طموح بوش في قمة العقبة أقل من تطبيق خريطة الطريق
بقلم ممدوح نوفل في 30/05/2003
بالكاد أعلنت الحكومة الإسرائيلية موافقتها المشروطة على “خريطة الطريق” حتى انهالت على شارون وأركانه برقيات الثناء والمديح ووصفها الناطق باسم البيت الأبيض بأنها خطوة كبرى إلى الأمام. وخطت الحركة الدبلوماسية خطوة جديدة باتجاه تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وازدحمت حركة المرور على طريق التسوية السياسية بعد أن ظلت مجمدة أكثر من عامين، وتذكّر البعض زخم النشاط السياسي والدبلوماسي في عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. وزار وزير الخارجية الأمريكي كولن باول وعدد من وزراء خارجية الدول الأوروبية رام الله وتل أبيب لإظهار مساندة إدارة بوش ودول الاتحاد الأوروبي حكومة محمود عباس، ومحاولة إقناع شارون بأهمية الشروع في تنفيذ “خريطة الطريق.
وبجانب ذلك، قررت الإدارة الأمريكية إرسال فريق تنسيق إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية لمتابعة تطبيق بنود الخطة. وتوج بوش الحركة الجديدة بقراره زيارة المنطقة وعقد قمتين: الأولى، أمريكية عربية تعقد في منتجع شرم الشيخ، يحضرها عدد من ملوك ورؤساء الدول العربية المصنفين في خانة أصدقاء أمريكا. بهدف حث الزعماء العرب على محاربة الإرهاب وإحداث إصلاحات داخل دولهم تحول دون انبعاثه منها. والبحث في أفضل السبل لإعادة بناء العراق وفق “خريطة” المهندس الأمريكي وليس حسب رغبة أهله أو رغبة الجامعة العربية.. وأيضا مساندة الجهود الرامية إلى تطبيق “خريطة الطريق” الخاصة بتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. أما القمة الثانية فستعقد في مدينة العقبة بحضور رئيس الحكومة الإسرائيلية شارون ورئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس بالإضافة إلى زعيم البلد المضيف الملك عبد الله الثاني. ويأمل بوش أن تسفر قمة العقبة عن استئناف عملية السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي والشروع في تنفيذ “خريطة الطريق”.
أعتقد أن الرئيس بوش لن يواجه في القمة الأولى “شرم الشيخ” متاعب تذكر بشأن تحقيق الأهداف التي رسمها هو وأركانه مسبقا. خصوصا وأن الزعماء العرب يتصرفون في حضرة الزعيم الأمريكي على قاعدة “رحم الله امرؤ عرف قدر نفسه”.. وتنافسوا على حضور القمة ولقاء “إمبراطور” العصر وكأنهم يريدون الاطمئنان على مصيرهم ومصير دولهم بعد الحرب على العراق، وبعد إعلان أركان بوش عزمهم على تغير خريطة المنطقة ورسمها من جديد، وأشار بعضهم إلى أن الإطاحة بنظام صدام خطوة أولى سوف يتلوها خطوات.
اما في القمة الثانية فيرجح أن يواجه الرئيس بوش متاعب جدية في الحصول على ما يريد. وسوف يحتاج إلى حزم شديد وذكاء خارق يفوق ذكاء كلينتون للنجاح في ما فشل الرئيس الأمريكي السابق في تحقيقه، وإقناع شارون أن في خريطة الطريق بمراحلها الثلاث منافع كبيرة لإسرائيل لا تقل عن المنافع التي يجنيها الفلسطينيون. وإذا كانت الحرب على العراق وإلزام شارون بالموافقة على خريطة الطريق تؤكدان توفر صفتي الحزم والمغامرة في شخصية الرئيس بوش، فتوفر الصفتين في التعامل مع المسألة الفلسطينية يقلل من تأثير نقص الذكاء الخارق.. ولا يحتاج الأمر أكثر من فتح ملفات المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية السابقة، وإلزام شارون بتنفيذ “الخريطة” التي وافق عليها دون تلاعب ووضع تحفظاته جانبا.
ويعرف الرئيس بوش أن ربع الشروط الإسرائيلية ال 14 التي ألحقتها حكومة إسرائيل بنصوص خطة الخريطة الأصلية يكفي لتجميد تنفيذها من الآن وحتى إشعار آخر، والإصرار عليها ينسف أسس الخريطة. والمعروف ان وزير خارجيته باول حاول إقناع شارون بإعلان موافقة إسرائيل على “خريطة الطريق” دون شروط لكنه فشل. ويدرك بوش انه قد يتعذر صدور بيان مشترك عن لقاء العقبة إذا تهاون مع شارون وساير موقفه القائم على اعتبار التحفظات الإسرائيلية خطا أحمر.
لا شك في أن قمة العقبة محطة رئيسية لاختبار لنوايا شارون وفحص حقيقة مواقفه من خريطة الطريق. وهو مطالب قبل مغادرة العقبة توقيع بيان يؤكد استعداد إسرائيل التام لتنفيذ “الخريطة” بمراحلها الثلاث وقبول وقيام دولة فلسطينية مستقلة دون الإشارة لتحفظاته. والموافقة على وقف إطلاق النار ووقف الاغتيالات وجميع أنواع المداهمات والاعتقالات وهدم البيوت وتجريف البيارات. ومطالب أيضا بموافقة صريحة على إخلاء بؤر الاستيطان التي أقيمت بعد أيلول “سبتمبر” 2000، وسحب الجيش من المواقع التي احتلها لمواقعه القديمة.
ويدرك بوش وأركانه تماما أن حكومة أبو مازن ضعيفة وما تزال موضع اختبار فلسطيني وبحاجة ماسة لتحقيق إنجازات ملموسة تثبت بها مصداقيتها وتكسب ثقة لشارع الفلسطيني، وتفند مواقف المعارضة التي تتهمها بأنها معينة من الأمريكان وقادمة لتقديم تنازلات جوهرية رفضت الحكومات الفلسطينية السابقة تقديمها.
والاتصالات الأولية واللقاءات التي عقدها مبعوثو الدول الأوروبية مع عرفات في المقاطعة ومع أبو مازن في مقره، بينت للجميع أن ليس بمقدور رئيس الحكومة الفلسطينية الموافقة على بيان أمريكي فلسطيني إسرائيلي مشترك يخلو من الحديث عن قيام دولة فلسطينية مستقلة حسب “رؤية” بوش التي طرحها قبل عام؟ ولا يمكن لأبي مازن الموافقة علنا أو سرا على أي من التحفظات الإسرائيلية التي أضافها شارون على الخريطة. منها مثلا الحديث عن استبدال القيادة الفلسطينية وقيام قيادة جديدة..والقول أن إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي خارج مناطق السلطة يتم وفقا للظروف الأمنية..أو القول، ووفقا للظروف الأمنية تعمل إسرائيل من اجل تحسين ظروف الفلسطينيين في الضفة والقطاع.. ولا يمكنه بأي حال القفز في قمة العقبة أو بعدها عن الجداول الزمنية الواردة في الخريطة، واعتماد مبدأ بديلا عنها أساسه التزام الطرفين بالتنفيذ. ولا يمكنه القبول باستمرار تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين كما كانت تتعامل قبل قمة العقبة، والتصرف على الأرض وكأن “الخريطة” لا تفرض قيود على نشاط الجيش الإسرائيلي كما يقول شارون.
إلى ذلك، سيتعرض الجانب الفلسطيني في قمة العقبة إلى ضغط أمريكي إسرائيل قوي بشأن وقف العمل العسكري ضد إسرائيل والإسرائيليين في كل مكان. وأظن أن شارون سوف يجعل من استلام قوات الأمن الفلسطينية بلدات بيت حانون وبيت لاهية ومنطقة شمال غزة ومنع قصف مدينة سديروت والمستوطنات بالهاونات و”صواريخ القسام”، بمثابة اختبار لقدرة أبو مازن ودحلان على ضبط الأمن. ويراهن شارون على فشلهما، خاصة وان أجهزة الأمن الفلسطينية التابعة وغير التابعة لوزارة الداخلية مهشمة وغير قادرة على منع من يريد التخريب على الحكومة من تنفيذ عمليات ضد إسرائيل والإسرائيليين. وإذا كان أبو مازن رفض في اللقاء الأول مع شارون، الذي رتبه الوزير باول، استلام هذه المناطق خارج إطار خريطة الطريق، فليس بمقدوره التردد في اجتماع العقبة وبعده في استلامها واستلام أية منطقة أخرى يخليها الجيش الإسرائيلي. وبديهي القول أن لا خيار أمام أبو مازن وحكومته سوى النجاح في هذا الاختبار، وأظن أن مقومات النجاح باتت كبيرة بعد موافقة قيادة حركة حماس من حيث المبدأ على الالتزام بهدنة مؤقتة. وفي جميع الحالات ليس من مصلحة الفلسطينيين أن يعود الوفاق والوئام التام للعلاقة بين بوش وشارون إلى حالته السابقة قبل طرح “خريطة الطريق”، وأن يتوحد الموقفين الأمريكي والإسرائيلي ضدهم. إلى ذلك، ليس عاقلا من يتصور أن “الإمبراطور” بوش قد يعود من قمتي الشرم والعقبة فاشلا.
حتما سيصدر عن القمة الأولى بيان يصوغه الجانب الأمريكي ويباركه الزعماء العرب بحماسة شديدة. وزيارة رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير العراق توحي بأن بوش لن يفوت فرصة زيارة العراق بعد زيارة مقر القوات الأمريكية في قطر، ولا شيء يحول دون الزيارة وقطف ثمار النصر وافتتاح حملته الانتخابية من مطار بغداد..وإذا كان الجانب الفلسطيني غير راغب وغير قادر ولا مصلحة له في إفشال قمة العقبة، فالصعوبات التي سيواجهها بوش في ترويض شارون يمكن تجاوزها بعد جولة سريعة من النقاش. خاصة أن وقائع الصراع في العامين الأخيرين أكدت أن “الفيل” شارون ليس عبيطا ولا متهورا، ويضع سلامة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية في قمة أولوياته، ويعرف بالضيط متى يقول لا لسيد البيت الأبيض ومتى ينحني ويقول له نعم.
وأشك في أن الرئيس بوش مصمم على تنفيذ “الخريطة” من ألفها إلى يائها وبجداولها الزمنية. وهو ليس مضطرا في مرحلة التحضير لانتخابات الرئاسة إلى القفز عن جميع التحفظات الإسرائيلية، خاصة أن الوزير باول ومستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس تعهدا بأخذها بعين الاعتبار أثناء التنفيذ. والأغلبية الساحقة في الكونغرس رفعت أكثر من مذكره تطالبه بعدم الضغط على إسرائيل وعدم إلزامها بشيء يتعارض مع مصالحها. وأظن أن أقصى ما يطمح بوش لتحقيقه في لقاء العقبة هو تجديد الطرفين التزامها بعملية السلام ومحاربة العنف والإرهاب وإعلانهما استئناف المفاوضات على قاعدة تنفيذ خريطة الطريق بمراحلها الثلاث.
وبصرف النظر عن نتائج قمتي العقبة وشرم الشيخ فالواضح أن موافقة شارون المشروطة على خريطة الطريق ما كان لها أن تتم دون ضغط أمريكي، وهذا الضغط حصل فقط بعد صمود الفلسطينيين في المواجهة الساخنة الجارية منذ أكثر من 30 شهرا، وبعد فشل شارون وأركانه في إخضاعهم لمشيئة إسرائيل.
إلى ذلك يصعب على الخبراء في الشئون الإسرائيلية أن يتصوروا التزام حكومة إسرائيلية تمثل المستوطنين وتضم أقصى اليمين المتطرف بتنفيذ “خريطة الطريق” كاملة من ألفها إلى يائها وحسب جداولها الزمنية. وأقصى ما يمكن أن تلتزم به هو تنفيذ أجزاء من المرحلة الأولى من هذه الخريطة. وبرغم ذلك لا مصلحة فلسطينية في جميع الحالات في دفع “خريطة الطريق” نحو المصير البائس الذي آلت إليه خطط “جورج ميتشيل” و”جورج تنيت” مدير الC I A والمبعوث الرئاسي الجنرال زيني. والأمل كبير في أن تحافظ المعارضة على توازنها ولا تنجر وراء استفزازات شارون واليمين الإسرائيلي، وتتجنب تفجير الألغام والعبوات الناسفة التي زرعها شارون في طريق “خريطة الطريق”.