قرارات أساسية تنتظر المجلس المركزي الفلسطيني /ح2

بقلم ممدوح نوفل في 21/04/1999

توفر الجولة الواسعة المرهقة التي قام بها رئيس السلطة الفلسطينية ومساعديه لاعضاء المجلس الركزي صورة حية متكاملة لمواقف القوى الاقليمية والدولية من القضايا المطروحة على جدول أعمالهم تساعدهم على اتخاذ القرار. وأظن ان لا خلاف في المجلس على أن دور العامل الخارجي، في ظل موازين القوى السائدة بين الفلسطينيين واسرائيل، هام وأساسي في تقرير مصير عملية السلام، ولا بد من أخذه بعين الاعتبارعند اتخاذ القرار. وبجانب ذلك يدرك الاعضاء ان حسم الصراع لا يتم على جبهاته الخارجية ومحاورها البعيدة او القريبة من غزة والضفة الغربية. ووقائع الحياة بينت ان تأثير العامل الخارجي، على أهميته في مواقف القيادة الاسرائيلية محدودا، وسقفه منخفض جدا في هذه الحقبة التاريخية المشوهة من عمر الشعوب الضعيفة. وان دوره مهما تعاظم يبقى عنصرا مساعدا، لا يمكنه ان يكون بديلا عن دور الفلسطينيين أنفسهم وعلى ارضهم.
وسواء أعلن المجلس قيام الدولة في 4 أيار أو اجله وأحاله الى لجان تتابع اعمالها تمهيدا لإعلانه لاحقا، فلكل توقيت ظروفه، ولكل خيار استحقاقاته وتبعاته ومتطلباته. وكلها تقود الى المواجهة آجلا ام عاجلا. فالوضع الملتهب في البلقان يشغل الادارة الامريكية عن رعاية عملية السلام في منطقة الشرق الاوسط ويستأثر باهتمام القوى الدولية المقررة، وقد يشل دورها فترة اخرى طويلة. وانتهاء المرحلة الانتقالية من عملية السلام دون اتفاق على ما بعدها، أخرج قطار السلام عن سكته داخل النفق المظلم، يصعب على أبرع الفنيين، حتى لو كانوا أمريكان، اخراجه سالما واعادته الى طريقه الاساسي وفقا برنامجه الاصلي. وغرفة المفاوضات ستبقى مغلقة، كما قال مساعد وزيرة الخارجية الامريكية “انديك”. وسيبقى المفاوضون من الطرفين في اجازة حتى الانتهاء من الانتخابات الاسرائيلية وتشكيل حكومة اسرائيلية جديدة. وفتح ابوابها من جديد بعد 3ـ4 شهور سيكون شكليا. فالخلاف بين اليمين واليسار في اسرائيل بشأن الدولة الفلسطينية، وقضايا الحل النهائي المعروفة، ليست جوهرية. وسيحاول اليميين الاسرائيلي، اذا فاز في الانتخابات، اضاعة مزيدا من الوقت حتى بدء معركة الانتخابات الامريكية مطلع عام 2000 والانتهاء منها في آواخره.
اعتقد ان هذه اللوحة السياسية الواقعية تفرض على أعضاء المجلس المركزي توسيع دائرة البحث والنقاش. وتحويل تاريخ 4 أيار الى محطة رئيسية على طريق بناء الدولة وتجسيد السيادة. ووضع مشروع وطني واقعي متكامل قادرعلى حشد قوى الشعب في الداخل والخارج، والنهوض بمهام مرحلة ما بعد 4 أيار. فالدولة لن تقوم بناء على اتفاق مع اسرائيل، ولن ترى النور اذا ارتهن قيامها بموافقة أمريكية ودولية مسبقة. واذا كان أعضاء المجلس المركزي يتمسكون بقوة بمقولة “الدول الفلسطينية حق مبدئي وقرار فلسطيني اولا واخيرا ” فالتحدي المطروح هو كيف يتم انتزاع هذا الحق، وتحصيل كل الحقوق الوطنية الاخرى الكثيرة المغتصبة ؟ وكيف يجسد الطرف الفلسطيني السيادة على الارض في الوقت الذي يعمل الطرف الاسرائيلي كل ما في وسعه لمنع ذلك ؟ والمجلس مطالب في هذه الدورة تحديد الاولويات واطلاق الاشارة لبدء عمل دؤوب باتجاه:
اولا/ حماية الأرض ومحاصرة الاستيطان
الاستيطان هو الخطر الرئيسي الذي يهدد الارض والمصير الوطني برمته، هذا ما تجمع عليه القوى الوطنية الفلسطينية. وفي كل اجتماعاتها ولقاءاتها تشخص سبل مقاومته بشكل سليم. لكن وقائع الحياة على الارض تؤكد مواصلة تمدد هذا السرطان يوميا في كل أنحاء الجسد الفلسطيني في الضفة والقطاع، خالقا وقائع جديدة تعقد مستقبل السلام بين الشعبين وتقطع اوصال الدولة الفلسطينية وتعقد حياه المواطنين الفلسطينيين. ولا بد من الاعتراف ان ضعف مقاومة الاستيطان ساهم في تشجيع المتطرفين على مصادرة مزيد من الاراضي وشجع الحكومة على دعمه وتبنيه وتمجيده علنا. وتحوّل المستوطنون من قوة هامشية منبوذة من قوى السلام في اسرائيل الى قوة سياسية مقبولة وفاعلة في المجتمع الاسرائيلي ومؤثرة في القرار السياسي الرسمي. أعتقد ان توقف أعضاء المجلس المركزي أمام اعلان الدولة وبسط السيادة على الارض يبقى ناقصا ودون معنى اذا لم يقرن بترتيبات عملية طموحة قادرة على وقف توسع الاستيطان اولا، وجعله مكلفا للمستوطنين وحكومتهم ثانيا. تبدء بالاصرار على عدم بحث قضايا الحل النهائي قبل وقفه وقفا تاما. وخلق قواعد سلوك شعبي تعتبر العمل في المستوطنات والتجارة مع المستوطنين عارا وطنيا. وسن تشريعات فلسطينية تعتبره عملا مخلا بالامن الاستراتيجي الفلسطيني وبالمصالح الوطنية العليا للشعب كله يحاسب عليها القانون. واستكمال ذلك بتشكيل صندوق مالي فلسطيني عربي اسلامي “شعاره ادفع قرشا تهدم حجرا في المستوطنات” يتولى الانفاق على كل الاعمال الضرورية للتصدي للاستيطان بما في ذلك تقديم العون المؤقت للعمال المتضررين ريثما يؤمنوا لانفسهم او يؤمن لهم عملا بديلا في مكان آخر..الخ من الاجراءات العملية الضرورية.
ثانيا/ احياء م ت ف وتفعيل مؤسساتها
بعد التوقيع على اتفاق اوسلو اعتقد معظم اركان السلطة ان مرحلة م ت ف انتهت، وبدأت مرحلة بناء الدولة، وسهل انسحاب المعارضة ومقاطعة العمل في مؤسساتها تكريس هذا المفهوم. وجاءت الاحداث لتؤكد على ان السلطة الوطنية لا يمكنها املاء الفراغ الذي خلفه غياب المنظمة. وتجمع القوى الان على ضرورة احياء م ت ف وتفعيل مؤسساتها باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني داخل وخارج الوطن، وأن جودها كاطار تنظيمي جامع لكل قوى الشعب كان له ضروراته الوطنية في مرحلة الكفاح المسلح وزادت اكثر في مرحلة الكفاح السياسي والشعبي وتشيكل السلطة الوطنية. خاصة وان الاتفاقات التي تم التوصل لها، والمرئي من المفاوضات النهائية، لم ولا يعالج هموم وقضايا “اللاجئين”. وأظن ان اجماع القوى والفعاليات على هذه الرؤيا يوفر الاطار المناسب لتوحيد معظم الطاقات الوطنية ويسهل تنظيم صيغ وأشكال متنوعة من العمل المشترك رغم الخلافات والتباينات القائمة. ويمكن للمجلس المركزي ان يبدأ باعادة النظر بالاشكال والعلاقات التنظيمية التي افرزتها المرحلة الانتقالية. وانهاء التذويب الجاري لمؤسسات المنظمة عبر دمج مؤسساتها بمؤسسات السلطة. وبإمكانه لعب دور مركزي اذا نجح في تنظيم اجتماعاته الدورية، ومارس صلاحياته بمتابعة نشاطات اللجنة التنفيذية التي ينبغي عليها استعادة استقلاليتها. وأحيا اللجان الدائمة للمجلس الوطني، واللجنة العليا لمتابعة المفاوضات وشكل ما يلزم من لجان اخرى. وفي سياق الحديث عن تفعيل دور م ت ف لا بد من تجديد وتطوير وثائقها الاساسية بصورة جذرية، واعادة صياغة ميثاقها ونظامها الاساسي بمفهوم جديد يتناسب مع متطلبات المرحلة.
ثالثا / دمقرطة الحياة الفلسطينية الداخلية
في كل المراحل السابقة كانت القناعة الجماعية النابعة من الوعي هي الدافع الاساسي لإلتفاف الشعب الفلسطيني حول م ت ف وحمايتها كممثل شرعي ووحيد له. وهي المحرك الرئيسي للنضال الذي يدفع مختلف فئات وطبقات المجتمع الفلسطيني للإنخراط في الفصائل والأحزاب. وبينت التجربة في مرحلة السلطة ان حشد طاقات الشعب خلف القيادة وتوجهاتها لا يتم بدون توفر قناعة بصحة توجهاتها وحسن اداء ادواتها واجهزتها العسكرية والمدنية ودون ديمقراطية حقيقية تعطي لكل ذي حق حقه وتشرك الجميع في صناعة القرارالوطني. ويخطئ من يعتقد ان الوعود والبيانات المنمقة او قوة الاكراه يمكنها تجميع طاقات شعب نصفه لاجئين حول مواقفه. ويفترض ان لا يكون خلاف في المجلس المركزي على ان اعلان الاستقلال فورا او لاحقا، لن يحظى بدعم واسناد شعبيين في الداخل والخارج اذا لم تقتنع الجماهير بانه خطوة حقيقية على طريق تحقيق اهدافها في الحرية والاستقلال الكامل وممارسة السيادة على الارض. ويتيح لها المشاركة في تقرير طبيعة النظام الذي سيحكمها ويقود نضالها. ويقيم المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية القادرة على فرض سيادة القانون، وصيانة حقوقه الخاصة والحق العام. اعتقد ان المصادقة على مشاريع القوانين التي اقرها المجلس التشريعي والانتهاء من سن القوانين والتشريعات الاخرى الضرورية واعلان دستور لدولة فلسطين يعزز الثقة بالاعلان ويقوي التفاف الشعب حولة والدفاع عنه. والشيء ذاته ينطبق على حل مجلس السلطة الحالي والتحضير لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية. وبصرف النظر عن المبررات والاسباب التي أدت الى تمديد الولاية الحالية للمجلس التشريعي فنتيجة التمديد لم تكن في صالح تعزيز مكاسب تجربة الانتخابات الاولى، ولا في صالح حشد الموقف الشعبي الفلسطيني خلف التوجة نحو اعلان الدولة، حيث اعتبرها البعض مقدمة لتمديد المرحلة الانتقالية. اعتقد ان اجراء الانتخابات بمستوياتها الثلاث يدعم التوجه نحو الدولة اكثر من كل البيانات والتصريحات التي يمكن ان تصدر عن الهيئات الفلسطينية، لا شك انه من السهل ايجاد مبررات مقنعة لتأجيل الانتخابات، الا ان كل المبررات المنطقية تسقط امام ضرورة تعزيز مصداقية توجهات القيادة الفلسطينية، فلسطينيا عربيا ودوليا، نحو بناء دولة ديمقراطية. وامام سلبيات تاجيل الاعلان. بجانب لا بد من تأكيد انه اذا كان تأجيل اعلان قيام الدولة يخلق احباطا للشارع الفلسطيني، فنتائج الاعلان غير المقرون بمستلزماته النضالية والقانونية والتنظيمية يعطي ذات المردود فهل سينج المجلس المركزي في تحويل الرابع من ايار الى محطة لانطلاقة فلسطينية نضالية وتنظيمية جديدة..