هل ستنجح اولبرايت في ازالة العقبات من طريق القمة الثلاثية
بقلم ممدوح نوفل في 22/06/2000
تصل وزير الخارجية الامريكية “اولبرايت” الى المنطقة يوم 25 حزيران /يونيو الجاري، في اطار مهمة استثنائية تم التفاهم حولها خلال قمة عرفات ـ كلينتون الاخيرة، تتضمن القيام بجهد امريكي مكثف لمدة اسبوعين، بأمل حلحلة المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية الخاصة بتنفيذ مرحلة الانسحاب الثالثة، بما يسمح بتحقيق انطلاقة في مفاوضات الحل النهائي وعقد قمة ثلاثية فلسطينية ـ امريكية ـ اسرائيلية. وكانت قمة واشنطن بينت للرئيس كلينتون ان ما تحقق في المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية لم يوفر الحد الادنى المطلوب لعقد القمة ونجاحها، وان الخلافات الفلسطينية ـ الاسرائيلية بشان قضايا الحل النهائي وخصوصا القدس واللاجئين لا تزال على حالها، بل وتعمقت أكثر بعد رفض رئيس منظمة التحرير اطروحات اسرائيل حول تأجيلهما، وان الخلاف بشان الانسحاب الثالث، الذي استحق تنفيذه يوم 23 حزيران الجاري، يعقد علاقات الطرفين، ويوتر اجواء مفاوضات الحل النهائي ويعيق تقدمها، ويهدد بنسفها، خصوصا بعد رفض الوفد الفلسطيني تأجيل تنفيذها، ورفض ابوعمار دمجها بالحل النهائي، وأصراره على تنفيذها بمعزل عن مجريات مفاوضات هذا الحل ونتائجها.
واظهرت لقاءات واشنطن، ان لدى الرئيس كلينتون رغبة جامحة، وصادقة، في تواصل المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية، وتوصل الطرفان الى اتفاق، قبل رحيله من البيت الابيض، ينهي نزاعهما المزمن، خصوصا بعد رحيل الرئيس الاسد، وتضائل الامل بالتوصل الى اتفاق على المسار السوري، قبل الانتخابات الرئاسة الامريكية. الى ذلك، تفاعل رئيس السلطة الوطنية مع رغبة الرئيس كلينتون، ووافق على تمديد تاريخ استحقاق الانسحاب الثالث فترة اسبوعين، ومنح اولبرايت فرصة جديدة، بأمل النجاح في اقناع باراك بالالتزام بالاتفاقات الانتقالية التي وقعها، وتنفيذ الانسحاب “الثالث” الذي يشمل جميع الاراضي الفلسطينية التي احتلت في العام 1967، وتنظيم عودة النازحين، واطلاق سراح اسرى فترة ما قبل توقيع اتفاق اوسلو في العام 1993، وفتح الممر الآمن الشمالي بين غزة ووسط الضفة الغربية.
ويمكن الجزم، سلفا، ان الوزيرة اولبرايت ستبذل اثناء وجودها في المنطقة كل الجهود الممكنة للنجاح في مهمتها، لكن مكونات الصراع العربي ـ الاسرائيلي وتعقيداته تؤكد ان ليس كل ما تتمناه الدول العظمى، وضمنها الادارة الامريكية، تدركه حسب “الكتالوج” الذي ترسمه ووفق الجدول الزمني الذي تحدده، خصوصا اذا ترددت في ضرب حديد المنطقة وهو حام، واستخدمت مكيالين للتعامل مع قرارات الشرعية الدولية، وانحازت لاحد اطراف الصراع.
والتدقيق السريع في مقدمات وظروف جولة اولبرايت الجديدة يؤكد ان مهمتها صعبة ان لم تكن مستحيلة، ومن المشكوك فيه ان تنجح خلال اسبوع في ازالة العقبات الكبيرة، المذكورة اعلاه، من طريق القمة الثلاثية المنشودة. فنجاحها كما اتصور رهن بتحقيق واحد من شروط رئيسية ثلاث، غير متوفر واحد منها، اولها؛ وقوع تبدل في قناعة براك الجديدة ـ القديمة، بشان الانسحاب الثالث، التي شكلها عندما كان رئيسا للاركان، ووزيرا للداخلية في عهد رابين، القائمة على ربط تنفيذ الانسحاب الثالث باتفاق متكامل يقفل ملفي القدس واللاجئين الى الابد. والثاني؛ حصول انهيار كامل في الموقف الفلسطيني وخضوع المفاوضين الفلسطينيين للضغوط الامريكية ـ الاسرائيلية واستسلامهم لشروط باراك المذلة ومطالبة غير المحقة. والثالث؛ ان تصل الوزيرة اولبرايت المنطقة وهي تحمل بيد مشروع امريكي متكامل لحل قضايا الخلاف المعروفة للجميع، وتحمل بالاخرى عصا الضغط الامريكي الغليظة، وتشهرها بجدية في وجه باراك وحكومته. وأظن ان من غير مرئي تحقيق اي من هذه الشروط الثلاث. فمن لم يشهر عصاه في وجه اسرائيل ايام قوته، ولم يطرح مشروعه الخاص في بداية عهده، غير قادر على القيام بهذا الدور في ايام ضعفه ونهاية ولايته، وفي عز فترة انتخابات الرئاسة والكونغرس. وتدرك الوزيرة اولبرايت اكثر من سواها، ان باراك لم يمنح، في الفترة السابقة، وفده لمفاوضات المرحلة الانتقالية، بقيادة عوديد عيران، التفويض اللازم للبت بالقضايا المطروحة على جدول اعمالها، بأمل بحثها في القمة الثلاثية، ومساومة الفلسطينيين عليها مقابل تنازلات تتعلق بالقدس واللاجئين والاستيطان والحدود، وأظن انه لن يقدمها لها على طبق من فضة او ذهب، خصوصا وانه غراق في معالجة ازمة حكومته.
واذا كان الرئيس كلينتون فشل في ثني ابوعمار عن التمسك بقرارات الشرعية الدولية بشأن القدس، واللاجئين، والانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران 1967، وفشل في انتزاع موافقته على دمج مرحلة الانسحاب الثالثة بالاتفاق حول قضايا الحل النهائي، فالواضح ان الولبرايت لن تنجح في تحقيق الشيء الذي لم يحققه رئيسها. ويمكن الجزم، ايضا، بانها لن تنجح في اقناع باراك بفك ربط الانسحاب بالتوصل الى اتفاق متكامل حول قضايا الحل النهائي، لاسيما وان رفضه الالتزام بتنفيذ الاتفاقات التي وقعها، وبخاصة الانسحاب الثالث، ليس طارئا بسبب تضعضع اوضاع حكومته، بل نتيجة قناعته الايدلوجية ومفاهيم الامنية الراسخة، وهي التي دفعته قبل اربع سنوات، الى التصويت، في عهد حكومة رابين، ضد اتفاق طابا، لان هذ الاتفاق “يتضمن في مرحلته الثالثة انسحابا واسعا يجرد اسرائيل من ورقة المساومة الاساسية”، كما قال. وأظن ان صموده سنة كاملة عند مواقفه، وصمت ادارة كلينتون على تلاعبه بالاتفاقات التي شهدت عليها، يشجعه على الاستمرار في التلاعب والمماطلة، والتمسك بمواقفه المتطرفة، وتحدي العرب واوروبا والامم المتحدة، خصوصا انه يدرك ان اولبرايت تحمل في جعبتها، كما في كل مرة، رسائل تمنيات ودية وليس عصا ضغط غليظة.
ويعتقد باراك ان الفلسطينيين فقدوا كل الخيارات باستثناء خيار قبول ما يعرضه عليهم، وان ضغطا امريكيا ـ اسرائيليا مزدوجا على عرفات كفيل بارغامه على التراجع عن شروطه لعقد القمة الثلاثية، والتنازل عن ربط المشاركة فيها باطلاق سراح المعتقلين وتنفيذ الانسحاب الثالث وفق توقيتات زمنية محددة. ويتصور باراك انه بالضغط المشترك، في القمة، يمكن تعبئة الفراغات الاساسية التي تركها طاقمي المفاوضات النهائية برئاسة شلومو بن عامي وابوعلاء، في “مسودة اتفاق اطار حل قضايا الحل النهائي”، التي اقتربا من انجازه. وبالامكان ايضا، انتزاع موافقة فلسطينية على حل قضية اللاجئين على اساس التنازل عن حقهم في العودة، واستيعاب بضعة آلاف منهم في اسرائيل، في اطار لم شمل العائلات، واحالة موضوع تعويضهم عن حقوقهم التاريخية ومعاناتهم الى صندوق دولي يقدم لهم ما يمكن تقديمه، دون الاعتراف بمسؤولية اسرائيل عن خلق مشكلتهم، او حتى الاعتذار لهم عن الآلام التي عانوها على مدى اكثر من نصف قرن. ويصر باراك ان يتضمن “اتفاق الاطار” تنازل الفلسطينيين عن ادنى مقومات ومظاهر السيادة في مدينة القدس. واجراء تعديلات واسعة في الحدود التي كانت قائمة قبل حرب 1967، ويتمسك بضم ما لا يقل عن 8 ـ10% من مساحة الضفة تشمل غالبية المستوطنات. وبجانب ذلك كله، يشترط ان يتضمن “الاتفاق” تأكيدا فلسطينيا واضحا وصريحا على “انتهاء الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وان ينص حرفيا على؛ “لا يحق لاي من الطرفين المطالبة باية حقوق لا يتضمنها هذا الاتفاق”.
الى ذلك، لا يمانع باراك في حال تعذر الوصول لهذا الاتفاق “العتيد”، بتأجيل حل قضيتي القدس واللاجئين سنوات طويلة، وان يقرن هذا التأجيل بتاجيل الانسحاب الثالث، او اختزاله الى قرابة10%، من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة، في أحسن الاحوال، وبتعهد السلطة الفلسطينية بمواصلة مكافحة الارهاب ومحاسبة المحتجين على التوسع في مصادرة الاراضي والاستيطان.. واظن ان جهود الوزيرة اولبرايت ومساعدوها سوف تتركز على هذا الخيار، طالما انهم غير قادرين على حلها، ولانه يوفر لهم ارضية لمتابعة ادارة ازمة المفاوضات، ويؤمن الحد الادنى المطلوب لتزيين صورة الرئيس كلينتون عند مغادرته بوابة البيت الابيض. وستعمل اولبرايت على تقدمه للعرب والفلسطينيين باعتباره الخيار الممكن في هذه المرحلة.. وخصوصا، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها باراك..؟! وافضل من بديله المرئي المدمر لعملية السلام، ومن العودة الى صراعات دموية لا طائل منها. وستحاول تغليفه بتعهدات امريكية سخية تتعلق بتكثيف جهودها بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتجميله باخذ موافقة باراك على اطلاق سراح دفعة جديدة من المعتقلين، وتسليم بلدات العيزرية وابو ديس والسواحرة للسلطة الفلسطينية.
أظن ان لا خلاف بين الفلسطينيين، سلطة ومعارضة، حول ضرورة التمسك بالحقوق الفلسطينية كما حددتها قرارات الشرعية الدولية، وضرورة الصمود عند الخطوط الحمراء المتتعلق بالقضايا الاساسية في مفاوضات الوضع النهائي. وان صمود رئيس اللجنة التنفيذية في مواجهة ضغوط كلينتون، يوفر ارضية، ليس فقط، للصمود في مواجهة اولبرايت، بل والضغط عليها وعلى معاونيها للوفاء بتعهداتهم. ومن لم يتردد في وصف “دينس روس”، امام الرئيس كلينتون بمحامي باراك، بامكانه التصدي بسهولة للمناورات والحيل التي قد يستخدمها خدمة لاسرائيل، وبامكانه افهام اولبرايت ان لا احد من الفلسطينيين يرضى او يستطيع او يقبل ان يوقع على اتفاق يتجاوز او يؤجل قضية القدس او قضية اللاجئين او قضية الحدود. ويفترض ان لا يكون خلاف بين الفلسطينيين لاجئين ونازحين ومقيمين في ديارهم، حول ضرورة رفع وتيرة التعبئة الداخلية لمواجهة الاحداث والتطورات الكبيرة القادمة حتما خلال النصف الثاني من هذا العام. والأمل ان لا يتكرر سيناريو اتفاق اوسلو فما يصح في قضايا المرحلة الانتقالية لا يصح ولا يصلح لقضايا القدس واللاجئين وفرض السيادة على الارض.