حصاد عملية السلام في عشر سنوات 1991ـ 2001
بقلم ممدوح نوفل في 28/10/2001
في 30 تشرين الأول/ أكتوبر2001، أغلقت ملفات مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية التي فتحت قبل عقد من الزمن. في حينه، نجح الرئيس الأمريكي الأسبق “جورج بوش” ووزير خارجيته “جيمس بيكر” في إخراج العرب والإسرائيليين من خنادق القتال التي تمترسوا فيها40 عاما. ونقلاهما بقوة الدبلوماسية إلى العاصمة الإسبانية “مدريد”. وألزماهما الجلوس وجها لولجها خلف طاولة المفاوضات، للبحث في مبادرة أمريكية جديدة، أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية في 6 آذار1991. نصت على؛ صنع السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط، وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي على أساس قرارات الأمم المتحدة 242و338، والأرض مقابل السلام، وضمان الأمن والاعتراف العربي بإسرائيل، وضمان الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني وترك للمفاوضين تحديدها(1).
وعلى امتداد العقد الماضي، عقد المفاوضون العرب والإسرائيليون مئات الجولات من المفاوضات العلنية والسرية. وبذلت جهود إقليمية ودولية مضنية، شارك فيها شخصيات دولية على أعلى المستويات وعدد واسع من رؤساء ووزراء في حكومات الدول المعنية بصنع الأمن والاستقرار في منطقة وعدد من مراكز الأبحاث ومؤسسات الدراسات الإقليمية والدولية أسفرت عن الشرق الأوسط. واعدت دراسات وأبحاث ومشاريع كثيرة، شارك في إعدادها مئات من الباحثة والخبراء نتائج هامة ومذهلة. وأحدث انقلابا شاملا في أوضاع أهل المنطقة وعلاقات بعضهم ببعض وبالآخرين. وإذا كان الثنائي بوش ـ بيكر لم يستطيعا متابعة مبادرتهما، ولم يتمكنا، من قطف ثمارها، فتاريخ النزاع العربي الإسرائيلي سجل لهما دورهما في إيصال المنطقة إلى المرحلة التي تعيشها الآن.
وعملية تاريخية بهذا الحجم من التأثير تستحق، ولا شك، أن يقوم البحاثة والمفكرون العرب ومن ضمنهم الفلسطينيون، أفرادا ومؤسسات، بمراجعة مسيرتها بصورة موضوعية ومعمقة. والتوقف أمام نتائجها وآفاقها المستقبلية، واستخلاص عبرها ودروسها المستفادة. وأظنهم يخطئون إذا تصرفوا تجاه عملية السلام وأسسها وأهدافها كما تتصرف الفراشات اتجاه الشرنقة التي تخرج منها وتنساها ولا تعود إليها.
وعند الشروع في رصد حصاد عملية السلام، عربيا وإسرائيليا، في مدى عشر سنوات، فكرت بأفضل السبل لإعطاء هذا الانقلاب التاريخي الشامل وصنّاعه حقهم. وفي سياق حل هذه العملية الصعبة آثرت تقسيم البحث إلى قسم رئيسيين: الأول، يتناول الآثار السلبية والإيجابية للمشاركة في العملية على أوضاع إسرائيل الداخلية، وأوضاع الأطراف العربية التي شاركت فيها “فلسطين، والأردن، وسوريا ولبنان”. بدءا من مؤتمر للسلام الذي عقد في مدريد أواخر تشرين الأول/ أكتوبر من العام1991، مرورا باتفاق أوسلو على المسار الفلسطيني، واتفاق وادي عربة على المسار الأردني، وحتى انفجار “انتفاضة القدس والاستقلال” أواخر عام 2001. وآثرت اعتماد الانتفاضة الجارية منذ اكثر من عام، بداية للقسم الثاني. باعتبارها، من وجهة نظري، انفجار في عملية السلام ذاتها. ويمكن اعتبارها محطة فاصلة في حياتها، ليس فقط على المسار الفلسطيني وحده، بل وعلى المسارات العربية الأخرى أيضا. خاصة أن إفرازات ونتائج هذا الانفجار الكبير تعدت الأوضاع الداخلية الفلسطينية وأثرت بصيغة وأخرى في أوضاع عدد من الدول العربية وعلاقتها بإسرائيل.
وقبل الغوص في بحث حصاد عملية السلام في عقد من الزمن لا بد تأكيد نقطتين أساسيتين:
1) إن ما يرصد الآن من نتائج واستخلاصات يندرج تحت خانة نتائج وانعكاسات أولية قيد التثبيت النهائي. وهذه النتائج قابلة للاتساع أو الضمور وللزيادة أو النقصان في الشهور والسنوات القادمة. فالمفاوضات على المسارين السوري واللبناني متوقفة، وأظن أنها لن تستأنف في عهد حكومة الليكود بزعامة شارون، ويستحيل توصلها إلى نتائج ملموسة إذا استأنفت في عهده. ويمكن الجزم أيضا، أن طريق المفاوضات على المسار الفلسطيني لا تزال طويلة، وقد تستمر بضع سنوات إضافية، هذا إذا سارت بصوره طبيعية ولم تظهر مفاجآت من نوع فوز الليكود في انتخابات الكنيست في العام 2003. ولم يحاول أي من الأطراف المشاركة فيها، وبخاصة الطرف الإسرائيلي تعطيلها أو تأخير مسيرتها لأسبابه الخاصة. علما بأن الشرق الأوسط مشهور بالمفاجآت، ومعروف بأن أوضاعه متحركة وغير مستقرة وسريعة التقلبات. وإذا كانت مفاوضات الفلسطينيين والإسرائيليين حول قضايا المرحلة الانتقالية استغرقت عشر سنوات، ولم تنفذ القيادة الإسرائيلية جميع استحقاقاتها التي اتفق عليها، يصبح باستطاعة المرء تقدير الفترة الزمنية التي قد تستغرقها مفاوضات الحل النهائي، الأعقد والأصعب، وتقدير الفترة الزمنية اللازمة لتطبيق ما قد يتفق عليه.
2) بينت تجربة السنوات العشرة الماضية، أن مصير ومستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط، ليسا مرهونين بنوايا أطراف النزاع فقط، بل وأيضا بما يقوم به الراعي الأمريكي. وبمدى نجاحه في التوفيق بين مواقف أطراف النزاع المتعارضة والمتناقضة، وبقدرته على إقناعهم، أو إلزامهم، بتصوراته للحل الواقعي الممكن. وهناك أيضا قوى محلية وإقليمية متحفظة، وأخرى متضررة من العملية تعارضها جملة وتفصيلا لا يجوز الاستهانة بقدرتها على التعطيل(2). لاسيما وأن بعضها، وبخاصة الأحزاب اليمينية في إسرائيل، لها وزنها داخل مجتمعاتها، وتصر على مواصلة مقاومة عملية صنع سلام حقيقي وعادل ودائم. وحركتها نشيطة وتبذل قصارى جهدها لتعطيل العملية وتأخيرها وتخريبها إذا أمكن.
ولتسهيل البحث وإعطاء كل مرحلة حقها، اعتمدت تصنيف حصاد عملية السلام إلى نوعين؛ الأول، نتائج وإفرازات عامة شملت جميع الأطراف التي شاركت فيها. والثاني، نتائج خاصة بكل طرف.
نتائج وآثار عامة شملت جميع الأطراف
قبل انعقاد مؤتمر مدريد للسلام أواخر تشرين الأول/ أكتوبر1991، اختلف أطراف النظام الرسمي العربي حول وظيفة المؤتمر وأهدافه، وحول تقدير أبعاد ونتائج المشاركة فيه(3). وذهب معظمهم لأسباب تكتيكية، لا تتعدى حدود تحاشي الظهور بمظهر الرافض للسلام، وتجنب غضب الإدارة الأمريكية صاحبة المبادرة. وعدم الدخول في صدام مع الدول الكبرى الراغبة في صنع استقرار أوضاع منطقة الشرق الأوسط لحماية مصالحها الحيوية فيها. وطرحت، في حينه، في الساحتين العربية والفلسطينية أسئلة متعددة منها: هل ستتمكن عملية السلام من شق طريقها وسط جبال الحقد والكراهية التي تراكمت بين الشعبين العربي والإسرائيلي في نصف قرن من الصراع ؟ وهل ستنجح في التوصل إلى نتائج سلمية ملموسة؟ وهل يمكن للمفاوضات مع اليمين الإسرائيلي بزعامة “شامير” أن تستمر ؟ أم أن مصير هذه العملية سيكون كمصير المحاولات الأمريكية والدولية الكثيرة التي سبقتها ؟
قبل مؤتمر مدريد، وقبل التوصل إلى المعاهدة الأردنية الإسرائيلية في وادي عربة(4)، والى اتفاق أوسلو في العام 1993 بين الفلسطينيين والإسرائيليين وما تلاه من اتفاقات، وقيام السلطة الفلسطينية وتحرير أجزاء غالية من ارض الضفة وقطاع غزة..الخ كان لهذه الأسئلة وسوها ما يبررها، أما الآن فيفترض أن لا تكون مطروحة على الإطلاق. وأرى ان الاستمرار في طرحها من قبل “قوى الرفض”، بعد 10 سنوات، يدخل في باب المناكفة. فالمفاوضات تواصلت وخلقت حقائق جديدة على الأرض كان بعضها قبل انطلاق عملية السلام ضربا من الخيال. بعضها جاء في صالح العرب وبعضها الآخر يحمل في طياته مخاطر على مستقبل بعضهم.
ومما لا شك فيه، أن استمرار عملية السلام وتواصل المفاوضات عقدا كاملا وتوصلها إلى اتفاقات كثيرة رئيسية وفرعية، مكّن هذه العملية من مراكمة قوة دفع ذاتية، لم تتمكن أي من المحاولات الأمريكية أو الدولية السابقة مراكمتها. فكل المبادرات التي سبقت مؤتمر مدريد لم تعمر سوى شهور قليلة. وبعضها عمر أياما معدودة، باستثناء مفاوضات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية. صحيح أن قوة الدفع الذاتية المكتسبة لم تبلغ مستوى يمكّن العملية، بالاعتماد على الذات فقط، من الوصول إلى جميع الأهداف النهائية الكبرى التي حددها مهندسها بيكر، إلا أن من الخطأ تجاهل قيمة التطور الذي وقع على مواقف وأهداف الأطراف التي شاركت فيها، وتجاهل أثر ذلك على المفاوضات اللاحقة. فالجانب الإسرائيلي، مثلا، ذهب إلى مدريد في عهد الليكود وفي ذهنه تحاشي التصادم مع الإدارة الأمريكية، وتسريع هجرة مليون مهاجر يهودي من الاتحاد السوفيتي وتأمين الإمكانات المادية واللوجستية اللازمة لاستيعابهم. والعمل على تعطيل وتخريب العملية من داخلها وإدامة المفاوضات عشر سنوات دون نتيجة، كما قال شامير رئيس وزراء إسرائيل الأسبق بعد هزيمته في انتخابات عام 199 في مواجهة رابين. لكن هذا الموقف تبخر، واضطرت إسرائيل إلى الاستمرار في العملية. وتحولت عند حزب العمل الإسرائيلي إلى استراتيجية متكاملة، يشتق منها سياساته الخارجية والداخلية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويتصرف على أساس أنها وسيلته الرئيسية إلى الحفاظ على هوية إسرائيل كدولة يهودية، وطريقه الرئيسي إلى تطبيع العلاقات مع الدول العربية، والشيء ذاته ينطبق على الأطراف العربية المشاركة فيها.
وبصرف النظر عن موقف المؤيدين والمعارضين، من الجانبين، لعملية السلام التي عاشتها شعوب المنطقة على امتداد العقد الماضي، فالوقائع التاريخية تؤكد ان هذه العملية قلبت أوضاع المنطقة رأسا على عقب. وأحدثت تغييرات كثيرة ومتنوعة، طالت كافة مناحي حياة الطرفين الإسرائيلي والعربي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وإذا كان يتعذر الآن استقراء جميع النتائج النهائية التي ستتركها في المستقبل على أوضاع دول المنطقة وشعوبها، ويصعب تقدير كل المتغيرات التي ستحدثها في حياتهم وعلاقاته، فليس عسيرا على كل من تابع إفراتها رؤية التفاعلات السياسية والفكرية والاجتماعية الأولية التي حركتها عند جميع الأطراف التي شاركت فيها. وعدم القدرة الآن على تثبيت النتائج والآثار النهائية الإيجابية والسلبية، لا يعني تأجيل عملية الرصد والتقييم حتى نهاية المبارزة، خاصة ان الشوط الأول الأساسي انتهى وحدد الوجه العامة للشوط النهائي. وتم تثبيت عدد من النقاط الرئيسية لصالح هذا الفريق او ذاك. وإذا كان ما يرصد الآن من نتائج يندرج تحت خانة قيد التثبيت النهائي، فالصحيح أيضا أن بعضها تحول إلى واقع، وبعضها أصبح حركة مادية ملموسة دخلت حياة وشعوب ودول المنطقة وباتت تتحكم في علاقاتها الداخلية والخارجية.
وتجمع مختلف القوى والحركات والاتجاهات السياسية العربية والإسرائيلية، على أن انطلاق عملية السلام في العام 1991، وتواصل المفاوضات عقدا كاملا من الزمن برعاية أمريكية، وضع منطقة الشرق الأوسط، شعوبا وحكومات، على أبواب مرحلة جديدة تختلف نوعيا عن كل المراحل التي مرت بها بعد “النكبة” وقيام دولة إسرائيل عام 1948. واعتقد ان “مؤتمر مدريد للسلام” كان بمثابة نقطة تحول فاصلة بين حقبة قديمة عاشتها شعوب المنطقة وأخرى جديدة لا زالت في طور التشكل والتكوين. ومسار حركة التاريخ يؤكد أن انتقال الشعوب من حقبة تاريخية إلى أخرى نوعية جديدة، يستوجب المرور في مرحلة أو مراحل انتقالية، يتخللها جذب وصراع قد يطول وقد يقصر، بين الماضي القديم فكرا وأدوات، وبين الجديد القادم بفكرة والقادر على خلق أدواته وكل المستلزمات الضرورية لفرض الذات.
وتجارب التاريخ تؤكد أنه عندما يكون هناك نزاع كبير، كالنزاع العربي الإسرائيلي، يجري العمل على حله، يكون هناك دائما مستفيدون ومتضررون. وكلما اقترب المتنازعون من الحلول أسرع المتضررون نحو التوحد، ورص الصفوف، كل في ساحته، والتلاقي لوضع الخطط المشتركة وتقسيم الأدوار والواجبات فيما بينهم لتعطيل الحلول الضارة بمصالحهم. ولعل ما قام به المتطرفون البيض في جنوب أفريقيا بعد الاتفاق على إنهاء التمييز العنصري، وما قام به الجيش الفرنسي السري على أرض الجزائر بعد اتفاقية “ايفيان” الأولى والثانية، وما قام به المستوطنون والمتطرفون الإسرائيليون والفلسطينيون في عشر سنوات من عمر عملية السلام شواهد على ذلك يفترض أن تكون لا تزال حية في الأذهان.
وبغض النظر عن تقييم المؤيدين والمعارضين لعملية السلام، فوقائع الحياة أكدت ان هذه العملية فرضت على الطرفين الانقلاب على مفاهيمهم وقناعتهم التي آمنوا بها سنوات طويلة. وأغلقت إلى إشعار آخر ملفات الحروب بين إسرائيل والدول العربية المحيطة بها. وطوت ملفات حالة اللاحرب واللاسلم، التي عاشتها المنطقة قبل مؤتمر مدريد. وأرغمت إسرائيل والدول العربية، وبخاصة م ت ف والأردن وسوريا ولبنان على تغيير استراتيجياتها الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، التي اعتمدها بعد حرب حزيران 1967(5).
وجميعهم تجاوزوا حالة التردد والتحفظ التي طغت على مواقفهم في العامين الأولين من المفاوضات. وأصبحت استمرارية المشاركة في عملية البحث عن صنع السلام في المنطقة، ركنا أساسيا في سياساتهم وعلاقاتهم الداخلية والإقليمية والدولية. واضطر الجميع إلى فتح ملفات جديدة لعلاقات جديدة حدها الأدنى تجميد التفكير في حل خلافاتهم بالوسائل العسكرية، وقبول العيش ضمن حدود آمنة معترف بها. أما حدها الأقصى فقد يصل إلى تطبيع كامل للعلاقات وسيادة نظم ومفاهيم وأشكال جديدة من التفاهم والتعاون والتعايش المشترك بين إسرائيل وجيرانها لفترة زمنية طويلة. ويستطيع كل من يدقق في مسار عملية السلام ملاحظة أن دخول م ت ف على خط المفاوضات مباشرة، وتشكيل السلطة الفلسطينية أعطى عملية السلام قوة دفع إضافية هائلة أمنت استمرارها على المسار الفلسطيني سنوات طويلة.
وخلال عقد من المفاوضات فقط، أصبحت توجهات التعايش والسلام جزءا أساسيا من مكونات السياسة الداخلية والخارجية لكل الأطراف الأساسية المشاركة فيها. عبأت خلاله قيادة الطرفين العربي والإسرائيلي شعوبها بهذه التوجهات، ونشروا بصيغة وأخرى أشكال متنوعة من ثقافة السلام. وخطت الأطراف أمام العالم أجمع، خطوات متفاوتة باتجاه بعضها البعض وقدمت لبعضها البعض مشاريع وأفكار كثيرة تتعلق بناء السلام يصعب على اي منهم التراجع عنها. وأكدت وقائع الحياة ان إسرائيل، والأردن وسوريا ولبنان والفلسطينيين باتوا أسرى لعملية السلام، مقيدين بسلاسلها التي قدموها بعضهم لبعض. وأن الاستمرار فيها اصبح الخيار الوحيد عند الأردنيين والفلسطينيين، وأظنه صار كذلك عند السوريين واللبنانيين. وجميعهم محاطون بأسوار دولية شائكة ثبت أن ليس سهلا على أي منهم تجاوزها. ويعرفون أن فك القيود الذاتية والدولية يتم فقط عند التوصل إلى نتائج واتفاقات سلام نهائية، طال الزمن أم قصر. فالفشل ممنوع والانسحاب من العملية مكلف جدا ومرفوض دوليا. وبينت مسيرة عشر سنوات من المفاوضات ان أساليب الإعاقة والعرقلة والتعطيل التي استخدمتها القوى المعارضة لعملية السلام، لم تنجح في تحقيق غاياتها في تدمير العملية، ولم ينجحوا في دفع أصحاب العملية المحليين والإقليميين والدوليين بالتخلي عنها. وأظن ان أساليبهم لتحقيق هذا الهدف غير مجدية في المرحلة اللاحقة، وتفرض على أصحابها إعادة النظر فيها.
وتبين الأبحاث والدراسات الموضوعية، ان المفاوضات والاتفاقات التي تمت بين الطرفين في عشر سنوات، أحدثت هزة فكرية سياسية قوية في المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني والأردني والسوري واللبناني. وخلقت مادة حيوية جديدة للصراع داخل هذه المجتمعات لم يحسم حتى الآن، وأظنه سوف يتواصل على مدى العقد الثاني من عمر عملية السلام.
ومع تولي الاتجاهات الواقعية في الجانبين “العربي والإسرائيلي” دفة القيادة وتحركها على طريق التسوية السياسية، تحركت التيارات والاتجاهات الدينية والقومية الأصولية الإسرائيلية والعربية. واستنفرت طاقاتها الذاتية، وعمل كل في مساحته الخاصة من ميدان الصراع، على توحيد صفوفه في مواجهة عملية السلام، ومواجهة الاتجاهات الواقعية التي اعتمدها وسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية. ووضعت قوى الرفض نصب عينها عرقلة حركة عملية السلام وإفشالها والإطاحة بها إذا أمكن. والصراعات والتقلبات السياسية الحادة التي شهدها الحقل السياسي الإسرائيلي والفلسطيني في العقد الأخير شاهد على ذلك. ومؤشر إلى إن المواقف من عملية السلام وما انبثق أو سوف ينبثق عنها من اتفاقات، كانت وستبقى لفترة زمنية طويلة عنصر فرز واستقطاب داخل المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي، وقاعدة أساسية لبناء التحالفات الحزبية بين أطراف النظام السياسي في إسرائيل وفلسطين والدول المجاورة لهما.
وما لا شك فيه، ان عملية السلام أسهمت بفعالية في تنمية اتجاهات الفكر السياسي الواقعي في إسرائيل وعند الجانب الفلسطيني والعربي. وطالما هي مستمرة وتحقق تقدما، ولو محدودا، تجاه هدفها الرئيسي، فإنها تعزز مواقف ومواقع هذه التيارات اكثر فأكثر في المجتمعين الإسرائيلي والعربي. وعكس ذلك صحيح تماما، والنتيجة الأكيدة في حال تعثرها لفترات زمنية طويلة، أو فشلها في تحقيق كل أو أقسام رئيسية من أهدافها، هي إضعاف مميت للاتجاهات الواقعية، وتعزيز أكيد للتطرف والتعصب بكل أشكاله الديني والقومي في المنطقة. وتسهل الطريق أمام “تيار الرفض” تولي دفة القيادة والسيطرة على الشارع لسنوات، وزج شعوب المنطقة في صراعات دموية طائفية ودينية وعرقية يصعب التكهن بنتائجها الآن.
من بداية انطلاقتها اصطدمت عملية السلام بوجود خمس شعوب في أربع كيانات متصارعة، “فلسطينيون وسوريون وأردنيون ولبنانيون وإسرائيليون، على الوجود والحدود. وبعد أقل من عشر سنوات أقرت الأغلبية في إسرائيل، وجميع الدول الكبرى المقررة في رسم السياسة الدولية بأن وجود الكيان الخامس للشعب الفلسطيني ضرورة لا غنى عنها لصنع الأمن والسلام واستقرار أوضاع الشرق الأوسط. وبات الصراع يدور ليس حول مبدأ قيام دولة فلسطينية بل حول حدودها وطبيعة علاقاته مع جيرانها وبخاصة إسرائيل. وأظن ان لا تسرع في القول ان إقرار إسرائيل بقيام الدولة الفلسطينية يفسح في المجال على المدى المتوسط والبعيد، نحو إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة. وتصاعد الحديث في مرحلة من مراحل المفاوضات حول كونفدرالية ثلاثية؛ أردنية، فلسطينية، إسرائيلية، وثنائية أردنية ـ فلسطينية ليس من صنع الخيال، بل أن مقومات انبعاث هذه الأفكار في المدى المتوسط موجودة. وتقدم عملية السلام والتوصل إلى اتفاقات سلام حقيقي وعادل على المسار الفلسطيني كفيل بإعادة إحيائها، ويخلق أرضية خصبة لنموها وظهورها في الحقل السياسي الشرق أوسطي.
وإن إقفال ملفات الحروب، وإنهاء وضع اللاحرب واللاسلم في المنطقة سيؤدي بشكل مباشر إلى تراجع قضايا الصراع القومي والوطني ضد العدو الخارجي ممثلا بإسرائيل عند العرب، والعرب عند إسرائيل. وتراجع هذا الصراع يصب حتما في صالح نمو الصراع الاجتماعي والطبقي داخل الكيانات الخمس بأشكال ومستويات متفاوتة داخل كل كيان. ولا يمكن لأي باحث موضوعي تجاهل كيف لعبت حالة الحرب بين العرب وإسرائيل في عسكرة المجتمع الإسرائيلي، وفي طمس نضال الشعوب العربية من أجل الديمقراطية وانتزاع حقوقها المدنية المهضومة وتحسين مستوى حياتها اليومية(6).
وبينت المفاوضات السابقة للجميع أن طريق قطار السلام الذي انطلق من مدريد في30/10/91 طويلة وشائكة ومتعرجة، وحمولته ثقيلة جدا ومتنوعة، وبعضها سريع العطب وقابل للاشتعال، وبعضها الآخر قابل للانفجار. وإذا كان مهندس عملية السلام “بيكر” نجح في إقناع الطرف الفلسطيني بتأجيل بحث قضايا اللاجئين والقدس والاستيطان وتنفيذ القرار 242و338 إلى مفاوضات المرحلة النهائية، فالمفاوضات حول هذه القضايا الجوهرية في كامب ديفيد في تموز 2000 وطابا مطلع العام 2001، بينت أنها شائكة ومعقدة، وقادرة على إبطاء وتجميد عملية السلام وتهديد مسيرتها. وإذا كان من العسير التنبؤ الآن بصيغ وأشكال حل هذه القضايا الكبرى، فالمفاوضات في عقدها الأول، وفي عهد الحزبين الكبيرين في إسرائيل بينت أن الوصول إلى سلام حقيقي، شامل وعادل ودائم أمر بعيد المنال، ويحتاج إلى مفاهيم جديدة غير التي تحكمت في المواقف الإسرائيلية حتى الآن.
الى ذلك، من الطبيعي تماما أن يقع تباين داخل المجتمعات العربية والفلسطينية والإسرائيلية، وفي صفوف الخبراء والباحثين في قراءة التطورات الدولية، وفي تقدير انعكاساتها على أوضاع المنطقة، ومدى تأثيرها على نزاعاتها العميقة المتنوعة والمتشعبة. ومن البديهي أن لا يحصل إجماع في المستقبل حول الحلول الجزئية والنهائية التي يمكن التوصل إليها. وإذا كان بعض العرب والفلسطينيين اعتبروا المشاركة العربية في عملية السلام تمت وفق شروط مجحفة، فالاتفاقات المتوقع التوصل إليها فيها خروج عن المألوف، وانقلاب على ثقافة ومفاهيم عمرها عشرات السنين. ولا أحد يستطيع الجزم بأن هذا الطريق سوف يعيد للفلسطينيين والسوريين واللبنانيين كامل حقوقهم المغتصبة كما يتصوروها.
نتائج عملية السلام على الجانب الإسرائيلي
بينت نتائج انتخابات الكنيست ورئاسة الوزراء في إسرائيل، التي تمت في العقد الأخير، انقسام المجتمع الإسرائيلي على نفسه حول الموقف من عملية السلام ونتائجها المباشرة واللاحقة. وحسب التصويت على برامج الأحزاب والمرشحين، ظهر أن ما يقارب نصف المجتمع الإسرائيلي يرى أن النتيجة النهائية لهذه العملية سوف تكون إلحاق خسائر استراتيجية بإسرائيل تفوق الأرباح التي قد تجنيها منها، وذات النسبة تقريبا ترى عكس ذلك تماما. والواضح أن عملية السلام نقلت المجتمع الإسرائيلي إلى حال من عدم الاستقرار الحزبي والسياسي(7). وان الانقسام وعدم الاستقرار في المجتمع الإسرائيلي مرشحان للتواصل لسنوات طويلة قادمة. وإذا كنا لسنا بصدد تقييم أي من الاتجاهين في إسرائيل ومنطلقات كل منهما، فالثابت أن تطورا محدودا وبطيئا قد وقع داخل المجتمع الإسرائيلي الصالح الفكر السياسي الواقعي. وأي تقييم موضوعي للمشاركة الإسرائيلية في عملية السلام يؤكد أن إسرائيل جنت وحصدت ثمن مشاركتها مقدما، وبعض ما جنته ثمين:
1) كرست عملية السلام وما انبثق عنها من اتفاقات، استراتيجية إسرائيل القائمة على الاستفراد بالأطراف العربية والوصول إلى حلول ثنائية مع كل طرف على انفراد. وفرضت الصيغة التفاوضية التي أرادتها بما في ذلك حرمان رعاة المفاوضات والأمم المتحدة ودول العالم المحبة للسلام من أي دور مباشر فيها. وقسمت الحل مع الفلسطينيين إلى مرحلتين انتقالية ونهائية، أخذت في الأولى معظم مطالبها الأمنية والسياسية، ودفعت استحقاقاتها على دفعات متباعدة وبالتقسيط، وبقي في ذمتها استحقاقات معلقة. وانتزعت إسرائيل مقدما اعتراف فلسطيني ـ عربي بحقها في الوجود. وأوجد قوة فلسطينية تلتزم الحفاظ على أمنها وأمن مواطنيها بما في ذلك المستوطنين الذين ينادون ويعملون صباح مساء ضد تنفيذ الاتفاقات وينكرون على الفلسطينيين حقوقهم التي اعترف بها العالم(8).
2) على مدى سنوات طويلة دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على تشجيع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل. وبعد قبول إسرائيل المشاركة في العملية انتقل الدور الأمريكي من مستوى تشجيع الهجرة إلى مستوى الضغط على دول العالم وبخاصة الاتحاد السوفيتي (سابقا)، وروسيا لاحقا، لتسهيل هجرة اليهود الروس إلى إسرائيل. والكل يعرف ان إسرائيل لم توافق على مشاركة الاتحاد السوفيتي (سابقا) في رعاية عملية السلام، إلا بعد ان وافق على تسهيل هجرة اليهود بدفعات كبيرة ووافق على نظام الرحلات وفتح خطوط النقل المباشر الذي طلبته إسرائيل. ونقلت إسرائيل بمساعدة أمريكية خلال عملية السلام قرابة مليون مهاجر روسي واثيوبي. وحصلت على ضمانات قروض من الولايات المتحدة الأمريكية لاستيعاب المهاجرين الجدد، ونالت مساعدات سخية ثمن كل اتفاق وقعته مع الأردنيين والفلسطينيين.
3) لا شك في أن مشاركة جميع الدول العربية في عملية السلام، ما عدا ليبيا والعراق والسودان، يعتبر مكسبا لإسرائيل، حيث تم قبولها رسميا كدولة من دول المنطقة. وعبر المشاركة جلست لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بصورة رسمية وعلنية مع الأطراف العربية مجتمعين. وتفاوضت معهم حول الصلح وتطبيع العلاقات بمختلف أشكالها وأنواعها. ومع تقدم المفاوضات وتوصلها إلى اتفاقات، تمكنت إسرائيل من إقامة شكلا من الصلح والتطبيع مع عدد كبير من الدول العربية. وأقامت علاقات دبلوماسية مع عدد آخر وفتحت سفارات، وتبادلت التعاون في مجالات عديدة. وكل ذلك تم قبل أن يستعيد الفلسطينيون والسوريون واللبنانيون حقوقهم. ولا يقلل من قيمة هذا الإنجاز إغلاق معظم الدول العربية سفاراتها في إسرائيل. فالمبدأ تحقق والإغلاق مؤقت.
4) قبل افتتاح مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا ألغت بموجبه قرارا سابقا لها يدين الحركة الصهيونية، ويصفها بالعنصرية. وإذا كانت الأسباب والدوافع الحقيقية التي دفعت بإدارة الرئيس بوش لاستصدار ذلك القرار غير واضحة تماما، فإن توقيته قبل افتتاح هذا المؤتمر يؤكد أنه كان بمثابة تقدمة وهدية قدمها الإدارة الأمريكية لإسرائيل تشجيعا لها على المشاركة في عملية السلام. ومنذ ذلك التاريخ تولت الولايات المتحدة التصدي لكل محاولات اتهام إسرائيل بممارسة التمييز العنصري، وانسحبت من مؤتمر حقوق الإنسان الذي عقد في “دربان” في جنوب إفريقيا لمنع صدور يدين إسرائيل.
5) خلال مراحل عملية السلام حصلت إسرائيل بتشجيع أمريكي وأوربي وصمت عربي على اعتراف عديد من الدول الآسيوية والإفريقية. كان ضمنها الباكستان الصين والهند وأعادت دول المنظومة الاشتراكية “سابقا”، ودول أخرى علاقاتها الدبلوماسية معها. ولم يكن سرا على أحد أن إسرائيل جعلت من ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية دورا على هذا الصعيد شرطا مسبقا لمشاركتها في عملية السلام. واستجابت الولايات المتحدة الأمريكية لطلبها وعملت على تحقيقه بحماس شديد. إلى ذلك، حصلت إسرائيل على شهادة براءة إلى حد ما من تهمة ممارسة الإرهاب ضد الفلسطينيين والعرب الآخرين وذلك بإبدائها استعدادا للانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في العام 1967. وخلال حياة عملية السلام لم يكن سهلا على الفلسطينيين إقناع العالم بأنهم لا يزالون تحت الاحتلال، وإسرائيل دولة تمارس القمع والإرهاب والتمييز العنصري ضدهم.
6) حصلت إسرائيل في مفاوضات الوضع النهائي مع الفلسطينيين التي تمت في كامب ديفيد وطابا على تنازلات فلسطينية تتعلق بالاستيطان والقدس واللاجئين. فقد وافق المفاوضون الفلسطينيون، في إطار تبادل الأراضي، على تجميع المستوطنين في ثلاثة كتل استيطانية تقوم على قرابة 3% من مساحة الضفة الغربية. ووافقوا على منح اليهود جزء من حائط البراق “المبكى”، وضم حارة اليهود في القدس القيمة لإسرائيل، وإلحاق المستوطنات المقامة على ارض القدس الشرقية بالسيادة الإسرائيلية(9). صحيح ان اتفاقا نهائيا حول هذه القضايا لم يتم، وان التنازلات كان لها ما يقابلها، لكن إسرائيل تعرفت على الحد الأدنى والأقصى للمطالب الفلسطينية، وما طرح في المفاوضات السابقة يصعب التنصل منه في المفاوضات اللاحقة.
7) في إطار معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية أمنت إسرائيل حدودها الشرقية مع الأردن بعد ان ظلت هذه الحدود مصدر قلق وإزعاج على مدى اكثر من أربعة عقود. وتعهد الأردن بمنع استخدام أراضيه منطلقا لأي عمل عدواني ضد إسرائيل، ووفرت إسرائيل على نفسها مبالغ مالية كبيرة كانت تنفقها على تأمين هذه الحدود الطويلة. إلى ذلك طبّعت إسرائيل علاقتها مع الأردن وأقامت علاقات تجارية واقتصادية مفيدة للطرفين. ودخل المواطنون الإسرائيليون المدن الأردنية لأول مرة لأغراض اقتصادية وسياحية. وأظن ان تراجع العلاقات الأردنية الإسرائيلية في العام الأخير لا يقلل من قيمة هذا المكسب الاستراتيجي.
8) في ظل المناخ الذي خلقته عملية السلام انسحبت القوات الإسرائيلية من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة، ولم تلتزم بدفع ثمن احتلالها للجنوب اللبناني وتعويض اللبنانيين عن استغلالها للأرض والمياه اللبنانية. ولم تلتزم أيضا بتعويض لبنان عن الدمار الذي ألحقه احتلالها بالقرى والمدن اللبنانية التي ظلت تحت الاحتلال اكثر من عشرين سنة، وحروبها الكبيرة والصغيرة التي شنتها على الأراضي اللبنانية وبلغت في العام 1982 العاصمة اللبنانية بيروت. وفصلت بصيغة وأخرى بين المسارين السوري واللبناني. صحيح ان الطرفين اللبناني والإسرائيلي لم يوقعا اتفاقات نهائية، لكن الصحيح أيضا أن إسرائيل ارتاحت من تكاليف ومتاعب سياسية وأمنية كبيرة كانت تدفعها مقابل احتلالها جنوب لبنان.
نتائج سلبية جنتها إسرائيل من عملية السلام
على مدى قرن كامل من الزمن ظلت الصهيونية العالمية تنكر وجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني وتنكر أن له أرضا اسمها فلسطين. وظلت متمسكة بمقولات ومعتقدات تاريخية قديمة، وعبأت يهود العالم بأن أرض فلسطين هي أرض الميعاد التي منحها الرب لشعبه المختار..الخ وعلى هدي هذه المعتقدات ناضلت ونجحت في إقامة دولة إسرائيل. وهجّرت مئات الألوف من الفلسطينيين “الاغيار” من ديارهم وأراضيهم عام 47-48. واستقدمت مئات الألوف من اليهود العرب ومن يهود الأمم الأخرى ووطنتهم في فلسطين، وخلقت للعالم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ولنفسها مشكلة الأمن والخوف من العرب المحيطين بها. ولاحقا خاضت إسرائيل حروبا متنوعة ناجحة ضد الفلسطينيين والعرب، واحتلت كل فلسطين ومعها أراض عربية أخرى مصرية وسورية ولبنانية..إلى آخر قصة الصراع الصهيوني العربي .
أعتقد أنني لا أتسرع إذا قلت أن دخول إسرائيل عملية السلام وتوصلها إلى سلسلة اتفاقات مع الفلسطينيين والأردنيين، وضعت شعب إسرائيل أمام الحقيقة الفلسطينية التي ظلت قيادته وقيادة الحركة الصهيونية تخفيها عنه فترة نصف قرن. وفضحت كذبة الحركة الصهيونية “ارض بلا شعب لشعب بلا أرض” أمام عشرات الألوف من النساء والأطفال والشباب في إسرائيل. ونسف فكرة ارض الميعاد بمفهومها العبري. وبدأ المفكرون اليهود التخلي عن أحلامهم في بناء إسرائيل الكبرى. وبدءوا العيش في الواقع وتكييف الذات ضمن الممكن والمقبول دوليا. وبينت نتائج الانتخابات الإسرائيلية أن تطورا محدودا قد طرأ على الفكر السياسي في إسرائيل باتجاه النزول من عالم الأحلام والأوهام إلى أرض الواقع. إلا أن الصراع الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي يبين أن هذا التطور المحدود لازال غير مستقر وأنه قابل للزيادة والانتكاس أيضا.
ويدرك الاستراتيجيون الإسرائيليون ان الوصول إلى سلام شامل دائم مع العرب يضعف الفكرة الصهيونية الأساسية التي قامت عليها إسرائيل، وينعش الأصول القومية لفئات واسعة من اليهود، وبخاصة ذوي الأصول الفلسطينية والعربية. وفي زمن عملية السلام انتعشت أوضاع العرب في إسرائيل، ولم يعودوا قلقين على وجودهم في أرضهم. وإذا كانت معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية أنهت فكرة ترحيل الفلسطينيين من إسرائيل والضفة الغربية إلى الأردن فاتفاق سلام نهائي بين م ت ف وإسرائيل ينسف نهائيا فكرة الترانسفير ويزيد من ويعاظم المشكلة الديمغرافية التي تعانيها إسرائيل، ويفتح آفاق حقيقية لمطالبة العرب في إسرائيل بحكم ذاتي داخل الدولة اليهودية. حيث سيصل عددهم بعد أقل من عشرين سنة، إلى ما يقارب ثلاثة ملايين عربي يحملون الجنسية الإسرائيلية.
وبجانب ذلك، أحدثت المشاركة الإسرائيلية في عملية السلام شرخا حادا داخل المجتمع الإسرائيلي، وأضافت لقضايا الصراع القديمة بين اليمين واليسار قضية مركزية جديدة. وتعرف القيادات الإسرائيلية يمينها ويسارها أن إسرائيل سوف تضطر آجلا أو عاجلا الى دفع ثمن مكاسبها من عملية السلام. وأن الوصول إلى سلام عادل أو تسوية شاملة في المنطقة سيفرض على إسرائيل الانسحاب من الضفة وقطاع غزة والجولان السوري وبقايا الأراضي المحتلة في جنوب لبنان. وستجد نفسها مضطرة للعيش ضمن حدود معروفة ومعترف بها دوليا. بما يعني التخلي عن فكرة إسرائيل الكبرى، وعن العقلية التوسعية التي تحكمت في السياسة الإسرائيلية منذ قيامها وحتى الآن. والتخلي عن الاستيطان في الضفة وقطاع غزة والجولان. والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وفي إقامة دولته المستقلة فوق الأراضي الفلسطينية التي احتله. ولعل هذا الإدراك هو الذي يدفع اليمين الإسرائيلي إلى شن حرب قوية ضد المفاوضات وضد عملية السلام وضد السلام الحقيقي مع العرب. وتحويل المفاوضات الى ساحة للمناورة وقتل الوقت. ولا شك أن عملية السلام زودت قوى السلام في إسرائيل بأسلحة فعالة استخدمتها في مواجهة مواقف المتطرفين..الخ الا ان المعركة لم تحسم حتى الآن لصالح قوى السلام. وسيواجه اليسار في إسرائيل مشاكل ومتاعب ليست بسيطة مع المستوطنين ومع المعارضة اليمينية في حال تقدم المفاوضات وعندما تحين ساعة دفع الاستحقاقات. صحيح انها ضريبة مكلفة من وجهة نظر معظم الإسرائيليين، إلا أن الصحيح أيضا أن بديلها مكلف أكثر بأضعاف مضاعفة. فعدم دفعها يعني استمرار الحروب، وتواصل حالة العداء والكراهية، وتعميقها في صفوف العرب ضد الإسرائيليين.
من البداهة القول ان بقايا الفكر الصهيوني اليميني العنصري الاستعماري التوسعي، يحاول جاهدا تأخير حركة التاريخ وإعادة عقارب ساعة الزمن إلى الوراء. واستمرار هذا الفكر مؤثرا في المجتمع الإسرائيلي، ويسيطر على القرار السياسي الرسمي، سيجعل بقية طريق عملية السلام قاسية وقد تكون دموية، وطويلة ومؤلمة.. فهذا الفكر الاستعماري العنصري هو المسئول تاريخياً عن نشوء جبال من الحقد والكراهية بين الطرفين. وحقن الشعوب العربية بالعداء لإسرائيل وفجر أربع حروب كبيرة بينهم. وأخر اعتراف إسرائيل بوجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني قرابة خمسين عاماً، وهو الذي يبعث النشوة في نفوس بعض القادة الإسرائيليين كلما نجحوا في طعن الكرامة الوطنية الفلسطينية والعربية.
حصاد الجانب الفلسطيني من عملية السلام
أحدثت المشاركة الفلسطينية في عملية السلام هزة عنيفة في أوضاع النظام السياسي الفلسطيني بشقيه الشعبي والرسمي. ولا مبالغة في القول أن تلك الهزة كانت أشبه بزلزال قلب الأوضاع رأسا على عقب. وإذا كان سابقا لأوانه إصدار حكما موضوعيا نهائيا على عملية السلام، فوقائع الحياة كشفت تسلسل منطقي لأحداث وتطورات سياسية إقليمية ودولية فرضت على الفلسطينيين الانقلاب على مفاهيمهم وقناعاتهم التي آمنوا بها سنوات طويلة.
ومع إعلان قيادة منظمة التحرير موافقتها على مبادرة السلام الأمريكية وموافقتها على المشاركة في “مؤتمر مدريد للسلام” وفق الأسس التي تضمنتها تلك المبادرة، ظهر في الساحة الفلسطينية ثلاثة اتجاهات رئيسية لكل اتجاه رموزه وأطره الحزبية والجماهيرية: الأول، أيد المشاركة وأفرط في التفاؤل وبسط الأمور، وتصور أن تقاطع المصالح الدولية والإقليمية التي خلقت عملية السلام تلزم القيمين عليها متابعتها في كل مراحلها بهمة عالية، وان الوصل إلى حل عادل وشامل للنزاع العربي الإسرائيلي وجوهرة القضية الفلسطينية بات قريب المنال. والثاني، عارض العملية واعتبرها مشروعا أمريكيا إسرائيليا لتصفية منظمة التحرير وتصفية القضية الفلسطينية. وأفرط في التشاؤم وقدر أصحاب هذا الرأي أن مبادرة السلام الأمريكية لن تعمر طويلا ومصيرها لن يكون افضل من مصير المبادرات والتحركات الأمريكية والدولية التي عرفها الفلسطينيون على امتداد سنوات الصراع الطويلة. وطعنوا في شرعية قرار القيادة الفلسطينية بالمشاركة في العملية وبالذهاب إلى مؤتمر مدريد للسلام.
أما الاتجاه الثالث، فظهر عند أهل الأرض المحتلة؛ وافقوا مبدئيا على المشاركة في عملية السلام ورفضوا مقاطعة مؤتمر مدريد للسلام. ورفضوا من جهة أخرى تفاؤل المتفائلين، وشككوا في إمكانية تسوية النزاع خلال فترة خمس سنوات التي حددتها رسائل الدعوة للمؤتمر. وشككوا في ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطا جدية على إسرائيل تجبرها الالتزام بقواعد العملية وتنفيذ ما يمكن التوصل إليه في مواعيده المحددة(10).
وجاءت وقائع الحياة وأكدت ان تقدير الناس في الأرض المحتلة كان الأكثر دقة وأكثر واقعية، وكانوا الأدرى بالاحتلال وسياساته. وأن الآخرين، معارضين ومؤيدين لعملية السلام، شطحوا بعيدا في تقديراتهم، ووضعوا أمنياتهم ورغباتهم محل التقييم الموضوعي. فالعملية، بقيت على قيد الحياة عشر سنوات حتى الآن نمت وكبرت خلالها، ومن جهة أخرى تعثرت المفاوضات حول قضايا الحل النهائي ـ القدس واللاجئين والحدود والاستيطان والمياه ومستقبل التعاون الأمني، وتأخر تنفيذ بنود كثيرة من الاتفاقات الانتقالية التي تم التوصل إليها.
وفي سياق البحث في افرازات وانعكاسات عملية السلام على الجانب الفلسطيني، اعتقد أن على جميع المعارضين لهذه العملية الإقرار بأنها لم تكن شر مطلق، وان يروا وجهي العملية الإيجابي والسلبي. والتقييم الموضوعي لنتائج عشر سنوات من المفاوضات والاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية يؤكد ان الفلسطينيون حصدوا من العملية مكاسب استراتيجية كبيرة. وإجراء مقارنة موضوعية بين أوضاع الفلسطينيين شعبا ونظاما سياسيا وقيادة وقت انطلاق عملية السلام، في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، وأوضاعهم في نهاية السنة الأولى من القرن الجديد تؤكد أن الأرباح التي جناها الفلسطينيون من العملية تفوق خسائرهم مرات كثيرة. وخسائر إسرائيل المذكورة أعلاه تسجل أرباحا للجانب الفلسطيني، يضاف إليها:
أولا / عبر المشاركة في العملية، تكرست وحدة الشعب ووحدة القيادة ووحدة التمثيل الفلسطيني. وثبت الشعب الفلسطيني حضوره في خريطة منطقة الشرق الأوسط، وهذه أول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والعربي يستطيع فيها الفلسطيني أن يمثل نفسه بنفسه في المحافل والمؤتمرات الدولية المتخصصة في حل لقضيتهم. وتم ثبتت الخيار الفلسطيني طريقا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وانتهى ما كان يسمى بالخيار العربي. وتم نسف المقولة الصهيونية القائمة على إنكار وجود الشعب الفلسطيني. وإذا كانت الإرادة الدولية مجمعة على حل النزاع العربي الإسرائيلي وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة من جديد، فبالإمكان القول ان الشعب الفلسطيني حجز مكانه في الترتيبات الجديدة وقطع الطريق على كل محاولة لشطبه واستثنائه، ولم يضيع الفرصة التاريخية كما كان يحصل سابقا.
ثانيا/عبر عملية السلام حرر الفلسطينيون في عشر سنوات أجزاء هامة من الأرض، لم يستطيعوا تحريرها عبر كفاحهم المسلح الذي دام أكثر من ربع قرن. ولم تفلح الجيوش العربية في تحريرها في أربع حروب كبيرة خاضتها ضد إسرائيل 1948، 1956، 1967،1973. وزال نير الاحتلال الإسرائيلي المباشر وقهره اليومي، جزئيا، عن ظهر معظم الشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة. وتم تحرير أعدادا كبيرة من الأسرى في السجون الإسرائيلية. وأنهت المشاركة في عملية السلام على المسار الفلسطيني ومعها المعاهدة الأردنية الإسرائيلية أفكارا كانت تنادى بها بعض الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة من نوع الترانسفير للفلسطينيين للأردن وتحويله وطنا بديلا لهم.
وعبر المفاوضات وافق المفاوضون الإسرائيليون في عهد حكومة باراك على قيام دولة فلسطينية مستقلة فوق 97% من أراضي الضفة وقطاع غزة، التي احتلت في العام 1967 وعاصمتها القدس..الخ من الأفكار التي طرحها الرئيس كلينتون او التي طرحها الوفد الإسرائيلي في مفاوضات كامب ديفيد وطابا(11). وإذا كان فوز شارون في الانتخابات الأخيرة قد ألغى هذه الأفكار، فالأمر المؤكد ان الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي سيعودان إليها لاحقا.
ثالثا/ يفترض ان لا يكون هناك خلاف فلسطيني حول ان عبور القيادة الفلسطينية ومعها الغالبية الساحقة من كوادر فصائل م. ت. ف المعارضة والمؤيدة لعملية السلام، المدنية والعسكرية، إلى غزة وأريحا أولا، وبقية محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة ثانيا، إنجاز استراتيجي، أسفر عن انتقال مركز ثقل الحركة الوطنية الفلسطينية ومركز القرار الفلسطيني من خارج فلسطين إلى داخلها. وتحرر القرار الوطني الفلسطيني من الوصاية والاحتواء، وانتقل رسميا وعمليا من العواصم العربية للمدن الفلسطينية. وتم حل معضلة انفصال القيادة عن أرضها وشعبها، وتم تصحيح وضعية الهرم الفلسطيني الذي ظل مقلوبا على رأسه منذ تشكيل م ت ف عام 1964، حيث كان الخارج هو المقرر في الشأن الوطني.
رابعا/عبر عملية السلام نجحت القيادة الفلسطينية في عرض قضية شعبها على العالم وبينت عدالتها. واستخدمت الوفود لغة العصر التي يفهمها عالم اليوم، وأظهرت الوجه الحضاري للشعب الفلسطيني وقدرته على التعامل مع الواقع الدولي الجديد ومتطلباته. ولم يستجد المفاوضون الفلسطينيون حلولا، لكنهم تمسكوا بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بقضيتهم، 194،242، و338، وبينوا للعالم أن استمرار غياب الحل العادل لقضيتهم يضر بمصالح شعوب المنطقة وكل الشعوب المحبة لصنع السلام فيها.
ونجح المفاوضون الفلسطينيون في نقل رسالة شعبهم إلى الرأي العام العالمي وكل القوى المؤيدة للسلام. وبالمشاركة تمكن الشعب الفلسطيني من توسيع وترسيخ جبهة أصدقائه وكسب عديد القوى المحايدة، وحيّد بعض القوى المنحازة الى إسرائيل والتي كانت معادية او شبه معادية لحقوقه المشروعة. وتكرست الهوية والأهداف الوطنية الفلسطينية بقوة عربيا ودوليا. وخلال تقدم عملية السلام ترسخت قناعة قوى دولية كثيرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بإمكانية حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي عبر المفاوضات، ورمت بثقلها في بحث جدي عن حل نهائي لهذا النزاع، ونالت القضية الفلسطينية أولوية في المعالجة. واقتنعت جميع القوى الدولية المعنية باستقرار أوضاع الشرق الأوسط أن لا أمن ولا استقرار في الشرق الأوسط دون حل القضية الفلسطينية. وان استمرار التهرب من معالجتها يؤجج التطرف في كل أنحاء المنطقة، ويلحق بمصالحها المدى المباشر والبعيد خسائر استراتيجية(12).
خامسا/ قبل انطلاق عملية السلام من مدريد عام1991 لم تستطع التوجهات الفلسطينية نحو “إقامة السلطة الوطنية على أي جزء من الأرض يتم تحريره” شق طريقها للحياة. وبعد حرب 1982، وترحيل قيادة وكوادر م ت ف من بيروت تراجعت الفكرة وانضمت للأحلام والأوهام الفلسطينية، وكاد أصحابها ينسوها. ومع الإعلان عن اتفاق أوسلو عادت الروح إليها. وبعد دخول قيادة م ت ف غزة والضفة تم بناء أول سلطة فلسطينية في تاريخ الشعب الفلسطيني على أجزاء من الأرض الفلسطينية. وتولت تنظيم حياة مجتمع مدني يضم ما يقارب 3 ملايين إنسان(13). وفي مرحلة لاحقة جرت انتخابات برلمانية محدودة في الضفة والقطاع. ولا شك في أن انتخاب المجلس التشريعي وابراز دور السلطة الوطنية وتطويره كإطار قيادي مركزي عزز النضال الوطني العام، وخدم هدف بناء الدولة المستقلة على الأرض الفلسطينية. وببناء كافة مؤسسات السلطة، المدنية والعسكرية قوام العاملين فيها يفوق 120 ألف موظف، تم وضع اللبنات الأساسية لعبور منظمة التحرير مرحلة التحول من حالة الثورة لحالة الدولة. خاصة وان المجلس التشريعي وموظفو السلطة راكموا خبرات في كافة مجالات عمل ومهام الدولة. وترحيب الشارع الفلسطيني بتشكيل السلطة، وتعامل العالم معها باعتبارها القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني مكاسب هامة لها قيمة عملية على طريق بناء الدولة المستقلة، رغم الملاحظات التي يمكن تسجيلها على عمل هذه المؤسسات.
وإذا كان ضروري تعريف الكيان الفلسطيني الوليد وتسميته باسمه الحقيقي؛ فهو الآن، حكم ذاتي في صيغة “دويلة فلسطينية” على جزء هام من الأرض. ناقص السيادة، محدود الصلاحيات. لكنه يملك مقومات الحياة وقابل للنمو والتطور، إذا أجاد أهله استغلال التطورات الدولية المؤيدة لحريتهم واستقلالهم وقيام دولة فلسطينية.
ونعت المعارضة الفلسطينية هذا الكيان الفلسطيني بأبشع النعوت من نوع؛ كيان أوسلو، دويلة مسخ وهزيلة ناقصة السيادة، أو تابعة اقتصادياً وأمنياً لإسرائيل..الخ لا يغير الواقع الجديد، ولا يلغي إمكانية تحوله إلى دولة مستقلة ذات سيادة. ولا شك في أن التقييم الموضوعي لقيام السلطة الوطنية يفرض اعتباره تطورا إيجابيا يخدم تصحيح وتطوير مسار الحركة الفلسطينية باتجاه تحقيق أهدافها الإستراتيجية. وتجارب التاريخ تؤكد ان الحكم الذاتي كان ممرا إجباريا لمعظم الشعوب التي خضعت للاستعمار وضمنها بلدان عربية عديدة.
سادسا/ يسجل لعملية السلام بأنها سرّعت وقوع تحولات نوعية في الفكر السياسي الفلسطيني. وعززت المواقف والتوجهات الواقعية الكامنة في الشارع الفلسطيني، وأضعفت الاتجاهات المتطرفة. وعبر مسير المفاوضات الطويلة انتشرت منطلقات ومفاهيم الواقعية السياسية، ولم تعد مقصورة ومحصورة في تفكير وسلوك نخبة قليلة من المتنورين والمثقفين أو المفكرين الفلسطينيين، بل أصبحت بمثابة السمة الغالبة والسائدة في الفكر السياسي للجمهور الفلسطيني العريض. واظهر الأغلبية قدرة على التجرد من العواطف، والابتعاد عن النزعات الإرادوية في اللحظات المصيرية الحاسمة، والتمييز بين المطلوب والممكن، بين الحق التاريخي وبين الممكن في اللحظة الزمنية المعاشة. وتحديد المواقف بناء على حسابات دقيقة لموازين القوى القائمة والمرئية، بعيدا عن كل أشكال المبالغة أو التبسيط.
وخلال مرحلة عملية السلام برز شعور فلسطيني قوي في الداخل والخارج بالاعتزاز بالوطنية الفلسطينية، أجبر حركة حماس على التخلص نسبيا من هويتها الأممية الإسلامية، والتحرر جزئيا من ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين العربية. وانضمت للنظام السياسي الفلسطيني العام وأثبتت وجودها الفاعل في النضال ضد الاحتلال. وعجلت عملية السلام في عزل أطراف النظام السياسي الفلسطيني المرتبطة بالأنظمة العربية “منظمة الصاعقة المرتبطة بسوريا، الجبهة العربية الموالية للعراق، و”فتح الانتفاضة” المرتبطة بالسوريين والليبيين والإيرانيين” وأضعف دورها الوطني، وأفقدها تأثيرها المحدود أصلا في القرار الفلسطيني.
وضغطت عملية السلام باتجاه تطوير البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير والإقرار بشعار دولتين للشعبين والاعتراف بقرار مجلس الأمن 242(14). ويسجل لعدد من أطراف النظام السياسي الفلسطيني أنهم أجادوا استثمار عملية السلام، ووظفوا تفاعلاتها الداخلية والخارجية لصالح تعزيز مكانة م ت ف. وأجادوا استثمار التطورات الدولية التي وقعت في العقد الأخير لصالح الاقتراب من الحقوق. وأحدثت العملية إبان مسارها تبدلا نوعيا في موازين القوى داخل النظام السياسي الفلسطيني. بعض أطرافه “فتح وحماس والجهاد الإسلامي” نما حجمه وثقله الوطني. وتقلص وزن أطراف أخرى “جبهة شعبية، جبهة ديمقراطية، حزب فدا، جبهة نضال(15). واختفت فصائل من ساحة العمل الفلسطيني الرئيسية مثل منظمة الصاعقة والقيادة العامة وفتح الانتفاضة. وبعد قيام السلطة الوطنية انتقلت بعض الفصائل من وضعيتها كحركات ثورية إلى وضعية الأحزاب الحاكمة. وتشكلت قاعدة اجتماعية لقيام “حزب السلطة” يضم جمهور حركة فتح والأغلبية الساحقة من الموظفين والمنتفعين من السلطة وعائلاتهم(16).
افرازات سلبية قذفتها عملية السلام على الوضع الفلسطيني
لا شك في أن الاحتلال وموازين القوى الدولية والإقليمية ليست بريئة تماما من المعضلات والمشكلات الذاتية والموضوعية التي واجهها ويواجهها النظام السياسي الفلسطيني، إلا أن تحويل “الصهيونية والإمبريالية” إلى مشجب تحمّل عليه القوى الفلسطينية كل أخطائها وتقصيراتها، يدفع بأزمة النظام السياسي الفلسطيني إلى ذروته، وقد يؤدي إلى المزيد من الانفجارات والتشرذمات داخل هذا النظام. وفي سياق معالجة هذه الأزمة لا بد من مراجعة جريئة “تعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله”. تعترف المعارضة بأخطائها وتوضح حدود مسئوليتها عن الأزمة، وتعترف أطراف السلطة التي تحملت مسئولية المشاركة في عملية السلام وما نتج عنها. وفي سياق هذه المراجعة لا يستطيع اشد المتحمسين لعملية السلام إخفاء الافرازات السلبية التي قذفتها هذه العملية على الفلسطينيين وابرزها:
1) بعد صراع مع الذات ومع الإدارة الأمريكية حول شروط المشاركة الفلسطينية في عملية السلام وافقت قيادة المنظمة في الخارج، على مضض، على شروط المشاركة المجحفة التي تضمنتها رسالة الدعوة الأمريكية السوفيتية. أصعبها وأكثرها ضررا كان قبول التفاوض حول حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي على مرحلتين “انتقالية ونهائية”(17). صحيح ان الخيار الآخر كان يعني وقوفها عكس تيار دولي إقليمي جارف يعرضها لخطر التصفية، لاسيما وأنها خرجت من حرب الخليج مطاردة دوليا وعربيا ومصنفة ضمن القوى التي آزرت النظام العراقي في احتلال الكويت..الخ إلا أن وقائع حياة عملية السلام بعد اتفاق أوسلو بينت ان تأجيل بحث موضوع الاستيطان والقدس واللاجئين عزز موقع الطرف الإسرائيلي في المفاوضات. ومكنه من المماطلة والتسويف والتلاعب في مواعيد المراحل وفي تنفيذ ما وقع من اتفاقات. وتمكن الجانب الإسرائيلي في عهد عملية السلام من خلق وقائع جديدة على أرض الضفة والقدس والقطاع عبر الاستيطان وضاعفه. واضطر المفاوض الفلسطيني في مرحلة متقدمة من المفاوضات الدخول في بحث مسالة تأجير إسرائيل أراضي لسنوات طويلة وإجراء تبادل في الأرض لحل مشكلة الاستيطان(18).
2) بعد إبلاغ وزير الخارجية الأمريكية بيكر بالموافقة المبدئية على المشاركة في مؤتمر السلام بشقية الثنائي والمتعدد الأطراف، ارتفعت وتيرة الخلاف بين أطراف النظام السياسي الفلسطيني في الخارج، بلغ حد التشكيك في شرعية قيادة م ت ف. وانقسم النظام السياسي في الداخل والخارج على نفسه انقساما عميقا، اختلف عن كل الانقسامات التي سبقته. وكان لهذا لانقسام السياسي ما يبررة، بمقدار ما كان ولوجود معارضة وطنية قوية ضرورات وطنية. فالمسائل المطروحة على بساط البحث كانت ولا تزال تمس المصير الوطني برمته. والمشاركة الفلسطينية حسب رسالة الدعوة كانت ناقصة، حيث تقرر أن تكون في إطار وفد أردني فلسطيني مشترك، وأن لا يضم الوفد المفاوض أي ممثل عن الخارج والقدس. وأعلن جناح من النظام السياسي الفلسطيني رفضه لمؤتمر السلام، وظهر تعبير “القوى المعارضة لفريق مدريد”. ورغم أن المشاركة في عملية السلام تمت بقرار من المجلس الوطني الفلسطيني، وبعده المجلس المركزي واللجنة التنفيذية(19)، إلا أن المعارضة أعلنت الحرب ضد مؤتمر السلام وضد القيادة الفلسطينية. ورفضت الأخذ بمبدأ تولي الأغلبية دفة القيادة واحتفاظ المعارضة بمواقفها، وأعلنت انسحابها من الأطر القيادية التنفيذية للمنظمة، وشكلت إطارا خاصا بها جمعها كلها خارج أطر منظمة التحرير. ومع تقدم عملية السلام تعمق انقسام النظام السياسي الفلسطيني أكثر فاكثر، وترك بصمات سلبية على المفاوضات والوضع الوطني العام.
3) مع تشكيل السلطة الوطنية الأولى في أيار1994 وعبورها الوطن وتوليها عددا محدودا من المجالات في غزة وأريحا، دخلت علاقة السلطة مع المنظمة حيزها الرسمي والعملي الملموس. وترعرعت في ظل أجواء مأزومة داخليا وخارجيا. ولم يمضي وقت طويل حتى سلبت السلطة، عمليا، منظمة التحرير معظم مهامها وشلت حركتها اليومية وحلت محلها دون أن تملأ كل الحيز الجماهيري والخارجي الموجود للمنظمة. وأعطت نفسها منذ اليوم لتشكيلها حق تجاوز اللجنة التنفيذية مرجعيتها الأساسية. وعانت كل مؤسسات المنظمة الرسمية التشريعية والتنفيذية “مجلس وطني، مجلس مركزي، لجنة تنفيذية” من تآكل داخلي ومن تغييب واقعي لدورها، وصارت شبه محالة على التقاعد. وبغض النظر عن النوايا، فالخلط بين مهام الوزارة والوزراء وبين مهام اللجنة التنفيذية ولجنة المفاوضات، كهيئات وأفراد أبقى العديد من المهام الوطنية الكبرى مهملة، ولم تجد من يهتم بها ويتابعها. وتآكلت علاقات م ت ف بقوى حركة التحرر العربية، ولم تتم متابعة قضايا الفلسطينيين في الخارج كما تستحق.
صحيح أنه منذ تشكيل السلطة الفلسطينية وحتى الآن لم يصدر تصريح رسمي أو شخصي من أي مسئول فلسطيني يمس وجود المنظمة أو ينتقص من دورها، إلا أن “الأعمال ليست بالنوايا”. فالانقسام السياسي التنظيمي استفحل وتعمق وتحول الى نوع من الصراع التناحري بين الأطراف المكونة للمنظمة والسلطة. وندرة اجتماعات هيئات قيادية المنظمة التشريعية التنفيذية أفقدها حضورها الشعبي والرسمي وعطل دورها القيادي. وإنصافا للحقيقة لا تستطيع قيادة النظام السياسي الفلسطيني القديم تحميل عملية السلام والسلطة الوطنية وحدهما المسئولية الكاملة عن زرع جميع الأمراض البنيوية المزمنة في جسد المنظمة وعن الأزمة العريقة التي ما زالت تعانيها حتى الآن. فجميع الفصائل المكونة للمنظمة ساهمت بنسب متفاوتة في بنائها على أسس غير ديمقراطية، وعن وشل عمل مؤسساتها بدء من المجلس الوطني مرورا بالمجلس المركزي واللجنة التنفيذية، وانتهاء بأدنى لجنة فرعية من لجان المجلس الوطني. وكانت راضية عن تلك الأوضاع ومتعايشة معها ومستفيدة منها.
4) بعد الموافقة الفلسطينية على المشاركة في عملية السلام انقسم النظام السياسي العربي الرسمي والشعبي حول مبدأ المشاركة وأسسها. وتوترت علاقة منظمة التحرير بعدد من الحكومات والأحزاب العربية. وبعد “طبخ” اتفاق أوسلو وتوقيعه زادت حدة الخلافات بين منظمة التحرير وعديد القوى العربية، وفقدت القضية الفلسطينية عمقها العربي. ونجحت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في تعميق عزلة منظمة التحرير عن محيطها، واستفردتا بها في المفاوضات. وظهر تيار في الساحة الفلسطينية دعا إلى التخلي عن العمق العربي واعتماد الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية سبيلا لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وبعد توقيع أوسلو وتقدم العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية تعززت مكانة هذا التيار في إطار النظام الرسمي الفلسطيني وعمل على توسيع التعاون الاقتصادي والأمني قبل تسوية قضايا الحل النهائي.
إلى ذلك، ساهمت عملية السلام في تسهيل الطريق أمام الفلسطينيين في إسرائيل في تحسين أوضاعهم السياسية والاقتصادية وعمقت انتمائهم القومي. لكن أسس هذه العملية ومجرياتها خلقت انطباعا عاما في صفوفهم ان قيادة الشعب الفلسطيني ممثلة بقيادة م ت ف تخلت عن تبني حقوقهم التاريخية، واضعف فرص نضالهم من اجل انتزاع هذه الحقوق.
5) بعد المشاركة في عملية السلام وتوقيع عدد من الاتفاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين أهملت القوى الفلسطينية مهمة العمل داخل المجتمع الإسرائيلي وتعزيز علاقاتها مع قوى السلام في إسرائيل. واعتقدت قوى السلام في الطرفان ان طريق السلام سالكة، وان العملية بقوة الدفع لخارجية وبما راكمته قادرة على تجاوز جميع العقبات والعراقيل التي تقف في طريقها. الى ذلك، جاءت وقائع عشر سنوات من حياة العملية وأكدت أن درجة تطور الفكر السياسي في المجتمع الإسرائيلي لم تصل إلى مستوى تحقيق مصالحة تاريخية حقيقية بين الشعبين. وان الوصول إلى سلام شامل يحتاج إلى جهد متواصل من جميع قوى السلام. فالقوى الإسرائيلية المتطرفة صعدت للسلطة في انتخابات ديمقراطية، وأغلبية الإسرائيليين يرفضون التقدم تجاه حل عادل شامل لقضية القدس يقبل به الفلسطينيون. وحق العودة للفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم في عام 47-48 مرفوض بالمطلق ليس فقط من قوى اليمين بل من كل الأحزاب اليمينية واليسارية الإسرائيلية. أما تعويضهم عن أراضيهم وممتلكاتهم التي سلبت منهم فالواضح أنها قضية شائكة ومعقدة، والتفاوض حولها سوف يستغرق فترة طويلة. ولا أظن أن تبدلا نوعيا سيقع في مواقف وقناعات الشارع الإسرائيلي في غضون السنوات القليلة القادمة من هذا الموضوع. وهذا يعني بقاء فلسطينيي الشتات “نصف الشعب” من الآن ولسنوات طويلة في أماكن إقامتهم الحالية، وبقاء قضاياهم وكل القضية الفلسطينية معلقة بدون حلول. فقضية اللاجئين هي جوهر القضية الفلسطينية وبدون حلها لا حل للصراع الفلسطيني الإسرائيليين،
اشكالات موضوعية خلقتها عملية السلام
وبجانب هذه الاشكالات الذاتية واجه الفكر السياسي الفلسطيني بعد أوسلو وتشكيل السلطة الوطنية، ولا يزال يواجه، عددا من المعضلات الموضوعية المعقدة. معالجة بعضها لا يتوقف على رغبات الفلسطينيين وحدهما وأهمها. (1) نشوء تناقض حقيقي بين قانونية التزام منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية بالاتفاقات التي توصلت لها مع الحكومة الإسرائيلية، وبين شرعية استمرار المنظمة كمؤسسة وكإطار وطني ملتزم أمام الشعب بقيادة النضال الوطني وتنظيم أشكال النضال المناسبة ضد الاحتلال حتى العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة. فالاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية تلزم م ت ف والسلطة الوطنية بوقف حملات التعبئة العدائية ضد إسرائيل، وبوقف العنف بكل أنواعه ضد قوات الاحتلال. والحفاظ على أمن إسرائيل والإسرائيليين، بما في ذلك المستوطنات والمستوطنين المقيمين على الأراضي الفلسطينية وبمعاقبة كل الأفراد والجماعات الذين يمارسونه. في وقت لم تقدم هذه الاتفاقات حتى الآن حلولا مرضية للشعب الفلسطيني ولم تعالج قضاياه الأساسية ـ اللاجئين، القدس، الحدود، النازحين، المستوطنين والمستوطنات،…الخ. ناهيك عن عدم توقف الاحتلال عن أعماله الإرهابية والقمعية التي يمارسها يوميا ضد الفلسطينيين. الى ذلك، على المفكرين الفلسطينيين معالجة معضلات تقييد علاقة السلطة الفلسطينية مع إسرائيل بعدد من الاتفاقات، ومحاولا اسرائيل التدخل في شئون السلطة، وتأثير الدول المانحة وبخاصة الأمريكي في صياغة القرار الفلسطيني. (2) عدم القدرة على التوفيق بين متطلبات نهوض السلطة الوطنية بمهمة بناء مؤسساتها المدنية والاقتصادية والعسكرية الأمنية في غزة والضفة الغربية، مع متطلبات الحفاظ على وحدة مؤسسات م ت ف ودورها كإطار وطني قيادي لكل الشعب يضم قوى متعددة متعارضة ومتناقضة في مواقفها من القضايا الجوهرية، ومن ضمنها اتفاق إعلان المبادئ الذي مكّن المنظمة من تشكيل السلطة. فمواقف القوى المشكلة للنظام السياسي تتراوح بين من يشارك في السلطة وراض عن تشكيلتها، ومن لا يزال داخل المنظمة وخارج السلطة وغير راض عن تشكيلها وعن التزاماتها مع الإسرائيليين. وهناك من هو خارج المنظمة وخارج السلطة ويعارض الاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية ويعمل بكل السبل على الإطاحة بها(20)، ويتمنى الفشل للسلطة ويسعى لتفشيلها حيث استطاع ذلك سبيلا. (3) صحيح أن مرحلة الكفاح المسلح قد انتهت، إلا أن مسار المفاوضات وتلاعب إسرائيل بالاتفاقات، وحالة السلطة لم تدفع الشعب في الداخل والخارج الى اعتماد السلطة الوطنية كبديل او كوريث كامل للمنظمة قادر على قيادة المرحلة، ويمكن الاعتماد عليه في تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى والأساسية. خاصة وان مسيرة المفاوضات متعثرة والاتفاقات لم تعالج قضايا الصراع الكبرى. وهذه المعادلة تنعش ليس فقط القوى والأفكار المتطرفة، بل تبعث الحياة من جديد في الأفكار والدوافع التي وقفت خلف تأسيس م ت ف. وقد تدفع، يوما ما، قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، وبخاصة اللاجئين، الى إدارة الظهر للمنظمة التي نعرفها اذا لم تؤخذ مصالحهم بعين الاعتبار، ولم تعالج الحلول السياسية قضاياهم بصورة مرضية، ولم يجدوا من يدافع عن حقوقهم في بلدان الشتات. وقد يتوجهون للبحث ولو “بعد زمن “عن صيغة بديلة يعبرون فيها عن أنفسهم وعن تطلعاتهم، ويتحركون من خلالها للدفاع عن مصالحهم واستعادة حقوقه المغتصبة. وأعتقد ان استمرار تعثر المفاوضات، واستمرار حزب الليكود في قمة السلطة، يسّرع خطاهم في هذا الاتجاه، ويبعدهم أكثر فأكثر عن النظام السياسي الحالي.
(4) تمشيا مع روح عملية السلام والتزاما بالاتفاقات شطب المجلس الوطني في دورة غزة “ربيع 1996″ بنود الميثاق المتعارضة مع الاتفاقات(21)، وتلك التي كانت تتحدث عن الكفاح المسلح أسلوبا للتحرير، وبقيت المنظمة للان بدون ميثاق. في حينه لم يحظى شطب تلك البنود بإجماع فصائل وقوى المنظمة أو من هو خارجها، ولم يستفتى الشعب حول الموضوع. صحيح أن ميثاق المنظمة هرم وشاخ قبل الإلغاء، وكان بحاجة لتطوير منذ زمن طويل، إلا أن بقاء المنظمة دون ميثاق يجعلها أشبه بباخرة تبحر في بحر هائج دون بوصلة تحدد لها تجاه حركتها. ويخطئ من يعتقد أن التسريع في تمويت المنظمة يمنح الحياة للسلطة ويسرّع في تحولها لبديل مقبول. فالمنظمة كانت ولا تزال وطن اللاجئين عبره يعبرون عن تطلعاتهم الوطنية. وانتفاء مبرر وجود المنظمة رهن بقيام الدولة المستقلة وحل مشكلة اللاجئين، وليس قيام السلطة الوطنية فقط.
انتفاضة “القدس والاستقلال” الابن الشرعي لأزمة عملية السلام
أثر الانتفاضة على النظام السياسي الفلسطيني وعلاقاته العربية
بعد التوصل إلى اتفاق أوسلو، وقبل الإعلان عنه في أيلول /سبتمبر1993، انقسم النظام السياسي العربي، بين مؤيد ومعارض للاتفاق. ونشأ صراع فلسطيني داخلي ووقع انشقاق في منظمة التحرير. وظلت سلبيات الصراع حول “أوسلو” قائمة، في مجالات عدة، حتى فشل مفاوضات الحل النهائي في قمة كامب ديفيد أواخر تموز/يوليو عام 2000، وانفجار الانتفاضة الأقصى أواخر أيلول/ سبتمبر2000. وتأكد العرب، شعوبا وحكومات، خطأ بعض التقديرات المتعلقة باستسلام الفلسطينيين. وظهر لهم أن موقف القيادة الفلسطينية في مفاوضات المرحلة الانتقالية، يختلف عن موقفها في مفاوضات الحل النهائي، وخصوصا بشأن حل قضايا الأرض والقدس واللاجئين. ولاحظوا أن تساهل المفاوض الفلسطيني في الأولى قابله تشدد في الثانية(22). وظهر للجميع أن أنصار الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية أقلية ضئيلة في الشارع الفلسطيني وفي الإطار القيادي المقررة. وأن بروز دورهم في مرحلة ما لا يعني ضعف التيار المؤمن بالتضامن العربي وبقومية الصراع ضد إسرائيل والاستعمار الأجنبي.
ومع تصاعد حركة الانتفاضة في الضفة وقطاع غزة، شاهد العرب والعالم فاشية سلوك جيش الاحتلال والمستوطنين. وتبددت الصورة الزائفة حول انتهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي نجح الإعلام الأمريكي الإسرائيلي في تكوينها في عواصم العالم في تسع سنين من المفاوضات والاتفاقات التي تمت بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأدركت غالبية شعوب العالم وجميع القوى الدولية ان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يزال مستمرا. واهتز النظام السياسي العربي بشقيه الشعبي والرسمي، لمناظر المواجهات غير المتكافئة. وخلقت بداية صحوة عربية من مرحلة السبات العميق الذي عاشه على مدى عقد من الزمن. واجتاحت المظاهرات العارمة شوارع العواصم العربية من المحيط إلى الخليج، واستنكرت جرائم الاحتلال وتدنيس شارون ساحة المسجد الأقصى. وكانت حركتها القوية بمثابة رسالة احتجاج شعبية شديدة اللهجة على استمرار تمزق النظام الرسمي العربي. ودعوة من الشعوب العربية لأنظمتها لإحياء التضامن العربي وإغلاق جميع الطرق أمام استفراد إسرائيل والاستعمار القديم والجديد بالشعب الفلسطيني وبأي من الدول العربية. وطالبت الشعوب العربية حكوماتها دعم الانتفاضة في مواجهة الهجمة الصهيونية المدعومة أمريكيا وتمكين أهلها استرداد حقوقه المغتصبة. وتحركت حكومات الدول العربية وعقدت القمة العربية مرتين خلال عام واحد من عمر الانتفاضة، واستعادت القضية الفلسطينية عمقها القومي، وعادت لموقعها الطبيعي كقضية إقليمية دولية متفجرة.
وبعد إعلان الزعماء العرب مساندة الانتفاضة في كل المجالات، وتمسكهم بالرؤيا الفلسطينية لتسوية قضايا الحل النهائي والانسحاب إلى حدود 1967 والقدس واللاجئين، وتبنيهم طلب الفلسطينيين توفير الحماية دولية، استبشر الناس في الضفة والقطاع خيرا. وبعد قرار الزعماء دعم صمودهم بأكثر من مليار دولار وإغلاق بعض السفارات ومكاتب التمثيل العربية في تل أبيب زاد تفاؤلهم، ولام كثير من أهل الانتفاضة أنفسهم على قنوطهم السابق من الموقف الرسمي العربي. وبينت قرارات قمتي القاهرة وعمان ان تراجع النظام السياسي الرسمي العربي وضمنه النظام الفلسطيني، في العقد الأخير من القرن الماضي، لم يصل درجة الاستسلام والرضوخ للمطالب الإسرائيلية، وقبول تسوية مذلة للقضية الفلسطينية وسلام معيب للعرب(23) وتأكد الفلسطينيون داخل الأرض وخارجها أن قضيتهم لا تزال حية في ذهن الشعوب العربية وأنظمتها. ولمسوا أنها لم تفقد موقعها المميز الذي احتلته في الفكر السياسي العربي باعتبارها قضية العرب المركزية. وانتعش أنصار تنسيق الموقف الفلسطيني مع مواقف الدول العربية الأخرى. ولام بعضهم نفسه على شعارهم “يا وحدنا”، الذي رفعوه إبان حصار إسرائيل مدينة بيروت عام 1982، وكرروه في الأيام الأولى للانتفاضة. واستمد ناس الانتفاضة من الموقف العربي قوة وعزيمة جديدتين،
ورغم خضوع الفلسطينيون بشرا وارض وشجر وممتلكات، لكل أشكال القتل والتنكيل والعقوبات الجماعية، على امتداد عام الانتفاضة، لا يزال معظمهم ؛ فقراء وأغنياء، عمال وأرباب عمل، حزبيين ومستقلين، مقتنعين بان “الانتفاضة والمقاومة” هي الخيار الوحيد الباقي أمامهم لانتزاع حريتهم واستقلالهم وطرد الاحتلال من أرضهم وإقامة دولتهم المستقلة في الضفة وقطاع غزة. وان عملية السلام لم تحقق لهم أهدافهم. ومقتنعون انهم قطفوا، في زمن الانتفاضة، ثمارا كثيرة ثمينة، وبعضها الآخر لم ينضج بعد وقطفه مؤجل. أكبر هذه الثمار الثمينة، هي استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي أصابها صدع كبير في العقد الأخير من القرن العشرين. وزال خطر انقسام الشعب بين داخل وخارج، الذي صعد بعد توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993. وتأكد أهل الانتفاضة والفلسطينيون في الخارج خطأ موقف قوى المعارضة وتأكد اللاجئون والنازحون في الخارج والداخل من ان عملية السلام لم تقف على رجليها على حسابهم كما روجت المعارضة الفلسطينية. وان اتفاق أوسلو وجميع اتفاقات وتفاهمات السلام التي تمت في المرحلة الانتقالية لم تبدد حقوقهم. وقيود أوسلو” لم تمنع قيادة السلطة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية من المشاركة في الانتفاضة منذ اليوم لانطلاقتها، ودخلت في مواجهة مكشوفة مع القيادتين الإسرائيلية والأمريكية دفاعا عن الحقوق الوطنية.
وفي زمن الانتفاضة تراجعت نغمة لاجئين ومواطنين، عائدين ومقيمين..الخ وكانت هذه النغمة الانقسامية أخذت مجدها بعد تشكيل السلطة الوطنية في العام 1994، وبعد دخول قيادة منظمة التحرير إلى الضفة وقطاع غزة وإسنادها معظم الوظائف الأمنية والإدارية الحساسة للكوادر العائدة معها.. صحيح ان اللاجئين والنازحين وأغلبية الفلسطينيين فقدوا ثقتهم بقدرة عملية السلام الجارية وحدها على استرداد جميع حقوقهم التاريخية. ومقتنعون بعبثية استمرار المفاوضات، خاصة بعد تلاعب القيادة الإسرائيلية بالاتفاقات واستهتارها بتواريخ تنفيذ التزاماتها، إلا ان آمالهم انتعشت في زمن الانتفاضة. واقتنعوا ان وحقوقهم لم تندثر وظلت محفوظة في ذهن هذه القيادة وفي جميع المحافل الدولية. ولمسوا تصدر قضيتهم الأحداث بعد غياب نصف قرن وأصبحت نقطة مركزية في المفاوضات والتحركات الإقليمية والدولية، وتسببت مع مشكلة القدس بأزمة المفاوضات وتوتر العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية.
إلى ذلك، وحّدت الانتفاضة قوى الحركة الوطنية الفلسطينية، سلطة ومعارضة، وصهرت طبقات الشعب الفلسطيني وفئاته في الضفة وقطاع غزة في بوتقة واحدة ضد الاحتلال. وبينت وقائع الصراع لمن يريد ان يرى الحقيقة، أن الانتفاضة الحالية لم تحدث تغييرا نوعيا في موازين القوى الشارع الفلسطيني او في إطار النظام السياسي الرسمي والشعبي. او داخل الفصائل. ولم تفرز قيادات وطنية مستقلة جديدة من خارج قوى النظام السياسي الفلسطيني المعروفة كما حصل في الانتفاضة الأولى، حيث قدمت للشعب والعالم صفا من الشخصيات الوطنية “من الداخل”. ولم تحدث هذه الانتفاضة حتى الآن تغيرا نوعيا في نظم ولوائح القوى الوطنية والإسلامية. ولم تضعف مواقع قادة او هيئات قيادة داخل الأحزاب القوى الحزبية الفلسطينية لحساب صعود دماء جديدة.
وفي زمن الانتفاضة أظهر الفلسطينيون في إسرائيل وحدتهم كأقلية قومية تخضع للاضطهاد والتمييز. وبرهنوا بالملموس انهم جزء حيوي من الجسد الفلسطيني الذي إذا اشتكى عضو منه تداعت لنجدته بقية الأعضاء. وصنعوا أنبل وأهم ظاهرة عرفها الصراع العربي الإسرائيلي منذ نكبة العام 1948. وسقطت فرضية أسرلة العرب في إسرائيل التي بنت عليها القيادات الإسرائيلية أوهام الحفاظ على وحدتها. ويدرك البحاثة الإستراتيجيين الإسرائيليين إن تحرك الفلسطينيين في إسرائيل تم على خلفية قومية بالأساس.
لقد غيرت القيادة الإسرائيلية في زمن الانتفاضة أسلوب تعاملها مع العرب في إسرائيل، بأمل إرهابهم وفصلهم عن قضايا أهلهم خارج إسرائيل، وإضعاف وزنهم في مرحلة المفاوضات والتسوية السياسية. وهذا التغيير يستوجب تغيير فلسطيني مضاد يشرك العرب في إسرائيل بصيغة وأخرى في رسم التوجهات الوطنية الفلسطينية العامة، دون تعريضهم لمزيد من القمع والإرهاب. خصوصا وان مفاوضات الحل النهائي تعني جميع أبناء الشعب الفلسطيني أينما كانوا. وإذا كانت طبيعة الحلول الاستراتيجية التي تفكر بها القيادة الإسرائيلية لمعضلة الوجود العربي الكثيف في إسرائيل غير واضحة للآن، فهبتهم الشعبية في إطار الانتفاضة بينت ان الانتماء القومي في صفوف مليون وربع فلسطيني حملة الهوية الإسرائيلية بلغ مرحلة نوعية جديدة لا يمكن تجاهلها. ونبهت أركان النظام السياسي في إسرائيل إلى هذا الخطر الاستراتيجي على هوية الدولة العبرية. وإذا كان تجريد العرب في إسرائيل من انتمائهم القومي، وقلعهم من أرضهم وإبعادهم إلى الضفة وقطاع غزة أو الدول العربية، أمورا غير واردة في القرن الحادي والعشرين، فستجد إسرائيل نفسها بعد اقل من عقدين أمام خيار التخلي عن يهودية الدولة والإقرار بان إسرائيل دولة ثنائية القومية ومنح العرب نوعا من الحكم الذاتي.
أثر الانتفاضة على النظام السياسي الإسرائيلي
تبين تصريحات الرسميين الإسرائيليين مدنيين وعسكريين، وبيانات الحكومة وما تتناقله الصحافة ووكالات الأنباء من إسرائيل، أن الانتفاضة فرضت نفسها على المجتمع الإسرائيلي وتركت آثارا مباشرة في كل مناحي حياته اليومية. ولا خلاف بين أنصار السلام في إسرائيل، وأنصاره في الحقلين الإقليمي والدولي على أن فوز شارون زعيم اليمين يوم 7 شباط 2000 برئاسة الوزراء، كان بمثابة انقلاب سلمي في إسرائيل لعبت الانتفاضة وتعثر عملية السلام دورا محوريا في وقوعه. وهذا الانقلاب عكس تمرد أغلبية المجتمع الإسرائيلي على الوفاق الدولي وعلى القوى الإقليمية والدولية الراغبة في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي بالطرق السلمية، وصنع الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المضطربة من العالم.
ويجمع أنصار السلام على ان نجاح هذا الانقلاب السياسي الجديد عمق مأزق عملية السلام على مساراتها الثلاث الفلسطيني والسوري واللبناني، وأطال أزمة المفاوضات على المسار الفلسطيني وزاد في تعقيدها. وبإمكان المؤرخين للصراع العربي الإسرائيلي اعتماد الانتفاضة وفوز شارون في الانتخابات، دون تردد، حدا فاصلا بين نهاية مرحلة من العلاقات الفلسطينية العربية ـ الإسرائيلية كانت أهدافها واضحة وطريقها معروفة، وبين بداية مرحلة جديدة شديدة التعقيد يصعب التكهن بأحداثها وتقدير جميع نتائجها النهائية. لاسيما وان المرحلة الجديدة بدأت بتهييج المشاعر الوطنية والقومية والدينية في عموم أرجاء الشرق الوسط. وتبخرت أوليات الثقة المتبادلة التي بنيت في السنوات الأخيرة بين وإسرائيل وأطراف في النظام الرسمي العربي، وحل محلها شك كبير بالنوايا. وتعمق الشرخ الذي ظل قائما بين الشعوب العربية والشعب الإسرائيلي. وظهر في إسرائيل من أدان رهان القيادة الإسرائيلية في عهد حزب العمل على إمكانية صنع السلام مع العرب وتسوية النزاع مع الفلسطينيين.
وفي زمن الانتفاضة، زادت نسبة الإسرائيليين المطالبين بحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي “الجيوسياسي” المتعلق بالأرض والحدود والمستوطنات والدولة الفلسطينية على قاعدة التعجيل بالفصل بين الشعبين وقيام دولتين لشعبين لهما حدودا دولية معروفة(24).
وبصرف النظر عن رأي أطراف النظام السياسي الإسرائيلي في الانتفاضة فقد احتلت من اليوم الأول لانطلاقها موقعا بارزا في الفكر العسكري ـ الأمني الإسرائيلي. وأحدثت هزة سياسية قوية في النظام السياسي وغيرت خريطة تحالفاته السياسية والحزبية. وساهمت في عامها الأول في ميل المجتمع الإسرائيلي نحو مواقف قوى اليمين، وضعفت قوى اليسار وتقلصت الفروقات بين حزب العمل والجناح المعتدل في تيار اليمين. ووجد حزب العمل في ائتلافه مع حزب الليكود في حكومة اتحاد وطني باب نجاة مؤقت. ولا تزال تفاعلات الانتفاضة مستمرة تضغط على المجتمع الإسرائيلي وعلاقته الداخلية.
ويمكن التكهن بان هدوء الصراع بين الحزبين الكبيرين “العمل وليكود” حول عملية السلام وقضايا المفاوضات لن يعمر طويلا، وائتلافهما في إطار حكومة اتحاد وطني لن يدوم في زمن الانتفاضة أكثر من بضع شهور. ويمكن للجانب الفلسطيني المساهمة في تعجيل فك هذا التحالف إذا احسن إدارة الصراع وطرح مبادرات سياسية تحاكي خلافات الطرفين، وعكس ذلك صحيح أيضا. فوقف العمليات العسكرية ضد المدنيين في إسرائيل مثلا وتهدئة الوضع الأمني والوصول إلى طاولة المفاوضات يضع شارون في زاوية ضيقة. فموافقته على وقف الاستيطان يفجر علاقته مع الأحزاب اليمينية التي تؤمن بالاستيطان. ورفضه الالتزام بوقف الاستيطان يفجر علاقته بشريكه الرئيسي حزب العمل، ويوتر علاقته بالإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي التي تتبنى وقف الاستيطان بكل أشكاله حسب تقرير “ميتشيل”.
إلى ذلك، زرعت الانتفاضة حالة من القلق والاضطراب في صفوف نسبة واسعة من الإسرائيليين. وتقلص عدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل. وألحقت الانتفاضة بالاقتصاد الإسرائيلي خسائر لا يستهان بها، وتضررت مصالح فئات واسعة من المجتمع. وتحطم فرع السياحة في وقت توقع ناسه ازدهارا قويا في نهاية الألفية السابقة وبداية الألفية الجديدة، وألغى مستثمرون أجانب ومستثمرون محليون مشاريع استثمارية كبيرة في هذا الفرع. وأصيبت فروع البناء والصناعة والتجارة والزراعة بأضرار واسعة، نجمت عن نقص في العمالة الفلسطينية الرخيصة وتدني التصدير إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية. وإذا كان ضجر أصحاب رؤوس الأموال وأرباب العمل في إسرائيل من الخسارة لا يزال خافتا، فاستمرار الأوضاع على ما هي عليه فترة أطول يدفع بهم إلى التعبير عن ضجرهم من الأوضاع التي وضعهم فيها باراك وتفاقمت في عهد شارون. ولن يتأخروا في اتهام رئيس الحكومة شارون ووزير دفاعه بن إليعازر “فؤاد” بالفشل في تحقيق الأمن والسلام التي وعدوا بها، وهي ذات التهم التي وجهت لباراك في أواخر حكمه ولم يصوتوا له بسببها.
وأكدت الانتفاضة للعالم أن لا سلام مع الاستيطان، وبينت لأغلبية الإسرائيليين أن تعايش المستوطنين مع الفلسطينيين المحيطين بالمستوطنات أمر مستحيل. وبينت دور الاستيطان في تفجير الصراع وإدامته. وزعزعت ثقة المستوطنين بمشروعهم وتحولت حياة بعضهم إلى جحيم وزاد عدد الشقق الخالية في معظم المستوطنات وتدنت أسعار البيوت فيها وبخاصة المستوطنات المعزولة والقريبة من المدن والقرى الفلسطينية، وتلك التي صنفها اسحق رابين تحت بند مستوطنات سياسية. وعززت الانتفاضة أطروحة حزب العمل حول الاستيطان. وظهر للإسرائيليين أن مجاراة مطالب المستوطنين الأمنية وتوجهاتهم التوسعية في الأرض الفلسطينية مكلف أمنيا وسياسيا وماليا. ويلحق أضرارا فادحة بسمعة إسرائيل وعلاقاتها الإقليمية والدولية وبالاقتصاد الإسرائيلي. ويزج الإسرائيليين في صراعات دموية بداياتها معروفة ونهاياتها مجهولة. وزادت قناعة أنصار صنع الأمن والاستقرار في المنطقة بان الاستيطان عقبة كأداء في طريق السلام يمكنها تدمير بذوره.
وخلال عام من عمرها، مست الانتفاضة بعض مرتكزات الأمن في إسرائيل. وإذا كان بناء أمن استراتيجي قوي للدول والحفاظ عليه يتحققان بمقدار ما تنجح الدولة في توسيع شبكة المصالح الأمنية المشتركة مع التجمعات والدول المحيطة بها وإقامة علاقات سلام ثابتة مع جيرانها، فالأمن الخارجي الإسرائيلي صارا بعيدا المنال في زمن الانتفاضة.
والواضح أن القيادة الإسرائيلية فوجئت بسرعة التحول في مواقف رجال الأمن والشرطة الفلسطينية، وانخراطهم السريع في الدفاع عن أهلهم وعن شرف السلاح الذي حملوه. وبعد عام من عمر الانتفاضة أدرك قادة الأذرع الأمنية الإسرائيلية ان عهد اعتماد إسرائيل على أجهزة الأمن الفلسطينية في ضبط الأمن في المناطق الفلسطينية وفقا للمفهوم الإسرائيلي قد انتهى. وبات قادة الجيش الإسرائيلي يعتبرونها قوات اقرب إلى المعادية، وتحولت في كثير من الأحيان إلى هدف لإطلاق النار. ولم يعد بإمكان الطرفين الحديث عن العودة إلى تعاون وتنسيق أمني بصيغته القديمة، بعد ان أطلق رجال الأمن من الطرفين النار على بعضهما البعض، وسقط عدد كبيرة من القتلى والجرحى. فسقوطهم اسقط أسس الترتيبات الأمنية المشتركة المعروفة التي نظمت علاقاتهما بعد اتفاق أوسلو.
وكشفت “هبة العرب” في إسرائيل للرأي العام العالمي عيوب أساسية في تكوين دولة إسرائيل الديمقراطي، وفي مجال حماية حقوق الإنسان. ومع سفك إسرائيل دماء 13 مواطن عربي من حملة الهوية الإسرائيلية فتح جرح الفلسطينيين القديم في الجليل والمثلث والنقب(25). وظهر للجميع ان تجاهل علاجه منذ العام 1948 كان خطئا إسرائيليا استراتيجيا كبيرا يستدعي التصحيح. وإذا كان ليس واضحا الآن طبيعة العلاج التي يفكر بها الإستراتيجيين الإسرائيليون لهذا الجرح العميق، فالمؤكد ان هبة العرب في إسرائيل لنجدة انتفاضة إخوانهم والدفاع عن مقدساتهم فتحت جبهة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي. لا تستطيع القيادة الإسرائيلية، ولا القيادة الفلسطينية وحكومات الدول العربية تجاهلها في السنوات المقبلة.
وفي مرحلة الانتفاضة يستطيع الإنسان العادي رؤية بدأ مرحلة انحسار علاقات السلام العربية ـ الإسرائيلية وتدهورها بتسارع كبير واندفاع الصراع في منحى ديني خطير لا حل له. وبجانب قرارات القمتين العربيتين سحبت مصر والأردن سفيريهما من تل أبيب، وأغلقت الدول العربية الأخرى مكاتبها التمثيلية. وتدهورت علاقة إسرائيل مع مصر اكبر بلد عربي وشريكها الرئيسي في عملية السلام وتكاد تصل درجة القطيعة. وخلال فترة الانتفاضة ارتفعت درجة التوتر في العلاقات السورية اللبنانية ـ الإسرائيلية إسرائيل اكثر من أي وقت مضى. وأعاد النظام الرسمي العربي الحياة لمكتب المقاطعة العربية التابع لجامعة الدول العربية. ومما لا شك فيه ان استمرار شارون في سياسته المعادية لعملية السلام ومواصلة تنكيل أجهزة الأمن الإسرائيلية بالفلسطينيين تدفع بالعلاقات العربية الإسرائيلية عامة والأردنية المصرية على وجه الخصوص إلى مزيد من التدهور والتعقيد.
إلى ذلك، أعادت الانتفاضة لذهن الرأي العام العالمي صورة إسرائيل المعتدية على العرب والفلسطينيين. وأظهرت بوضوح عدم احترام إسرائيل للاتفاقات وكل ما تتعهد به، ولا تعير السلم العالمي أي اهتمام يذكر. ولم تتردد معظم الدول الأوروبية والإسلامية والأفريقية المهتمة بقضايا منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة تلك التي ساندت عملية السلام ورعتها ومولتها في تحميل الحكومة الإسرائيلية مسئولية رئيسية عن تدهور أوضاع المنطقة. وتطالبها بالالتزام بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الفلسطيني وتنفيذ ما استحق منها وإنهاء سياسة الإغلاق وفك الحصار المضروب حول الشعب الفلسطيني والعودة إلى طاولة المفاوضات.
وإن تمترس القيادة الإسرائيلية خلف المتاريس الأيدلوجية والسياسية والعسكرية وتمسكها بفكر المحتل وعنجهيته وإصرارها على كسر شوكة الفلسطينيين وإخضاعهم بالقوة يجعل ما وقع من اشتباكات سياسية وعسكرية بين الطرفين كاف تماما لتكوين خميرة نوعية لاشتباكات لاحقة، اكبر واخطر واعنف، حتى لو هدأت المواجهات فترة من الزمن. واستمرار إسرائيل باعتماد خيار الحل العسكري للانتفاضة يزج المنطقة في صراعات دموية جديدة لا طائل منها وينذر بانفجار الأوضاع بصورة اعنف.
وإذا كان أهل الانتفاضة يجمعون على ان لا عودة بالأوضاع والعلاقات إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة، فدعاة السلام في إسرائيل وكثير من أركان المؤسسة الأمنية والعسكرية باتوا مقتنعين بهذه المقولة. ويجاهرون بشكوكهم في قدرة الحلول الأمنية ـ العسكرية على إخماد الانتفاضة. وبات أنصار السلام والواقعيون الإسرائيليون يؤمنون ان الإصرار على الحل العسكري للانتفاضة والتأخر والتلكؤ في البحث عن حل سياسي يؤجج نيرانها. وقد يحرق كل الأوراق والاتفاقات التي تمت بين السلطتين ويدمر علاقات السلام التي نشأت بين الشعبين. ويجرف معه الجهود الدولية والإقليمية الكبيرة التي بذلت على مدى عشر سنوات ويعيد أوضاع المنطقة إلى حالة الحرب والكراهية والعداء التي كانت سائدة قبل اتفاق أوسلو عام 1993، وقبل انطلاق عملية السلام من مدريد في العام 1991.
هل ضاعت فرصة صنع السلام في المنطقة
بعد عشر سنوات من النشاط السلمي الواسع”1991ـ2001″، بينت وقائع الحياة ان ما استخلص حول آفاق عملية السلام غير ثابت وغير دقيق. وان جميع اللقاءات والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، العلنية والسرية، والاتفاقات الكثيرة التي توصل إليها الطرفان لم تبني أخلاقية واضحة ومبادئ ثابتة لعلاقة سلمية دائمة ومتطورة بينهما. وان النشاط الدولي والإقليمي الهائل الذي بذل من اجل السلام لم يبن سياجا متينا يحمي الاتفاقات وعلاقات السلام من عدوانية القوى المتطرفة. ولم ينجح في إرساء الأسس اللازمة لبقاء خيار السلام خيارا ووحيدا لمعالجة الصراع. وظهر الإسرائيليون أمام الفلسطينيون قبل وبعد مفاوضات كامب ديفيد الثلاثية وطابا، انهم غير ناضجين لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي على أسس عادلة. وبالمقابل ظهرت القيادة الفلسطينية أمام الإسرائيليين وأمام الإدارة الأمريكية أنها غير ناضجة لسلام واقعي، خصوصا عندما تمسكت بالقرار194، الخاص بحقوق اللاجئين. وتمسكت بحقهم في العودة إلى أرضهم التي صار اسمها إسرائيل.
وأيا تكن خلفيات انتخاب شعب إسرائيل شارون في شباط 2001، رئيسا لوزراء بأغلبية كبيرة، فانتخابه غيّر قواعد اللعبة السياسية الأمنية التي حكمت علاقة الفلسطينيين بالإسرائيليين منذ اتفاق أوسلو عام 1993. ووجوده في قمة الهرم السياسي كاف تماما لإبقاء عملية السلام في حال مزرية طيلة فترة حكمه. وهو لم ولا يخفي عدائه لاتفاق اوسلو ولجميع الاتفاقات التي تلته، وله مفهومه الخاص للسلام ينسف الأسس التي بنيت عليها عملية السلام. ويسعى جاهدا إلى تحقيق أحلام المتطرفين الذين انتخبوه. وبدأ عهده بالإصرار على تغيير قواعد المفاوضات من جانب واحد، ويطرح حلولا مرحلية طويلة الأمد بدلا من الالتزام بمواصلة المفاوضات حول قضايا الحل النهائي من حيث انتهت في عهد من سبقوه.
لا شك في ان تبخر فكر السلام في الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي وانفجار الصراع الدموي بينهما من جديد، غير قواعد اللعبة السياسية ووضع منطقة الشرق الأوسط على أبواب مرحلة لا تزال في طور التشكل والتكوين، تشبه إلى حد كبير المراحل التي سبقت اتفاق أوسلو ومؤتمر مدريد. والتدقيق في حال عملية السلام على المسارين السوري واللبناني في زمن الانتفاضة وزمن شارون وقبلهما، يبين ان هذين المسارين سبقا المسار الفلسطيني واستقرا في قلب مرحلة الجمود منذ فشل اللقاء الذي جمع الرئيس كلينتون بالرئيس المرحوم حافظ الأسد في جنيف في آذار عام 2000. ويفترض ان لا يكون خلاف بين أنصار صنع السلام في المنطقة على أن عملية السلام على هذين المسارين تزودت في مرحلة، الانتفاضة ـ شارون، بمزيد من مقومات التعقيد والجمود. وبات في حكم المؤكد أن العلاقات السورية اللبنانية ـ الإسرائيلية مرشحة لمزيد من التدهور في عهد شارون. وليس عاقلا من يتصور ان القيادة السورية الجديدة مستعدة لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل من نقطة الصفر كما يطالب شارون، أو الموافقة إعادة فتح ملف الترتيبات الأمنية بعد إغلاقه في عهد الرئيس المرحوم الرئيس حافظ الأسد. ولا يمكنها قبول إعادة البحث في مسألتي المستوطنات والانسحاب من الأراضي السورية المحتلة، بعد موافقة الحكومات الإسرائيلية السابقة، بحضور “كلينتون” الشاهد العدول في نظر الإسرائيليين، على إزالة جميع المستوطنات والعودة إلى خطوط الرابع من حزيران 1967. وتمحور الخلاف فقط حول بضع مئات من الأمتار على شاطئ بحيرة طبريا الشمالي الشرقي فقط. ومن غير المعقول أيضا ان توافق القيادة السورية الجديدة على أن يكون الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان مختلف عن الذي نفذه في جنوب لبنان. أو قبول الدخول في بحث الحلول المرحلية الطويلة التي يدعو إليها شارون، خاصة انه يصر على ان تبدأ أولا بتطبيع العلاقات وعمل ترتيبات ميدانية تضمن أمن إسرائيل.
وبصرف النظر عن الدوافع والأسباب التي دفعت إسرائيل إلى الانسحاب من جنوب لبنان بعد قرابة عشرين عاما من احتلاله، فالتزامها بتنفيذ القرار 425 يؤكد ان قرارات الشرعية الدولية لا تموت بتقادم الزمن عليها. ومن التزم ونفذ القرار 425 الخاص بجنوب لبنان لا يستطيع الاستمرار في التهرب في تنفيذ القرارين 242، و338 المتعلقين بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية والسورية التي احتلت في العام 1967. وبديهي القول إن الحكومة اللبنانية لن تقبل هي الأخرى بقاء مزارع شبعا وأجزاء أخرى من الأراضي اللبنانية محتلة إلى الأبد، وبقاء مواطنيين لبنانيين معتقلين في السجون الإسرائيلية. ولن تتفاعل مع رغبات شارون بوقف نشاط المقاومة اللبنانية مقابل وعد بعدم تدمير البنية التحتية للمجتمع المدني اللبناني.
وإذا كانت هذه هي مقدمات المرحلة الجديدة، الانتقالية، التي دخلتها المنطقة بعامة، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي خاصة فبالإمكان تخيل مجريات الأحداث في الشهور القادمة وتخيل بعض نتائجها المحتملة على عملية السلام الراكدة في غرفة الإنعاش الدولية. لاسيما وان الطبيب الأمريكي “الجديد”، “إدارة بوش”، الذي يتولى الإشراف على حالتها أعلن انه لا يملك العلاج اللازم لشفائها، ومنح نفسه إجازة طويلة. وخفّض وتيرة تدخله المباشر لحل أزمتها المعقدة، وترك أهل المنطقة يتدبرون أمرها فيما بينهم. ويطالبهم بخفض وتيرة العنف والوصول إلى تفاهم ما، وهو يعرف انهم سئموا من العملية السلام وبعضهم يسعى لوأدها والخلاص منها، وان ما وقع بين الطرفين في العام الأخير يحول دون أي تفاهم بينهما.
في ظل هذه الصورة الواقعية القاتمة يمكن القول بثقة ان استئناف المفاوضات على أي من المسارين السوري ـ اللبناني الموحد والمسار الفلسطيني، يحتاج في عهد شارون، إلى معجزة في زمن ولى فيه وقوع المعجزات. خاصة ان شارون يضع شروطا تعجيزية على استئنافها وتعهد أمام جمهوره وشركاؤه في الحكم من أحزاب اليمين برفض اعتماد أية مواقف أو تفاهمات أو اتفاقات لم يصادق عليها الكنيست. ويوظف كل الإمكانات لمسح المربعات والخطوط الزرقاء والصفراء والحمراء التي رسمها المفاوضون الفلسطينيون والسوريون والإسرائيليون على الخرائط في المفاوضات السابقة.
ويجمع المراقبون على ان تعطل عملية السلام على مساراتها الثلاث، الفلسطيني والسوري واللبناني، وما راكمه صراع عام من الانتفاضة على ارض الضفة وقطاع غزة، فتح باب الصراع العربي الإسرائيلي على احتمالات عدة جميعها ليست في صالح استمرار عملية السلام العربية الإسرائيلية. وأقوى هذه الاحتمالات احتدام الصراع واهتزاز استقرار اتفاقات السلام الفلسطينية العربية ـ الإسرائيلية. وينتظرون تطورات نوعية كبيرة تقود إلى: توسع نطاق الصراع وتمدده إلى خارج حدود فلسطين التاريخية، أو انهيار الموقف الفلسطيني واستسلامه تحت ضربات شروط شارون. او تراجع شارون عن شروطه واقتناعه بخطأ اعتقاده ان العرب يتنازلون اكثر كلما حشروا واضطهدوا اكثر..ومراجعة تاريخ شارون السياسي وأسلوبه في تنفيذ قناعته إبان إشغاله مناصب رسمية، يؤكد انه مخلص لمبادئه العنصرية المتطرفة. وإذا كان شارون لم يتورع عن خديعة حكومته وشعبه اكثر من مرة وكذب على مناحيم بيغن رئيس الوزراء في قضية مصيرية إبان حرب 1982(26)، فهذا دليل كاف للعرب عامة وبخاصة الفلسطينيين ان لا ينخدعوا بأقواله طيلة فترة حكمه، وان يحضروا أوضاعهم لمواجهة أسوأ الاحتمالات.
الهوامش والمراجع
1) راجع نص المبادرة في كتاب “قصة اتفاق أوسلو ـ طبخة أوسلو”ـ ممدوح نوفل ـ الأهلية للنشر والتوزيع / عمان 1995.
2) قبل الذهاب الى مؤتمر مدريد انقسم النظام السياسي الفلسطيني على نفسه وتشكلت “جبهة الرفض” ضمت الى صفوفها قوى رئيسية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية وحركة حماس ومنظمة الصاعقة الموالية لسوريا. وبعد توقيع اتفاق أوسلو ظهر في الساحة الإسرائيلية قوى وازنه عارضت الاتفاق. وعارضته ايران وسوريا ولبنان وقوى شعبية عربية كثيرة. وعملت جميع قوى المعارضة كل من موقعه على “إسقاط اتفاق أوسلو. وفي إسرائيل اغتال أعداء أوسلو اسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي. ولا تزال قوى المعارضة تعمل الفلسطينية والإسرائيلية تضغط باتجاه إفشال عملية السلام، وتدمير الاتفاقات التي انبثقت عنه
3) راجع كتاب “الانقلاب” ـ ممدوح نوفل ـ دار الشروق عمان 1996.
4) بعد التوصل الى اتفاق أوسلو على المسار الفلسطيني وقع الطرفان الأردني والإسرائيلي معاهدة سلام في وادي عربة، وعرف الاتفاق باسم المكان.
5) بعد هزيمة حزيران 1967 اعتمد العرب استراتيجية “ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة”. وبعد مؤتمر مدريد للسلام غير العرب هذه الاستراتيجية واعتمدوا استراتيجية جديدة تقوم على استرداد الحقوق الفلسطينية والعربية عبر المفاوضات.
6) في ظل حالة الحرب التي عاشتها الدول العربية المحيطة بفلسطيني كانت الأحكام العرفية سيدة الموقف. وبعد توقيع اتفاقات السلام انتعشت الديمقراطية بنسبة وأخرى في هذه الدول، ومنحت حرية نسبية للعمل الحزبي والصحافة المحلية.
7) خلال عشر سنوات من عمر عملية السلام ذهب الإسرائيليون الى صناديق الاقتراع أكثر من ضعف عدد المرات المقرة رسميا في القانون. وتعاقب على رئاسة الوزراء ستة رؤساء وزارات هم شامير ورابين وبيريز ونتنياهو وباراك وشارون.
8) نصت رسائل الدعوة الى مؤتمر مدريد والمؤتمر المتعدد الأطراف على هذا الحق، وشارك غالبية الدول العربية في هذين الإطارين على هذا الأساس. وفي اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقات انتقالية فرعية تعهدت قيادة منظمة التحرير بحفظ الأمن في المناطق التي نقلت إليها، وضمنها حفظ أمن المستوطنات والمستوطنين لحين انتهاء مفاوضات الحل النهائي.
9) راجع روايات أعضاء الوفد الفلسطيني الى مفاوضات كامب ديفيد وطابا ـ كتاب “الانتفاضة ـ انفجار عملية السلام”، ينشر على حلقات في عدد من الصحف العربية وسيصدر قريبا عن دار “الأهلية للطباعة والنشر والتوزيع” عمان.
10) لمعرفة مزيد من التفاصيل حول مواقف الاتجاهات الثلاث في إطار المؤسسات الفلسطينية وخارجها راجع كتاب الانقلاب، مصدر مذكور أعلاه.
11) راجع نص ورقة “أفكار الرئيس كلينتون”، ومجريات مفاوضات كامب ديفيد وطابا في كتاب “الانتفاضة ـ انفجار عملية السلام” ـ مصدر مذكور أعلاه.
12) ومؤخرا دخلت “فلسطين” قاموس السياسة الدولية عندما تحدث الرئيس الأمريكي بوش أمام دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة عن “تعايش بين دولتا إسرائيل وفلسطين”.
13) عدد سكان الضفة وقطاع غزة الخاضعين لسلطة السلطة الفلسطينية يزيد على ثلاثة ملايين انسان، يضلف لهم قرابة مليون يعيشون في أسرائيل ـ راجع منشورات مركز الإحصاء الفلسطيني ـ رام الله.
14) للإطلاع على تسلسل تطور الموقف الفلسطيني، راجع قرارات المجلس الوطني الفلسطيني قبل وبعد الدورة العشرون التي عقدت في الجزائر في العام 1988ـ منشورات المجلس الوطني الفلسطيني.
15) راجع نتائج استطلاعات الرأي التي تنشرها المراكز الفلسطينية تباعا.
16) يبلغ عدد الموظفين في أجهزة السلطة الفلسطينية المدنية والعسكرية والأمنية والمتفرغين في الأحزاب المشاركة فيها أكثر من 160ألف. اي ان قرابة مليون مواطن فلسطيني يعتمدون في حياتهم اليومية بشكل رئيسي على السلطة الفلسطينية.
17) راجع حدود وشروط كل مرحلة في نص رسالة الدعوة الى مؤتمر مدريد كتاب “طبخة اوسلو” مصدر ورد ذكره.
18) راجع مجريات محادثات طابا وكامب ديفيد الفلسطينية الإسرائيلية ـ كتاب “الانتفاضة انفجار عملية السلام” ت مصدر ورد ذكره .
19) راجع نص القرار في قرارات الدورة العشرين للمجلس الوطني الفلسطيني ـ وثائق المجلس الوطني.
20) تمثلت العارضة من خارج السلطة وخارج منظمة التحرير بحركة حماس، وحركة “فتح الانتفاضة”، وحركة الجهاد الإسلامي. ولا تزال هذه القوى خارج هذين الإطارين تعارض عملية السلام والاتفاقات جملا وتفصيلا.
21) راجع قرارات دورة المجلس الوطني التي عقدت في قطاع غزة بعد دخول السلطة الوطنية. وكانت ثاني دورة تعقد على الأرض الفلسطينية بعد الدورة الأولى التي عقدت في القدس في العام 1965.
22) شارك في تلك المفاوضات كل من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي باراك ورئيس منظمة التحرير ياسر عرفات. واستمرت أكثر من أسبوعين متواصلين. وكان المناقشات حامية بلغت قول عرفات للرئيس كلينتون: موافقتي على طلبك مشاركة إسرائيل في السيادة على الحرم القدسي الشريف والتنازل تعني ان تسير في جنازتي خلال فترة قصيرة. راجع كتاب الانتفاضة ـ انفجار عملية السلام”، مصدر ورد ذكره سابقا.
23) راجع قرارات قمتي القاهرة وعمان اللتين عقدتا في زمن الانتفاضة.
24) قبل الانتفاضة كان حزب الليكود والأحزاب اليمينية الأخرى ترفض من حيث المبدأ فكرة الفصل انطلاقا من قناعة تقوم على اعتبار “الضفة الغربية جزء من ارض الميعاد التي وهبها الرب لبني إسرائيل”. بعد الانتفاضة غير غالبية هذه القوى مواقفهم وبات أركان في حزب ليكود وضمنهم رئيس الدولة موشي كتساب يطالبون بالفصل بين الشعبين ولكل طبعا مفهومه الجغرافي لهذا الفصل.
25) هيجت زيارة شارون ساحات الحرم القدسي الشريف حالة التوتر التي كان يعيشها الفلسطينيون في إسرائيل نتيجة حالة التمييز والقهر التي يعيشوها في إسرائيل. وبعد بضع ايام من الزيارة تحركوا في مظاهرات سلمية عارمة أطلقوا عليها “هبة العرب في إسرائيل” من اجل الأقصى ورفع الظلم. في حينه استخدمت قوات الشرطة وحرس الحدود الذخائر الحية وقتلت 13، وشكلت لجنة تحقيق بالحادث لا تزال هذه اللجنة تواصل تحقيقها مع الجهات المعنية.
26) راجع كتاب ” الحرب المضللة” ـ زئيف شيف وايهود يعاري ـ ترجمة دار الجليل عمان 1985.