شارون كسب جولة في معركة “خطة الفصل” الطويلة
بقلم ممدوح نوفل في 03/04/2005
يوميا، يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون تمسكه بخطة “فك الارتباط” والانسحاب واخلاء المستوطنات في قطاع غزة، وخطى مؤخرا خطوات مهمة على طريق التنفيذ وأزال عقبة الموازنة بعدما اقرتها الكنيست يوم 28/3/2005 باغلبية كبيرة، ورفضت مشروع قانون يطالب باجراء استفتاء على الانسحاب. وسبق قرار الكنيست جملة قرارات انتزعها شارون من الحكومة اهمها قرار مجلس الوزراء المتعلق بإخلاء وتعويض المستوطنين. وقرار آخر يوم 20 شباط “فبراير 2005 يتعلق بجدولة تنفيذ الخطة زمنيا. وصوت لجانب القرار الاخير سبعة عشر وزيرا وعارضه خمسة وزراء فقط واعتبرت القرارات انتصارا لشارون في مواجهة خصومه المعارضين للخطة.
وحسب قرار الحكومة وتخطيط قيادة الجيش يفترض ان تبدا عملية الإخلاء في 20 تموز “يوليو” القادم 2005، وتستمر سبعة اسابيع في قطاع غزة. اما اخلاء المستوطنات الاربع كاديم وغانيم سانور وحوميش في شمال الضفة فسوف يستغرق اسبوعا واحدا. وحدد الجدول اسبوعين اضافيين لاخلاء البنية التحتية المدنية والعسكرية. ويفترض تنفيذ العملية في اربع مراحل، وسيكون شارون بحاجة لقرار جديد قبل تنفيذ كل مرحلة. ومؤخرا تحدث وزير الدفاع عن امكانية اختزال فترة الانسحاب وتقليص مراحله.
والقراءة المتأنية لأزمة النظام السياسي في اسرائيل وطبيعة المعركة الجارية حول خطة الفصل تبين انه لا يمكن الجزم بأن الخطة ستنفذ كاملة بهدوء وسلام من الفها الى يائها وحسب التوقيتات التي حددت. وبرغم المواقف المعلنة والتحضيرات السياسية والعملية الجارية على قدم وساق لا أحد يستثني احتمال وقوع تطورات خلال ال100 يوم التي تفصلنا عن تاريخ التنفيذ تعرقل التوجه وتؤثر في الجدول الزمني وتزيد في احتمالات الفشل. صحيح ان شارون كسب جولة حاسمة في معركة الفصل والاخلاء والانسحاب لكنه لم يربح الحرب. والكل يعرف كيف جاهد في الايام والاسابيع الاخيرة من اجل البقاء في رئاسة الوزراء، وركض في كل اتجاه حتى مرر الموازنة في الكنيست، وتجاوز المأزق الخطير بشق الانفس وفاز في الجولة بالغش وقدم رشوة لحزب شينوي أكلت جزءا من رصيد العجوزين لبيد وشارون.
الى ذلك، لا أحد يستطيع تجاهل احتمال تعطل تنفيذ بعض بنود الخطة. خاصة وان قرار مجلس الوزراء حمل في طياته ما يساعد على ذلك عندما اكد حاجة شارون لقرار جديد لتنفيذ كل مرحلة بذاتها. وقوى اليمين وضمنهم “المتمردون” في الليكود قرروا تحويل المسألة الى قضية مصيرية وعقدوا العزم على خوض معركتها بكل امكاناتهم. وتسمع اليوم اصوات في اوساط اليمين المتطرف تتهم شارون بالتخاذل والردة والخيانة شبيهة بالاصوات التي سبقت اغتيال رابين، ويخطئ من يعتقد ان المتطرفين العنصريين من اليمين يحصرون جرائمهم بقادة اليسار.
وشارون يعرف ان خطته فجرت معركة حقيقية مع اقرب الناس اليه. وتمريرها في الكنيست والحكومة بالاستناد الى حزب العمل وحزب لبيد لا يؤشر على قوة، ولا يعني انه حقق انتصارا ساحقا على خصومه، وضمن فوزا استراتيجيا، بمقدار ما يعني ان معركة حقيقية بدأت داخل معسكره وقول الوزير السابق ايتام من “المفدال: “لا يمكن لاية ماكنة غسيل تبييض كلمات اسوء القرارات التي اتخذت في تاريخ إسرائيل”، وقول عوزي لينداو زعيم متمردي حزب ليكود “سندعو جميع القوى الى مقاومة خطة شارون”..الخ تشير الى طبيعة الجبهة اليمينية التي تشكلت ضد شارون اضافة للجبهة “اليسارية” المضادة له ولحكومته.
في جميع الحالات سيعمق تنفيذ الخطة الاشكالات السياسية والحزبية في اطار النظام السياسي الإسرائيلي بصرف النظر عن شكل التنفيذ ومدته الزمنية. بعض الاشكالات بدأ يطل برأسه في الحلبة الحزبية، اولها فشل شارون في تمرير خطته في حزبه بهدوء وسلام، تلاها تصدع الائتلاف الحاكم وتمرد عدد من اعضاء ليكود في الكنيست. ومشكلة تمرير الموازنة في الكنيست ليست آخر مشاكل شارون. وهذه الاشكالات مقدمات لتطورات أكبر يقدر لها ان تطفو على سطح المسرح السياسي عند الشروع في تنفيذ الخطة في تموز “يوليو”. ولا أحد يستطيع تجاهل إمكانية حدوث مفاجآت أمنية توثر في تنفيذ الخطة. خاصة ان النزاع داخل معسكر اليمين يتجه نحو التصعيد، والنظام السياسي في اسرائيل دخل مرحلة جديدة عنوانها اختلاط المواقف واعادة تشكل الاحزاب والائتلافات.
وبغض النظر عن عنجهية شارون ومحاولة الايحاء بانه يمسك بزمام الامور، فحالته الراهنة تشير إلى انه يسابق الزمن ويبحث عن مخرج لكن مأزقه يتعمق اكثر كيفما تحرك. وهو مرتبك اسير اقلية ليكودية رباها على التطرف، واسير احزاب يمينية بث فيها روح معارضة السلام مع العرب والفلسطينيين وشجعها على التمرد وتحدي القوانين عندما يتعلق الامر بالاستيطان.
ومكابرة شارون لا تخفي خروجه من الجولة الاولى من الصراع مثخنا بالجراح: تلقى لطمة معنوية قوية في استفتاء حزب ليكود حول الخطة. تمرد عليه صف واسع من كوادر الحزب وممثليه في الكنيست ولم يستطع اتخاذ اجراءات ضد اي منهم. اجبر على التراجع عن خطته الاصلية وادخل عليها تعديلات عديدة جوهرية، وتشكلت ارضية ملائمة لتوحيد قوى اليمين ضد الخطة. ويدرك شارون ان تراجع الوزراء نتنياهو وسلفان شالوم ولفنات أركان حزب ليكود عن التصويت ضد الخطة لا يعني عودة المياه الى مجاريها بين المعسكرين بل الوصول الى تسوية مؤقتة لن تدوم، وحكومة شارون باتت رهينة بيد خصومه في اليمين واليسار. وحديث بعض المحللين عن تكرار السيناريو الذي نفذه شارون واطاح بنتنياهو وحكومته بعد توقيع اتفاق “واي ريفر عام 1998 لا يندرج في اطار التمنيات بل قد يتكرر في قبل ربيع 2006.
بعض اطراف اليمين يسعى لاسقاط الحكومة قبل تنفيذ الخطة وقوى اليسار تخطط لاسقاطها بعد تنفيذها. وكل الدلائل تشير الى ان حزب العمل عازم على فسخ الشراكة بعد الانتهاء من تنفيذ الخطة او تعطل تنفيذها. وقد يحتاج شارون بدءا من تموز “يوليو” القادم إلى معجزة لتمديد عمر حكومته وضمان بقائها وبقائه في رئاسة الوزراء حتى نهاية ولايته في العام 2007، ولا احد يعرف مصير الخطة اذا اضطر شارون على الذهاب لانتخابات مبكرة قبل استكمال التنفيا. ولا احد يضمن استمرار حالة الهدوء بعد انهيار الحكومة ويصعب مطالبة حماس والجهاد الاسلامي والفصائل الاخرى استمرار الالتزام بالهدنة التي توصلوا اليها مع رئيس السلطة في القاهرة، اذا تعطل الانسحاب وعجز شارون عن الوفاء بالتزاماته.
ألى ذلك، بديهي القول ان لا مصلحة للفلسطينيين او اي طرف عربي في مساعدة شارون على الخروج من المأزق. وخشية البعض سقوط شارون “المعتدل” وانتصار القوى الاكثر تطرفا في ليكود والمجتمع الإسرائيلي ومن ضياع فرصة الانسحاب من غزة..الخ تعبر عن سذاجة سياسية في احسن الاحوال. فشارون يبقى ألد اعداء السلام العادل حتى إذا دمر مستوطنات القطاع كما دمر ياميت وسحب الجيش الإسرائيلي من هناك. ويخطئ من يعتقد ان موافقة شارون على تجديد دور مصر في عملية البحث عن تسوية وابداء الاستعداد للتعاون مع محمود عباس يعبر عن تغير جوهري في سياسته المعادية للسلام وتغيير موقفه السلبي من السلام ومن خارطة الطريق ومن الحقوق الفلسطينية المشروعة، أو انها تفسح في المجال للتقدم بمبادرات منتجة والقيام بتحركات تخرج عملية السلام من مأزقها وتعيد لها حيوتها.
وتفحص الخيارات المتوفرة لتنفيذ خطة شارون، في حال تجاوز الفشل، يبين ان هناك اكثر من خيار:الاول، ان يتم التنفيذ بالتعاون والتنسيق مع طرف ثالث “مثلا قوات أمم متحدة او قوات مصرية او متعددة الجنسية من الحلف الاطلسي بقيادة أميركية او قوات أميركية صرفة..الخ وفرص هذا الخيار معدومة لانه مرفوض بقوة من قبل شارون ومن تبقة معه من اقطاب الليكود. والخيار الثاني، هو مواصل ذات الموقف المعلن والممارس حتى الآن والاصرار على تنفيذ الخطة من جانب واحد، والاكتفاء بابلاغ “الصديق” الرئيس بوش بالجدول الزمني. ورحيل ياسر عرفات ولقاء شارون مع رئيس السلطة الفلسطينية في قمة شرم الشيخ بحضور مبارك والملك عبد الله الثاني، ورغبة بوش في تجنب احراج محمود عباس وتنسيق خطة الانسحاب اسرائيلي معه، تفرض على شارون البحث عن صيغة توفق بين خيار تنفيذ الخطة بشكل احادي الجانب والخيار الثالث اي التنفيذ بالتنسيق مع السلطة. وهذا الخيار يريح اركان المؤسسة الامنية الاسرائيلية ويسهل عليها تنفيذ المهمة الملقاة على عاتقها.
في جميع الحالات، أظن أن الفلسطيين والمهتمين بصنع السلام في المنطقة سوف يشاهدون في النصف الثاني من هذا العام مزيد من الاشتباكات السياسية والعنيفة في شوارع اسرائيل وفي مناطق المستوطنات وطرقها بين انصار الخطة وخصومها. وهذه التطورات الدراماتيكية سوف توفر لوسائل الاعلام الدولية مادة مثيرة ومشوقة تعرضها يوميا على جمهور المتفرجين. ويتوقع ان يسلط بعضها الاضواء على حجم معاناة المستوطنين ويضخم آخرون حجم معاناة شارون ومشاكله. وينسى خلالها الاسرائيليون والاوروبيون والامريكان معاناة الفلسطينيين الذين سلبتهم ارضهم واقيمت عليها المستوطنات التي سوف تخلى والتي سوف تبقى تمزق جسد الدولة الفلسطينية وتعرقل صنع السلام والامن والاستقرار لشعوب المنطقة. وقد يطالب بعضهم السلطة الفلسطينية والدول العربية مد العون للمناضل من أجل السلام “شارون”. ويجب ان لا يفاجئ ابو مازن اذا سمع في زيارته القريبة لواشنطن رئيس الولايات المتحدة واركانه وهم يتمنون عليه التحلي بالصبر ومساعدة شارون “المسكين” في مواجهة المستوطنين المتطرفين.