فشل عقد قمة فلسطينية اسرائيلية يحدد نتائج زيارة عباس لواشنطن
بقلم ممدوح نوفل في 13/10/2005
قبل فشل اللجنة التحضيرية الفلسطينية الاسرائيلية، برئاسة صائب عريقات وفايسغلاس، في الاتفاق على جدول أعمال وزمان ومكان قمة شارون عباس، شهدت الساحة الفلسطينية حوارات داخلية واسعة شارك فيها قوى السلطة والمعارضة ومراكز الابحاث، ونظمت وزارة الخارجية ندوة مغلقة. وتركز الحوار حول آفاق المرحلة بعد تنفيذ حكومة شارون “خطة الانفصال” والاخلاء و”الانسحاب”، من جانب واحد، في قطاع غزة واربع مستوطنات شمال الضفة. وحاول المتحاورون بلورة رؤية فلسطينية واقعية للمرحلة الجديدة وتحديد مهامها الاساسية في الحقل الداخلي وفي العلاقة مع اسرائيل وميدان السياسة الدولية. وأظهر النقاش ثلاثة آراء مركزية متباينة لكل واحد منها حيثياته وانصاره: الاول، يعتقد اصحابه ان الحكومة الاسرائيلية الحالية سوف تنفذ خطوة “فصل” جديدة من جانب واحد في الضفة الغربية، قبل انتخابات الكنيست الاسرائيلي المقرر أواخر عام 2006، وخلق واقع جديد، يكمّل به شارون مشروع “دولة غزة” يضم اليها الأراضي والمدن والقرى الفلسطينية الواقعة خلف الجدار المتلوي في عمق الضفة الغربية.
ويرى انصار هذا الرأي أن شارون نجح في تنفيذ “خطوة الانفصال” الاولى في قطاع غزة، وحقق مكاسب سياسية وحزبية هامة في المجتمع الاسرائيلي وميدان العلاقات الخارجية. وعلى خلفية الخطوة ألحق الهزيمة بغريمه نتنياهو في اجتماع اللجنة المركزية لحزب “ليكود” وكرس زعامته للحزب..الخ وهذه النتيجة تشجع شارون على المضي قدما في تنفيذ خطوة ثانية من “خطة الانفصال” في الضفة. ويحذر ناس هذا الرأي من خطورة اقدام شارون على خلق حقائق جديدة على الارض في الضفة والقدس يصعب ازالتها. اخطرها استكمال بناء الجدار ورسم حدود دولة اسرائيل مع جيرانها الفلسطينيين، وتنشيط حركة الاستيطان في محيط القدس ومنطقة الاغوار في الضفة، وتجميع المستوطنين في المدن الاستيطانية الكبيرة. ويؤيد هذا الرأي بصورة أو أخرى كتّاب ومحللون استراتيجييون اسرائيلييون، يتفقون مع انصاره الفلسطينيين على أن تنفيذ خطوة فصل في الضفة كفيل بتعزيز مكانة شارون أكثر عند الادارة الامريكية، ودول الاتحاد الاوروبي واللجنة الدولية الرباعية. ويعتقدون انه يقوي مواقع شارون في الشارع الاسرائيلي، ويكسبه دعم حزب العمل في مواجهة خصومه من اليمين المتطرف. ويعزز موقع صديقه بيريس في قيادة هذا الحزب، ويكرس استمرار حزب العمل في الشراكة في الحكومة حتى الانتخابات القادمة نهاية العام القادم 2006.
ويتبنى انصار الرأي الثاني موقفا أكثر تفاؤلا، خلاصته؛ الظروف مهيأة لنجاح اللجنة الدولية الرباعية في جمع الطرفين من جديد حول مائدة المفاوضات وتحقيق تقدم على طريق تطبيق “خريطة الطريق” وتنفيذ رؤية الرئيس بوش والوصول الى حل الدولتين الذي ينادي به وما يزال يكرره من حين لآخر. ويبني انصار الاحتمال الثاني موقفهم على ان الانسحاب من غزة واخلاء اربع مستوطنات في شمال الضفة يؤكد ان شارون ابتعد عن فكر الليكود الجامد، وترك ايدلوجيته المتطرفة التي كانت تدفعه الى التمسك بكل اراضي الضفة الغربية باعتبارها “أرض الميعاد” التي وهبها الله لبني اسرائيل. وبات شارون مقتنعا بان لا مناص من تثبيت حدود دائمة لدولة اسرائيل. ويعتقد انصار هذا الرأي أن عهد الخطوات الجزئية وأحادية الجانب قد انتهى، وأن الارادة الامريكية والدولية قادرة على جمع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي خلف طاولة مفاوضات واحدة، واجبارهما على التعاون مع اللجنة الدولية الرباعية وارساء مرتكزات حل النهائي للنزاع قبل انتهاء ولاية الرئيس بوش.
ويختلف انصار الرأي الثالث مع الرأيين الاول والثاني، ويعتقدون ان لا أفق لتنفيذ أي خطوة فصل جديدة في الضفة الغربية، لا أحادية الجانب ولا بالتفاهم مع السلطة الفلسطينية، قبل الانتهاء الانتخابات الاسرائيلية القادمة نهاية عام 2006.
شخصيا كنت ولم أزل من أنصار الرأي الثالث الأخير. وأرى في فشل رئيس دائرة المفاوضات في م ت ومستشار رئيس الحكومة الاسرائيلية في تحضير جدول أعمال لقاء عباس شارون، برهان عملي حسم الأمر لصالح الثالث، ويؤكد خطأ اعتماد الرأيين الاول والثاني في رسم السياسة الخارجية الفلسطينية.
وأظن أن رئيس الحكومة الاسرائيلية ليس مجبرا على تنفيذ خطوة فصل جديدة في الضفة الغربية قبل حسم المعركة حول زعامة الحزب في الانتخابات الداخلية المقرر اجراؤها في حزيران القادم 2006. وشارون الذي لم ينفذ “تفاهمات” قمة شرم الشيخ، التي عقدت في شباط /فبراير الماضي، قبل تنفيذ “خطة فك الارتباط، في قطاع غزة، لا أحد يتوقع منه تنفيذها بعد فشل لقائه بمحمود عباس. ولا مصلحة له في الاقدام على خطوة اشكالية تعمق الانقسام داخل المجتمع الاسرائيلي، وتجلب له متاعب حزبية اضافية داخل ليكود تزيد في اهتزاز وضعه، وترفع درجة توتر علاقته مع قوى اليمين المتطرف. وشارون يعرف اكثر من خصومه وأصدقاءه وقبلهم ان الانسحاب واخلاء مستوطنات في الضفة يثير اشكالات كبيرة تختلف عن اشكالات “خطة الفصل” في قطاع غزة، ويستفز فئات واسعة من قواعد وكوادر ليكود ويستنفرها ضده، ويسهل على خصمة نتنياهو تجنيدهم وتعزيز وضعه في الحزب وتحقيق أمنية الاطاحة به.
الى ذلك، يستطيع شارون العيش “معززا مكرما” على أمجاد خطوة الانسحاب والاخلاء التي نفذها في قطاع غزة، وكان لها مفعول سحري عند الرئيس بوش ووصفها هو وبعض زعماء الاتحاد الاوروبي بالخطوة “التاريخية الشجاعة”، ولم يتأخروا في ترجمة موقفهم في الاستقبال الحافل والمميز الذي حظي به شارون في الاجتماع الاخير للجمعية العامة للامم المتحدة الذي عقد في نيويورك منتصف شهر ايلول/سبتمبر الماضي. واذا كانت الادارة الامريكية لم تمارس ضغطها لتنفيذ “تفاهمات” الشرم قبل وخلال زيارة شارون نيويورك ولقاء الرئيس بوش، فلا أحد يمكنه الادعاء بأنها سوف تكرم محمود عباس وتغير موقفها خلال زيارته القريبة لواشنطن.
لقد خطف شارون في قمة “الشرم” عودة سفيري مصر والاردن الى تل ابيب أمام بصر الادارة الامريكية وسمع الاتحاد الأوروبي. ونقض وعوده للرئيس مبارك والملك عبد الله الثاني ولم يقدّر قيمة مبادرتهما باعادة السفيرين ولم ينفذ “تفاهمات شرم الشيخ” التي التزمها بحضورهما. وبالرغم من وفاء أبو مازن بالتزاماته ونجح في أقناع “القوى الوطنية والاسلامية” بأهمية التهدئة وعمل “هدنة” من جانب واحد، الا ان شارون ظل على موقفه، ولم يتجاوب مع طلبات رئيس السلطة الفلسطينية المتواضعة. ولم يسمح بعودة مبعدي أحداث كنيسة المهد في بيت لحم الى بيوتهم وقراهم، ولم يطق سراح دفعة جديدة من المعتقلين، ورفض التعهد بعدم التعرض لزعيم الجبهة الشعبية احمد سعدات وزميله العميد فؤاد الشوبكي في حال اخلاء سبيلهما، ولم يخفف الحواجز على الطرق ولم يسهل حياة الناس، ولم يسحب جيشه من المدن الفلسطينية اريحا وطولكرم وقلقيلية ورام الله وبيت لحم، ويرفض تسليمها للسلطة الفلسطينية.
ولم يتوقف شارون عند هذا الحد من السلبية من محمود عباس وسلطته، وصعد هجومه ضده واتهمه بالضعف والتراخي في محاربة الارهاب وبجميع التهم الأخرى التي ألصقها بعرفات. وواصل شارون الادعاء بغياب الشريك الفلسطيني واستمر في عمل ما يحلو له بشكل احادي الجانب. استمر في بناء الجدار في عمق الضفة، ونشط حركة الاستيطان في الاغوار ومحيط مدينة القدس. وتابع تنفيذ سياسة الاغتيالات والاعتقالات واعتقل خلال الاسبوعين الاخيرين مئآت الكوادر الفلسطينية ضمنهم كوادر فتحاوية. وعندما “خرج” شارون من قطاع غزة أبقى جملة من المساءل الحيوية معلقة لابتزاز عباس واحراجه، منها تعطيل الحركة في معبر رفح على الحدود المصرية استكمال بناء الميناء، وتشغيل المطار، وفتح الممر الآمن بين الضفة والقطاع..الخ
واعتقد ان الرئيس الامريكي الذي لم يكترث لفشل الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي في عقد قمة ثنائية ألح هو على عقدها وكلف ملك الاردن بمتابعتها، ولم يزعجه فشل قمة شارون عباس في شهر حزيران/يونيو الماضي، ولم يدعم مطالب عباس المحقة والمتواضعة قبل زيارته الى واشنطن..الخ لا يمكن لأكثر الفلسطينيين تفاؤلا أن يتوقعوا منه تغيير موقفه في لقاء مع ابو مازن يستمر ساعة في البيت الابيض. وان يتعهد مثلا بإلزام شارون تنفيذ “تفاهمات” شرم الشيخ، واستكمال خطوة الانسحاب من قطاع غزة، وإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية في القدس المحتلة، واستئناف المفاوضات حول قضايا الحل النهائي..الخ من القضايا العالقة بين الطرفين. ويمكن للمراقب أن يتوقع العكس، وأن يتعرض ابو مازن، وليس شارون، الى ضغط أمريكي يليه ضغط اوروبي، تحت شعار التحلي بالصبر في عام الانتخابات الاسرائيلية، وضرورة تقديم الدعم المعنوي الممكن لشارون في الفترة الحرجة والحساسة التي يمر بها، وعدم ازعاجه بطلبات جديدة ومساعدته على تجاوز فترة الانتخابات الحزبية والبرلمانية بسلام ونجاح.
وأظن ان استمرار الرئيس بوش والاتحاد الاوروبي على موقفهم من شارون، واستمرار شارون في العمل وفق التوجه احادي الجانب ذاته يعيق الاتفاق على عقد قمة عباس شارون قبل الانتخابات الاسرائيلية القادمة اواخر العام القادم. صحيح ان اعلان عريقات فايسغلاس المشترك عن تأجيل القمة تضمن الاشارة الى انها سوف تعقد بعد زيارة عباس الى واشنطن وحدد البيان موعدها التقريبي أواخر شهر تشرين الاول/ اكتوبر الجاري او مطلع الشهر القادم، واتفقا على تفعيل اللجان المشتركة..الخ لكن لا صائب عريقات ولا اي قائد فلسطيني يضمن ان تعقد القمة الثالثة في الموعد الجديد. خاصة ان شارون لم يكن متحمسا لها قبل زيارة عباس الى واشنطن، ووافق علي مبدأ اللقاء على مضض لارضاء الرئيس بوش وملك الاردن عبد الله الثاني.
وسلفا يمكن القول ان نتائج القمة الثالثة اذا عقدت لن تتوصل الى نتائج هامة ونتائجها لن تكون أفضل من نتائج القمتين السابقتين. والاشياء التي رفض شارون تقديمهها لمحمود عباس قبل سفره الثاني الى واشنطن ليس مضطرا لتقديمها بعد انتهاء الزيارة. وقد يعمد شارون الى اشغال الفلسطينيين والعالم في مناقشة مسألة الانتخابات الفلسطينية، وتنفيذ تفاهمات شرم الشيخ، وتوابع خطوته التي نفذها في القطاع. فهل يتحمل الوضع الفلسطيني استمرار المراوحة في المكان عاما آخر، خاصة إذا نفذ شارون تهديده وعطل الانتخابات التشريعية الفلسطينية؟