قصة فشل الجنرال باراك حلقة 1:

بقلم ممدوح نوفل في 30/01/2001

يخوض الاسرائيليون معركة داخلية حامية الوطيس شبيهة بالإنتخابات التي أطاحت بشمعون بيريز عام 1996، وأسخن بكثير من انتخابات عام 1999التي اطاحت بنتنياهو. ولا خلاف بين اطراف النظام السياسي في اسرائيل واوساط القوى الاقليمية والدولية المعنية باستقرار اوضاع منطقة الشرق الاوسط حول ان هذه الانتخابات استفتاء صريح حول ما انجز في مسيرة السلام العربي الاسرائيلي التي انطلقت من مدريد في العام 1991، وبان نتائجها حاسمة في تقرير مستقبل هذا السلام في القريب على الاقل. واذا كان عنوان المعركة كما يظهر في الشارع الاسرائيلي وعلى شاشات التلفاز هو انتخاب رئيس وزراء جديد، فالتأمل بمضمونها يبين انها تدور حول موضوع واحد رئيسي هو السلام مع العرب، ولم يطرح ايا من المرشحين باراك وشارون موضوعا رئيسيا آخر غير هذا الموضوع.
الى ذلك، حددت القوى والاحزاب مواقفها ومواقعها في هذه المعركة الكبيرة. ويكافح مرشح “اليسار” باراك من اجل الفوز يوم 6 شباط2000، على منافسه مرشح “اليمين” شارون ولم تبقي وسيلة مساعدة لم يستخدمها لتحقيق هذا الهدف. وتشير استطلاعات الرأي في اسرائيل الى ان شارون بعجره وبجره المعروف للجميع، يتفوق على باراك بنسبة كبيرة من الاصوات. وان فئآت واسعة من المجتمع الاسرائيلي ساندت باراك في الانتخابات السابقة وصوتت له، قررت حرمانه من اصواتها، اما بالامتناع عن المشاركة في هذه الانتخابات او بوضع ورقة بيضاء في صناديق الاقتراع كعقاب لبراك، كما يقولون علنا، على سوء سلوكه خلال اكثر من 18 شهرا من توليه رئاسة الوزراء. ورغم اعترافه علنا باخطاءه وتعهده بتصحيحها في حال انتخابه مجددا لم يتغير موقفهم، ويشكون في انه سوف يصحح اخطاءه ويحسن اداءه اذا فاز بهذه الانتخابات التي ورط نفسه وورطهم فيها.
اعتقد ان معركة كبيرة وبهذا الحجم من التاثير في مستقبل شعوب المنطقة تستحق التأريخ، وتثير اٍسئلة كبيرة حول مستوى نضج المجتمع الاسرائيلي ونظامه السياسي لصنع سلام شبه عادل وقابل للديمومة مع العرب. وأظن ان تسليط الضوء على مواقف حكومة حزب العمل “اليسارية” خلال عهد رئيسها ايهود باراك من موضوع السلام تساعد في الاجابة على هذا السؤال واسئلة اخرى كثيرة، وبدون ذلك لا يستقيم الـتأريخ ويبقى ناقصا حلقة رئيسية.
امتاز ايهود باراك عن سواه من رؤساء وزراء اسرائيل الذين استهلكتهم عملية السلام منذ مدريد وحتى الان ـ شامير رابين بيريز نتنياهوـ بالعناد والغرور بقدرته الخارقة على تحقيق ما يريد. وكان يعتقد انه على كل شيء قدير، ولم لا وهو حامل اكبر قدر من الاوسمة العسكرية حصل عليها بجدارة خلال خدمته الطويلة. ومن يقرأ كتاب “باراك الجندي الاول” حيث يروى باراك قصة حياته يتحقق من قوة ايدلوجيته اليمينية ويرى بوضوح دور هذه الصفات في صنع ماضيه العسكري الذي يعتز به، وتأثيرها على تخبطه في ادارة معاركه الحزبية داخل وخارج الكنيست، وادارة معاركه السياسة في ميدان صنع السلام.
بعد فوزه في انتخابات رئاسة الوزراء وتسلمه السلطة في ايار1999، ملأ باراك أجواء المنطقة بضجيج عال حول رغبته في إعادة تشغيل قطار السلام العربي الاسرائيلي على مساراته الثلاث الفلسطيني والسوري واللبناني. وقدم نفسه للعرب والعالم كمهندس بارع قادر على إصلاح الخراب الذي أصاب القطار خلال 3 سنوات من حكم ليكود بزعامة نتنياهو. واوحي للجميع بانه مصمم على قيادة القطار السلام على ذات الطريق التي قاده عليها “مكتشفه” وملهمه رئيس الوزراء الاسبق اسحق رابين. ولديه ارادة الوصول إلى المحطة النهائية باسرع وقت ممكن. وحدد فترة زمنية لصنع سلام كامل شامل مع السوريين واللبنانيين والفلسطينيين بفترة اقصاها 15 شهرا فقط. ولم تهدأ حركته الدبلوماسية في الحقلين العربي والدولي. ونجح بسرعة في شد اهتمام الدول الكبرى نحو ازمة المنطقة وأشغلها من جديد بحل قضاياها المعقدة ومشاكلها الكثيرة، ومنح رسلها ومبعوثيها فرصة تجديد جولاتهم الخاطفة والمكوكية بين عواصمها، واقتنع كثيرون بصدق نواياه وابدوا استعدادا للتعاون معه.
الى ذلك، استبشر انصار السلام في الجانب الفلسطيني العربي خيرا بتصريحاته الايجابية وانتعش أملهم بقرب التوصل حل عادل ودائم وشامل لنزاعهم المزمن مع اسرائيل. واعتبروا تولي حزب العمل السلطة في اسرائيل يوفر لعملية السلام جرعة انعاش قوية تكفي لانقاذها من حالة الموت السريري الذي دخلته بعد فوز حزب ليكود بالسلطة عام 1996. والخروج من الازمتها المميتة التي عانتها على جميع مسارات التفاوض في عهد نتنياهو، والانتقال فورا من غرفة العناية الفائقة الى غرف المفاوضات في واشنطن وتل ابيب والقاهرة وغزة. وتأمل آخرون ان يحفظ باراك للفلسطينيين في اسرائيل منحه 96% من اصواتهم الانتخابية. وان لا ينسى تأجيل القيادة الفلسطينية اعلان قيام الدولة في دورة المجلس المركزي التي عقدت في غزة في 27ـ 29 نيسان 1999، بناء على تمنياته واستنادا لوعوده. وساهم موقفها باضعاف نتنياهو في الانتخابات وعطل توظيف الاعلان لصالحه.
وظن المتفائلون في النظام السياسي العربي الرسمي ان اتفاقات السلام مع السوريين واللبنانيين والفلسطينيين باتت قاب قوسين او ادنى. خاصة وان باراك التزم أمام ناخبيه بموقفين سياسيين كبيرين؛ الاول العمل على التوصل لاتفاق مع القيادة الفلسطينية بشأن قضايا الحل النهائي ـ القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود..الخ واجراء استفتاء شعبي حول هذا الاتفاق. والثاني، سحب قوات الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان وفك ارتباطه بقوات “جيش لبنان الجنوبي” بقيادة الجنرال العميل “انطوان لحد” خلال فترة اقصاها عام واحد.
وتصور المعنيون بصنع السلام في الشرق الاوسط من خارج المنطقة ان هزيمة نتنياهو انقذ العرب والاسرائيليين من مآسي جديدة، وجنبهم دخول دوامة جديدة من الحرب والعنف والدمار. وضمنوا عدم تعرض مصالحهم لاخطار جدية، وخلق ظروفا محلية واقليمية ودولية مواتية لتحقيق تقدم جوهري في المفاوضات على مساراتها الثلاث. وزاد في قدرة الراعي الامريكي ومصر والاردن ودول المجموعة الاوروبية على التاثير في رسم وجهة المفاوضات اللاحقة، ومهد طريق قيامها بدور افعل في معالجة أزمة عملية السلام بقدر اقل بكثير من الاحراج السياسي الذي واجهه الجميع في عهد حكومة نتياهو اليمينية. خاصة وان باراك امتدح مواقف عدد من الزعماء العرب، وابدى استعدادا عاليا للتكيف مع السياسة الامريكية والانسجام مع الوضع الدولي والتعامل بواقعية أكبر مع مقتضيات صنع السلام الدائم. واطمئن الجميع الى ان الظروف باتت مهيئة لخلق حقائق جديدة في المنطقة، قادرة بديناميكيتها وميكانزمها الذاتي تعميق الواقعية في الفكر السياسي الاسرائيلي اكثر فاكثر. وبامكانها مع الزمن دفع القناعات الايديولوجية التوسعية والمعتقدات الغيبية المثالية الى الوراء، تاركة لمن يشاء من اهل المنطقة حق الاحتفاظ بها في اعماق الضمير. وتكرّس هذا الاعتقاد وذاك التفاؤل الفلسطيني العربي والدولي اثر مبادر باراك بزيارة القاهرة وعمان باراك فور فوزه في الانتخابات، وأكد هناك في تصريحات علنية عزمه استئناف المفاوضات على كل المسارات خلال وقت قصير. ولم يتأخر العرب في الرد التحية باحسن منها، ومنحوه في سياق التفاؤل والتشجيع “وسام فخريا”، ونعتوه بصانع السلام، ونال من القيادة الفلسطينية لقب “الصديق الشريك” قبل ان يروا خيره من شره.
وقبل توجهه باراك الى واشنطن مطلع تموز1999، اعلن اركانه ومساعدوه انه يتوجه للقاء الرئيس كلينتون حاملا في جعبته اقتراحا باستئناف المفاوضات دفعة واحدة على أربع مسارات متوازية: الاول، مع اللبنانيين، وحدد هدفه بوضع ترتيبات امنية تمكن الجيش الاسرائيلي الانسحاب من جنوب لبنان خلال عام وفك ارتباطه بـ”جيش جنوب لبنان” فور تأمين حل انساني لافراد هذا الجيش، وتوفر اجراءات تضمن امن وسلامة قرى ومدن الجليل. والثاني، يركز على مفاوضات مع السوريين حول الانسحاب من الجولان من حيث توقفت واعترف بوجود شيئ اسمه “وديعة رابين” وشدد على انها كانت افتراضية. والثالث، يهتم بتنفيذ قضايا المرحلة الانتقالية وبقايا اتفاق “واي ريفر” مع الفلسطينيين التي لم تنفذ في عهد نتنياهو. وخصص الرابع لبحث قضايا الحل النهائي مع الفلسطينيين مباشرة واقترح احياء وتفعيل مؤتمر متعدد الاطراف ايضا.
ووصل باراك الى اشنطن وعبارات المديح والثناء العربية ساخنة تملأ الاجواء الامريكية والدولية، وحصل من الإدارة الأمريكية بزيارة واحدة على ما لم يحصل عليه رئيس وزراء إسرائيلي آخر. واكد البيان المشترك الذي صدر عقب لقاءاته الطويلة بالرئيس كلينتون على ان المصالح الاسرائيلية الأمريكية المشتركة هي حجر الأساس في إعادة ترتيب أوضاع الشرق الاوسط. وأصبحت إسرائيل شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية من نوع جديد يساهم باتفاق رسمي في تنفيذ المهام التي تخدم مصالح الطرفين وتحديد التوجهات السياسية والعسكرية والاقتصادية المشتركة في كل أرجاء المنطقة. وصمم لهذه الشراكة الاستراتيجية “قيادة عليا” من الرئيسين تجتمع دوريا مرة كل أربع شهور. وتبنت إدارة كلينتون خلط باراك أوراق الملف الفلسطيني بالسوري اللبناني، واستجابت لرغبته مزج قضايا المرحلة الانتقالية مع الفلسطينيين بقضايا الحل النهائي. وتخلت عن موقفها النقدي للتوسع في الاستيطان وتراجعت عن اعتبارها ما أستحدث بعد اتفاق “واي ريفر” غير شرعي يجب إزالته. وصمتت على اعلان عزمه بناء آلاف الوحدات الاستيطانية. وتراجعت ادرة كلينتون عن لعب دور مباشر داخل غرف المفاوضات مع الفلسطينيين، وقبلت بسهولة تقليص دورها من الشريك الفعال الى دور المراقب، وعمل الممكن من خلال “القيادة العليا المشتركة”.
وانسجاما مع قناعاته الاصلية المعارضة لاتفاق اوسلو، وبخاصة تسليم الفلسطينيين مساحات واسعة من الارض قبل حل قضيتي القدس واللاجئين، طلب باراك من الرئيس كلينتون منحه بعض الوقت قبل الشروع في تنفيذ اتفاق واي ريفر. وتمنى عليه تأجيل زيارة وزيرة الخارجية الامريكية “مادلين اولبرايت” للمنطقة وتأخير ارسال مبعوثيه “دينس روس ومارتن انديك”. وكان يخطط للاستفراد بالقيادة الفلسطينية وانتزاع موافقتها على دمج المرحلة الثالثة من اتفاق واي ريفر بمفاوضات الحل النهائي والشروع بها فورا. ووضع جدول زمني مديد لتنفيذ بقية استحقاقات المرحلة الانتقالية، وبخاصة الانسحاب الثاني واطلاق سراح الاسرى والمعتقلين الامنيين وفتح الممرين الآمنين الجنوبي والشمالي بين الضفة والقطاع وبناء الميناء وفتح شارع الشهداء في الخليل..الخ. وبعد عودة باراك من واشنطن استأنفت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، وحاول باراك من البداية القفز عن استحقاقات المرحلة الانتقالية التي لم ينفذها سلفه نتنياهو. واقترح الدخول مباشرة في مفاوضات مكثفة متواصلة بهدف الوصول الى “اتفاق اطار” لحل قضايا الحل النهائي بسرعة، وغلف موقفه بحديث عن قرارات صعبة سيتخذها من اجل السلامن وابدى جاهزية عالية لتقديم تنازلات مؤلمة..؟
في حينه، استغربت القيادة الفلسطينية استبعاد باراك كلا من شمعون بيريز ويوسي بيلين وحاييم رامون عن المشاركة المباشرة في المفاوضات والاتصالات السياسية، واستبدالهم بطاقم جديد معظمهم من اركان مكتبه وممن يكنون لشخصه الولاء. وتسائل كثيرون حول جدية حديث باراك عن سرعة التوصل الى حل نهائي في ضوء تشكيله حكومة تضم ممثلين عن احزاب يمينية تدعو الى التوسع في مصادرة الاراضي وتدعم الاستيطان وتعارض الانسحاب من “يهودا والسامرا” وترفض بالمطلق اي بحث يمس وضع مدينة القدس باعتبارها عاصمة اسرائيل الابدية. واستذكر بعض الفلسطينيين لاءات باراك الخمس التي طرحها في الانتخابات وتحفظه على اتفاق اوسلو عندما كان رئيسا للاركان. ورفض ابوعمار دعوته الى حول دمج المفاوضات الانتقالية بالنهائية وتضييع الفواصل بين المراحل. واصر على ضرورة الاتفاق اولا على تنفيذ المرحلة الثالثة من الانسحاب كما ورد في اتفاق اوسلو قبل بحث قضايا الحل النهائي. واشار الى انها تتضمن حسب المفهوم الفلسطيني انسحابا اسرائيليا من كل اراضي الضفة وقطاع غزة باستثناء الاراضي ذات الصلة بقضايا الحل النهائي، اي القدس واللاجئين والحدود. واصر على تنفيذ اتفاق “وواي” فورا واعتبر تنفيذه اختبارا عمليا لجدية باراك.
وكان ابو عمار مقتنعا بان مفاوضات الحل النهائي لن تكون بالسهولة التي يتصورها باراك، وراى في تنفيذ القضايا الانتقالية ما يحقق مكاسب فلسطينية هامة تساعد في تصليب الاوضاع على الأرض وفي المفاوضات. فالانسحاب من نسبة10% اضافية من الأرض ونقل 14% اخرى من B الى A يعني تحرير كامل لأجزاء اضافية من الارض ترتفع نسبتها الاجمالية الى 44%، وتحرير نصف مليون تقريبا من السكان يرفع النسبة الاجمالية الى ما يزيد على 95%. ناهيك عن القيمة المعنوية الكبيرة لتحرير قرابة600 معتقلا من السجون الاسرائيلية. واستكمال بناء ميناء غزة وتشغيل مطار دون منغصات وفتح الممرين الامنين بين الضفة والقطاع، يمكن الفلسطينيين قطف بعض ثمار السلام التي حرموا منها. ويفقد الجانب الاسرائيلي عددا من اوراق الابتزاز والضغط الامني والاقتصادي التي يستخدمها ضد السلطة والشعب ويخلص الناس من عذابات التنقل والاعتقال على المعابر والطرقات.
الى ذلك، اعتقد براك ان حديثه العلني وبصوت مرتفع عن قرب استئناف المفاوضات على المسارين السوري واللبناني واجراؤه اتصالات تمهيدية سرية وعلنية مع القيادة السورية يخفف رد فعل الادارة الامريكية ومصر والاردن على تهربه من تنفيذ بقية استحقاقات المرحلة الانتقالية على المسار الفلسطيني. ويعوض ادارة كلينتون عن تقليصه دورها في المفاوضات وتأخير زيارة اولبرايت وتجميده دور “روس وانديك” وال C I A في مراقبة تنفيذ الاتفاقات وتسوية الخلافات. ويخلق مزيدا من التنافس بين المسارين السوري والفلسطيني. ويبتز الفلسطينيين، ويفرض عليهم مساومة جديدة يعطل بها امكانية ان يعززوا اوضاعهم على الارض وتحسين موقفهم في مفاوضات الحل النهائي. وتجنبا لسوء تفاهم امريكي محتمل ارسل باراك الوزير “يوسي بيلن” الى واشنطن باعتباره أكثر الاسرائيليين حماسا لاستمرار التركيز على المسار الفلسطيني، وكلفه بمهمة اقناع اركان الادارة الامريكية بقيمة توجهات باراك وبأهمية تبنيها امريكيا. وطلب “بيلين” من الادارة الامريكية ممارسة ضغط على القيادة الفلسطينية لقبول افكار باراك والدخول فورا في مفاوضات الحل النهائي، “باعتبارها لصالحهم”..! وتختزل زمن الوصول معهم الى سلام شامل. وسعيا لكسب ود باراك عزف “بيلين” الحان متطرفة دغدغ بها رغبات رئيسه وهدد الفلسطينيين وحذرهم من “ارتكاب خطأ قاتل باضاعة الوقت في الركض وراء مسائل تفصيلية صغيرة وردت في اتفاق واي ريفر”..
ويسجل لادارة الرئيس كلينتون انها في الوقت الذي منحت باراك بعض الوقت ليجرب أفكاره، وأجلت زيارة اولبرايت للمنطقة حتى مطلع ايلول، لم تتبنى تنظيرات الوزير يوسي بيلن الانتهازية البائسة والمتعاكسة مع اطروحته السابقة حول اهمية تنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية. وتمسكت بموقفها الداعي الى التزام الطرفين باتفاق واي ريفر، وربطت جهودها لاستئناف المفاوضات السورية اللبنانية ـ الاسرائيلية بتوصل حكومة باراك الى اتفاق ما مع السلطة الفلسطينية على جدول زمني محدد لتنفيذ بقايا “واي ريفر”. وطلبت من القيادة الفلسطينية مواصلة القاءات مع الاسرائيليين ولم تمارس ضغطا قوي عليهم، وتركت لهم حرية القرار بشان دمج بعض بنود واي ريفر بقضايا الحل النهائي. ووجهت دعوة رسمية لوفد من السلطة لسماع وجهة نظرها مساواة بزيارة يوسي بيلين. ولم يستطع باراك كتم انزعاجه من الموقف الامريكي وبخاصة دعوتها ابومازن لزيارة واشنطون وكلف باراك وزير خارجيته “دافيد ليفي” بشن هجوم على الزيارة، وذكّر الفلسطينيين بان الثنائية الاسرائيلية الفلسطينية انتجت اتفاق اوسلو وتبقى أقصر الطرق لمعالجة الخلافات والتفاهم حول تنفيذ الاتفاقات.
الى ذلك، فهم باراك مغزى تحفظ الادرة الامريكية على اطروحاته واعلانها دون تنسيق ان الوزيرة اولبرايت تنوي زيارة المنطقة خلال وقت قريب. وشعر بتحفظ القيادة المصرية على مواقفه وبدأ فتور في علاقته بالرئيس مبارك. ولم تخفي القيادة المصرية انزعاجها من افكار باراك بشأن التسوية مع الفلسطينيين وتهربه من تنفيذ ما التزم به امامها، وشكك الوزير عمر موسى علنا بمصداقية باراك. وعلى ابواب زيارة وزيرة الخارجية الامريكية “اولبرايت” للمنطقة، شرع باراك بالتراجع عن بعض مواقفه، وحرك وسطاء لجمعه بياسرعرفات سرا او علنا. واوعز لمفاوضه الرئيسي المحامي “جلعاد شير” تسريع المفاوضات مع نظيره الفلسطيني صائب عريقات. وتحرك المحامي “شير” بجدية نحو التوصل الى اتفاق ما حول تنفيذ اتفاق واي ريفر، وقفز عن المطالبة بدمج قضايا من الانتقالية بالنهائية. وتجاوب مع اصرار رئيس السلطة الفلسطينية على ربط بدء مفاوضات الحل النهائي بالاتفاق اولا على جدول زمني لتنفيذ “واي ريفر” وبخاصة المتعلقة بالانسحابات واطلاق سراح المعتقلين.
مطلع ايلول 1999 اقتراب الطرفان من التوصل الى اتفاق “بروتوكول تنفيذ بروتوكول واي ريفر” ووصلت “اولبرايت” الى المنطقة واعلنت انها ستزور دمشق للقاء بالرئيس حافظ الاسد لبحث مسألة استئناف المفاوضات على المسارين السوري واللبناني. وانها تأمل بمساعدة الفلسطينيين والاسرائيليين في وضع اللمسات الاخيرة على نصوص الاتفاق الجديد. وتدشين مرة أخرى، مفاوضات الحل النهائي على المسار الفلسطيني التي دشنت اول مرة في عهد بيريز قبل انتخابات الكنيست وتم عقد جولة مفاوضات يتيمة في 4 أيار1996.