المجلس المركزي بين حق اعلان الدولة ومطرقة التاجيل /ح1
بقلم ممدوح نوفل في 21/04/1999
مقاطعة دورة المجلس تلحق الضرر بالقضية وبالمعارضة
يبدأ المجلس المركزي الفلسطيني يوم 27 نيسان الجاري دورة اجتماعات تستمرعدة ايام يبحث خلالها استحقاقات انتهاء المرحلة الانتقالية من عملية السلام على مسارها الفلسطيني الاسرائيلي، واتخاذ القرار النهائي بشأن اعلان قيام الدولة الفلسطينية على الارض وبسط سيادتها عليها. ولا مبالغة في وصفها انها دورة مفصلية تنعقد في ظروف محلية واقليمية استثنائية وتطورات دولية بالغة التعقيد. وجدول أعمالها يتضمن قضايا أساسية تعطيها أهمية خاصة في مسيرة النضال الفلسطيني بعد مدريد، وموقعا مميزا في حياة المجلس. تفرض على جميع أعضائه واعضاء اللجنة التنفيذية “ممثلي فصائل ومستقلين” المشاركة فيها، وعدم مقاطعتها مهما كانت مواقفهم من السلطة، ومن عملية السلام ومن الاتفاقات التي أنتجتها. فالمقاطعة هروب من تحمل المسئولية في الاوقات الحرجة، وتخلي عن دور وطني مطلوب. وتتناقض مع الحلقة المركزية لبرنامج المعارضة المبني على أحياء وتفعيل مؤسسات م ت ف وتعزيز الوحدة الوطنية في اطارها. والاخذ بمقولة اذهب انت وربك فقاتلا..الخ تلحق أضرارا فادحة باصحابها وبالمصالح الوطنية التي يتغنى بها الجميع. خاصة وان تقاليد العمل السياسي السائدة في الساحة الفلسطينية تعطي لكل فصيل او مجموعة او فرد معارض الحق في ان يقول ما يشاء داخل المجلس وخارجه، ويصدر قبل وخلال الدورة وبعدها ما يريد من بيانات منفردة او مشتركة مع آخرين حتى لو كانوا خارج أطر م.ت.ف ولا يعترفوا بها ممثلا شرعيا ووحيدا. وحبذا لو بادرت اللجنة التنفيذية الى وضع قيادة حركة حماس وعدد من الشخصيات الوطنية والمفكرين غير الاعضاء أمام مسئولياتهم الوطنية، ووجهت لهم الدعوة للمشاركة في هذه الدورة كمراقبين. ودعت ايضا “لجنة المتابعة العربية” في اسرائيل او من يمثلها كضيوف، وتمكين الجميع من الادلاء بآرائهم في القضية المركزية المطروحة على جدول الاعمال. فالقرار النهائي بشأنها يهم الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، ويؤثر على دور الفلسطينيين في اسرائيل ومصالحهم.
وتمهيدا لهذا الاجتماع أجرت القيادة الفلسطينية سلسلة طويلة من الاتصالات الدولية والاقليمية المركزة شملت عددا كبيرا من دول العالم. اكدت خلالها جميع الدول العربية منفردة ومجتمعة في اطار الجامعة، ودول المجموعة الاوروبية والصين وروسيا ودول أسيوية وافريقية أخرى، دعمها للحقوق الوطنية الفلسطينية، وبخاصة حقه في تقرير مصيره فوق أرضه التي احتلت عام 1967، وحقه من حيث المبدأ في اقامة دولته المستقلة عليها. وتمسكت كلها بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي وبأسس عملية السلام، ورفضت التسليم بالامر بالواقع الذي خلقه الاحتلال في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. وأدانت تجميد تنفيذ الاتفاقات، وابدى بعضها استعداده للاعتراف بالدولة الفلسطينية فور الاعلان عنها وطالب آخرون كثيرون بالتأجيل. أما الادارة الامريكية فلم تتجاوب مع التوجهات الفلسطينية، وجددت ربطها قيام الدولة الفلسطينية بنتائج مفاوضات الحل النهائي، واعتبرت اقدام السلطة على اعلان قيام الدولة في 5 أيار خطوة أحادية الجانب ضارة بعملية السلام. ولا تزال الاتصالات جارية بين الطرفين. ويحاول الجانب الفلسطيني بلورة موقف أمريكي رسمي يؤيد من حيث المبدأ حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره فوق أرضه، وتحديد مضمون الالتزامات الامريكية بشأن استحقاقات عملية السلام وبخاصة مصير الحقوق الفلسطينية التي نصت عليها الاتفاقات ورفض نتياهو الالتزام بتنفيذها. ويسعى الجانب الفلسطيني الى تطوير الموقف الامريكي من الاستيطان ودفعه نحو تجاوز حالة الشجب والادانة باتجاه اتخاذ اجراءات عملية. ويحاول فك التلازم والارتباط الذي تتبناه الادارة الامريكية بين اعلان الدولة ونتائج مفاوضات الحل النهائي، والاتفاق على تاريخ محدد لانتهاء مفاوضات الحل النهائي واعلان قيام الدولة في حال قبول مبدأ التأجيل.
والان ومع اقتراب استحقاق 4 أيار وانتهاء المشاورات والاتصالات العربية والدولية الضرورية باتت ابعاد صورة الموقف وخلفياتها واضحة أمام جميع الفلسطينيين. ويقف أعضاء المجلس المركزي امام حقائق كثيرة أهمها. أولا/ ان استراتيجية السلام التي اقرها المجلس الوطني في نوفمبر 1988، اصطدمت بالفكر الصهيوني المتطرف. وبينت مسيرة 8 سنوات من المفاوضات المتواصلة ان المجتمع الاسرائيلي باغلبيته غير ناضج في هذه المرحلة لصنع سلام عادل وشامل مع الفلسطينيين. والتفاعلات الجارية داخله تتجه أكثر فأكثر نحو اليمين ولم تبلغ مداها الكامل بعد. واستطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز الابحاث والدراسات الحزبية والمحايدة حول نتائج الانتخابات الاسرائيلية القادمة تثبت الاستخلاص ذاته. ثانيا/ ان الادارة الامريكية مصممة على مواصلة التفرد في رعاية المفاوضات، ومصرة على متابعة انحيازها المتواصل لمواقف اسرائيل مهما كانت مواقف الحزب الحاكم من مسألة صنع السلام في المنطقة. ولعل مفيد تذكير المراهنين على الضمانات الامريكية الموعودة وعلى دور أمريكي فعّال بعد الانتخابات الاسرائيلية بان اتفاق “واي ريفر” أكد ان ادارة الرئيس كلينتون ليست ضعيفة بالقدر الذي تصوره معظم الفلسطينيون والعرب بعد المشاكل الداخلية التي أثارتها فضيحة مونيكا ونسيها الناس بعد اشتعال جبهة البلقان. لكنها ولاعتبارات داخلية واخرى تتعلق باستراتيجيتها في المنطقة وموقع اسرائيل في هذه الاستراتيجية، لم تحاول الزام حكومة نتياهو تنفيذ ذلك الاتفاق، ورضخت لمواقفها وشجعتها على التصلب. وعطلت محاولات دول اوروبا وروسيا والعرب اخراج الاتفاقات من مازقها وتحديد سقف زمني جديد لانتهاء مفاوضات الحل النهائي. وبدلا من المساهمة في توفير غطاء قانوني سياسي للموقف الفلسطيني عملت على تعريته، وتمارس ادارة كلينتون ضغوطا قوية على القيادة لارغامها تأجيل المطالبة بحقوقها الواضحة وتمديد المرحلة الانتقالية لوقت غير معلوم. ثالثا/ ان السلطة الفلسطينية وقوى المعارضة لم تستثمر الشهورالاخيرة الثمينة في انجاز الكثير من المهام الداخلية المتعلقة بترتيب اوضاع البيت الفلسطيني وتنظيم العلاقات داخله، وتحصينه لمواجهة التطورات السياسة والامنية الكبيرة القادمة سواء اعلنت الدولة ام لم تعلن. ولا بد من اعتراف السلطة ان تفعيل العامل الذاتي لم يتم التوقف أمامه كما يستحق، ولم تبذل جهودا جدية لاستنهاض الطاقات في الداخل والخارج وتفعيلها في اي من محاور الصراع. وظلت الحركات والاحزاب والفعاليات الوطنية المشاركة في السلطة والمعارضة، في حالة انتظار نتائج الحركة السياسية “المراثونية” التي يقوم بها رئيس م ت ف في العالم ومعه عدد من القيادة الفلسطينية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وبقي بقية أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة واعضاء السلطة “الوزراء” ينتظرون الاجتماع الدوري للاستماع لما يطرح فيه من أخبار. وبقيت المنظمات والاتحادات الشعبية والنقابات ساكنة ولم تحركها التطورات، ولم تحاول قياداتها تعبئة قواعدها وجمهورها، ولم تحاول اجراء اتصالات بنظائرها العربية والدولية، وكأنها لا حول ولا قوة لها، وكأن استحقاق 4 أيار يتلخص باعلان او عدم اعلان الدولة وهذا الأمر لا يعنيها. وعاش أعضاء المجلسين المركزي والتشريعي وجميع العاملين في مؤسسات السلطة وم ت ف، حالة ارتباك، واكتفوا بمتابعة المواقف العربية والدولية من خلال ما تتناقله الصحف ووكالات الانباء العالمية، وبكتابة مقالة في هذه الصحيفة او تلك، واصدار تعليق حول هذا الموقف أو ذاك. وكأن انتزاع الحقوق والتصدي لمصادرة الاراضي ومقاومة الاستيطان يتم بالتمني، وضمان مواقف عربية ودولية قوية تدين التجاوزات الاسرائيلية..الخ
واذا كان لا مجال للبحث في أسباب هذه الحالة الفلسطينية، فالواضح انها اثرت سلبا على مردود الحركة الدبلوماسية الفلسطينية، وكان بالامكان ان يكون أكبر وأشمل لو رافقتها جملة من التحركات الشعبية المنظمة، ولم تظهر النواقص والثغرات على السطح الفلسطيني. ويجب الاعتراف انها افسحت المجال للقوى المضادة لترويج افكارها المشككة بالتوجهات الفلسطينية الرسمية، وساهمت في أضعاف مصداقيتها، داخليا وخارجيا. وقلصت قدرة التأثيرعلى المواقف العربية والدولية وتفعيلها لتحصيل الحقوق الواردة في الاتفاقات. وخلقت انطباع لدى عدد من دول العالم بان الوضع الفلسطيني الرسمي والشعبي يتحمل تمديد المرحلة الانتقالية، ويتقبل تأجيل اعلان قيام الدولة وتأخير تحصيل الحقوق الاخرى التي نصت عليها الاتفاقات. وسهلت على بعضها وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية ممارسة ضغوطا قوية على القياة الفلسطينية لتأجيل الاعلان الى ما بعد إنتهاء مفاوضات الحل النهائي. ولم تساعد اطلاقا على تهيئة أوضاع الشارع الفلسطيني في الداخل والخارج لمواجهة التوجهات السياسية والممارسات العملية الاسرائيلية المضادة، وأبقته في حالة عدم اكتراث مصحوبة بقلق شديد حول المسقبل وما تبيته له الاقدار صيف هذا العام الساخن.
وسواء أعلن المجلس المركزي قيام الدولة الفلسطينية يوم 4 أيار القادم او أجل ذلك لاشعار فلا غنى عن تحضير الاوضاع الذاتية لمواجهة كل الاحتمالات. ودعوة المعارضة للمشاركة في اجتماعات المجلس المركزي لا تعني تخليها عن مواقفها. واذا كان من واجب قوى المعارضة اشعال الضوء الأخضر او الاحمر في الشارع عند المنعطفات السياسية الخطرة فدورة المجلس المركزي هي المكان والزمان المناسبين لاشعال الضوء المطلوب امام الجماهير. وتباين مواقف الاطراف الفلسطينية من الاعلان وسواه، لا يلغي وجود قواسم مشتركة للنضال ضد الاحتلال. واذا كان انتزاع السيادة الفلسطينية لا يتم دفعة واحدة فلتتسابق القوى الوطنية في مراكمة النقاط على الارض.
ولا ادري كيف يمكن للمعارضة الاسلامية والعلمانية ان تحافظ على وجودها وتزيد من نفوذها في الشارع الفلسطيني، وتؤثر في الاحداث الجارية اذا بقيت واقفة فوق اسوار ميدان الصراع، وأبعدت نفسها عن مؤسسات م ت ف، ولم تساهم في صياغة التوجهات الوطنية الاساسية، ولم تحاول التاثير في صناعة القرار. ولم تميز نفسها في الدفاع عن مصالح المواطنيين وفي النضال ضد الاحتلال ومرتكزه الرئيسي الاستيطان.