قصة فشل بارك حلقة 2 ـ تخبط في ادارة المفاوضات

بقلم ممدوح نوفل في 30/01/2001

بعد مفاوضات شاقة تخللها تازم في العلاقات وقع باراك وابو عمار يوم 4/9/1999 مذكرة تنفيذ اتفاق “واي ريفر”، شهد عليها كل من الرئيس مبارك ووزيرة الخارجية الامريكية “اولبرايت” وملك الاردن عبد الله الثاني. واشادت الوزيرة اولبرايت بحكمة باراك وحرصه على صنع سلام ثابت في المنطقة. ودعت الدول العربية الى التفاعل مع الخطوة الاسرائيلية “العظيمة” وملاقاتها بخطوة تطبيع “حرزانة”. واستجابت حكومات عربية كثيرة لدعوة الوزيرة وتعاملت مع مطلبها بسرعة مذهلة بما فيها التحضير لاستئناف العلاقات الثنائية قبل ظهور حقيقة مواقف باراك من المطالب السورية المحقة والمشروعة. وبالغ بعض العرب في تجميل مضمون “بروتوكول تنفيذ اتفاق واي ريفر”، واشادوا “بتكرّم” رئيس الوزراء الاسرائيلي “باراك” بتوقيعه، مع ان تجربة الاتفاقات من “اوسلو” وحتى “واي ريفر” اكدت ان لا تواريخ مقدسة مع الفلسطينيين في نظر حكومات اسرائيل يسارية او يمينية.
ومع بدء مفاوضات الحل النهائي انتقلت المفاوضات الفلسطينيية الاسرائيلية الى مرحلة جديدة، سارت بالتوازي مع مفاوضات تنفيذ اتفاق “واي ريفر”. وكالعادة اثار الاتفاق الجديد أسئلة كثيرة متنوعة وخلق ردود فعل وآراء متناقضة. بعض أهل المنطقة رحبوا به واعتبروه مكسبا للشعبين ولصنع السلام في المنطقة، وآخرون من الفلسطينيين رأوا فيه تنازالات خطيرة قدمت على حساب مصالحهم ومعتقداتهم التاريخية. ودبت فيهم الحمية وناصبو الاتفاق الجديد العداء واخرجوا ادوات الهدم من مخابأها وشرعوا في العمل على تخريب طريقه وتعطيل تنفيذه. وظهر من شكك بالتزام باراك تنفيذ اتفاق شرم الشيخ، وذكّروا بان التجربة بينت انتهاء معركة صياغة الاتفاقات الاسرائيلية الفلسطينية تليها مباشرة معركة تثبيتها وتنفيذها ودائما كانت الثانية أصعب وأقسى على الفلسطينيين. ولم يكن بامكان اكثر الفلسطينيون واقعية وأشدهم حماسة لعملية السلام إنكار ان “اتفاق شرم الشيخ”، اول اتفاق وقع في عهد باراك، لم يتضمن جميع الحقوق التي نص عليها اتفاق واي ريفر. وان موازين القوى والظروف الاقليمية والدولية مكنت باراك تكريس مفهوم اسلافه “رابين وبيريز ونتنياهو” وعدم احترام الاتفاقات مع الفلسطينيين. وخضعت القيادة الفلسطينية لابتزاز امريكي اسرائيلي ووافقت على اعادة فتح اتفاق “واي ريفر” وعدّلت بعض بنوده، واجلت مكرهة اعلان قيام الدولة وبسط سيادتها على الارض عاما كاملا. وفرض باراك برعاية اولبرايت شروطه المتعلقة باطلاق سراح المعتقلين ولم تختلف مفاهيمه وتصنيفاته لهم عن سلفه نتنياهو. وعدّل خارطة المناطق التي سيتم الانسحاب منها وغير في جدوله الزمني. ودمج المرحة الانتقالية بالنهائية وألزم الجانب الفلسطيني الدخول في مفاوضات حول “اتفاق اطاراعلان مبادئ الحل النهائي” قبل التزام اسرائيل وقف الاستيطان وقفا نهائيا وتفكيك البؤر التي اقيمت في اواخر عهد نتنياهو بناء على دعوة شارون المستوطنين لاحتلال قمم تلال الضفة الغربية.
وبعد اطلاعه على ملف المفاوضات السورية الاسرائيلية في عهد من سبقوه، ظن باراك ان الاتفاق مع سوريا في متناول اليد. وقرر التباطؤ في تنفيذ ما اتفق عليه مع الفلسطينيين، وركز جهوده باتجاه تفعيل المسار السوري بأمل حل معضلة تواجد الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان وتحقيق اختراق كبير في مجال تطبيع العلاقات العربية الاسرائيلية عبر طريق سريع يشقه بين حيفا ودمشق. وتصور باراك ان البناء على ما تم في الاتصالات التمهيدية السورية الاسرائيلية والانطلاق من النقطة التي توقفت عندها المفاوضات في عهد رابين، والتي يعرفها جيدا بحكم مشاركته الشخصية فيها، يمكّنه تحقيق هذا الهدف خلال اقل من 6 شهور. وشرع يحضرالاجواء الشعبية وفي الكنيست لهذه الفكرة وأكثر في الحديث حول قرب تنفيذ الالتزام الذي قطعه على نفسه خلال حملته الانتخابية بسحب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان واجراء استفتاء حول الاتفاق الموعود مع السوريين.
كان باراك واثقا من تأمين الاغلبية المطلوبة في الحكومة والحصول على دعم أغلبية شعبية للاتفاق حول الانسحاب من الجولان، خاصة اذا قدمه مقرونا باتفاق حول خروج الجيش الاسرائيلي من المستنقع اللبناني. واوعز لقيادة الجيش الاسرائيلي تنفيذ الانسحاب من منطقة جزين كخطوة اولى وسحب وحدات جيش لبنان الجنوبي بقيادة الجنرال العميل “انطوان لحد” معها. واعتبرها احياء لفكرة “جزين أولا” التي ابتكرها خلال ترؤسه هيئة اركان الجيش. واراد لهذه الخطوة ان تكون بمثابة اشارة سلام ملموسة لسوريا ولبنان وحزب الله يؤكد فيها اولوية المسارين السوري واللبناني على المسار الفلسطيني. ورسم نموذج للوضع المستقبلي في جنوب لبنان كما يتصوره بعد استكمال الانسحاب. ودق اسفين بين حزب الله والحكومة اللبنانية والسوريينز واختبار لسلوك هذا الحزب ومدى قدرة الحكومة اللبنانية السيطرة على المناطق التي يتم الانسحاب منها، ومدى نجاحها بتحمل مسئولية حفظ الامن العام ومنع المقاومة الوطنية اللبنانية من استخدامها قواعد انطلاق عملياتهم القتالية ضد اسرائيل.
الى ذلك، خلق انسحاب القوات الاسرائيلية من جزين وحديث باراك حول منح اولوية للاتفاق مع السوريين تنافسا قويا بين المسارين السوري والفلسطيني ظل مستورا الى حد ما. وخشيت القيادة الفلسطينية ان يعزز هذا الاتفاق مواقف باراك في المفاوضات معها، ويأكل من زمن التوصل الى اتفاق حول قضايا الحل النهائي الشائكة والمعقدة. وظلت مخاوفها قائمة بالرغم من تأكيد الرئيس كلينتون لرئيس منظمة التحرير على ان استئناف المفاوضات السورية الاسرائيلية لن يتم على حساب المفاوضات الفلسطينية الاسرائلية. وكانت القيادة الفلسطينية مقتنعة تماما ان مفاهيم باراك الامنية تعيق تقديمه تنازلات جوهرية على الجبهات الثلاث، السورية واللبنانية والفلسطينية في وقت واحد. وهي تفوق قدرة المجتمع الاسرائيلي المنقسم على تحمل هكذا صدمات قوية دفعة واحدة. ورأت في شبه الاجماع الاسرائيلي على الانسحاب من جنوب لبنان ما يشجع باراك على الاندفاع نحو التوصل الى اتفاق حول الجولان وآخر حول جنوب لبنان واهمال المسار الفلسطيني فترة طويلة.
يوم 15 كانون الاول1999إستؤنفت المفاوضات السورية الاسرائيلية في واشنطن بعد جدول طويل حول تعريف “وديعة رابين” التي تعهد فيها ـ كفرضية ـ بالانسحاب حتى حدود 4 حزيران 1967، وتحديد النقطة التي توقفت عندها المحادثات السورية الاسرائيلية السابقة. وعقدت الجولة الاولى على مستوى عال بين رئيس الوزراء الاسرائيلي “باراك” ووزير الخارجية السوري “فاروق الشرع”، شاركت فيها وزيرة الخارجية الامريكية اولبرايت. وفي ختام الجولة اعلن الطرفان انهما سيعودان للقاء ثانية مطلع العام الجديد، وتحدثت اوساط اسرائيلية عن احتمال انتقالها الى المنطقة. ومع استئناف المفاوضات السورية الاسرائيلية طنش باراك حول تنفيذ اتفاق الشرم، وتازمت العلاقة الفلسطينية الاسرائيلية. وارتفعت حدة التنافس بين المسارين الفلسطيني والسوري وتحركت نزاعات عربية داخلية ظلت خامدة طيلة فترة حكم الليكود. خاصة وان القيادة السورية حبذت ادارة معركتها التفاوضية بمعزل عن التنسيق مع مصر ومنظمة التحرير، وبادرت الى تنسيق محدود مع الاردن في القضايا المشتركة وبما يخدم تطوير العلاقة الثنائية بين البلدين.
الى ذلك، احيا بعض الفلسطينيين الحديث عن الاراضي الفلسطينية “اصبع الحمة ومثلثات كعوش” التي ظلت تحت السيادة السورية بعد هزيمة الجيوش العربية ونكبة الفلسطينيين في العام 1948. وطالبوا القيادة السورية بالالتزام سلفا باعادة هذه الاراضي لاصحابها فور انسحاب اسرائيل من الجولان. وذكّر بعضهم بموقف الرئيس السوري الاسبق “امين الحافظ” في اوائل الستينات حين عرض على الفلسطينيين استلام تلك المنطقة واقامة نواة دولة فلسطينية عليها. وفضل آخرون عدم التسرع وتأجيل اثارة الموضوع بصورة علنية، والتحرك بروية وهدوء وتهيئة الاوضاع العربية لبحثه في جامعة الدول العربية، واقناع القيادة السورية اعادة هذه الاراضي لاصحابها بعد تحريرها باعتبارها جزءا من اراضي آبائهم واجدادهم وكثير منهم يحتفظون باوراق ثبت ملكيتها، وتمكين آلاف اللاجئين تحقيق حلم العودة.
وبعد الجولة الثانية من المفاوضات السورية الاسرائيلية التي تمت في “شبردزتاون” بولاية فرجينيا واستمرت من 3/1/ ـ10/1/2000، بمشاركة امريكية كاملة، زاد الشك الفلسطيني بنوايا باراك ونوايا الادارة الامريكية. وتأزمت العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية أكثر فاكثر، وبخاصة بعد تصريح صدر عن الرئيس كلينتون بعد انتهاء الجولة قال فيه : “ان الطرفين السوري والاسرائيلي تعهدا بتسوية خلافاتهما في غضون الشهرين المقبلين، وانه يشعر بتفاؤل ومفعم بالأمل بامكانية احراز نجاح جوهري”. وزاد قلق القيادة الفلسطينية بعد تسريب احد اعضاء الوفد الاسرائيلي للصحافة الاسرائيلية “مسودة معاهدة السلام” مع سوريا التي تقدم بها الرئيس كلينتون في الجولة الثانية من المفاوضات، جمع فيها تفاصيل ما تم الاتفاق عليه وعناوين القضايا التي ظلت موضع خلاف بين الطرفين. واظهرت ورقة كلينتون غياب اي اشارة سورية لموضوع القدس واللاجئين، وبحثوا تفصيليا قضايا الامن ومحطات الانذار المبكر وتبادل العلاقات الدبلوماسية والتجارية، وقبلوا بفتح الحدود وبناء اشكال من التعاون الاقتصادي والسياحي قبل حسم مسألة انسحاب اسرائيل الى حدود4 حزيران1967.
الى ذلك، أكدت مصادر دبلوماسية غربية وعربية مطلعة لاركان القيادة الفلسطينية ان المفاوضات السورية الاسرائيلية جدية جدا وفاقت التقديرات. وان الطرفين تجاوزا في جولتين مرحلة جس النبض وحققا تقدما ملموسا في معالجة المسائل الاجرائية وجوانب عديدة من قضايا جوهرية هامة. وان ما حققاه يؤسس لتقدم سريع هام وشامل، وبخاصة على صعيد تطبيع العلاقات الثنائية وفي مجال الترتيبات الامنية المشتركة. وقدّرت تلك المصادر الدبوماسية تحقيق اختراق مهم في جولة المفاوضات الثالثة او في الجولة التي ستليها على أبعد تقدير. يعقبه تطور نوعي في العلاقات السورية الاسرائيلية على كافة الصعد، تشعل بعده دمشق ضوء اخضر امام اللبنانيين لاستئناف مفاوضاتهم مع الاسرائيليين برعاية امريكية، ولن تستغرق وقتا طويلا، ونتائجها مضمونة في حال استكمال السوريون والاسرائيليون اتفاقهما.
فشل باراك في صنع السلام بدأ من شاطئ طبريا
الى ذلك، ظل بارومتر التفاؤل والتشاؤم العربي بمواقف باراك يتأرجح صعودا ونزولا، وبينت الوقائع ان اغلبية اطراف النظام الرسمي العربي عولوا كثيرا على تصريحاته الايجابية التي اطلقها لأغراض تكتيكية متنوعة. وعملوا برد الفعل وتفائلوا اكثر من اللازم، وافتقدوا المقياس الموحد لتقييم مفاهيم وتوجهات حزب العمل نحو السلام في عهد باراك. ولم يقدروا بصورة علمية دور العوامل الخارجية في عهد حزب العمل في حل نزاعهم مع اسرائيل وأخطأوا في تقدير موقف الادارة الامريكية واوروبا في عهد هذا الحزب. ولم يفهموا مكونات شخصية الجنرال العنيد المعتد بعبقريته وتأثيرها على مواقفه في المفاوضات.
ولم يتوقف تذبذب الموقف العربي الا بعد دخول المفاوضات السورية الاسرائلية الاسرائيلية في ازمة كبيرة. حيث اعلنت القيادة السورية بعد تسريب “مسودة معاهدة السلام” تأجيل سفر وفدها الى واشنطن للمشاركة في الجولة الثالثة من المفاوضات المقررة في19كانون الثاني2000. واشترطت ان تستأنف على ذات المستوى العالي الذي بدأت به، اي استمرار باراك في ترأس الوفد الاسرائيلي يقابله فاروق الشرع رئيسا للوفد السوري. وان تلتزم الحكومة الاسرائيلية مسبقا بالانسحاب من جميع الاراضي السورية المحتلة حتى حدود الرابع من حزيران 1967وضمنها المساحة الضيقة من شواطئ بحيرة طبريا الشمالية الشرقية. ورد باراك على الاعلان السوري قائلا؛ “سندرس الموقف عندما تغير سوريا موقفها، واسرائيل لا تخضع للابتزاز والسلام حاجة سورية اسرائيلية مشتركة ولن نرضخ للشروط المسبقة”. وجدد مطالبته بعقد قمة اسرائيلية سورية لمعالجة الخلافات. ورفضت سوريا عقد القمة قبل التوصل الى صيغة اتفاق نهائي متكامل. وغمزت وسائل الاعلام السورية من اسلوب القيادة الفلسطينية في المفاوضات وهاجمت سياسة المصافحات وتبادل الابتسامات امام كميرات مراسلي الصحف ومحطات التلفاز ووكالات الانباء.
ومنذ ذلك التاريخ تجمدت المفاوضات السورية الاسرائيلية. وحاول الرئيس كلينتون كسر الجمود وتبديد شكوك سوريا بالنوايا الاسرائيلية الامريكية. وبادر في آذار من العام 2000 الى عقد لقاء في جنيف بالرئيس المرحوم حافظ الاسد. وفي اللقاء حاول كلينتون تليين الموقف السوري تمهيدا لاستئناف المفاوضات. وبدلا من فكفكة عقدة العلاقات السورية الاسرائيلية تعقدت العلاقات السورية الامريكية، حيث تبنى الرئيس الامريكي، بناء على نصائح دينس روس وبقية مساعديه، موقف اسرائيل بشأن تفسير قراري الامم المتحدة رقم242و 338. ورفض كلينتون ممارسة ضغط على باراك والزامه بالانسحاب من جميع الاراضي السورية التي احتلت في العام 1967. وفشلت القمة بالاساس بسبب تعريف حدود الطرفين على شواطئ بحيرة طبريا الشمالية الشرقية. ولم يستوعب باراك وكلينتون مغزى قول الرئيس الاسد في جنيف: قبل حرب حزيران 1967 كان المدنيون والعسكريون السوريون يسبحون في مياة بحرية طبريا ويشربون منها، وكان ضباط الجيش العربي السوري يصطادون سمكها وكنت واحدا منهم. ولم يتردد الرئيس كلينتون لاحقا في تحميل سوريا مسؤلية فشل مفاوضات جنيف وتجمد الحركة على المسار السوري وقال؛ “الكرة الآن في الملعب السوري”.
وبعد فشل قمة الاسد ـ كلينتون حاول باراك تأجيج التنافس بين المسارين الفلسطيني والسوري، وتعمد تنشيط المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي استؤنفت قبل وبعد فشل القمة وتابع الطرفان مفاوضاتهما في ضواحي تل ابيب ورام الله وشرم الشيخ. وجدد باراك التزامه أمام الرئيس مبارك و”دينس روس” المنسق الامريكي لعملية السلام تنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية التي اصر ابوعمار على تنفيذها قبل بدء مفاوضات الحل النهائي. ونقل الطرفان مفاوضاتهما الى واشنطن وعقدا في قاعدة “بولينغ” الجوية قرب واشنطن جولة مفاوضات مكثفة بدأت يوم 22 آذار2000 استمرت ثلاثة اسابيع من “العصف الفكري” وفشلا في تحقيق تقدم يذكر في تنفيذ قضايا المرحلة الانتقالية ولا في حلحلة اي قضية من قضايا الحل النهائي. وشكلت جولة “بولينغ” قناعة لدى اركان الادارة الامريكية باستحالة التوصل الى “اتفاق الاطار” لحل قضايا الحل النهائي قبل منتصف ايار. وبدلا من الضغط على باراك لتنفيذ التزاماته باوقاتها فضلوا الهرب من استحقاقي ايار وحزيران المتعلقين بالاتفاق حول قضايا الحل النهائي وتنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية وحبذوا اعادة المفاوضات الى المنطقة.
ومع اقتراب قطوع استحقاق اعلان الدولة في أيار تأزمت العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية واطلق باراك سلسلة تصريحات عنجهية هدد فيها بضم الاراضي الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية الكاملة. وفي نيسان وجه كلينتون دعوة الى ابوعمار لزيارة واشنطون بأمل الحصول على وعد بتأجيل استحقاق ايار والاستمرار في اللقاءات مع الاسرائيليين. ووافق ابو عمار على التاجيل فترة اسبوعين والتقى باراك يوم 8 أيار2000 في رام الله. وكان اللقاء ساخنا وتأكد الجميع ان أزمة المفاوضات والعلاقات الاسرائيلية الفلسطينية ليست شكلية كما تصورها البعض، وأعقد من ازمة المفاوضات السورية واللبنانية، وتحمل في طياتها ابعادا أكثر خطورة على مجريات عملية السلام ومستقبلها، والفرق بين استمرارها مع الفلسطينيين وتعليقها مع السورين شكلي لا يطال الجوهر.
وبعد تعثر المفاوضات على المسارين السوري والفلسطيني اصبح باراك في مأزق صعب لا يحسد عليه، وكان مأزقه بشان الانسحاب من لبنان اكثر حدة وضغطه اكبر. خصوصا وان باراك بشر شعب اسرائيل و”الامهات في السواد” بالانسحاب من جنوب لبنان في الموعد الذي حدده. وشعر انه تسرع وورط نفسه مرتين؛ الاولى، عندما افرط بالتفاؤل بشأن الانسحاب من جنوب لبنان باتفاق مع السوريين، والثانية عندما تفرغ للمفاوضات مع السوريين وقادها بنفسه وعطل جميع مهامه الأخرى. وبدلا من بذل جهد لفهم العقلية السورية وتقدير مرونة موقفها والتنازلات التي قدمتها، تردد باراك في اتخاذ التوجه المناسب. وقرر تجميد التقدم على المسار الفلسطيني، وغير تكتيكه بشأن الانسحاب من جنوب لبنان وقرر تنفيذه من جانب واحد بدون اتفاق مع اللبنانيين او السوريين. وراح يطلق تهديدات ضد سوريا ولبنان اذا حاولتا عرقلة الانسحاب وسمحتا لحزب الله إلحاق اذى بالجيش الاسرائيلي خلال انسحابه.
وفي سياق البحث عن مخرج نشّط حركته السياسية والدبلوماسية في كل اتجاه بأمل الحصول على دعم دولي واسع لتنفيذ القرار425 من جانب واحد وسحب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان قبل تموز 2000. وطالب فرنسا والدول الاوروبية وروسيا وبعض الدول العربية بالتدخل لدى القيادتين السورية واللبنانية وتأمين ظروف ملائمة لانسحاب القوات الاسرائيلية بهدوء، وحل مشكلة عناصر “جيش لبنان الجنوبي” بقيادة العميل “انطوان لحد”. وطالب باصدار عفو عام عنهم ومنع حزب الله من اطلاق النار على قواته خلال انسحابها.
وطالبت الحكومة الاسرائيلية الامم المتحدة القيام بدور نشط وفعّال في الاشراف على تطبيق القرار425 بما في ذلك ارسال مزيد من القوات لمراقبة الوضع في جنوب لبنان، وتوفير الخبراء لمشاركة الجيش الاسرائيلي في وضع علامات حدود اسرائيل مع لبنان كما كانت عليه قبل حزيران1967. وكالعادة، لقي موقف باراك دعما امريكيا كاملا داخل الامم المتحدة وخارجها، ولم تسأله ادارة كلينتون لماذا لا يلتزم بتطبيق جميع قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع السوري الاسرائيلي والفلسطيني الاسرائيلي والاكتفاء فقط بتنفيذ القرار 425 فقط المتعلق بالانسحاب من جنوب لبنان. وصمتت ايضا على هدره وقتا ثمينا على المسار الفلسطيني ولم تحاول الزامه تنفيذ ما شهدت عليه الوزيرة الولبرايت في شرم الشيخ. ولاحقا اكدت الوقائع ان مسايرة الادارة الامريكية لمواقف باراك على المسار السوري وصمتها على تلاعبه بالاتفاقات مع الفلسطينيين، أضره اكثر مما نفعه، وضرب مصداقيتها عند شعوب المنطقة، واستنزف عملية عملية السلام والحق بها اضرارا فادحة.