رحيل عرفات وصعود عباس لم يغير جوهر موقف بوش
بقلم ممدوح نوفل في 18/10/2005
والعقبة الرئيسية الثانية التي تواجه ابومازن هي موقف الرئيس الامريكي جورج بوش واركانه تشيني ورامسفيلد وغونداليزا رايس، الداعمة، دون تحفظ، لسياسة شارون وتوجهات القوى الاسرائيلية المتطرفة وتساند اسرائيل ظالمة او مظلومة. صحيح ان الرئيس بوش اخذ في بداية ولايته الثانية، وبعد رحيل ياسر عرفات، جملة مواقف ايجابية منها: أعاد العلاقة والاتصالات مع السلطة الفلسطينية وانهى القطيعة التي فرضها أواخر زمن عرفات، وفتح أبواب البيت الابيض أمام محمود عباس واستقبله في مكتبه أكثر من مرة. وأكد تمسكه “برؤيته” الداعية الى قيام دولة فلسطينية بجانب اسرائيل، وتمسك ب”خريطة الطريق” التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية لتحقيق هذه الرؤية، واعتبر بوش خطة شارون للانفصال “جزء من عملية سياسية يجب ان تتواصل بعد الانسحاب من غزة”..الخ لكن الصحيح ايضا ان هذه المواقف الاميكية الموضوعية لم تشق طريقها للحياة وتوقف الحديث فيها وعنها لصالح خطط شارون وتوجهاته. وحلت “خطة الانفصال” عمليا محل “خريطة الطريق”، وواصل شارون قضم أرض الدولة الفلسطينية التي تحدث عنها بوش قطعة قطعة ،ومضى جدار الفصل العنصري يتلوى في عمق الضفة الغربية يفصل في المدن الأحياء بعضها عن بعض، ويفصل في الريف القرى عن بساتينها.
والفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات مقتنعون بأن الدعم السياسي الذي قدمته إدارة بوش لاسرائيل في عهد شارون لم تقدمه أية ادارة أمريكية سابقة وانها مست حقوق الانسان الفلسطيني التي اقرتها الشرعية الدولية، وتجاوزت القواعد والأسس القانونية والسياسية التي قامت عليها عملية السلام، والتي كان يمكن أن توصل الطرفين يوما ما إلى معالجة نزاعهما المزمن وجلب الأمن لاستقرار لشعوب المنطقة.وأكدت وقائع العلاقة الفلسطينية الامريكية والفلسطينية الاسرائيلية ان كلام بوش الجميل عن الحق الفلسطيني ليس مطروحا للتنفيذ وقابل للتعديل والتبديل كل لحظة في تل ابيب، وغير مطروح للصرف والتنفيذ في الأمم المتحدة أو أي مكان آخر.
والتجربة علمت الفلسطينيين قيادة وشعب التعامل بحذر مع كلام بوش الجديد، الحالي أو اللاحق، حول دعم سلطة محمود عباس وقيام الدولة الفلسطينية بجانب اسرائيل، واعتباره كلاما سريع التبخر مثل بقية الكلام الأمريكي الكثير الذي سمعوه من بوش نفسه في ولايته الاولى ومن إدارات امريكية سابقة. وإعلان بوش في نهاية ولايته الأولى تأجيل موعد تنفيذ “رؤيته” الى نهاية ولايته الثانية عام 2008 أكد شكوك الفلسطينيين وبعث في نفوسهم قلقا من تأجيل ثاني في نهاية الولاية الثانية وتحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية احباط تنفيذ رؤية بوش كما حمل الرئيس السابق كلينتون عرفات مسؤولية فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 وافشال “مبادرة كلينتون” التي سحبها من ارشيف البيت الابيض قبل مغادرته. ويستذكر بعض الفلسطينيين التعهدات الأمريكية التي قدمتها إدارة الرئيس ريغان لحماية المخيمات الفلسطينية في لبنان عام 1982، والتي لم تمنع شارون نفسه من ارتكاب المجزرة الشهيرة في صبرا وشاتيلا.
الى ذلك، يعتبر الفلسطينيون رسالة التعهدات الخطية التي سلمها الرئيس بوش لصديقه شارون في أيار/مايو 2004 ، وصادق عليها الكونغرس الامريكي والكنيست الاسرائيلي تشبه وعد وزير خارجية بريطاني “بلفور” المشئوم الذي أعطاه لقيادة الحركة الصهيونية قبل 88 سنة. في الوعدين أعطى من لا يملك من لا يستحق،ولم يتوقع أكثر الفلسطينيين تشاؤما أن يرقى موقف بوش لهذا المستوى من الاستخفاف بالقانون الدولي وقرارات الامم المتحدة وحقوق الانسان الفلسطيني.وحتى الآن لم يفكر بوش في اعادة التوازن للموقف الامريكي، ولم يحظى الفلسطينيون بورقة رسمية في عهده يتعهد لهم احترام قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالنزاع وحل قضية اللاجئين حلا عادلا، ويؤكد التزام ادارته تنفيذ القرار 242 اقامة دولة فلسطينية على الاراضي التي احتلت عام 1967، قبل رحيله من البيت الابيض.
حقا، لقد أعطى بوش الذي لا يملك الارض ولا الحق شارون الذي لا يستحق. ولم يحترم بوش مبدأ الشراكة الذي قامت عليه عملية السلام وحدد الموقف الأمريكي من قضايا الحل النهائي سلفا ودون التشاور مع والقيادة الفلسطينية، علما انها الطرف الوحيد المعني بمعالجة هذه القضايا قبل شارون او اي طرف آخر. ورسم بوش مقدما دور إدارته في المفاوضات حال استئنافها حول القدس واللاجئين والاستيطان والحدود والمياة، وحسم أمر هذه القضايا دون مناقشة الطرف الفلسطيني والعربي: بجملة واحدة حسم مصير خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مشتتين في الدول العربية المحيطة بفلسطين وانحاء اخرى من العالم ينتظرون حلا عادلا لقضيتهم، وحرمهم بوش من حقوق أقرتها هيئة الامم المتحدة. وشطب بجرة قلم قرار الجمعية العامة رقم 194 الذي تحدث عن حق اللاجئين في العودة والتعويض. وتجاوز قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بهذه الحقوق. ولم يكتفي بذلك وأكد التزام الولايات المتحدة بقوة بقاء إسرائيل دولة يهودية وقال: “يجب ايجاد إطارا منطقاي عادلا ومتفق عليه لحل موضوع اللاجئين الفلسطينيين من خلال إقامة دولة فلسطينية وتوطينهم هناك بدلا من إسرائيل”.علما انه وأركانه يعرفون أن لا أحد في صفوف السلطة الفلسطينية وأنصار السلام يريد تدمير إسرائيل عبر إغراقها بقرابة اكثر من خمسة ملايين لاجئ. وفي كل الأحوال، ليس من حق الرئيس الأمريكي تقرير قضية بهذا الحجم دون التشاور مع القيادة الفلسطينية والدول العربية المعنية بقضية اللاجئين. ومحاولة بوش فرض “رؤيته”الغريبة العجيبة لحل قضية اللاجئين والمتعارضة مع “رؤية” الشرعية الدولية قد يتسبب في زعزعة استقرار بعض دول المنطقة التي يعيش فيها مئات ألوف وملايين اللاجئين.
وفيما يتعلق بالاستيطان، تجاوز الرئيس بوش الموقف الأمريكي الذي ظل يعتبر المستوطنات في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة عقبة في طريق السلام. وأضفى شرعية على مبدأ الاستيطان، واستيلاء اسرائيل على اراضي الغير بالقوة، وبارك سياسة الأمر الواقع التي فرضها شارون. واعتبر المستوطنات “مراكز تجمعات سكانية إسرائيلية”، وتحدث عنها باعتبارها حقائق ثابتة يصعب تغييرها ويجب التسليم بها. وأباح مواصلة الاستيطان حسب تقديرات شارون وأعطاه حق التوسع وتغيير حدود عام 1967 وعدم العودة اليها، وضم مستوطنات قائمة على أراضي الغير، وقال: “كجزء من تسوية السلام النهائي يجب أن تكون لإسرائيل حدود أمنة ومعترف بها ومن غير الواقعي التوقع بأن نتيجة مفاوضات الحل النهائي ستكون عودة كاملة وتامة حتى حدود العام 1949″. علما ان إدارة الامريكية في عهد “والده” بوش ووزير خارجيته بيكر رفضت في رسالة الدعوة لمؤتمر السلام في مدريد ورسائل الضمانات التي قدمت للاطراف التي شاركت في المؤتمر، الاعتراف بأي تغيير تحدثه إسرائيل من جانب واحد في الحدود وضمنها حدود مدينة القدس البلدية. والرئيس الفرنسي شيراك قال ردا على موقف بوش الابن هذا “إن التلاعب وفقا للظروف أو الأشخاص بالاستقرار الدولي وبقواعد القانون الدولي يشكل سابقة خطيرة مؤسفة”. ولم يوضح بوش أسباب تجاهله قرارات محكمة العدل الدولية المتعلقة بالحدود والاستيطان ووضع مدينة القدس.
ولم يتوقف بوش عند هذه الحدود وطالت “ضماناته” لاسرائيل أسس عملية السلام ونسفت مضمون رسالة الدعوة الأمريكية “السوفيتية” لمؤتمر مدريد ورسالة التطمينات الأمريكية التي قدمتها الادارة الامريكية للفلسطينيين عام 1991، والتي أكدت في فقرتها الخامسة على “مبادلة الأرض بالسلام وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلت عام 1967″. واعترفت رسالة الضمانات بأن “الفلسطينيين شعب له الحق في السيطرة على قضاياه السياسية والاقتصادية وأية قضايا تقرر حياتهم ومصيرهم”.
وبجانب تجاوز رسالة الضمانات والتزامات الادارات الامريكية السابقة، ظل بوش يؤكد مساندة مواقف إسرائيل وسعى لتلبية رغباتها في كل المجالات. ولشدة إعجاب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بشخصية صديقه رئيس الحكومة الإسرائيلية وأفكاره الخلاقة، وحاجته لدعم اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، أباح زعيم أقوى دولة ديمقراطية في العالم، في مرحلة سابقة، لشارون فعل ما يريد ضد الفلسطينيين سلطة وشعبا وأرضا وممتلكات. ومنحه شهادة رجل سلام، واثنى على حبس شارون لعرفات الزعيم الفلسطيني المنتخب في مقره في رام الله. وفي تلك المرحلة أدرج بوش سياسة تعذيب النساء والشيوخ والأطفال على الطرقات وتدمير المنازل وجرف الاراضي وقطع الأشجار وبناء الجدار وحصر الشعب الفلسطيني في معازل وكنتونات تحت بند حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب. وأباح بوش لشارون قتل الفلسطينيين عندما قال علنا: “ستحتفظ إسرائيل بحقها في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب بما في ذلك اتخاذ إجراءات ضد منظمات إرهابية”. وفسر شارون واركانه الامنيين هذا التصريح على انه أجازة امريكية مفتوحة تبيح لهم تدمير التنظيمات والحركات السياسية والاجتماعية التي تصنفها إسرائيل إرهابية، وقتل واغتال من طالته يداه من قادة وكوادر الحركة الفلسطينية صنفهم بالإرهابيين. ولا أدري إذا كان أركان الرئيس بوش قد أوضحوا لرئيس الحكومة الاسرائيلي وأركانه، بعد رحيل عرفات، أن الرئيس عباس مستثنى من هذا الإذن المفتوح، وما حصل مع عرفات في آخر عامين من حياته يمنع التفكير في تكراره مع عباس.
وفي عهد عباس لم يتردد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية واركانه في تأييد شروط شارون التعجيزية لاستئناف المفاوضات. وتبنوا مقولة شارون “توفير الأمن لاسرائيل ومحاربة الارهاب أولا”، مثلما “اقتنعوا” بموقف شارون في عهد عرفات وأيدوا تجميد القيادة الاسرائيلية المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وادرجوا التجميد في خانة الحرب ضد الإرهاب والإرهابيين. واعتبروا وقف العمل “بخريطة الطريق” وتجميد عمل اللجنة الرباعية وانتهاج اسرائيل خطط أحادية الجانب، يخدم صنع السلام في المنطقة ولم يغيروا موقفهم هذا في عهد عباس..! ويتبنى بوش واركانه مطالب شارون من عباس بان يثبت اولا النجاح في محاربة الإرهاب قبل الحديث عن الحديث عن استئناف المفاوضات. ويصرون على ان ينفذ ابومازن إجراءات تفوق طاقته وطاقات حزبه “فتح” وطاقة أجهزة الأمن الفلسطينية، ويطالبوه بتجريد حماس من أسلحتها وتدمير بنيتها التحتية، ويتجاهلون نتائجها المدمرى لسلطة عباس وحزبه، وينسون ان شارون أضعف “فتح” ودمر أجهزة الأمن الفلسطينية وللان يرفض تمكينها من تعزيز قدراتها القتالية والفنية.
الى ذلك، اعلن بو ش من البداية تأييد خطة “صديقه” شارون بشأن الانفصال وإعادة الانتشار في قطاع غزة من جانب واحد وقال: “أدعم الخطة التي اعلنها رئيس الوزراء شارون لسحب المستوطنات من قطاع غزة وبعض أجزاء الضفة الغربية، وهذه الخطة شجاعة ويمكن أن تقدم مساهمة حقيقية نحو السلام”. قال ذلك رغم معرفته ان نوايا شارون صاحب “الخطة” سيئة، وانه رفض ربط الانسحاب من غزة مع “خريطة الطريق” ويريدها بديلا للخريطة ويخطط لفرض الحل النهائي الذي يريد من جانب واحد ومنع قيام الدولة الفلسطينية المتصلة والقابلة للحياة التي تحدث عنها بوش.
ولم يكتف الرئيس بوش بمساندة “خطة” شارون بل وفرضها على أطراف اللجنة الرباعية الدولية، و”أقنعهم” بتجميد حركتهم ريثما يتم تنفيذ “خطة الفصل” الشارونية، والتعامل معها باعتبارها خطة الإنقاذ الوحيدة المضمونة لعملية السلام. واكرمت ادارة بوش المستوطنين ووفرت لحكومة شارون الامكانات المالية لتعويضهم بسخاء. وألزمت البنك الدولي والمواطن الأمريكي دافع الضرائب وبعض الدول الصناعية شراء ممتلكات المستوطنين بالسعر الذي طلبه شارون وحدده زعماء المستوطنين. ولم يفكر بوش وأعوانه خبراء الاقتصاد للحظة في احتساب قيمة استغلال المستوطنون للأراضي الفلسطينية والمياه الشحيحة سنوات طويلة. كما لم يفكر للحظة في تطبيق الخطة ذاتها على مستوطنات الضفة الغربية وكانها مبنية في عالم آخر. ألم تكن مستوطنات قطاع غزة عزيزة على قلب شارون وزعماء اليمين والمستوطنين ؟ ألم يقل شارون نفسه يوما “لافرق عندي بين مستوطنة نتساريم في قطاع غزة ـ التيت حولت مجرد ذكرىـ ومدينة كفار سابا على شاطئ البحر شمال مدينة تل أبيب؟
وبعد تنفيذ الخطة من جانب واحد لم يدافع الرئيس بوش واركانه عن حق الفلسطينيين في حرية الحركة الى مصر وبقية العالم عبر معبر رفح، ولم يتحدثوا عن حقهم في تشغيل المطار الذي افتتحه الرئيس السابق كلينتون عندما زار قطاع غزة، وان يكون لهم أيضا ميناء. ولم يتدخل الرئيس المريكي واركانه لالزام شارون اعادة تشغيل الممر الآمن بين الضفة وقطاع غزة علما بان هذا الممر والمرور الامن للفلسطينيين مسألة مثبتة في الاتفاقات التي رعتها الادارات الامريكية السابقة.
وبصرف النظر عن النوايا فالنتيجة المباشرة لموقف الرئيس بوش الانتقائي من قضايا النزاع هو تعزيز التطرف في الساحة الفلسطينية وإضعاف محمود عباس وسلطته، واضعاف قوى السلام في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وعدم الاكتراث بجهودهم ومصيرهم. ورغم ان بوش يعرف ان عباس يواجه مشاكل جمة وبحاجة الى مساعدة سريعة، الا انه يتردد في تقديم مساعدة ملموسة له ولا يمارس اي ضغط جدي على شارون وحكومته لوقف الأعمال التي تساهم في اضعاف عباس. وفي الوقت ذاته يسلط بوش وأركانه ضغطهم على الطرف الفلسطيني الضعيف، ويطالبون أبو مازن بالاصلاح ونشر الديمقراطية وينسون ان الأمرين وحدهما لا يوفران الخبز والأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي للناس، ولا طعم ولا رائحة ولا لون لهما في ظل ارهاب الاحتلال وقهره.
الى ذلك، اعتقد ان قول بعض المحللين الاستراتيجيين ان ليس في الأفق ما ينبئ بتبدل جوهري في الموقف الأمريكي في العام القادم، عام الانتخابات الاسرائيلية، ليس فيه تجن على أحد. ويبدو ان كل ما قد تقوم به ادارة بوش في هذا العام هو ابقاء الوضع الراهن في الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي والعربي الاسرائيلي كما هو عليه من دون السماح بوقوع خضات او هزات او تحولات دراماتيكية كبيرة. ويخطئ من يعتقد أن حديث الرئيس بوش عن نشر الحرية والديمقراطية في العالم سوف يترجم بموقف امريكي يلزم شارون تعزيز انتشارهما في فلسطين. والفلسطينيون في الداخل والخارج مقتنعون ان تعمق ورطة إدارة بوش في المستنقع العراقي وتفجر ازمة جديدة مع سوريا يقربها أكثر من إسرائيل وأنصارها في الكونغرس.
صحيح ان دعوة الرئيس بوش رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لزيارة البيت الابيض ولقاؤه في 20 تشرين الأول 2005 لها أهمية كبيرة في هذا الوقت بالذات، الا اني لست متفائلا بنتائج هذه الزيارة، واستبعد أن تكرم ادارة بوش الرئيس محمود عباس على ما قام من اجل السلام خلال فترة ولايته القصيرة وانها سوف تستجيب لطلباته المتواضعة، وتلزم شارون احياء عملية السلام واستئناف المفاوضات السياسية، وتنفيذ “تفاهمات” قمة شرم الشيخ باعتبارها جزء من “خارطة الطريق” الدولية، وان تضغط لاطلاق سراح دفعة كبيرة من المعتقلين على أبواب الانتخابات التشريعية تضم الكوادر القيادية واعضاء المجلس التشريعي وفي مقدمتهم عبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومروان البرغوثي وحسام وجميع الراغبين في الترشح للانتخابات التشريعية المقررة مطلع العام القادم.
وفي جميع الحالات يجب ان يحصل عباس في زيارته، بالحد الأدنى، على تعهد من الرئيس بوش وأركان ادارته بوقف تدخل شارون في الانتخابات التشريعية ومنعه من تنفيذ تهديده بعرقلتها في حال مشاركة حماس فيها، لان التدخل الاسرائيلي فيها وعرقلة شارون يقويان مواقف حماس ويعززان الاتجاهات الفلسطينية المتطرفة ولا يضعفهما. وإذا كان من الصعب الآن تقدير النتائج البعيد لتعطيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية، فنتيجتها المباشرة كارثة محققة على وضع السلطة ورئيسها عباس وعملية السلام.
وإحالة الرئيس المريكي الموضوع الى لقاء يعقده عباس وشارون هروب من تحمل المسؤولية تزيد في تعقيد الوضع وتضاعف الخسائر.
والقراءة الموضوعية لنتائج اللقائين السابقين الذين عقدهما عباس وشارون في القدس وشرم الشيخ وما تلاهما من أحداث سياسية وامنية، لا يبعث على التفاؤل بنتائج اللقاء الثالث إذا قدر له ان يعقد. خاصة ان سلوك الرجلين ومواقفهما تشيران الى أنهما لم يعودا شريكين في عملية سلام واحدة، وسوف يتوجهان الى اللقاء وهما يحملان أجندتين مختلفتين يصعب التوفيق بينهما: ابو مازن، يحمل ملفات كبيرة مترابطة الاول يتعلق بضرورة استئناف المفاوضات حول قضايا الحل النهائي القدس اللاجئين الحدود الاستيطان المياة ومستقبل العلاقة الامنية بين الطرفين. وآخر يتضمن كشفا بالخروقات الاسرائيلية ويحدد سبل تنفيذ “تفاهمات شرم الشيخ” خصوصا اطلاق سراح الاسرى و استكمال الانسحاب من المدن الخمس. والملف الثالث يحتوي مسائل يمكن تصنيفها في بند توابع “خطة الفصل” التي نفذت من جانب واحد في قطاع غزة. ومواد هذا البند كثيرة أهمها استكمال الانسحاب من اراضي قطاع غزة حتى حدود عام 1967، والتعويض عن استغلال المستوطنين الاراضي والمياه الفلسطينية، وفتح معبر رفح على الحدود مع مصر والمعابر الاخرى على الحدود الفلسطينية الاسرائيلية، وتشغيل مطار غزة، واستكمال بناء الميناء، والعلاقات التجارية والعمل في اسرائيل، الممر الآمن بين قطاع غزة والضفة الغربية.
بالمقابل يتوقع ان يكرر شارون معزوفته المعروفة حول ضرورة محاربة الارهاب والارهابيين وتجريد حماس من اسلحتها. ويتوقع ان يسترسل في الحديث حول تقصير السلطة في انجاز هذه المهمة وقد يقلل من ادبه كما فعل في لقاء سابق. وفي كل الاحوال سوف يبقى شارون مشدودا قبل وبعد وخلال الاجتماع مع عباس الى معاركه الداخلية خصوصة معركةالانتخابات داخل ليكود وانتخابات الكنيست، ولن يكترث بوضع السلطة ورئيسها. وسوف يركز شارون على انتزاع ما يحتاجه للفوز على خصومه وارضاء المتطرفين الاسرائيليين في ليكود والشارع لدعمه في الانتخابات القادمة.
وبجانب مشاكله مع بوش وشارون يواجه محمود عباس مشاكل وعقبات كبيرة على الجبهة الداخلية لا تقل خطورة عن الاشكالات الخارجية. أولها، ضعف ثقافة الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني وصعود الافكار المتطرفة، ورفض حماس وقوى المعارضة التزام الديمقراطية كناظم للعلاقات الداخلة، واصرار هذه القوى على فرض مواقفها وتوجهاتها رغم انها لا تملك الشرعية وليست سلطة منتخبية وتمثل أقلية في المجتمع وفق نتائج انتخابات الرئاسة التي جرت مطلع العام الجاري 2005 وأيضا نتائج الانتخابات البلدية التي لم تستكمل حتى الان. والاشكالية الثانية الرئيسية التي تواجه عباس تتمثل في بعض من تراث ابو عمار، وترهل اوضاع الحزب القائد “فتح” وتأزم العاقة في صفوف قيادته وبروز صراعتها السياسية والشخصية على السطح، والثالثة، هي ضعف قدرات السلطة وضمور نفوذها وضعف قوى السلام في الساحتين الفلسطينية والاسرائيلية. اما العقبة الرابعة وهي أكبر العقبات واعقدها، فهي تدهور الوضعين الأمني والاقتصادي وتنامي حالة القلق في المجتمع وعدم توفر القدرة على وقفها. وهذه العقبات مع اشكالية العلاقة مع بوش وشارون تحول دون تقدم عباس على طريق تحقيق برنامجه الذي بشر به الناس وعلى اساسه انتخبوه. وعلى جميع المعنيين بنجاح أبو مازن الغوص في اعماقها واكتشاف العلاج الشافي لها قبل فوات الاوان.