مبررات وضرورات وجود طرف ثالث كثيرة ومتنوعة (3 من 3)
بقلم ممدوح نوفل في 30/12/2003
رؤية فلسطينية لتكوين الطرف الثالث ودوره في حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي (الحلقة الثالثة)
يسجل الفلسطينيون ملاحظات كثيرة على دور الراعي الأمريكي والرعاة الآخرين في عملية السلام، لكنهم يعترفون بأنهم لعبوا دورا هاما في المفاوضات مع الإسرائيليين وساهموا في تواصلها أكثر من عشر سنوات. ونجح الراعي الأمريكي في إنقاذها من الانهيار مرات عدة. ويقر الفلسطينيون أن جميع اتفاقاتهم الرئيسية والفرعية مع الإسرائيليين تمت بمساعدة طرف ثالث ويخصون بالذكر دور حكومة النرويج في التوصل إلى اتفاق أوسلو، ودور الراعي الأمريكي في المفاوضات والاتفاقات الفرعية التي تلت أوسلو.
وفي الوقت ذاته، يحمّل الفلسطينيون الراعي الأمريكي أولا وروسيا وبقية الرعاة المساعدين مسئولية عدم تنفيذ مسائل عدة نصت عليها الاتفاقات التي تم التوصل إليها بحضورهم وشهدوا عليها، وبخاصة تلك التي وقعت في البيت الأبيض والقاهرة وباريس وواي ريفر.
وعلى الرغم من تجربتهم التاريخية المؤلمة مع الطرف الثالث، يدرك الفلسطينيون أنهم الطرف الأضعف في المعادلة ولا غنى عن تدخل طرف ثالث في حل نزاعهم مع إسرائيل، ويحبذون أن يكون تدخله قويا وفعالا على الأرض بجانب التدخل في غرف المفاوضات.
إلى ذلك، أكدت التجربة الطويلة والتطورات المتلاحقة منذ فشل قمة كامب ديفيد وفشل محادثات طابا وانفجار الانتفاضة حقائق كثيرة تتعلق بالنزاع ودور الطرف الثالث أهمها:
ـ أن عملية السلام بنيت على فرضيات عدة تبين أن واحدة منها وهمية خاصة التي قالت لا داعي لوجود طرف ثالث ذي رأي ملزم للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وقالت أيضا: لا ضرورة لقوات طرف ثالث تعمل في مجال الفصل والمراقبة والتحقق من تنفيذ الاتفاقات.
ـ وثبت أيضا خطأ موقف مهندسا العملية الرئيس بوش الأول ووزير خارجيته “جيمس بيكر” ورعاتها الذين اعتقدوا أن ميكانيزم العملية “prosses” كفيل بمراكمة طاقة ذاتية وخلق ثقة متبادلة بين الطرفين، وهذان العنصران يقلصان حاجة الطرفين للطرف الثالث ويمكناهما من حل نزاعهما وحدهما.
ـ والفلسطينيون مقتنعون أن أحد الأسباب الرئيسية لتعثر المفاوضات وانفجارها يكمن في عدم قيام طرف ثالث بمهام المراقبة والتحقق من مدى التزام الطرفين بالاتفاقات التي يتم التوصل إليها، ولمدى الامتثال لأسس وقواعد العملية والفصل بين الطرفين عندما اقتضت الضرورة ذلك. وإن تنفيذ الاتفاقات وبناء سياج سلام متين يحميها ويحمي علاقات السلام من المتطرفين في الجانبين يتطلب تواجد طرف ثالث على الأرض وليس في غرف المفاوضات فقط
ـ وإن اقتصار دور الراعي على مهام فوقية ومساعدة الطرفين في الوصول إلى طاولة المفاوضات وتقديم نصائح وأفكار غير ملزمة لحل العقد المستعصية غير كاف لحل النزاع.
ـ وكرست التجربة العملية قناعة فلسطينية بان الطرف الإسرائيلي غير ناضج لسلام عادل ودائم. وكان انتهاء الفلسطينيين من معركة صياغة الاتفاقات مع الإسرائيليين، “ليكوديين وعماليين” يعني دائما بدء معركة أخرى تتعلق بتثبيت الاتفاقات وتنفيذها، ودائما كانت المعركة الثانية أصعب وأقسى على الفلسطينيين. ويبدو أن تجربة اليهود التاريخية في أوروبا وبعدها في المنطقة العربية جعلت الإسرائيليون شكاكون شديدو الحساسية تجاه المسألة الأمنية.
ـ بسبب اختلال ميزان القوى بشكل فاحش لصالحهم، طبق الإسرائيليون على اتفاقاتهم مع الفلسطينيين قاعدة “لا تواريخ أو نصوص مقدسة”. وكثيرا ما أعيد فتح الاتفاقات على مرآى الراعي الأمريكي، وتم التفاوض من جديد حول مواضيع وقضايا حسمت في مناقشات مضنية.
ـ وفي محطات أخرى فرض الجانب الإسرائيلي على الفلسطينيين تفسيراته الخاصة لبنود في الاتفاقات نصوصها واضحة، منها مثلا عدم الالتزام ببعض بنود اتفاق “أسلو”، وتواصل عمليات مصادرة الأراضي والتوسع الأفقي والعمودي في الاستيطان وأخيرا بناء جدار فصل على حساب الأرض الفلسطينية.
ـ إن أشكال التدخل التي اعتمدها الطرف الثالث “أمم متحدة الراعيين الأمريكي والروسي الدول المانحة” في عملية السلام في مرحلة سابقة لم تنجح في إرساء الأسس اللازمة لبقاء السلام خيارا وحيدا لمعالجة الصراع. ولا بد من تطوير التدخل والانتقال به من مستوى رعاية المفاوضات وتهيئة الأجواء لعقد اللقاءات بين الطرفين، إلى مستوى صياغة حلول منصفة وامتلاك القوى والوسائط الضرورية للمراقبة وفرض التنفيذ.
ـ انتهاء صيغة الحلول المرحلية وسياسة الخطوة خطوة والتدرج في مراكمة الإنجازات وبناء الثقة المتبادلة لبنة فوق لبنة. وبينت المفاوضات أن هذه الصيغة كما تجسدت في اتفاق اوسلو والاتفاقات الفرعية التي انبثقت عنه ومشروع خريطة الطريق..الخ ظلت صالحة بنسبة وأخرى لمعالجة قضايا المرحلة الانتقالية لكنها لم تصلح لمعالجة قضايا الحل النهائي الشائكة.
ـ عدم قدرة الطرفين وحدهما على تسوية نزاعهما المعقد حول قضايا الحل النهائي خاصة أن هذه القضايا لها أبعاد معنوية ورمزية وتاريخية وحلها يتطلب مبادرة طرف ثالث “مجلس الأمن الدولي أو الولايات الأمريكية المتحدة، أو اللجنة الرباعية الدولية”. ويتطلب ابتداع صيغ حل لكل قضية وإلزام الطرفين بها كصفقة لا تتجزأ. ويمكن للطرف الثالث استخلاص أكثر الصيغ موضوعية وواقعية من قرارات الأمم المتحدة ومحاضر مفاوضات الطرفين وبخاصة ما طرح في كامب ديفيد طابا، وما ورد في مبادرة الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون.
ـ التقدم نحو التسوية النهائية وحل قضايا القدس واللاجئين والحدود والمياه والاستيطان والأمن والعلاقات المستقبلية يتطلب فرض مشروع متكامل على الطرفين وتوفير القوى والوسائط اللازمة لتنفيذه على الأرض.
ـ أظهرت المحادثات والمفاوضات الحدود الدنيا والقصوى لمواقف الطرفين بشأن قضايا الحل النهائي. صحيح أن وضوح المواقف عقد حل النزاع واستنفر قوى متطرفة في الجانبين تعارض الحل السياسي ونجحت القوى المتطرفة في تعقيد مسيرة السلام، إلا أن الفلسطينيين احتفظوا في ملفاتهم بملخصات الأطروحة الإسرائيلية في زمن حزب العمل بشأن حل قضايا الحل النهائي. ويعتقد المفاوضون الفلسطينيون أن ما طرح في محادثات طابا يقترب من السقف النهائي للموقف الإسرائيلي وأي إضافة جديدة سوف تكون تفصيلية. وقول الجنرال أمنون شاحاك رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق في طابا: “الآن عرفتم أقصى ما يمكن أن تقدمه إسرائيل” ليس بعيدا عن الحقيقة.
ـ تؤكد وقائع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في طابا وكامب ديفيد وما تلاها أنه لم يعد ممكنا الاستمرار في الاتفاقات الجزئية والمرحلية. وأن مفاوضات الطرفين بلغت مرحلة تستدعي العمل على اتفاق شامل والاتفاق على تفويض دولي للرقابة على التنفيذ.
ـ أسفر احتدام الصراع في “زمن فشل المفاوضات وانفجار الانتفاضة” عن تدمير بذور الثقة بين الطرفين. وبعد فوز اليمين الإسرائيلي المعادي لاتفاقات أوسلو تراجعت إرادة الامتثال للاتفاقات السابقة وصار عدم الالتزام بها وخرقها سمات غالبة.
ـ على الرغم من اكتشاف الراعي “الأمريكي” ومعه الروسي والممولين خروقات الجانب الإسرائيلي للاتفاقات إلا أنهم لم يعملوا على وقفها ووجدوا في غياب التفويض عذرا للتهرب من تحمل المسئولية. وكانت النتيجة العملية ضعف ثقة الفلسطينيين بعملية السلام وبرعاتها والأدق براعيها الأوحد، وانبعاث الأفكار المتطرفة من جديد رغم أنها جربت ولم تحل النزاع.
ـ خلال الفترة ذاتها “زمن الانتفاضة وانفجار عملية السلام” دمرت القوات الإسرائيلية أجهزة الأمن الفلسطينية ومؤسساتها ومقارها في الضفة الغربية بصورة كبيرة، ولحق تدمير جزئي بهذه الأجهزة في قطاع غزة. وباتت الأجهزة الأمنية الفلسطينية غير قادرة على النهوض بمهام أمنية جدية قديمة أو جديدة، وبحاجة إلى إعادة بناء وتنظيم وتأهيل وتدريب تستغرق فترة زمنية ليست قصيرة. ولا بد من قوات “طرف ثالث” دولية أو متعددة الجنسية خلال هذه الفترة وان تتولى فورا مهام أمنية ميدانية يتفق عليها خاصة أن الوضع على الأرض معقد تتداخل فيه المستوطنات مع المدن والقرى الفلسطينية.
ـ خلقت حكومة شارون وقائع جديدة على الأرض تتعاكس مع أهداف عملية السلام وروحها ونسفت معظم ما تم تحقيقه على الأرض. وعادت القوات الإسرائيلية واحتلت مناطقA و B الخاضعة للسلطة الفلسطينية. وبات استعادة الثقة المفقودة واستئناف المفاوضات والعودة إلى مواقع ما قبل أيلول “سبتمبر” 2000 يحتاج إلى دور مساعد يقوم به طرف ثالث يجبر الطرفين على الالتزام باتفاقاتهم.
ـ تعززت في السنوات الثلاث الأخيرة مكانة قوى المعارضة لعملية السلام على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وعمل المستوطنون والمتطرفون الإسرائيليون على تأجيج النزاع وإفشال الاتفاقات، قابلهم عمل بذات الاتجاه قامت به حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى التابعة للجبهة الشعبية. والكل يعرف أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية غير قادرة بقواها الراهنة على ردع هذه الجهات، ولا بد من قوات طرف ثالث تساهم في الردع وسبق للقيادة الفلسطينية وعرضت هذا الواقع على وزير الخارجية الأمريكية كولن باول، ووافق باول في إحدى زيارته لرام الله أمام الصحفيين على وجود قوات دولية، لكنه عاد وتراجع عن الفكرة في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد بضع ساعات في القدس.
ـ بينت التجربة أن أحد الأسباب الرئيسية لتعثر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وانفجارها قبل تحقيق أهدافها يكمن في غياب طرف ثالث مخول يتولى مهام المراقبة والتحقق من مدى التزام الطرفين بالاتفاقات التي تم التوصل إليها ومراقبة مدى الامتثال لأسس والقواعد الأساسية للعملية ويفصل بينهما عندما اقتضت الضرورة ذلك.
ـ تأخر وصول هذه القوات يعطل إمكانية استئنافها وقد يعجل في شطب عملية السلام، خاصة وان إسرائيل في عهد اليمين الإسرائيلي تسابق الزمن في خلق حقائق جديدة على الأرض تنسف ليس فقط أسس عملية السلام التي عرفناها بل وتعطل انبثاق عملية جديدة لاحقا.
ـ نجاح تجربة الإستعانة بقوات طرف ثالث في أكثر من بقعة في العالم منها قبرص والبوسنة والهرسك وأفريقيا وآسيا يفترض ان يكون عاملا مشجعا على تكرار التجربة في فلسطين، والاستعانة بقوات طرف ثالث “دولية أو أمريكية أو متعددة الجنسية بقيادة أمريكية أو دولية”.
ـ لا يمكن للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أن تشذ عن القاعدة التي حكمت المفاوضات المصرية الإسرائيلية والأردنية الإسرائيلية. وإذا كان الطرفان الأردني والإسرائيلي لم يستعينا بطرف ثالث للتحقق من الالتزام بما تم الاتفاق عليه فالحالة الفلسطينية والحالة السورية ينطبق عليهما النموذج المصري حيث استعان الطرفان بقوات طرف ثالث كبيرة العدد قوية العدة.
الموقف الإسرائيلي من الطرف الثالث
رغم أن إسرائيل دولة نووية وقدراتها العسكرية التقليدية تتفوق على طاقات الدول العربية مجتمعة، فإن أغلبية الإسرائيليين يشعرون أنهم مهددون ويعيشون في جزيرة صغيرة تقع وسط بحر عربي واسع معاد لهم.
وبرغم إدارك القادة والمحللين الإستراتيجيين الإسرائيليين أن الدولة الفلسطينية سوف تكون ضعيفة عسكريا ومرتبطة اقتصاديا لسنوات طويلة بإسرائيل، إلا أن معظمهم وبخاصة الذين ينتمون لمعسكر اليمين ينظرون لهذه الدولة إذا قامت كثعبان سام يرقد مع إسرائيل داخل فراش واحد يمكنه لدغها يوما ما لدغات قاتلة. ويصرون على رفض قيام الدولة الفلسطينية. والواقعيون منهم يعارضون قيامها قبل التأكد بصورة قاطعة من أنها لن تكون معادية لإسرائيل وغير قادرة على التحول لاحقا إلى مصدر تهديد لأمنها.
والمبررات التي يسوقها قادة إسرائيل لتأخير مفاوضات الحل النهائي تؤكد أنهم لن يسلموا بسهولة في تحويل “دويلة الحكم الذاتي” القائمة إلى دولة مستقلة ذات سيادة. واستنادا إلى المواقف الإسرائيلية المعلنة قبل وإبان مفاوضات السلام وبعد توقفها يمكن تلخيص أبرز عناصر الموقف الإسرائيلي من دور الطرف الثالث على النحو التالي:
ـ منذ نشوءها عام 1947ـ 1948 ظلت إسرائيل ترفض الاعتماد على أي أمن مستورد حتى إذا كان من الولايات المتحدة الأمريكية أو يحمل علامة هيئة الأمم المتحدة. واعتمدت فقط على قواها الذاتية في ضمان أمنها، وبنت جيشا قويا مدججا بأحدث أنواع الأسلحة وامتلكت ترسانة نووية لم تعترف رسميا بوجودها. وعملت من عام 1965 وحتى عام 1991، على إنهاء “العنف” الفلسطيني الصادر عن م ت ف وقواها بشن الحروب الصغيرة والواسعة ضد م ت ف في الخارج ومارست القمع والإرهاب ضد الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة.
ـ ظلت إسرائيل على مدى نصف قرن ترفض أي دور ميداني لطرف ثالث في نزاعها مع الفلسطينيين، ورفضت فكرة وجود قوات دولية مرجعيتها الأمم المتحدة. وبينت التجربة أنها تقبل بدور طرف ثالث كمسهل للقاءات والمفاوضات وتفضل أن يكون الراعي الأمريكي وحده. ولم، ولا تخفي القيادة الإسرائيلية رفضها تواجد قوات طرف ثالث على الأرض. وإذا كان لا بد من قوة عسكرية فالجانب الإسرائيلي يفضل، كما ظهر في المفاوضات في عهد حزب العمل، أن تكون قوات أمريكية محدودة العدد أو متعدد الجنسية بقيادة أمريكية ومرجعية أمريكية.
ـ وبصرف النظر عن موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية “حكومة الليكود” الرافض لفكرة
تطوير دور الطرف الثالث في المرحلة الانتقالية ورفض الاستعانة بقوات دولية أو أمريكية أو قوات متعددة الجنسية، فقد يوافق هذا الحزب في مرحلة من مراحل المفاوضات على وجود قوات طرف ثالث للمساعدة في تنفيذ اتفاقات المرحلة النهائية، وليس في المرحلة الانتقالية. وهذا الاستنتاج مستخلص من اتفاقات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية حيث وافق الليكود بزعامة بيغن على وجود قوات دولية في مناطق الجانب المصري من صحراء سيناء، كما وافق على الاستعانة بقوات دولية في جنوب لبنان وفي الجولان السوري.
ـ بينت المفاوضات الرسمية ومحادثات كامب ديفيد وطابا أن إسرائيل بقيادة حزب العمل توافق على فكرة الإستعانة بقوات أمريكية أو دولية أو متعددة الجنسية للمساعدة في تنفيذ اتفاق يتعلق بالحل النهائي وترهن تطبيق الفكرة بالتوصل إلى اتفاق شامل لتسوية النزاع. ووافقوا على أن تنتشر على طول الحدود وضمنها منطقة الأغوار المتاخمة للحدود الأردنية.
ـ لم يحبذ حزب العمل إبان فترة حكمه منح أي طرف ثالث دورا أمنيا في المرحلة الانتقالية، وقد يوافق في حالات الضرورة القصوى على دور محدود لقوات طرف ثالث لا يتعدى المراقبة والملاحظة على أن يكونوا أمريكان.
ـ وافق حزب العمل في عهد رابين على الاستعانة بـ”قوة دولية” غير مسلحة لمعالجة ذيول المجزرة التي ارتكبها المستوطن “غولدشتاين” في الحرم الإبراهيمي في الخليل، ولا تزال هذه القوة تعمل في نطاق صلاحياتها المحدودة جدا والتي لا تتعدى تسجيل الحوادث وتصويرها.
ـ بديهي القول أن الجانب الإسرائيلي سوف يطالب قوات الطرف الثالث في حال موافقته عليها أو فرضها على الطرفين بمطالب متنوعة ويفرض على عملها شروطا كثيرة منها مثلا:
*محاربة الإرهاب وضرب بنيته التحتية ومنع “الإرهابيين” الفلسطينيين من القيام بعمليات ضد إسرائيل وضد الإسرائيليين في كل مكان في الضفة الغربية وقطاع غزة.
* تعطيل دخول الدولة الفلسطينية في أحلاف عسكرية معادية لإسرائيل، وعدم السماح لأي طرف خارجي باستخدام الأراضي الفلسطينية في أعمال ضد إسرائيل.
* التحقق من أنواع وكميات الأسلحة والذخائر المقررة لأجهزة السلطة وتجريدها من الفائض غير المقرر. والتأكد من عدم سعي الدولة الفلسطينية امتلاك السلاح الثقيل وضمان عدم تهريبه وعدم تصنيعه داخل أراضيها.
* التحقق من عدم قيام الأجهزة الأمنية العسكرية الفلسطينية ببناء تحصينات عسكرية أرضية قوية من نوع زرع الألغام وحفر الخنادق على الحدود وبناء الدشم العسكرية القتالية القوية..الخ
* تملّك أو استئجار عدد من القواعد العسكرية داخل أراضي السلطة الفلسطينية واستخدامها لأغراض دفاعية تتعلق بأمن إسرائيل الإستراتيجي وتوفير حرية حركة القوات الإسرائيلية من وإلى هذه القواعد. وسبق وطرح المفاوضون الإسرائيليون الفكرة ولم يرفضها الجانب الفلسطيني من حيث المبدأ ووضع شروطا كثيرة حول قبولها.
* المطالبة باستخدام الأجواء الفلسطينية لأغراض الطيران المدني ومهام مراقبة الوضع العسكري على الأرض والتحقق من عدم قيام الجانب الفلسطيني ببناء ما يهدد امن إسرائيل.
* المطالبة بحق عبور الأراضي والمياه الإقليمية الفلسطينية في حالات الضرورة القصوى وخاصة مواجهة خطر نشوب حرب.
تفويض قوات الطرف الثالث:
أولا/ حجم القوة: يعتقد الجانب الفلسطيني أن مهام قوات الطرف الثالث ورقعة عمليات تتطلب توفير سبع فرق عسكرية لا يقل تعدادها عن 50 ألف عنصر وضابط وكادر مدني وإداري. وان تكون معززة بالمعدات الثقيلة، وقابلة للزيادة بشكل أتوماتيكي وأيضا للتقليص التدريجي بناء على تقييم قيادة القوات مع الجهة مانحة التفويض. ويفضل أخذ رأي الطرفين حول زيادة العدد أو تقليصه لكن دون الالتزام به ويبقى القرار بيد الجهة صاحبة التفويض.
ثانيا/ الجهات المشاركة:
ـ يفضل الجانب الفلسطيني أن تكون قوات دولية تشكلها الهيئات الدولية المعنية، ويشارك فيها من يرغب من الدول أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ـ الجانب الفلسطيني ليس لديه تحفظات على مشاركة أي طرف باستثناء إسرائيل كما انه لا يشترط نسبة معنية للمشاركة في هذه القوات خاصة في حال غياب الاشتراطات الإسرائيلية.
ـ يقبل الجانب الفلسطيني أي صيغة أخرى يتفق عليها من نوع قوات متعددة الجنسية أو قوات أمريكية وأية أطراف أخرى يتفق عليها مع إسرائيل.
ـ يحبذ الجانب الفلسطيني أن تصل قوات الطرف الثالث بأقرب وقت ممكن وتتولى مهامها دفعة واحدة ويقبل وصولها وتحمل مسئولياتها بالتدريج.
ثالثا/ جهة التفويض:
ـ يفضل الفلسطينيون أن يصدر مرسوم التفويض لقوات الطرف الثالث عن الهيئات المعنية في الأمم المتحدة ممثلة بمجلس الأمن الدولي والجمعية العامة. وأن تعمل القوات تحت مظلة الأمم المتحدة ويكون مجلس الأمن الدولي والأمين العام مرجعيتها.
ـ يقبل الفلسطينيون أن تتشكل هذه القوات باتفاق بين عدة أطراف معنية بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وان تكون متعددة الجنسيات. ويقبل أيضا أن تكون أمريكية صرفة. وفي كلا الحالتين تمنح القوات التفويض اللازم لعملها وعلاقاتها من الجهة أو الجهات المشاركة في التشكيل.
رابعا/ حدود الصلاحيات الممنوحة في التفويض:
أـ تفويض يتعلق بمنطقة العمليات والتمركز فيها:
ـ أن يشمل التفويض جميع الأراضي الفلسطينية في حدود عام 1967 وأجوائها ومياهها الإقليمية.
ـ جميع المستعمرات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية والطرق الموصلة إليها.
ـ القواعد العسكرية المستأجرة في حال الاتفاق على إقامة هكذا قواعد.
ـ ويحبذ الجانب الفلسطيني، لضرورات عملية، أن تشمل عملياتها المناطق الحدودية من أراضي دولة إسرائيل المتاخمة للأراضي الفلسطينية. وأن يطبق الشيء ذاته على الحدود البرية والمائية والمعابر. وان تمنح بالحد الأدنى حق المطاردة الساخنة داخل المناطق الحدودية في إسرائيل في حال تعرضها للعدوان، أو لأسباب تتعلق بأداء المهام.
ـ أن القوات تنتشر في مناطق العمليات المحددة (المحافظات) في إطار الخطة المركزية المتفق عليها، ولقيادة القوات الحق في توسيع رقعة الانتشار واحتلال مواقع قتالية في إطار المناطق المحددة.
ـ توسيع ومد عمليات القوات إلى مناطق جديدة (محافظات) يتطلب موافقة الطرفين.
ب ـ تفويض يتعلق باستخدام السلاح في تنفيذ المهام المقررة:
ـ بديهي أن يشمل التفويض منح القوات استخدام كافة صنوف الأسلحة المتوفرة عند الضرورة لأغراض الدفاع عن النفس ـ أفرادا ومعدات ومواقع ـ في حال تعرضها للخطر. سواء كان الاعتداء ناجما عن موقف عدائي من القوات ومهامها أو لأغراض النهب والسرقة وسواها.
ـ يحبذ الجانب الفلسطيني أن تمنح القوات الصلاحيات والمهام التي تمنح عادة لقوات الردع، وضمنها حق استخدام الأسلحة المتوفر ضد من يخرق الاتفاقات الموقعة بين الأطراف ويعتدي على الطرف الآخر، وضد من يرفض الانصياع للأوامر ويحاول فرض موقفه على الآخرين.
ـ أن يتم الاتفاق مسبقا، أن يتضمن التفويض الممنوح للقوات التفاصيل الضرورية لقواعد التصرف في حال الاعتقال وإجراء المحاكم ووضع السجون والمعتقلات الخاصة بالطرف الثالث.
خامسا/ مدة العمل: يحبذ الجانب الفلسطيني أن تبقى هذه القوات أطول فترة زمنية ممكنة، ويقبل بقائها الفترة الزمنية التي يتم الاتفاق عليها. ويعتقد الجانب الفلسطيني أن المرحلة الأولى من تواجد القوات يجب أن لا تقل عن ثلاث سنوات تجدد تلقائيا كل سنة. وان يكون معلوما سلفا انه قد يتم تمديد عمل القوات سنوات أخرى وفي مثل هذه الحالة يعاد النظر في تعداد القوات وأنواع معداتها والميزانية المخصصة لها لجهة تقليصها بالتدريج.
وفي جميع الحالات يشترط الجانب الفلسطيني أن يكون انسحاب هذه القوات مرتبطا بموافقة جميع الأطراف المعنية “دولية أو متعددة الجنسية” وضمنها القيادة الفلسطينية، وان يتم تنفيذ الانسحاب باتفاق يشارك فيه الفلسطينيون.
ميزانية قوة طرف ثالث
بديهي القول أن تشكيل قوة طرف ثالث بهذا الحجم الكبير نسبيا يتطلب رصد ميزانية سنوية كبيرة تساهم فيها جميع الدول الصناعية الكبرى ودول النفط وكل المعنيين بصنع السلام في منطقة الشرق الأوسط واستقرارها.
ويرى الجانب الفلسطيني أن يتم تجديد هذه الميزانية تلقائيا عدة سنوات حدها الأدنى 3ـ5 سنوات. وللدول المشاركة في التمويل حق مراقبة صرف ميزانية القوات وإبداء الملاحظات اللازمة. وأن يتواصل تجديدها مع تمديد مدة عمل القوات. والاتفاق سلفا على أن وقف المساهمة في الميزانية باتفاق جميع الأطراف.