووضع البعض سلفا سناريوهات لكل الاحتمالات المتوقعة بما فيها وقوع صدام عنيف بين الطرفين.
والحديث عن الدولة الدولة الفلسطينية يثير خمس قضايا صراعية أساسية: القدس، اللاجئون، الاستيطان الحدود والامن. وهي الموضوعات الرئيسية التي ستدور حولها مفاوضات الحل النهائي. وبصرف النظر عن مجريات تنفيذ “اتفاق واي”، فالمفاوضات حولها هي الحلقة الاهم في تاريخ عملية السلام. واذا كان تنفيذ اتفاق واي لن يمر بهدوء وسلام، فيمكن الجزم سلفا بان لا أفق للتوصل لاي اتفاق قبل 4 أيار القادم حول القضايا المذكورة مجتمعة ومنفردة. هذا إذا التزمت حكومة نتياهو بإستئناف المفاوضات حولها وظلت متواصلة ودون انقطاع. وسيصل الطرفان التاريخ المذكور وهما في قلب ظلام دامس قبل أن يظهر بصيص النور الذي يراهن البعض على وجوده في آخر نفق المفاوضات.
وبينت وقائع ونتائج سبع سنوات من المفاوضات أن درجة تطور الفكر السياسي في المجتمع الاسرائيلي لم تصل إجمالا الى مستوى تحقيق مصالحة تاريخية حقيقية بين الشعبين، ومسيرتها في هذا الإتجاه لا تزال بطيئة جدا. فالقوى الاسرائيلية المتطرفة صعدت للسلطة في إنتخابات ديمقراطية. والمعارضة الاسرائيلية لم تستطع التاثيرعلى مواقف اليمين المعادية لسلام حقيقي مع العرب، ولم تظهر غيرة حقيقة على الإتفاقات التي وقعت سابقا معها. وأكدت والواضح ان الاوضاع الدولية والاقليمية وموازين القوى بين الطرفين والمرئية على المدى المباشر القريب لا تتجه نحو إلزام إسرائيل بقبول حلول عادلة لقضايا الحل النهائي الشائكة، يرضى بها الشعب الفلسطيني، خاصة إذا بقي الليكود ممسكا بزمام السلطة في اسرائيل أوعاد إليها بعد إنتخابات جديدة. المفاوضات حول المرحلة الانتقالية شي، وقضايا المرحلة النهائية المذكورة أعلاه شيء آخر. وبدء مفاوضاتها حولها لا يعني التوصل الى إتفاق حولها. والمغفل سياسيا هو وحده من يعتقد أن بالإمكان خلال بضعة شهور حل قضايا شائكة يعتبرها الطرفان مصيرية. وستبقى المفاوضات حولها تدور في خلقة مفرغة، وتراوح بين الجمود الكامل وبين التحرك الشكلي دون معنى ودون نتيجة وبلا لون ولا طعم ورائحتها لن تكون عطره. صحيح أن الأحزاب والقوى الاسرائيلية ليست موحدة حول القضايا المثارة إلا أن التدقيق في مواقفها يظهر بأن التباين حول بعضها يتعلق بالشكل ولا يمس جوهرها. فكل الأحزاب والقوى الاسرائيلية تؤكد في برامجها وعلى لسان مختلف قادتها ان القدس ستبقى عاصمة اسرائيل الموحدة الى الابد. وترفض التجاوب مع تطلعات الفلسطينيين بأن تكون عاصمتهم أيضا مع بقائها موحدة وعاصمة للإسرائيليين، رغم أن قراري مجلس الامن الدولي رقم 242و338 يعتبران القدس الشرقية أرضا محتلة، وهما المرجعية الاساسية لعملية لمؤتمر مدريد الذي انطلقت منه عملية السلام. وتأكيدا على موقفهم من القدس والاحتفاظ بها مدينة موحدة عاصمة لاسرائيل اقترح بصورة غير رسمية بعض أركان حزب العمل في مرحلة سابقة صنع قدس جديدة تضم “ضاحية ابوديس” وتكون بمثابة عاصمة للفلسطينيين. إلا أن الجانب الفلسطيني رفض الإقتراح ولم يناقشه لأنه غيرواقعي ولا يفي بالغرض المطلوب ولم يطرح بصورة رسمية. وبدون خشية التعرض لتهمة التسرع، يمكن القول بثقة ان لا أفق لأي إتفاق، وتسوية وضعها إذا بقيت مواقف الطرفين، وهو المرجح، على ما هي عليه. ولن يكون سهلا على الراعي الأمريكي تقديم حلول يقبلها الطرفان. فلا يمكن لأي حكومة اسرائيلية الموافقة على مقترحات تمس وضعيتها الراهنة قبل طرحها على الجمهور، ناهيك عن أخذ موافقة الكنيست المستحيلة. وليس عاقلاً كل من يتصور أن القيادة الفلسطينية وكل أحزاب وهيئات م.ت.ف مستعدة أو بامكانها منفردة أو مجتمعة القفز عن موضوع القدس والتنازل عن الحقوق الفلسطينية في هذه المدينة المقدسة. وإذا كان لا لزوم للاسترسال في الحديث عن تاريخ المنطقة وارتباطه بتاريخ القدس، فالمؤكد أن إضطراب وضع القدس أدى دوماً الى إضطراب في كل محيطها. وأن إستقرارها واستتباب أوضاعها كان يؤدي دوماً الى إستتباب وإستقرار الأوضاع في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين وفارس ومصر والجزيرة العربية.. وليس عسيراً أيضاً على كل من يراجع تاريخ عمليات البحث عن السلام الفلسطيني العربي ـ الاسرائيلي الاسرائيلي خلال نصف قرن أن يتعرف على عدد المرات وعدد المحاولات التي تعطلت فيها عمليات البحث هذه بسبب قضية القدس. فالكل يتذكر أن وضع مدينة القدس كاد أن ينسف مفاوضات واتفاقات كامب ديفيد، وأن المباحثات حول الحكم الذاتي بين مصر واسرائيل عام 78-81 تعطلت وكانت القدس سبباً رئيسياً في ذاك التعطيل. والأمر سوي مؤقتاً بين الطرفين عبر رسائل أرفقت بالاتفاقات وأودعت عند الادارة الأمريكية، حيث كتب السادات في حينه رسالة للشريك الأمريكي قال فيها “إن مصر تعتبر القدس العربية جزء من أراضي الضفة الغربية المحتلة وأن ما ينطبق على الضفة الغربية ينطبق على القدس”. ورد بيغن في رسالة مماثلة قال فيها “إن قرار الكنيست الاسرائيلي بتاريخ 28 حزيران 67 نص على أن القدس عاصمة دولة اسرائيل وأنها مدينة موحدة وغير قابلة للتقسيم”. أما رد الرئيس كارتر على هذه الرسائل فكان “بأن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من مدينة القدس باق على ما هو ولا يعترف بضم القدس لإسرائيل”.
أما بشأن المستوطنين والمستوطنات، فالفلسطينيون يعتبرونها غير شرعية ويجب زوالها مع زوال الاحتلال، باعتبارها صناعته واحد أدواته ومرتكزاته، ويرفضون بقائها كأمر واقع في اي حل نهائي للصراع. فهي الى جانب عدم شرعيتها تحول مناطق الضفة الغربية الى تجمعات سكانية معزلة عن بعضها البعض، وتقضي على وحدة الأرض وتقطع أوصال الدولة الفلسطينية المنشودة. والتدقيق في مواقف القوى الإسرائيلية من الإستيطان يؤكد أن الفروق بينها لا تمس مبدأ وجودها، وتتمحور حول عددها ومواقع إنتشارها. فحزب العمل ما زال يعتبر بعضها ضرورة لا غنى عنها لأمن اسرائيل، وتراجع عن قول رابين يوما ما “أنا مستعد لزيارة مستوطنات غوش عتصيون بفيزا”. ولم يطرح الحزب في برامجه اللاحقة حلولا جذرية عملية مقبولة فلسطينيا، واقصى ما طرحه هو التمييز بين ما يسميه مستوطنات أمنية حيوية ومستوطنات سياسية غير ضرورية. ولا يمانع في إزالة المستوطنات السياسية وتعويض سكانها، ويتمسك بالامنية ويؤيد توسيعها وتقويتها. ومن المشكوك ان يطرح في الانتخابات القادمة حلولا خارج هذا الاطار يمكن ان يقبلها الفلسطينيون. أما قوى اليمين بقيادة حكومة الليكود فمواقفهم معروفة وتنظر للإستيطان بمنظار ذو عدستين. الأولى تعرض لهم صورة الضفة الغربية كأرض منحها الرب لبني إسرائيل لإستيطانها والإقامة الأبدية فيها. والثانية تعرض لهم ذات الأهمية الأمنية الذي يتحدث عنها حزب العمل ولكن بصورة مضخمة جدا. أما وقائع حياة عملية السلام فبينت، لمن يريد أن يرى الحقيقة، أن الاستيطان كان دوما سببا في تعقد المفاوضات وتوقفها شهور وسنوات. وان المستوطنيين تحولوا الى طلائع مكافحة في نظر الكثير من الاسرائيليين. وإذا كان التوسع في الاستيطان عقد المفاوضات في المرحلة السابقة فلا شك في انه سيقف حجر عثرة في طريق تقدمها في المرحلة القادمة. ولن يستطيع الطرفان التوصل الى إتفاق نهائي حول مصير الاستيطان ومستقبله طالما بقي حزب العمل وقوى اليسار تعتبره ضرورة حيوية لأمن اسرائيل، والليكود وقوى اليمين تعتبره حق تاريخي توراتي لا تنازل عنه.
أما قضية اللاجئين الذين طردوا من ديارهم عام 47-48 ومسألة النازحين الذين اضيفت لها بعد عام 1967، فلا مبالغة في القول بأنها أعقد القضايا المطروحة على جدول أعمال مفاوضات الحل النهائي. وأن مصيرعملية السلام ومستقبل تسوية الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي يتقرر في ضوء ما يتم الاتفاق بشأن قضاياهم. فاللاجئون لب القضية الفلسطينية وجوهرها، ولا حل للصراع اذا لم تحل قضيتهم. وكل الحلول التي ظهرت منذ نشؤء قضيتهم وحتى الآن بقيت عاجزة عن حلها بصورة جذرية وعادلة. وبقيت قصتهم مليئة بالأمل والألم والعذاب. فقد ظلوا سنين طويلة يحلمون بالعودة والدولة، وكثيرا ما هبط أملهم للحضيض، وإرتفع أحيان أخرى لأعالي السماء. كانت أحلامهم مليئة بكوابيس مؤرقة حول طرد اليهود لهم من أرضهم وحرمانهم من العيش بأمان. وظل القدر يحوّل أحلامهم المزعجة الى حقائق وعذابات قاسية، ويضعها وجها لوجه مع أمن اليهود، دولة، وجماعات، وأفراد. قال عنها رجال الدين والاتكاليين منهم “هذا امتحان من الله، والله يحب أن يمتحن عباده الصالحين”.. ؟! والتجربة التاريخية أكدت أن المسكنات والحلول المؤقتة التي تم فرضها على اللاجئين بالقوة، لم تصنع الحلول التي راهن معظم المفكرين الاستراتيجيين الاسرائيليون على تشكلها. وأنها كانت سببا في كل الحروب التي خاضتها شعوب المنطقة وسببا في كل التخلف والدمار التي لحقت بها خلال نصف قرن. ومواقف الطرفين من حلها ما زالت متباينة ومتناقضة. فالفلسطينيون قيادة وشعب متمسكون بقرارات الامم المتحدة التي نصت على حقهم في العودة او التعويض. ومن غير المرئي تبنى الفلسطينيين حلولا أخرى. ولا تستطيع أية قيادة فلسطينية إلزام اللاجئين بحلول لا ترضيهم، خاصة أنهم مبعثرين في مواقع عديدة، ووضعهم يفسح المجال لتدخلات عربية. وقضاياهم تنبثق من حقوق فردية يصعب تقريرها بمعزل عن موافقتهم، ودون طرح حلول مقنعة تلبي مطالبهم وتعيد لهم بعض حقوقهم. أما إسرائيل فأغلقت كل حكوماتها الباب أمامهم. ورفضت بالمطلق كل الأحزاب الإسرائيلية اليمينية واليسارية حقهم في العودة. أما تعويضهم عن أراضيهم وممتلكاتهم التي سلبت منهم فالواضح أنها قضية شائكة ومعقدة والتفاوض حولها سوف يستغرق سنين طويلة. لا سيما وأن إسرائيل تعتبرها قضية دولية وتربط حلها بحل قضايا المهاجرين اليهود من الدول العربية. وبديهي القول أن لا أفق لأي إتفاق حول موضوع اللاجئين قبل الرابع من أيار القادم. أما بشأن مسألة عودة النازحين الى بيوتهم التي غادروها عام 1967، فاسرائيل أقرت في إتفاق أوسلو حقهم من حيث المبدأ في العودة لكنها ربطت عودتهم بالإتفاق حول معالجة المشكلات الأمنية والإقتصادية التي يمكن أن تخلقها. وتهربت لاحقا من المفاوضات حول الموضوع ولم تفكر لا حكومة العمل السابقة ولا حكومة الليكود اللاحقة في تنفيذ ما اتفق عليه. وأظن ان لا أفق لعودتهم في عهد حكومة الليكود الحالية أو أية حكومة يمينية جديدة. وستبقى إسرائيل تعتبرهم قنبلة موقوتة تهدد أمنها في كل لحظة.
ترابط وثيق بين قيام الدولة وأمن اسرائيل
وإذا كان لا أفق للتوصل الى اي اتفاق مع حكومة الليكود حول القدس والاستيطان واللاجئين فالموقف ذاته ينطبق على موضوع الحدود. فحدود دولة اسرائيل الامنية في نظر الليكود هي نهر الاردن وسيناء وإمتدادات هضبة الجولان السورية حتى مدينة القنيطرة ووادي الرقاد، ومواقعها العسكرية الحالية في جنوب لبنان. أما أرض الدولة العبرية فتمتد الى حيث تتواجد أصغر مستوطنة اسرائلية على الأرض الفلسطينية. وتطمع في إستقطاع أكثر من نصف أراضي الضفة الغربية وضمها لإسرائيل. وبينت المفاوضات مع حزب العمل بأن اليسار الإسرائيلي يشارك الليكود بصيغة وأخرى بعض مواقفه التوسعية في القدس وبقية الارض الفلسطينية. ويختلف معه حول التوسع في الاراضي السورية. فقيادة حزب العمل توافق على الانسحاب من حيث المبدء من الجولان وتضع على القيادة السورية شروطا تعجيزية. وتعتقد بان استقطاع نسبة 8 ـ 12% من أراضي الضفة الغربية، أمرحيوي وضروري للأغراض الأمنية الحيوية، ولضم عدد من التجمعات الإستيطانية لاسرائيل ووضعها تحت السيادة الإسرائيلية. صحيح أن بعضهم تحدث عن مبادلة الأراضي المنوي ضمها في الحل النهائي، بمساحات مماثلة من اراضي النقب المجاورة لقطاع غزة، إلا أن أصحاب هذه الأطروحات لم يوضحوا أفكارهم وأبقوها في إطار جس النبض وإستطلاع ردود الفعل الفلسطينية. ويخطئ من يعتقد ان هذه المواقف اليمينية واليسارية الإسرائيلية مطروحة للإستهلاك المحلي، أو من باب رفع سقف الموقف الإسرائيلي في المفاوضات الجارية مع العرب والفلسطينيين. ويفترض أن لا يكون هناك خلاف فلسطيني على أن هذه الأفكارالإسرائيلية اليمينية واليسارية كانت وستبقى مرفوضة من قبل الفلسطينيين سلطة ومعارضة. والمصالح الوطنية الفلسطينية تفرض عل المفاوض الفلسطيني أن يبقى متمسكا بإنسحاب إسرائيل من كل اراضي الضفة الغربية والقدس وغزة التي إحتلت عام 1967، وأن يطالب في جولات المفاوضات القادمة بالحمة وسواها من الاراضي الفلسطينية التي لم تقع ضمن حدود دولة اسرائيل بعد عام 1948.
وبينت وقائع سبع سنوات من مفاوضات السلام العربية والفلسطينية ـ الاسرائيلية أن امن اسرائيل وقيام الدولة الفلسطينية قضيتنان مركزيتان وقفتا ولا تزالان عقبة أمام تحرك وتقدم المفاوضات على كل مساراتها. فمفهوم إسرائيل لأمنها الإستراتيجي على حدودها الشمالية جمد المفاوضات على مساريها السوري واللبناني. وهو الذي أطال أمد المفاوضات على مسارها الفلسطيني، وعطل تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل بين الطرفين. وإذا كانت استطلاعات الرأي العام تشير الى حدوث نمو في الفكر الواقعي في إسرائيل فطمأنه المواطن الإسرائيلي على أمنه ومستقبله يقوي تيار السلام ويضعف مواقف القوى الإسرائيلية المتطرفة المعارضة قيام دولة فلسطينية على الاراضي التي احتلت عام 1967، وتشجيع المواطن والمفكر الاسرائيلي على التقدم في طريق السلام مع العرب. أما تقبل فكرة التعايش مع الفلسطينيين في دولتين متجاورتين فستبقى رهن نجاح العرب والفلسطينيين في معالجة عقدة الامن وتعطيل استغلالها لاغراض ايدلوجية وحزبية. فلا يمكن لأي حكومة اسرائيلية الأخذ بخيار قيام دولة فلسطينية إلا إذا توافرت أغلبية شعبية (51%) إسرائيلية تؤيده، ولا تراه خطرا جديا على أمن اسرائيل، بل يوفره على نحو أفضل مما هو عليه الان. فهم مقتنعون بأنهم جزيرة صغيرة تعيش وسط بحرعربي معاد. ورغم التفوق العسكري لدولة أسرائيل على العرب مجتمعين، فالإسرائيليين يشعرون أنهم مهددون. ويعبرون عن ثلاث مخاوف أمنية أساسية : الأول خطر وقوع هجوم مباغت يوما ما تشنه الجيوش العربية كما جرى في حرب أكتوبر 1973، تكون أراضي الضفة الغربية قاعدة رئيسية له. والثاني تحول الدولة الفلسطينية الى دولة معادية تسعى في المدى الطويل لتحقيق طموحات الفلسطينيين في فلسطين التاريخية وإعادة اللاجئين الى بيوتهم، وتستعين يوما ما بقوى خارجية معادية لدولة إسرائيل، وبالفلسطينيين في إسرائيل. والثالث تواصل العمليات الإرهابية التي يشنها الفلسطينييون المتطرفون عبرالحدود الجديدة. وكتدبير وقائي ستحرص إسرائيل على فرض قيود وترتيبات أمنية تفصيلية يتم صياغتها في إتفاقات وتخضع لرقابة مشتركة ولن تكتفي برقابة أمنية أمريكية أو دولية مثلا. ويفترض بالمفاوض الفلسطيني توقع إصرار الجانب الاسرائيلي في المفاوضات على ضمان مسائل أمنية كثيرة أهمها:
أولا/ سيطرة الاجهزة الامنية الفلسطينية على الأمن داخل حدود الدولة الفلسطينية، ومنع تحول أراضيها الى قواعد إنطلاق لعمليات عسكرية صغيرة او كبيرة ضد إسرائيل. ومنع التحريض ضدها او القيام بأعمال عنف ضد مواقعها ومواطنيها. وضمان بقاء صيغ التنسيق الأمني المشترك وتطويرها حسب الحاجة ووفقا لتطور الأوضاع. والشق الأمني من إتفاق “واي” هو النموذج الذي تسعى لفرضه مستقبلاعلى الدولة الفلسطينية.
ثانيا/ تجريد الضفة الغربية وقطاع غزة من السلاح الثقيل. وضمان عدم قيام الدولة الفلسطينية بتصنيعه، وعدم التزود بالدبابات وبالمدافع المضادة لها، وبالطائرات والأسلحة المضادة لها. وأن لا تمتلك قوة بحرية قوية مسلحة باسلحة ثقيلة حديثة. وذات الشيء ينطبق على القوى الجوية، وستصر على بقاء مجال الضفة وغزة والقدس الجوي تحت السيطرة الأسرائيلية المطلقة. وبقاء المياه الإقليمية الفلسطينية تحت مراقبتها الدائمة وسيطرتها المطلقة.
ثالثا/ نشر الجيش الاسرائيلي على طول الحدود مع الاردن. والاحتفاظ بعدد من القواعد العسكرية القوية في مرتفعات الضفة الغربية وعلى سواحل قطاع غزة وحدوده مع مصر. واقامة منشأءات الإنذار المبكر التي تراها ضرورية لأغراض الأمن الأستراتيجي والأعمال الإستخبارية اللاحقة. وضمان حرية حركة الجيش الإسرائيلي لهذه القواعد، وتعاون الفلسطينيين في حمايتها من أي إعتداءات محلية.
رابعا/ عدم قيام الأجهزة الأمنية العسكرية الفلسطينية ببناء أية تحصنات عسكرية أرضية قوية من نوع زرع الألغام وحفر الخنادق على الحدود وبناء الدشم القتالية.. الخ
خامسا/ ضمان مشاركة الجيش الإسرائيلي في الإشراف على المعابر الحدودية المؤدية من والى خارج أراضي السلطة الفلسطينية، بما في ذلك الموانئ والمطارات والممر بين الضفة وغزة. وسوف تصرعلى منع تدفق اللاجئين والنازحين الى الى اراضي الدولة الفلسطينية
سادسا/ تعهد الدولة الفلسطينية بعدم الدخول في أحلاف عسكرية معادية لإسرائيل.
بديهي القول أن بقايا الفكر الصهيوني اليميني العنصري الإستعماري التوسعي، يحاول جاهدا تأخير حركة التاريخ وإعادة عقارب ساعة الزمن إلى الوراء. وإستمرار هذا الفكر مؤثر في المجتمع الإسرائيلي، ومسيطرعلى القرارالسياسي الرسمي، سيجعل طريق التعايش والسلام بين الشعبين طويل ومعقد ومؤلم. فهذا التفكير مسئول تاريخياً عن نشوء جبال الحقد والكراهية بين الشعبين، وهو الذي دفع الإسرائيليين الى رفض قرار التقسيم عام 1947، وحقن الشعوب العربية بالعداء لإسرائيل. وفجر أربع حروب كبيرة بين العرب وإسرائيل 56، 67، 73، 82. وأخر الإعتراف الإسرائيلي بوجود شعب إسمه الشعب الفلسطيني قرابة خمسين عاماً، وأخر الإعتراف بوجود م ت ف كممثل شرعي لهذا الشعب قرابة ربع قرن. وأوصله إلى الانتفاضة الشاملة. وهو ذاته الذي يبعث النشوة الآن في نفوس بعض القادة الإسرائيليين كلما نجحوا في طعن الكرامة الوطنية الفلسطينية. وبقايا هذا الفكر هي التي تربك الآن قيادة حزب العمل، والحكومة الإسرائيلية في قيادة معركة السلام على كل المسارات، وتسبب لهم الإنفصام في مواقفهم السياسية. وتحرك قوى الائتلاف الحكومي باتجاه تسريع الإستيطان وتوسيعه وقتل عملية السلام. وإستمرار أصحاب هذا الفكر الخيالي في مركز القرار يجعل طريق تطور”الكيان الفلسطيني” إلى دولة مستقلة طريقا مؤلما ودمويا.
وبصرف النظر عن الفترة الزمنية التي ستستغرقها مفاوضات الحل النهائي، وعن النتائج التي ستسفر عنها فالثابت هو ان حكومة الليكود ستبقى متمسكه بموقفها القائم على جعل الحل الانتقالي حلا نهائيا للقضية الفلسطينة، سقفه الاعلى حكم إداري ذاتي تفضل ان يبقى ناقصا. فهم يعتبرون قيامها مسألة حياة أو موت وقضية مصيرية تمس بوجود إسرائيل وبامنها الإستراتيجي. ورغم إدارك القادة والمحللين الإستراتيجيين الأسرائيليين أن الدولة الفلسطينية سوف تكون ضعيفة عسكريا ومرتبطة إقتصاديا لسنوات طويلة بإسرائيل، إلا انهم ينظرون لها كثعبان يرقد معها داخل الفراش وبإمكانه لدغها يوما ما لدغات قاتلة. وتجربة اليهود التاريخية في أوروبا والمنطقة العربية جعلت الإسرائيليين شديدي الحساسية تجاه الأمن، ويصرون على رفض قيام الدولة الفلسطينية قبل التأكد من أنها لن تكون معادية لهم. وإذا كان لا أفق في هذه الفترة للتوصل الى أي إتفاق حول قضايا الحل النهائي من الان وحتى 4 ايار القادم، فالمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني تفرض على القيادة الفلسطينية التمسك بكامل حقوقها التي نصت عليها الاتفاقات، والتاكيد على أن لا إنفصام بين أمن اسرائيل وقيام الدولة الفلسطينية. أعتقد بأن التفكير في صفقة متكاملة تطرحها الإدارة الأمريكية بات أمرا لا مفر منه، اذا ارادت البقاء لعملية السلام. فبادرتها تعتبر في هذه المرحلة أقصرالطرق الموصلة الى السلام الحقيقي، وأقلها ألماً وعذاباً لشعوب المنطقة. فهل ستقوم بذلك ؟