2) بدأ حرب “أمل” الظالمة على المخيمات
بقلم ممدوح نوفل في 25/12/2005
توجهات قيادة حركة “أمل” العدوانية فاجأت الفلسطينيين
في السادس من شباط/فبراير1984 تمكنت حركة “أمل” والقوى الوطنية اللبنانية من طرد “القوات الانعزالية” من أحياء بيروت الغربية، وساهمت المساعدة اللوجستية السورية والميدانية فلسطينية في تمكينها من السيطر التامة على الأحياء التي يقطنها أبناء طوائف الشيعة والسنة. أما الأحياء الدرزية فسيطر عليها الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة جنبلاط، وسميت تلك الحركة بانتفاضة 6 شباط/فبراير.
ومنذ السادس من شباط/فبراير 1984 وبعد سيطرتها على بيروت الغربية، برزت “أمل” كممثل قوي للطائفة الشيعة. وكبرت طموحاتها في قيادة الساحة اللبنانية وفي السيطرة على المناطق الوطنية. واختفت من أجهزة الإعلام اللبنانية كل الأحاديث عن دور المقاتلين الفلسطينيين في مقاومة الغزو الإسرائيلي، وغاب الحديث عن مساهمتهم في تحرير الجبل وبيروت الوطنية من الوجود العسكري الكتائبي. ولم يعد أحد يشير إلى دور أبناء مخيمات برج البراجنة وشاتيلا والداعوق وصبرا ومار إلياس في طرد القوات الانعزالية من بيروت الغربية والضاحية الجنوبية. وشاع حديث طويل عريض عن الممارسات السلبية للمقاتلين الفلسطينيين قبل عام 1982.
وعلى امتداد أسابيع وشهور عديدة نبّشت “أمل” والمتحالفين معها عن الممارسات الخاطئة التي عفا عليها الزمن للفصائل والأجهزة الفلسطينية. واستحضرت أسماء كوادر، وشهر بها كرموز للمارسات السلبية، بعضها حقيقي، وبعضها غير موجود، وكان ضمنها من توفاه الله واستشهد وهو يقاتل الاحتلال، وبعضها غادر لبنان منذ سنوات. واختلقت روايات لا أول لها ولا آخر، وضخمت حوادث قديمة. واستثمرت جيدا قيادة” أمل” الانقسام الذي وقع داخل “فتح” ومنظمة التحرير بقيادة نمر صالح “أبو صالح” وقدري وأبو موسى وأبو خالد العملة، وركزت حملتها على عرفات والعرفاتيين. وجهدت “امل” في تعبئة الشارع الوطني اللبناني، وخصوصا أبناء الطائفة الشيعية، ضد الثورة الفلسطينية تحت شعار لا عودة بأوضاع لبنان إلى ما كانت علية قبل حرب 1982، أي ضد عودة م ت ف إلى المخيمات وبسط سيطرتها على المناطق الوطنية اللبنانية. وقد حدث هذا، مع أن قيادة “أمل” وجميع القوى الوطنية اللبنانية كانت تعرف أن قيادة م. ت. ف. استوعبت نتائج الحرب وأسقطت هذا الخيار من توجهاتها.
في حينه، تلاقت مصالح “أمل” وطموحاتها مع المصالح السورية في مواجهة العودة الفلسطينية إلى الساحة اللبنانية. فالمصلحة السورية كانت تقضي ملء الفراغ الذي أحدثه خروج المنظمة من لبنان والاستفراد بهذا البلد والهيمنة علية. ودرء المخاطر التي يمكن أن تأتي منه كبلد مجاور لها ليس فيه سلطة حاكمة قوية وتنخرة حروب وصراعات طائفية. كما كانت هذه المصلحة تقضي ايضا باسثمار لبنان ما أمكن اقتصاديا وإستخدامه ورقة في صراع سوريا مع إسرائيل، ولتحقيق هذه الأهداف عملت القيادة السورية في اتجاهين: الأول هو إلغاء وجود أي طرف إقليمي منافس لها. والترجمة العملية لذلك كانت تعني منع م. ت. ف. وفصائلها خصوصا “فتح” بقيادة عرفات من العودة إلى لبنان باعتبارها الطرف الإقليمي القوي القادر على المنافسة بحكم وجود قرابة 370 ألف لاجئ فلسطيني على أرض هذا البلد. ويقوم الاتجاه الثاني على خلق قوة محلية لبنانية قوية موالية لسوريا تنطق بلسانها وتنفذ توجهاتها وتدافع عن مصالحها في لبنان.
إلى ذلك، كبرت طموحات “أمل” وتعدت حدود السيطرة على المناطق التي تقطنها أغلبية شيعية، وتوسعت لتشمل رغبتها في السيطرة على كل المناطق الوطنية اللبنانية. ولم لا ما دام أن “أمل” هي التنظيم السياسي المعبر عن الطائفة الشيعية أو غالبيتها الساحقة في بلد تنخرة الطائفية السياسية. والشيعة في لبنان هم الطائفة الأكبر من حيث العدد والأفقر من حيث الأوضاع الاقتصادية. مناطق تواجدهم الأساسية هي البقاع والجنوب وضواحي بيروت الجنوبية وبعض قرى الجبل. وهي المناطق الأشد فقرا أهملتهم السلطة اللبنانية على مدار سنوات طويلة وهم المحرومون من الحقوق والامتيازات في السلطة، حصتهم من رأس هرم السلطة هي رئاسة المجلس النيابي. أما رئاسة الجمهورية فهي للموارنة ورئاسة الوزراء للسنة، علما بأن تعداد أبناء هاتين الطائفتين كل على انفراد أقل عددا من أبناء الطائفة الشيعة.
في سنوات الحرب الأهلية تعمقت النعرات الطائفية والمذهبية في لبنان، ونمت معها طموحات الطائفة الشيعية التي افاقت على أوضاعها المزرية وتنبهت لحقوقها المهضومة، ووجدت في خروج منظمة التحرير وقواتها من بيروت والجنوب وفي التشجيع السوري فرصة ذهبية لتصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكب بحقها. تعارضت مصالحها مع وجود م. ت. ف. في لبنان ومع الوجود العسكري الفلسطيني القوي على أراضيه فاندفعت للتصادم معه بأمل منعه من التمدد والنمو وتقليصه.
ومنذ السادس من شباط/فبراير 1984 شرعت “أمل” في تحضير أوضاعها العسكرية للسيطرة: فتحت صفوف قواتها لاستقبال المتطوعين من أبناء الطائفة الشيعية، وأنشأت تشكيلات عسكرية جديدة وشكلت وحدات قتالية نظامية من بقايا ألوية الجيش اللبناني الرسمي. رممت أوضاع اللواء السادس من الجيش اللبناني “فشيعت” تركيبته القاعدية والقيادية، وزودته بالعناصر الشيعية لاستكمال ملاكاته البشرية. وسلحته بالأسلحة الثقيلة التي حصلت عليها من سوريا، وبات هذا اللواء بالتحديد بمثابة القوة الضاربة لحركة “أمل” وسوريا في لبنان. ووظفت “أمل” آلاف الشباب من أبناء الطائفة الشيعية في صفوف قواتها غير النظامية من دون معايير وطنية. وفتحت مئات المكاتب والمراكز، خصوصا في أحياء السنة في بيروت الغربية، وفي المناطق الشيعية في البقاع والجنوب وضاحية بيروت الجنوبية.
“كنتنت” الجنوب من حدود صيدا وحتى رأس الناقورة على الحدود مع إسرائيل. أغلقت الضاحية الجنوبية وكل الأحياء الشيعية في بيروت في وجه القوى الوطنية اللبنانية، ودخلت في منافسة مع حزب الله في كل المجالات. وجردت السنة من قوتها العسكرية الناشئة. وأنهت بالتعاون مع الحزب التقدمي الاشتراكي وتشجيع سوري تواجد حركة المرابطون التي كان يتزعمها إبراهيم قليلات باعتبارها قوة صغيرة عميلة للفلسطينيين وتأتمر بأوامرهم.
صيف عام 1984 أصبحت “أمل” القوة العسكرية الأولى في لبنان، وصارت قوة سياسية يسلم الجميع بدورها القيادي في مدينة بيروت وكل الساحة الوطنية اللبنانية. لاحقا، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من صيدا والجنوب فرضت “أمل” نفسها كقوة مهيمنة على الجنوب بدء من جسر سينيق الواقع على بوابة صيدا الجنوبية وحتى مشارف الشريط الحدودي، او المنطقة الأمنية العازلة التي أقامتها إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية.وانطلقت قيادة “أمل” في تعبئة داخلية تشحذ الروح العدوانية ضد الفلسطينيين والقوى الوطنية اللبنانية بما في ذلك حزب الله الشيعي والتنظيم الناصري بقيادة مصطفى سعد والحزب التقدمي الاشتراكي.
وراحت أجهزة “أمل” الأمنية والعسكرية تصعد مضايقاتها يوما بعد آخر على الفلسطينيين. وفرضت حواجزها الأمنية والعسكرية أشكالا من الإرهاب عليهم وشلت حركتهم. وبدأت قواتها بالقيام بمداهمات منظمة واعتقالات عشوائية في صفوف الشبان الفلسطينيين. وتعمدت توجيه الإهانات للنساء والشيوخ. وقامت، بدون أي مبرر، بإطلاق نار عشوائي باتجاه المخيمات الفلسطينية في الجنوب، خصوصا مخيم الرشيدية، وهو مخيم أقيم وسط كثافة شيعية جنوبيَ مدينة صور على شاطئ البحر على بعد قرابة 20 كليومتر عن حدود فلسطين، وقد أقيم على قطعة أرض جميلة زادها اللاجئون الفلسطينيون جمالا حين زروعوها بشتى صنوف الحمضيات والخضروات وحين أقاموا لأصحاب الأرض من اللبنانيين بيارات وبساتين شبيهة ببيارتهم وبساتينهم التي تركوها في فلسطين.
وكان مخيم الرشيدية واحدا من أكبر المخيمات الفلسطينية المنتشرة في جنوب لبنان يجاوره من الشمال مخيم البص. وهذا المخيم الصغير كان تعداده في حالة السلم وقبل حرب 1982 نحو خمسة آلاف نسمة. يجاوره من الشمال الشرقي مخيم البرج الشمالي وتعداده عشرة آلاف. وشمال هذه المخيمات الثلاث مخيمات صغيرة مبنية على ساحل البحر هي جل البحر والقاسمية والبرغلية والمعشوق، وتعداد سكانها مجتمعة كان يصل إلى عشرة آلاف نسمة. وقد عمل أهل المخيمات في الزراعة، وتعايشوا مع إخوانهم في الجنوب سنين طويلة، صاهروهم، وشاركوهم العمل والتجارة. وبحكم خبرتهم الطويلة في مجال الزراعة أحيى سكان المخيمات أرض الجنوب وزروعوها لأصحابها بالحمضيات والخضروات.
ومنذ عام 1948 وحتى عام 1967 لم يتعكر صفو الحياة والعلاقة بين الفلسطينيين واللبنانيين في كل لبنان ومن ضمنه الجنوب. بقي الفلسطينيون يحلمون بالعودة إلى وطنهم وبالحل العادل لقضيتهم وبقي اللبنانيون يظهرون لهم المودة والاحترام ولم تخلٍٍٍَِِِِ من التألم لمصيبتهم ومن التضامن مع قضيتهم. ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية وظهور العمل الفدائي في النصف الثاني من الستينات تفتح ذهن الفلسطينيين في لبنان وضمنهم المقيمون في الجنوب على دورهم تجاه هدف العودة واسترداد الوطن السليب، وانتعشت وطنيتهم الفلسطينية، وبرزت روحهم الكفاحية، وانخرطوا في الثورة، وهرّبوا السلاح من قواعد الثورة في سوريا إلى مخيماتهم. ومن المخيمات، نفذ الفلسطينيون بشكل مبكر عمليات قتالية ضد عدوهم المحتل لأرضهم. ومن اجل تفعيل ثورتهم الفتية دفعوا ثمنا باهظا على يد المخابرات اللبنانية، لكنهم انتزعوا لاحقا في عام 1969 “اتفاق القاهرة” الذي رعاه الرئيس جمال عبد الناصر. وأعطاهم الاتفاق الحق في التواجد المسلح على حدود فلسطين وممارسة الكفاح المسلح ضد إسرائيل من الأراضي اللبنانية. وعلى امتداد عقد السبعينات تضامن اللبنانيون أهل الجنوب مع الثورة الفلسطينية وتحملوا الكثير من الآلام والصعوبات التي خلقتها إسرائيل لهم وللفلسطينيين في المخيمات.
وبعد احتلال إسرائيل عام 1982 للجنوب ولأجزاء أخرى واسعة من لبنان تعاون الفلسطينيون واللبنانيون في مقاومة الغزاة. وأنكر الفلسطينيون ذاتهم وقاتلوا القوات الإسرائيلية تحت اسم “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وراياتها. وبالرغم من ذلك، فان شهوة السلطة والهيمنة أنست قادة “أمل” وكوادرها كل هذا التاريخ المشترك، وأنستهم العيش المشترك الذي إمتد على مدى أكثر من ثلاثة عقود، كما أنستهم “الخبز والملح” الذي أكلوه هم والفلسطينيون .
بعد أربع شهور فقط من انتفاضة شبا4في بيروت، أي في مطلع تموز/يوليو 1984 اختارت قيادة “أمل”، مخيم شاتيلا ليكون موقع التصادم الأول مع الفلسطينيين. واختيارها لهذا المخيم بالتحديد لم يكن بمحض الصدفة أو لسبب يتعلق بسلوك أبنائه ضد الشيعة أو ضد “أمل” أو ناسها، بل اتى وفقا لخطة مدروسة ومعدة سلفا هدفها الهيمنة وإنهاء الوجود الفلسطيني الفاعل في لبنان. وكان هناك ايضا اعتبارات أخرى تتعلق بموقع مخيم شاتيلا وبحجمه السكاني ونوعية السكان المحيطيين به.
فهذا المخيم يقع على الأطراف الجنوبية لحي صبرا وحي الداعوق في المنطقة الغربية من بيروت ذات الكثافة الشيعية. يحده شرقا حي فرحات ومعظم سكانه من الشيعة الذين نزحوا على امتداد سنوات من مدن الجنوب اللبناني وبلداته وقراه إما هربا من القصف الإسرائيلي وإما هربا من البطالة وطلبا للقمة العيش، ويحده من الغرب المدينة الرياضة التي بناها رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق كميل شمعون، وحي عرسال، وهذا الحي حي شيعي اسمه يدل على هوية سكانه. وعرسال، قرية شيعية بقاعية فقيرة تقع في منطقة نائية على الحدود اللبنانية السورية في شمال شرق بعلبك، يعيش أهلها على تهريب البضائع بين سوريا ولبنان وتربية الماشية والزراعة البعلية. ويحد مخيم شاتيلا من الجنوب حرش من الصنوبر تمتزج فيه أكواخ ومنازل بسيطة يقطنها عمال سوريون وغجر ولبنانيين فقراء قدموا من كل المناطق اللبنانية. عدد سكان المخيم تراوح ما بين 8 و 15 ألف نسمة وفقا للظروف الأمنية. وقبل حرب 1982، زاد عدد سكان مخيم شاتيلا عن 15 ألف، وازدهرت أوضاع المخيم العمرانية والاقتصادية بسبب قربه من المدينة ومن الأحياء التي كانت تتمركز فيها قيادة منظمة التحرير وفصائلها المتعددة وأجهزتها.
وخلال حصار بيروت، من القوات الإسرائيلية في العام 1982، كان المخيم هدفا مباشرا لقصف المدفعية الإسرائيلية الثقيلة وغارات الطيران باعتباره رمزا للثورة الفلسطينية وأحد مواقعها القتالية الأساسية. وبعد انسحاب إسرائيل من بيروت، وبعد المجزرة الرهيبة التي تعرض لها، لمم المخيم جراحه ورمم مبانيه المهدمة والمهشمة، وتجمع فيه ما يقارب سبعة آلاف نسمة من الفقراء وذوي الشهداء.
في 2 تموز/يوليو 1984 افتعل احد عناصر “أمل” حادثة فردية مع أحد أبناء المخيم، استفزت شباب المخيم من كل التنظيمات. وردت قيادة”أمل” على الاستنفار بحشد مجموعات كبيرة من مقاتليها في محيط المخيم وإطلاق نيران غزيرة على بيوته وشوارعه تسببت في سقوط شهيدين من أبنائه واعتقلت ما يزيد على عشره شبان، وأحرقت سبعة منازل منها ثلاثة نوادي لمنظمات شبابية. وبسبب هذا الحادث تعكرت علاقة المخيم مع جواره من الشيعة الذين تعايش معهم سنوات طويلة.
وبالرغم من حذر سكان المخيم وضبطهم لأنفسهم ورفضهم الانجرار إلى رد فعل منفعل يزيد الأمر تدهورا وتعقيدا، فإن حواجز “أمل” المحيطة بالمخيم تابعت استفزازها لأهله. ولم يطل الأمر كثيرا حتى تكررت العملية “الفردية” الاستفزازية وكانت هذه المرة ضد مخيم برج البراجنة. وشنت قوات “أمل” يوم 12/10/1984 دون سبب، عملية واسعة نسبيا ضد المخيم، استخدمت فيها للمرة الأولى المدافع الصاروخية وقذائف الهاون والرشاشات الثقيلة، ودامت الاشتباكات بين شباب المخيم وعناصر “أمل” أكثر من 24 ساعة. وكانت خسائر المخيم البشرية مفجعة حيث سقط 13 شهيدا و25 جريحا.
وكان لهذه العملية أهمية خاصة لانها ترافقت مع حملة واسعة مضللة من الأجهزة الرسمية والخاصة التي تشرف عليها “أمل”: الإذاعة الرسمية، القناة التلفزيونية رقم “7” إضافة لبعض الصحف منها جريدة “الحقيقة” لصاحبها النائب زاهر الخطيب، ومجلة “أمل” وكتاب في جريدة “السفير”.
وقد تركزت الحملة على تصوير ما جرى على انه اشتباكات فلسطينية داخلية بين أنصار عرفات وخصومه مما أثار هواجس وقلق سكان المخيمات من استغلال “أمل” لواقع الساحة الفلسطينية المنقسم سياسيا وتمرير مشروع اعتدائها على المخيمات. وترافقت هذه الاستفزازات والتحرشات والاشتباكات مع ارتفاع وتيرة التحريض ضد قيادة م. ت. ف. وتعبئة قوية ضد الوجود الفلسطيني تحت شعار لا لوجود العرفاتيين المستسلم في مخيمات لبنان، ولا لعودة الأوضاع في لبنان إلى الحالة التي كانت قائمة قبل الغزو الإسرائيلي في عام 1982، ولا للأمن الذاتي الفلسطيني في المخيمات. وساهمت القوى الفلسطينية المنشقة، خصوصا جماعة فتح الانتفاضة بقيادة أبو موسى، في عملية التحريض ضد العرفاتيين.
انفجار الحرب وبروز دور اللواء السادس في العدوان
وسط مناخ فلسطيني مصدوم ومفجوع بما قامت به “أمل” وبما تعبئ به في أوساط الطائفة الشيعية خصوصا وفي المناطق الوطنية عموما، ضد الشعب الفلسطيني وثورته، بدأت “أمل” حربها الأولى الواسعة ضد الفلسطينيين. وخيبة الأمل والصدمة والفجيعة الفلسطينية كانت بسبب نكران قيادة “أمل” الجميل ونسيان معروف الفلسطينيين. اغفلت “أمل” بشكل واع ومتعمد صنوف الدعم المادي والتسليحي الفلسطيني، والتضحيات الفلسطينية الكبيرة التي قدمت من اجل تحرير بيروت الغربية والضاحية الجنوبية وصيدا وشرقها..الخ شطبت هذه كلها من الذاكرة ومن التاريخ عند “أمل”.
وكالعادة بدأت المعركة بحادث “فردي” يوم 16/5/1985، وعرفت بحرب رمضان وكانت فاصلة في تكريس الصراع الدامي بين الطرفين. بسبب ذاك الحادث الفردي المفتعل، اندلعت الإشتباكات في أطراف مخيمات شاتيلا وصبرا والداعوق. وشنت قوات “أمل” حملة مطاردة واسعة للمهجرين الفلسطينيين في أحياء بيروت الغربية. واستبسل أبناء المخيمات في الدفاع عن النفس ودحروا المهاجمين وأجبروهم على قبول وقف إطلاق النار عقب يوم قتال عنيف. واتفق الطرفان على تموضع قوات نظامية من اللواء السادس عند أطراف المخيم بوصفها قوة فصل بين الطرفين. وبالكاد أنهى اللواء السادس نشر وتمركز قواته حتى بدأت بدون سبب أو ذريعة قصفا عشوائيا ومركزا على المخيمات دون تمييز. وترافق القصف مع قيام حواجز “أمل” بحملة اعتقالات واسعة للشبان الفلسطينيين في أحياء بيروت وعلى طرقات الجبل والجنوب.
وتواصلت الاشتباكات واستخدم اللواء السادس كافة أسلحته الثقيلة وتركزت عملياته وبالتعاون مع مليشيا “أمل” على مخيم الداعوق الواقع بين حي صبرا ومخيم شاتيلا الذي لا تتجاوز مساحته مساحة ملعب كرة قدم. وتواصلت المعارك ثلاثة عشر يوما. وبالرغم من صرخات الاستغاثة والاستنجاد التي أطلقها أهالي المخيم للسوريين والقوى الوطنية والإسلامية للتدخل، إلا أن ذلك كله لم يجد آذانا صاغية من أحد.
وبعد قتال دام وسقوط العديد من الشهداء من الشيوخ والنساء والأطفال والمقاتلين تشرد أهالي مخيم الداعوق البالغ عددهم ثلاثة آلاف نسمة. وبعد تدميره تدميرا تاما سقط المخيم بيد قوات “أمل” وقوات اللواء السادس ونكلت أبشع تنكيل بكل من خرج حيا من بين الأنقاض. وأعتقل من نجا من الموت وتم قتل بعض الجرحى، وسويت أرض المخيم بالجرافات لمسحه من الوجود، ومسح آثار الجريمة التي ارتكبت بحق أهله الأبرياء دون ذنب اقترفوه سوى انهم فلسطينيون فرض القدر عليهم الإقامة في هذا المخيم. ولم ينجو مخيم شاتيلا هو الآخر من الخسائر والدمار.
صحيح أن قوات “أمل” واللواء السادس لم تحاول اقتحام هذا المخيم، إلا أن القصف المدفعي من مختلف العيارات طال 40% من مبانيه ودمر ما يزيد على 425 منزلا تدميرا شبه كامل. أما الخسائر البشرية فبلغت بين شاتيلا وشوارع بيروت الغربية، حيث طورد الشبان الفلسطينيون، 210 شهداء و620 جريحا و400 مفقود ومعتقل لم يعرف لاحقا مصير معظمهم.
في حينه، وبسبب من حالة الانشقاق التي كانت تعيشها “فتح” داخل المخيمات، وغياب قادتها الأساسيين، قامت قيادة الجبهة الديمقراطية في لبنان بمسؤوليتها الوطنية الميدانية بكفاءة. صحيح أن قيادة الجبهة ترددت في تحميل القيادة السورية وقواتها المسؤولية المباشرة عن القتل والدمار الذي حصل في المخيمات وأهلها، إلا أنها بادرت إلى تحميل قيادة “أمل” وقيادة اللواء السادس المسؤولية الكاملة عن ذلك، وغمزت في مواقفها وتصريحاتها العلنية من موقف سوريا باعتبارها المحركة والداعمة لحركة “أمل” ومخططها الهادف تدمير الوجود الفلسطيني في بيروت وضواحيها. واستخدمت قيادة الديمقراطية في التدليل على ذلك عبارة “حركة “أمل” ومن يدعمها ويقف ورائها”.
أما قيادة “فتح” المحلية في لبنان وقيادتها المركزية الموجودة في تونس فقد حمّلتا سوريا وعملائها في قيادة “أمل” والمنشقين عن “فتح” المسئولية عن كل ذلك علنا وبوضوح. ونجحت قيادة “فتح” المحلية وبالتنسيق مع تنظيم الجبهة الديمقراطية في توحيد موقف كل أبناء مخيمات الداعوق وصبرا وشاتيلا تحت شعار وحدة المدافعين عن المخيم بغض النظر عن انتماءاتهم التنظيمية وخلافاتهم السياسية. وفتحت الجبهة الديمقراطية مستودعاتها لكل المقاتلين وجميع الشبان القادرين على حمل السلاح والراغبين في الدفاع عن المخيم. وبفعل دورها الميداني حظي تنظيم الجبهة الديمقراطية في لبنان باحترام وتقدير أبناء والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية المتضررة من طغيان دور “أمل” والمتخوفه من تطلعاتها ومطامعها. وبالمقدار ذاته، حظيت الجبهة في لبنان على العداء من قبل قيادة وكوادر “أمل” وحلفائها من اللبنانيين والفلسطينيين، خصوصا فصائل جبهة الإنقاذ الفلسطينية، المناوئة لقيادة منظمة التحرير، وأحزاب لبنانية وثيقة الصلة بسوريا وضمنها الحزب الشيوعي. وقد حمل هؤلاء عرفات والعرفاتيين مسؤولية القتال الذي وقع.
لم يرق دور الجبهة الديمقراطية هذا للقيادة السورية. وتعكرت علاقتها مع قيادتها المقيمة في دمشق، ورفعت من وتيرة ضغطها على الجبهة في سوريا وفي لبنان. وقلصت سوريا التسهيلات الإدارية التي كانت تقدمها للجبهة وأوقفت في هذا السياق حركة باص المقاتلين الذين يتنقلون بين سوريا ولبنان، وجمدت رخص الحركة لعدد من سيارات قادة الجبهة وألغت أذونات السفر الممنوحة من قبل سوريا للقيادة والمقاتلين من سوريا الى لبنان وبالعكس. وأوعزت المخابرات السورية لقيادة “أمل” بإطالة أمد اعتقال صالح زيدان عضو اللجنة المركزية للجبهة الذي قاد معارك الدفاع عن مخيم الداعوق ونجا من الموت باعجوبة ووقع أسيرا بيد قوات”أمل” واللواء السادس. واستخدمت المخابرات السورية أكثر من طرف سوري ولبناني وفلسطيني في الضغط والابتزاز. وكان هدفها ثني الجبهة عن القيام بدورها في الدفاع عن المخيمات والضغط عليها للالتحاق بجبهة الانقاذ الفلسطينية التي تشكلت من الجبهة الشعبية بزعامة جورج حبش، وطلائع حرب التحرير الشعبية “الصاعقة”، والجبهة الشعبية القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل، وجبهة النضال الشعبي، والمنشقين عن “فتح” الذين حملوا اسم “فتح”ـ الإنتفاضة، وشخصيات فلسطينية مستقلة على رأسها خالد الفاهوم رئيس المجلس الوطني الفلسطيني.
وفي حينه تحفظ بعض أعضاء المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية وعدد محدود من قادة الجبهة في لبنان على تصدر الجبهة وقواتها العسكرية المعركة وتقديم الدعم المعنوي والسياسي والتسليحي لمنظمة “فتح” وقواتها في لبنان. لكن، بالرغم من الاعتراض والتحفظ صمدت قيادة الجبهة، ومرت الضغوط السورية وضغوط “أمل” في لبنان بسلام دون أن تترك آثارا واسعة على سياسة الجبهة ومواقفها ولم تؤثر في علاقاتها وأوضاعها الداخلية. وفي سياق الحفاظ على التوازن الداخلي في الجبهة الديمقراطية تم تثبيت خط عمل تكتيتيكي يقوم على مراعاة المصالح الخاصة بالجبهة، والحرص على عدم بروز دورها التصادمي مع “أمل” في وسائل الإعلام. وجرت مبالغات في التشديد على الانضباط الذاتي لكوادر الجبهة والانتباه لدور عناصر وكوادر “فتح” التي التحقت ببعض مواقع ومراكز الجبهة في لبنان، ومنعت هذه العناصر من القيام بأي أعمال تورط الجبهة في صراع مباشر مع السوريين ومع “أمل”.
قوات “أمل” تشن هجوم واسع على مخيم برج البراجنة
بالرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار المتعددة بين “أمل” والقوى الفلسطينية، وتكرار دعوات عودة الأمور إلى طبيعتها، إلا أن حالة التوتر الشديد بين الطرفين بقيت قائمة، لاسيما أن “أمل” التي لم تستطع تجريد بقية مخيمات بيروت والجنوب من أسلحتها واستمرت تحاصرها، وشددت على منع دخول مواد الاعمار إليها ولم تطلق سراح المعتقلين الفلسطينيين والمفقودون وظل مصيرهم مجهول.
صباح يوم 4/9/1985 فوجئ أهالي مخيم برج البراجنة بنيران غزيرة تطلق باتجاه مخيمهم وبمحاولات اقتحام بعض المواقع الدفاعية، وتواصلت الهجمات دون مقدمات أو مبرر ملموس. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وقامت قوات “أمل” صبيحة اليوم ذاته بتطويق المباني التي يقطنها الفلسطينيون منذ سنوات طويلة في حارة حريك أحد ضواحي بيروت، وانزلت الرجال من بيوتهم إلى الشارع، وتم قتل 30 رجلا بدم بارد أمام أعين السكان. وواصلت قوات “أمل” قصف مخيم برج البراجنة بالرشاشات الثقيلة ومدافع الهاون. وجرت عدة محاولات لاقتحامه ودامت الاشتباكات في محيطه عشرة أيام كاملة سقط خلالها 20 شهيدا و85 جريحا من أبناء المخيم إضافة للثلاثين الذين أعدموا في حارة حريك(26).
بالاستناد للعشرة الطويلة التي جمعتهم بأبناء الطائفة الشيعية لم يصدق أهالي مخيم برج البراجنة، البالغ عددهم 25 ألف في حالة السلم، ما فعلته “أمل” ضد مخيمهم وضد الفلسطينيين في حارة حريك. فالمخيم جزء لا يتجزأ من الضاحية الجنوبية وبعض بيوته متداخلة مع بيوت الشيعة في الأحياء المجاورة للمخيم. وبحكم جيرة 37 عاما، تزاوجوا مع بعضهم البعض ولم تتأثر علاقاتهم بالمذهبية. وبالرغم من تغلغل الطائفية والمذهبية في أعماق المجتمع اللبناني، فأنها لم تغزوا المخيم ولم تؤثر في علاقته مع جواره.
الأغلبية الساحقة من سكان هذا المخيم هجّرت من ديارها في شمال فلسطين خلال عام 1947-1948. ومع الزمن، نشأت صداقات حميمة بين العديد من العائلات الفلسطينية والعائلات الشيعية. وفي سنوات الحرب الأهلية لعب أبناء المخيم دورا أساسيا في الدفاع عن مناطق تواجد الطائفة الشيعية، خصوصا ضاحية بيروت الجنوبية وكانوا يعتبرن ذلك دفاعا عن النفس. وقبل انتفاضة شباط/فبراير 1984ساهم شباب المخيم في الدفاع عن أهالي الضاحية وسكان حي الشياح، والكل يشهد لبطولاتهم في معارك الشياح وكنيسة مار ميخائيل الشهيرة ضد الكتائب وحلفائهم. المفاجئون من أبناء المخيم كانوا في غالبيتهم من كبار السن، وهم الذين ضغطوا على شباب المخيم ومنعوهم من مآزرة إخوانهم في مخيم شاتيلا عندما تعرض للقصف والحصار والدمار على ايدي قوات “أمل”، وكانت حجتهم أن ما حصل في شاتيلا خطأ يمكن تصحيحة، ولم يعفوا شباب شاتيلا عن مسؤولية الانجرار وراء استفزازات كوادر “أمل” الحاقدة.
بعد مجزرة حارة حريك واشتباكات 4/9/1985 اقتنع شباب مخيم برج البراجنة بأن ما جري ضد مخيمهم ليس سوى مقدمة لعاصفة قويه هدفها اقتلاع الوجود الفلسطيني من بيروت ومنطقة صور وليس فقط تدمير مخيمي شاتيلا والداعوق وتهجير سكانهما. وراى هؤلاء ان ما تقوم به “أمل” يحظى بمباركة اسرائيلية وامريكية مقرونة بصمت عربي وسوفييتي. وبينت مجريات الصراع وما رافقها من مواقف ان ما تقوم به “أمل” له علاقة مباشرة بالصراع الجاري بين قيادة م ت ف والقيادة السورية حول استقلالية القرار الفلسطيني. كما بينت أن اندفاع قيادة م ت ف بعد حرب 1982 نحو تطوير علاقتها مع مصر، وتوصلها مع الحكومة الأردنية إلى “اتفاق عمان”11/2/1985حول صيغة العمل والتحرك المشترك، له علاقة بالذي يجري ضد الوجود الفلسطيني في لبنان. وبدأ شباب المخيم بتحضير أنفسهم على قاعدة أن الاشتباكات سوف تتجدد وتوقفها ليس سوى هدنة مؤقته هدفها تجميع القوى وامتصاص ردود الأفعال المحلية والعربية والدولية على الجرائم التي ترتكبها قوات”أمل” في كل اشتباك.
بعد أيام قليلة أكدت الأحداث صحة هذه التقديرات. وبالرغم من النداءات والمذكرات التي وجهت من أهالي المخيمات ومن الفصائل الفلسطينية إلى الأحزاب والقوى والشخصيات ورجال الدين في لبنان، إلا أن جحيم المدافع والرشاشات الثقيلة إنفتح من جديد يوم 7/10/1985 على بقايا مخيم شاتيلا. ودام القصف سبعة أيام تخللها محاولات اقتحامات متكررة سقط خلالها مزيدا من القتلى والجرحى ودمر مباني إضافية.
وقبل أن يتمكن أبناء المخيمات من لملمة أوضاعهم بادرت “أمل” يوم 19/12/1985 إلى شن أوسع حملة اعتقالات ضد الشباب الفلسطيني في مخيمات البص والبرج الشمالي والرشيدية الواقعة بجوار مدينة صور في الجنوب. أودع المعتقلون في سجون متعددة وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب تسببت في استشهاد بعضهم. وفي 28/3/1986 فتحت “أمل” نيرانها مجددا ضد بقايا مخيم شاتيلا وحاولت اقتحامه عدة مرات، إلا أن بسالة المدافعين عن المخيم لم تمكنهم من تحقيق هدفهم. واستمرت الاشتباكات حتى يوم 17/4/1986، سقط خلالها 24 شهيدا و75 جريحا من أبناء المخيم.
كل هذه الاشتباكات جرت والساحة الفلسطينية منقسمة على ذاتها بين جبهة إنقاذ وطني وبين م ت ف التي تكرست شرعيتها من جديد في دورة المجلس الوطني الفلسطيني السابعة عشر التي انعقدت في عمان بين 22 و29/11/1984 وقاطعتها الجبهتين الديمقراطية والشعبية وجميع أطراف جبهة الإنقاذ الفلسطينية الموالية لسوريا.
ومن الحق أن يقال أن الانقسام والخلاف الفلسطيني قد لعبا دورا في زيادة معاناة أبناء المخيمات؛ فالحروب التي تعرضت لها جرى تغطيتها تحت مظلة محاربة العرفاتيين في المخيمات وانهاء وجودهم فيها. صحيح أن عناصر الجبهة الشعبية وكوادرها وبعض عناصر جبهة الإنقاذ وكوادرها ساهموا في الدفاع عن المخيمات وشاركوا في التصدي لهجمات “أمل”، لكن الصحيح أيضا أن هذا الإسهام كثيرا ما تم بمبادرات فردية محلية، ولم يسند بمواقف سياسية رسمية من اي من قيادتي الجبهتين. وقد تسبب الخلاف الفلسطيني الداخلي في تبديد جهود وطاقات قتالية الفلسطينية كبيرة ووفر قسما من الغطاء السياسي والشعبي لحروب “أمل” والدمار الذي لحق بالمخيمات.
في معارك الدفاع عن المخيمات أبرز ناسها قدرة خارقة على التحمل يصعب وصفها وعلى العيش في ظروف لا يتصورها إنسان. وأظهر المقاتلون الفلسطينيون بجالنب البسالة مهارة قتالية عالية، وسجلوا تفان منقطع النظير وبطولات نادرة دفن معظمها مع أبطالها الشهداء. عام كامل من العيش في ظل الحصار وتحت القصف وبين ركام الدمار، تحملت فيه المرأة الفلسطينية ابنة المخيم ما لم تتحمله امرأة في العالم. تحملت الهبوط بعيشها من مستوى حياة أواخر القرن العشرين إلى مستوى القرون الوسطى. ولم يتوقف الأمر عند هذا الجانب، بل قدمت نساء المخيم عشرات الشهيدات اللواتي سقطن في القصف على منازلهن وفي خطوط التماس وهن يدافعن عن بيوتهن ويسعفن أزواجهن وأولادهن. وفي “ممرات الموت”(28) ، كانت المرأة تعبر مجازفة بحياتها من شاتيلا والبرج باتجاه الأحياء المجاورة لإحضار حليب الأطفال وما تيسر من مواد تموينية أخرى، لان الرجال صاروا هدفا للقتل والاعتقال المحققين بين جولات المعارك المتلاحقة وخلال فترات الهدنة المتقطعة. وعلى هذه الممرات، كان قناصة “امل” يتسلون بتصيد النساء بطلقات بنادقهم؛ كانوا يسمحون لهن بالمرور من ممرات إجبارية ثم يتبارون في دقة الإصابة بالمسدسات والرشاشات. كان القتل يتم على المزاج، وكانت المرأة الفلسطينية هي الضحية وهي الهدف، ذنبها انها فلسطينية ومرغمة على الخروج من المخيم لتحضر ما يقيم أود الأطفال بعد ان جفف الخوف وسوء التغذية حليب النساء.