4) معركة مغدوشة خلطت الاوراق واستفزت الأجهزة السورية
بقلم ممدوح نوفل في 27/12/2005
بعد احتلال القوات الفلسطينية بلدة جنسنايا وقرى شرق صيدا المجاورة لها، حاولت حركة “أمل” استعادة المواقع التي خسرتها لكنها فشلت، وارتفعت معنويات الفلسطينيين في مخيمي عين الحلوة والمية ومية والمخيمات المحاصرة في بيروت والجنوب. وتحرر المقاتلون وقوات المليشيا الشعبية من عقدة الذنب بالتقصير ازاء نجدة اخوانهم في مخيمات شاتيلا وبرج البراجنة والرشيدية. وعادت لهم ثقتهم بانفسهم وقيادتهم وبقدراتهم القتالية التي تزعزعت بعد حرب اسرائيل على لبنان عام 1982، وبعد اقتحام قوات اللواء السادس في الجيش اللبناني وعناصر”أمل” مخيم الداعوق وفشل الفصائل في فك الحصار عن المخيمات وتزويدها بالتموين.
الى ذلك، انتعشت معنويات اهل صيدا وجمهور التنظيم الناصري وباقي القوى الوطنية اللبنانية في انحاء الجنوب، خصوصا أن عنجهية قيادة وكوادر “أمل” كانت قد مست كرامتهم ومنع بعضهم، وضمنهم كوادر في حزب الله، من الوصول الى بيوتهم في مدينة صور وقراها واعتقل آخرون وأهينوا على الحواجز.
ولم يتردد مقاتلو وكوادر وضباط “فتح” والديمقراطية في التباهي في علاقاتهم مع كوادر ومقاتلي جبهة الانقاذ الفلسطينية وعبر اجهزة الاتصال، بالانجاز وبحسن التخطيط ودقة التنفيذ وسلاسة المعركة، وباهمية النتائج التي تحققت، وتلقوا عبارات الثناء والمديح من الصيداويين قبل ناس المخيم.
وقبل استكمال عمليات التمركز والسيطرة في قرى شرق صيدا، طغت مسالة تحرير بلدة مغدوشة وطرد قوات “أمل” والجيش اللبناني على ما عداه في تفكير قيادتي “فتح” والجبهة الديمقراطية العسكريتين في لبنان، ولم يكن هذا مجرد ترجمة للمقولة العسكرية المعروفة “استثمار الفوز ومتابعة الهجوم”، بل كان ضرورة هدفها تعطيل قدرة “أمل” عن الرد من مغدوشة والضغط على مخيمي عين الحلوة والمية ومية وتهجيرهما. خاصة ان قيادة “أمل” أعلنت النفير العام في الجنوب، وبدأت بتحشيد قواتها في بلدات عنقون والغازية ومغدوشة ومحيطها، ورفعت وتيرة ضغطها على مخيم الرشيدية ومخيمات بيروت.
وفي اللقاءات اليومية المتواصلة بين قيادتي الديمقراطية و”فتح” في لبنان تم الاتفاق على أمرين اساسيين: الاول مستعجل، وهو ابلاغ وجهاء حارة صيدا ومختار الغازية رسالة مباشرة بواسطة ابو معروف والقوى اللبنانية واضحة تقول ان اعتداء “أمل” على المخيمين سيتم الرد عليه بالهجوم على حارة صيدا وبلدة الغازية. وابلاغ حزب الله ومشايخ الشيعة، والجماعة الاسلامية بقيادة الشيخ ماهر حمود المقربة من حزب الله، ان القيادة الفلسطينية في تونس لن تسمح بسقوط اي مخيم، واصدرت أوامر للقوات في صيدا بالرد بقوة وبكل الوسائط المتوفرة على اي عمل تقوم به “أمل” يغير في وضع المخيمات.
والامر الثاني، الشروع في جمع المعلومات عن قوى “أمل” والجيش اللبناني في بلدة مغدوشة ومحيطها ومباشرة عمليات الاستطلاع بهدوء، والتحضير لعقد اجتماع بين قيادتي التنظيمين لمناقشة احتلال مغدوشة وطرد قوات “أمل” منها، ووضع خطة هجوم تفصيلية، وتوزيع المهام القتالية وتحديد ساعة الصفر، واعتبر الامر الثاني، ليس ملحا ويمكن تأجيله،على أن لا يمتد التأجيل أسابيع.
ولم يكن مصطفى سعد زعيم صيدا بحاجة لمن ينبهه الى ضرورة تحذير “امل” في المنطقة من نتائج الاعتداء على الفلسطينيين في صيدا ومخيم عين الحلوة. وبادر هو فاستدعى مختار بلدة الغازية وعددا من شخصيات الحارة وحذرهم من نتائج اعمال “أمل” السلبية في الجنوب وبيروت على وضع أبناء الطائفة الشيعية في منطقة صيدا. وبالغ في الحديث عن الاخطار التي تحيط بالحارة وبلدة الغازية وابدى تخوفه من المستقبل، وقال بمناسبة وبدونها انه أوقف مخططات خطيرة لجماعة عرفات كانت تستهدف قصف بلدة الغازية وحارة صيدا وعنقون بالمدافع والراجمات الثقيلة.
وترافق حديث ابو معروف مع ترويج أجهزة أمن “فتح” والديمقراطية خبرا يقول إن قوات المنظمة تلقت اوامر من القائد العام عرفات تعتبر عين الحلوة خطا احمر يتطلب الرد على اعتداءات “أمل” بالوسائل المتاحة كلها. وتأكيدا للخبر حركت “فتح” مجموعات الى منطقة جسر سينيق على طريق صور في مواجهة بلدة الغازية، واخرى محمولة وراجلة باتجاه حارة صيدا. واستدعى عبد المعطي مدير عمليات “فتح” وكمال مدحت مسئول الامن، مختار بلدة الغازية وابلغا إليه شفويا مضمون الانذار الفلسطيني.
بعد أيام استكملت قوات “فتح”والديمقراطية تمركزها وسيطرة على جميع تلال منطقة شرق صيدا وطرقها، وسهل تواجد قوات التنظيم الناصري وفصائل المنظمة في انحاء المنطقة عملية السيطرة. واقيمت تحصينات قوية قادرة على صد “أمل” اذا فكرت في استعادة مواقعها التي فقدتها. وفي سياق ضبط الوضع اقيمت حواجز مشتركة شارك فيها التنظيم الناصري لمنع عمليات النهب والتعدي على ممتلكات المواطنيين. واتفق الطرفان “فتح” والديمقراطية على التفرغ لعملية مغدوشة وطرد قوات “أمل” منها.
في منتصف تشرين الاول اوكتوبر 1986 عقد اجتماع ثنائي ضم أعضاء القيادتين العسكريتين بحثت فيه خطة الهجوم على مغدوشة ومحيطها. وكان الجميع على قناعة ان الفشل في مغدوشة ممنوع، ويعرض الانجاز الذي تحقق شرق صيدا للتبخر. واقروا ان خسارة معركة مغدوشة تعني تهجير سكان مخيمي عين الحلوة والمية ومية، وقرروا التحرك والحصول على موافقة خطية من أبوعمار، خاصة وان تبعات العملية ونتائجها ورد فعل “امل” والقوات السورية ستكون قاسية ومدمرة.. وأكد قادة فتح، ان موافقة ابو عمار موجودة قبل الهجوم على جنسنايا وشرق صيدا. وقد تجددت بعد تحريرها ونقل عن عرفات انه قال بعد الاشادة بالانجاز في شرق صيدا: “لا تنسوا مغدوشة، عين الحلوة يبقى في خطر دون طرد “أمل” منها”. وأمر باستثمار الفوز والشروع في التحضير لاحتلال مغدوشة وباسرع وقت ممكن وطلب ابلاغه ساعة الصفر. وتحدث مندوبو الديمقراطية عن موافقة المكتب السياسي على العملية. وأكد فهد سليمان عضو المكتب السياسي ان الموافقة تمت في اطار الحديث عن معركة شرق صيدا، وانه شخصيا ابلغ المكتب السياسي بان الهجوم على جنسنايا والقرى المحيطة بها جزء من معركة اوسع تشمل مغدوشة، والخطر على مخيمات صيدا لا يزول الا بطرد “امل” من مغدوشة والمرتفعات المحيطة بها.
ولم يتوقف الطرفان مطولا امام موقف مصطفى سعد ووليد جنبلاط من العملية الجديدة، وكان الجميع على قناعة بانهما يرحبان بالخطوة وسوف يشددان على ضمان النجاح كما فعلا في معركة شرق صيدا، وكلاهما يعرف اهمية موقع بلدة مغدوشة في السيطرة على منطقة صيدا وفي تحديد اتجاهات الصراع العسكري في الفترة اللاحقة. وكلف المجتمعون ممدوح وابو علي عصام بالاتصال بهما ووضعهما في الصورة اولا باول. واتفق على تشكيل غرفة عمليات مشتركة خاصة بعملية مغدوشة، ويلتقي فيها يوما اعضاء القيادة المعنيين بالاشراف على العملية. واسند لغرفة العمليات متابعة جميع الشئون الادارية واللوجستية، على ان تتولى إدارة الشئون الإدارية في “فتح” تغطية الجوانب المتعلقة بالتموين والوقود والمستلزمات الاخرى.
واتفق ايضا على إحاطة العملية بسرية كاملة، وعدم مفاتحة اي جهة فلسطينية، وتجنب احتمال تسريب الخطة للسوريين ومنها إلى “أمل”. وتأجيل بحث اشراك القوى الأخرى إلى مرحلة لاحقة قبل ساعة الصفر بوقت قصير. والتمويه على العملية وتضليل “أمل” والمخابرات السورية بالحديث عن هجوم فلسطيني واسع على حارة صيدا وقرية الغازية والتحرك نحو مصفاة الزهراني وشق الطريق للرشيدية ومخيمات صور. وخصص للمعركة ككل اسناد مدفعي موحد وقوة احتياط مركزية تحشد في مواقع قريبة من اطراف البلدة. بعد اقرار هذه التوجهات، عينت الجبهة الديمقراطية المقدم محمود خليفاوي قائدا لقوة الجبهة التي ستشترك في الهجوم، وثبتت “فتح” المقدم عبد المعطي قائدا لقوة “فتح”. وانطلق محمود وعبد المعطي في التنسيق وكانا يقدمان لغرفة العمليات المشتركة يوميا حصيلة العمل في مجالاته المختلفة.
التمهيد للمعركة تم بنجاح سياسيا وعسكريا
انطلق خليفاوي وعبد المعطي في عملهما، وشرعا في جمع المعلومات عن مواقع”أمل” وانتشار قواتها في البلدة، واستثمرا الطاقات وشبكة العلاقات المتوفرة وضمنها ارسال عناصر لبنانية الى داخل مغدوشة بذرائع مختلفة. وتم استذكار اصدقاء قدامى من ابناء بلدة مغدوشة، وتمت الاستعانة باعضاء وانصار من الحزب القومي السوري الاجتماعي والحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي دون توضيح طبيعة العمل.
وبموازاة العمل الميداني جرى ابلاغ ابوعمار بالتوجه والوقت التقريبي، ورحب بالخطة واصدر الأمر الشفوي فورا. وراح عرفات يتابع التحضيرات اولا باول. وبدأ يلح على الاسراع في تنفيذ المهمة، وكثيرا ما ساهم في التمويه على الهدف بالحديث عن استخدام الزوارق في الوصول عبر البحر الى مخيمات صور. ولم يكن يكتفي بالحديث مع اعضاء القيادة الاولى وكان يتحدث مع قادة الوحدات وكوادر المليشيا والتنظيم.
الى ذلك، تحرك فهد سليمان الى دمشق في زيارة خاطفة وعاد في اليوم ذاته حاملا موافقة المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية على العملية. ولم يواجه فهد متاعب وشدد الرفاق على عدم التسرع وضمان النجاح، ومحاولة اشراك الجبهة الشعبية في الهجوم وتوريطها في المعركة كي تتحمل جزءا من المسئولية عن نتائج المعركة وعن مشاركتها جماعة عرفات في العملية، ومواجهة رد الفعل السلبي للمخابرات السورية.
وفي سياق عملية التحضير، التقيت وعصام مرات عدة مع جنبلاط في المختارة. وكان في كل مرة يؤكد استعداده لتوفير الغطاء السياسي ويشدد على ضمان نجاح العملية وعدم التعرض للقرى الشيعية المجاورة. وكان ويحذر من ان الموقف السوري من مغدوشة سوف يكون مختلفا عن شرق صيدا، وتساهل السوريين إزاء جنسنايا سوف لا يتكرر في مغدوشة. وبيّن أن لديه معلومات تفيد بأنهم يعملون على استثمار التمدد الفلسطيني خارج المخيمات في الحصول على موافقة أميركية واوروبية للعودة الى بيروت والجبل وصيدا.
من جهته رحب مصطفى سعد بالعملية وقال أكثر من مرة أظن ان الهجوم على مغدوشة كان يجب ان يسبق الهجوم على جنسنايا وشرق صيدا، حيث تنبهت “أمل” وقوة الجيش اللبناني المتمركزة في المنطقة على التوجهات الفلسطينية وحشدت قوات اضافية، وبات الهجوم واحتلال بلدة مغدوشة اكثر صعوبة. لكنه كان ايضا يختم الحديث في هذه النقطة بالاشادة بالانجاز الذي تحقق في شرق صيدا، ويشدد على ضمان النجاح في مغدوشة. وعندما عرضت امامه لتفاصيل الخطة، هبّ أبو معروف من مقعده وهتف: “الله اكبر! هذه خطة انتحارية غير مضمونة مبنية على عدم معرفة بطبيعة الارض”.
بالاجمال ورغم التخوفات يمكن القول ان قيادتي “فتح” والديمقراطية حصلتا على موافقة التنظيم الناصري وموافقة وليد جنبلاط ولم يجعل مصطفى سعد من تحفظاته شرطا على التنفيذ، واكتفى بالقول: “اللهم اشهد اني قد ادليت برأيي وقدمت نصيحة اخوية رفضها الجنرالات”.
مع ارتفاع حدة التوتر الامني مع حركة “أمل” في بيروت والجنوب وشرق صيدا تزايد الحديث في الشارع واوساط القوى الفلسطينية واللبنانية حول الهجوم على حارة صيدا والغازية. وكثفت كوادر الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الفلسطينية وجبهة النضال الشعبي والمجلس الثوري التوافد الى مقرات “فتح” والديمقراطية. البعض قدم لطرح فكرة تحرير بلدة مغدوشة وطرد “أمل” منها وابدوا استعدادهم للمشاركة في الهجوم، وطبعا لم ينسوا تكرار معاتبة قيادة “فتح”والجبهة لتفردهما في معركة شرق صيدا والتحذير من تكرار السلوك ذاته. في حينه تعاملت قيادة “فتح” والجبهة الديمقراطية مع المسألة من منطلقات التردد والخوف من تسرب الخطة للطرف الآخر. ولعب النجاح في شرق صيدا ونتائج الاستطلاع المشجعة دورا في استبعاد اشراك بقية الفصائل. شخصيا كنت ميالا لاشراك المجلس الثوري وتوريط الشعبية ة ليس من منطلق الاستجابة لطلب المكتب السياسي للجبهة بل لقناعتي بان هذه المعركة سوف تكون اصعب. لكن الاخوة في “فتح”رفضوا هذا المنطق. وشرع في العد العكسي لتنفيذ الهجوم. واتفق على ان يتم في حدود ليلة 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 1986. وأظهر خليفاوي وعبد المعطي قائدي المعركة تفاؤلا كبيرا بالنجاح.
احتلال مغدوشة حطم عنجهية نبيه بري ودمر معنويات مقاتلي “أمل”
فجر يوم 22 تشرين الثاني “نوفمبر” 1986 أكدت غرفة العمليات المشتركة ان جميع وحدات الاسناد من المشاة والمدفعية والرشاشات انهت تمركزها في مواقعها المحددة. وفي المساء، قبل غروب الشمس تحرك عبد المعطي راجلا على رأس مجموعات “فتح” باتجاه الاهداف المحددة. انطلقت القوة بهدوء وسرية من درب السيم باتجاه اطراف بلدة مغدوشة على المحور الشرقي. تبعتها في الليلة ذاتها مجموعات الجبهة الديمقراطية وعلى راسها خليفاوي. وتحرك الرائد ابو سمرة قائد الكتيبة الثانية في قوة الهجوم ومعه أبو فادي نحو الالتفاف على مواقع “أمل” في محيط الكنيسة.
الى ذلك، تجمع عدد من أعضاء قيادة “فتح” والديمقراطية في غرفة العمليات يتابعون حركة المجموعات. وتحرك ابو علي عصام الى المختارة لابلاغ نبأ البدء بالهجوم إلى جنبلاط. كان الجميع قلقين. القادة والمقاتلون المتقدمون للهجوم والمتسللون الى داخل البلدة كانوا قلقين من انكشاف امرهم قبل بدء الهجوم، لان اكتشافهم يعرضهم للقتل والابادة دون ان يتمكنوا من الدفاع عن النفس. والمتواجدون في غرفة العمليات كانوا قلقون أكثر لأنهم مقتنعون بقول ابو معروف بامكان مجموعة صغيرة تتمركز في بيوت مغدوشة المطلة على الوادي والمشرفة على درب السيم ابادة كتيبة دون ان يلحق بها اي أذى.
قبل غروب شمس يوم 24 تشرين الثاني “نوفمبر” وصل الجميع الى النقاط المحددة لهم وتمركزوا في نقاط الانقضاض، وضمنها المجموعات المكلفة بمباغتة قوات “أمل” والجيش من داخل البلدة. كان الحديث على الاجهزة ممنوع، الكل في حال صمت لاسلكي، غرفة العمليات تتحدث وتنقل التعليماتا عند اللزوم والكل يتلقى وينصت بانتظار ساعة الصفر.
فجأة تحدث علي الاسمر أحد قادة المجموعات المكلفة مهاجمة احد الملاجئ التي تستخدمها حركة “أمل” كغرفة عمليات متقدمة. قال بصوت هادئ ومنخفض جدا: من صفر 7 الى صفر صفر، ليس لدى اي من افراد المجموعة ساعة، كم الوقت الان؟ نحن نتمركز فوق الملجأ تماما، هل ننزل ونلقي القبض على جميع الموجودين تحتنا وننتهي؟ وتلقى الرد بضرورة الالتزام بالخطة وضبط الاعصاب وانتظار الاوامر والمحافظة على الصمت الكامل. بالرغم المخالفة فحديث ابو سمرة خلق حالة فرح وراحة في نفوس اعضاء القيادة المتمركزين في غرفة العمليات، ولاحقا تبين ان مفعول الحديث كان كبيرا في نفوس جميع قادة الزمر والمجموعات والفصائل الذين يحملون اجهزة الاتصال وكانوا جميعهم على السمع.
انهى من كنا ندللّه بمناداته الاسمر مكالمته القصيرة، بعدها بدقائق قليلة وقبل منتصف الليل الوقت المحدد لبدء الهجوم، دوت اصوات نيران غزيرة في منطقة كتيبة “فتح”الاولى واشتعلت سفوح مغدوشة الشمالية الشرقية ومنطقة البساتين شرق بيوت بلدة درب السيم. وتلقت غرفة العمليات ملاحظة مقتضبة من عبد المعطي السبعاوي تقول: اثناء التقدم داخل اطراف البلدة، اكتشفت قوات حركة “أمل” والجيش تحركات احدى مجموعاتنا وفتحت النار باتجاها واضطرت المجموعة للرد على مصادر النيران واسكتتها. وأصدر عبد المعطي أمرا لجميع المجموعات ببدأ الهجوم وعدم انتظار ساعة الصفر الاصلية.
وقبل ان ينهي عبد المعطي امره اصدر محمود خليفاوي امره للجميع بالتقدم واقتحام المواقع المحدد. وفتحت القوات، مهاجمين ووحدات إسناد من رشاشات ومدافع مباشرة نيرانها باتجاه مصادر نيران”أمل” والجيش داخل مغدوشة وفي أطرافها. فوجئت قوات “أمل” والجيش بالهجوم وغزارة النيران التي تعرضت لها، وارتبك قادة ومقاتلي “أمل”. تمت المباغة وفر من استطاع وقتل وجرح آخرون وترك بعضهم اسلحتهم ، واستولت القوات على عدد من المواقع والاليات وضمنها مصفحات ومجنزرات، دون مقاومة تذكر. صحيج ان المفاجئة تمت لكنها كانت ناقصة، واشارت البرقيات الواردة ان جميع المجموعات حققت تقدما ملموسا فاق التقدير، باستثناء الكتيبة المكلفة بالسيطرة على مثلث عنقون مغدوشة درب السيم. حيث اصدمت بمواقع قوية للجيش واستخدم الجيش الدبابات في المعركة. ووقعت خسائر كبيرة في صفوف كادر ومقاتلي الكتيبة وانشغل الجميع في عملية اخلاء الشهداء والجرحى من ارض المعركة.
فاجأ الهجوم على مغدوشة القوى الفلسطينية واللبنانية باستثناء قيادتي “فتح” والديمقراطية وقيادتي الحزب التقدمي الاشتراكي والتنظيم الناصري. وفوجئ الناس في المخيم والمدينة بالمعركة وذهلوا من شدة القصف وقوة الاشتباكات، خاصة الراجمات اشتغلت وقصفت يقوة مواقع الجيش ومرابض مدفعيته ودباباته خارج مغدوشة. ولم تنتظر قيادة الجبهة الشعبية وجبهة النضال وجبهة التحرير الفلسطينية والجبهة العربية في طلوع الفجر، وتجمع في منزل ابو معروف ابو غالب وابو نزار عضوي قيادة الجبهة الشعبية، وابو عدوي ممثل جبهة النضال الشعبي، ومحمد ياسين من جبهة التحرير الفلسطينية، وممثل عن جبهة التحرير العربية. واعلنوا استنكارهم تفرد “فتح” والديمقراطية مرة ثانية في تقرير مصير الوطنيين اللبنانيين والفلسطينيين ومصير المخيمات، وطلبوا اجتماع فوري. واستجاب ابو معروف لطلبهم وارسل احد ضباط الاتصال دعاني وعصام ممثل ابو عمار للاجتماع وكانت الساعة تجاوزت الثانية فجرا.
بالرغم من دقة الموقف ورغبتي في البقاء في غرفة العمليات لمتابعة المعركة أصر عصام على ان نتوجه الى الاجتماع ونواجه سويا رد فعل التنظيمات. كان عصام قد عاد من المختارة مبتهجا ليس بسبب نجاح المرحلة الاولى الاصعب في الهجوم فقط، بل وايضا لانه على حد تعبيره “خوزق” التنظيمات الفلسطينية التي عاملت “فتح” يزما ما كما يعامل الأجرب وابتعدت عنها حوفا من العميد غازي كنعان رئيس الاستخبارات السورية في لبنان وبعضهم تحالف مع المنشقين عن “فتح” جماعة ابو موسى وابو خالد العملة.
بدأ ابو معروف الاجتماع بالاستفسار عن الوضع في مغدوشة واتبعه عتب شخصي لمفاجئتنا القوى الوطنية الفلسطينية واللبنانية. وحاول تغطية موقف “فتح” والديمقراطية وقال: “العتب كبير، لكن المهم الآن طمنونا ، هل تمركز الشباب في الكنيسة يا ممدوح؟ هل تحصنوا في تلة السيدة؟ هل تم تأمين الطريق يا عصام؟ هل تم أسر أحدا من افراد “أمل” والجيش؟ وبعد الاستفسار طلب أن نسلم إليه الأسرى دون تأخير، وبين أن تسليمه الأسرى يساعده في الإتصالات الساخنة التي بدأت قبل وصولنا إليه: “قبل قليل” تلقيت اتصالات من جماعة نبية بري وجماعة غازي كنعان وحزب الله تهربت منها جميعها، رد عليها اخي د.اسامة واعتذر منهم وقال بأنه “لا يستطيع إيقاظ أبو معروف لأنه يتناول حبة منومة كل ليلة ويمنع طبيا ايقاظه”.
لم يخرج الاجتماع بنتيجة محددة وغادر ممثلو القوى بيت ابو معروف غاضبين على قيادة فتح والديمقراطية وقرر بعضهم الصعود الى مغدوشة والتصرف كما يحلو لهم.
الى ذلك، بالرغم من المفاجئة والخسائر الكبيرة التي لحقت بقوات “أمل” والجيش في الهجوم الاول، استجمع الجيش اللبناني قوته ولملمت “أمل” قوتها وحشدت قوات اضافية نقلتها من عنقون والنبطية، وشن الجيش و”أمل” هجوما معاكسا، واستغلت الثغرة التي تشكلت بسبب فشل الهجوم على المحور الشرقي. وحقق هجوم “أمل” والجيش المعاكس انجازا محدودا لكنه خطيرا. وفي ضوء هذا التطور الذي تجمعت لدي وقائعه وانا في غرفة العمليات، تحرك علاء الى مغدوشة ومعه عددا من الكوادر والمقاتلين والمليشيا من “فتح” ومن ابناء المخيم. وراحت القوات المشتركة تتصدى ببسالة لقوات الهجوم المعاكس، واستعان عبد المعطي بالمدفعية فقصفت مواقع “أمل” والجيش وحشودهما على طريق عنقون. وتحولت بيوت القرية في محيط الكنيسة وساحة البلدة الى ميدان كر وفر بين الطرفين. وصارت الكنيسة هدفا مباشرا للطرفين وحشد كل طرف قوات كبيرة في محيطها ولم ينجح اي منهما في فرض سيطرة كاملة عليها.
لم تتوقف نكسة الهجوم الفلسطيني عند هذا الحد، ووقع عبد المعطي وخليفاوي عند الظهيرة في كمين اثناء تفقدهم القوات في منطقة شرق الكنيسة. واصيب خليفاوي اصابة بليغة في رجله. واستشهد في القتال عدد من قادة الفصائل والسرايا في مختلف وحدات “فتح” والجبهة. وهذه الخسائر والاصابات اثرت في قدرة القوات المشتركة على الصمود وتراجع بعضها الى مواقع خلفية. وبالرغم من إصابته لم يتوقف خليفاوي عن متابعة دوره القيادي. وتحدث عبد المعطي السبعاوي واكد ان حالة محمود لا تدعو للقلق وتحتمل تأجيل نزوله ريثما يتم تأمين الطريق وضمان سلامة الانتقال مئة في المئة.
قبل غروب الشمس تحرك محمود في سيارة اسعاف غنمتها قوات “فتح” من مواقع “أمل”، واستخدم طريق مغدوشة الرئيسي قبل التأكد من تطهيرها. وعند بلوغها المنعطف الرئيسي مقابل تلة “الزنزبيل” تعرضت السيارة لوابل من نيران البنادق والرشاشات. وفقد الاتصال اللاسلكي فجأة مع محمود وسائقه ومرافقه. وتحرك لطفي عيسى عضو القيادة العسكرية للجبهة وقائد محور جنسنايا للبحث عن محمود ورفاقه. وبعد غروب الشمس وصلت احدى المجموعات المشتركة الى السيارة وكانت الصدمة قوية حين عثرت على محمود جثة هامدة وبجانبه جثتي السائق والمرافق. وتم نقلهم الى صيدا في ظروف بالغة التعقيد.
ومع انتشار خبر استشهاد محمود ورفاقه اهتز وضع قيادة وكوادر ومقاتلي الجبهة الديمقراطية و”فتح” في مغدوشة، وبكاهم فتحاويون كثيرون مثلما بكاهم رفاقهم في الديمقراطية وأكثر. وتم نعي القائد العسكري الشهيد باسم منظمة التحرير الفلسطينية وقيادة الثورة في لبنان بجانب نعي الجبهة الديمقراطية باعتباره، أيضاًُ عضوا في لجنتها المركزية فضلاً عن عضويته في قيادتها العسكرية.
الى ذلك، اشتدت المعارك في جميع انحاء مغدوشة والمنطقة المحيطة، وارسلت “فتح” والديمقراطية قوات الى البلدة معظمها من المليشيا والقوة الاحتياطية وارسلت الشعبية والتنظيمات الاخرى تعزيزات. وحشدت “أمل” والجيش أعدادا كبيرة وشنت مساء اليوم الثاني عدة هجمات بأمل طرد القوة الفلسطينية، الا انها تكبدت خسائر كبيرة وفشلت هجماتها وتراجعت تحت ضغط المدافعين. ولاحقا شنت قوات “فتح” والجبهة هجمات على معظم المحاور بأمل تطهير البلدة وتنظيف بقية الاحياء من بقايا مجموعات “أمل” والجيش وحققت نجاحات مهمة. وسيطرت على منطقة المدارس واستولت على كمية من الاسلحة والذخائر وطهرت الطريق الموصل الى تلة السيدة. واستولى المقاتلون على عدد من ملالات “أمل” والجيش تركها طواقمها جاهزة للحركة. لكن النجاح كان ناقصا وثمنه كبيرا حيث استشهد احد قادة الكتائب الرائد ابو سمرة، ولم تحقق القوات الهدف كاملا.
الى ذلك تراكمت الاخبار السيئة ونقل الينا ابو معروف استياء الرفاق السوفييت من الهجوم على مغدوشة وقال: “موقف الرفاق كما ورد على لسان السفير كالاتوشا ليس في صالحنا. هم يعتبرون الهجوم استفزازا للسوريين وللطائفة الشيعية، واحتلال مغدوشة يعطل جهودهم والجهود العربية من اجل انهاء الحرب على المخيمات”. واستفسر ابو معروف عن الوضع في مغدوشة ليقول: “اذا لم يحسم الوضع بصورة نهائية في 48 ساعة سيتطور الموقف العسكري والسياسي ضد الوجود الفلسطيني خارج المخيمات في مغدوشة وشرق صيدا. وابدى تخوفه من اقتحام “أمل” أحد المخيمات المحاصرة. وتحدث بانفعال حول تزايد الضغوط السورية ومعلوماته تشير الى ان القوات السورية سوف تتقدم في الوثبة الاولى من خلدة الى جسر الاولي، ثم تدخل صيدا في وثبة تالية. وقال يبدو إن الأمريكان اعطوهم الضوء الاخضر ليتصدوا لتمدد العرفاتيين خارج المخيمات. والسوريون يهددون باجراءت قوية ضد التنظيم الشعبي الناصري، ويتهمون مصطفى سعد شخصيا بمآزرة العرفاتيين. واسترسل مصطفى في الحديث عن مواقف القوى الفلسطينية في دمشق واللبنانية في بيروت وكيف ان الجميع يدين موقف العرفاتيين وتمددهم خارج المخيمات، وبعضهم يغمز من قناة التنظيم الناصري ويتهم مصطفى بالتواطؤ مع عرفات وزلمه.
يومها شككت في إمكانية تجاوز القوات السورية نهر الاولي ودخول صيدا وكررت قولي إن اسرائيل لم تسمح للقوات السورية سابقا بالتواجد في صيدا والزهراني واظن ان الموقف الاسرائيلي لا يزال على حاله.
وبشأن الموقف السوفيتي حاولت تخفيف وتبسيط مدلولات معارضة القيادة السوفيتية للتمدد الفلسطيني خارج المخيمات، واستحضرت الموقف السوفييتي الرافض للحرب الظالمة الجارية ضد الفلسطينيين في لبنان. واشرت الى انهم بدأوا بتفهم الموقف الفلسطيني ويشجعون الفصائل الفلسطينية على تجاوز الخلافات وعقد دورة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني، والحديث جار عن عقدها في مطلع العام القادم. واكدت ان المعلومات المتوفرة تشير الى ان الاخ ابو عمار والاخوة في قيادة “فتح” لم يعودوا يتمسكون باتفاق عمان الذي تسبب في تدهور العلاقات الفلسطينية السوفيتية، وهو الاتفاق الذي كان له دوره ايضا في الحرب الجارية ضد المخيمات. وختمت حديثي بالاستذان لمتابعة التطورات واقترحت ان نبقى على تواصل.
ثبات القوات الفلسطينية في مغدوشة خلق تفاعلات واسعة
لم يتم، إذن، حسم المعركة، الا ان خبر احتلال القوات الفلسطينية بلدة مغدوشة طغى على ما عداه في الاخبار، وظل الخبر الابرز فيما تناقلته وسائل الاعلام. ولم يتوقف المواطنون الفلسطينيون واللبنانيون والمراقبون السياسيون ولا القوى الوطنية عند ادعاءات نبيه بري باستعادة بلدة مغدوشة وطرد الفلسطيين منها، فأخبار قيادة “امل” حول المعارك مع الفلسطينيين في محيط مخيمات بيروت والجنوب وفي معارك شرق صيدا ثبت عدم صدقها. ناهيك عن الصور والمقابلات التي تابعت الصحافة ووكالات الانباء نشرها وبثتها بعض محطات التلفزيون من ارض المعركة. في حينه قلق وليد جنبلاط من المعلومات التي سربتها المخابرات السورية وقيادة حركة “أمل”، وارسل عددا من ضباطه للتدقيق في الوضع الميداني. وقد صعد هؤلاء إلى مغدوشة على الاقدام ثم خرجوا بانطباع ان المعركة طويلة وليس سهلا على”أمل” استعادة المواقع التي فقدتها.
وساهم نزوح اعداد كبيرة من أهل حارة صيدا والغازية والقرى الشيعية الأخرى المجاورة لمغدوشة إلى بيروت والجنوب في كشف حقيقة الوضع. وعلت أصوات شيعية ذات وزن حمّلت نبيه بري وقيادة “أمل” مسؤولية هذا النزوح. ودعت بيانات حزب الله ومناشدته الموجهة إلى القوى الفلسطينية الى عدم تحميل اهالي حارة صيدا والغازية وعنقون والقرى المحيطة بمغدوشة وزر سياسة قيادة “أمل” الخاطئة، وحذرت من أن الخطر يتهدد القرى الشيعية وليس مخيمي عين الحلوة والمية ومية ومدينة وصيدا كما تدعي قيادة “أمل”. وحمّل حزب الله في بياناته قيادة “أمل” مسئولية الحاق الضرر بمصالح اهل الجنوب والاساءة الى الطائفة الشيعية وعلاقتها بالاخوة المسلمين الفلسطينيين. وشرع الحزب في اجراء اتصالات مكثفة مع القوى الفلسطينية المشاركة في المعركة.
وبهدي هذا الموقف وظف حزب الله علاقته الحميمة بالجماعة الاسلامية في صيدا التي يتزعمها الشيخ ماهر حمود في الاتصالات. وطرح الحزب نفسه حلا للاشكال بديلا عن الطرفين في مغدوشة وتعهد بضمان أمن وسلامة المخيمات.
بهذا كلّه، خلقت معركة مغدوشة وضعا عسكريا وسياسيا جديدين. وكرست القوة الفلسطينية سيطرتها على معظم احياء مغدوشة، وتشكلت خطوط تماس بين الطرفين في البلدة وبات واضحا للمراقبين ان القصة طويلة وليس بامكان اي من الطرفين حسم الوضع العسكري بالضربة القاضية وانهاء وجود الطرف الآخر. وبدأت تفاعلات المعركة في الحقل السياسي العربي والدولي تظهر في الاتصالات والتحركات التي شهدتها المنطقة. وكما انتعشت أوضاع الفلسطينيين في منطقة صيدا وبقية مخيمات لبنان، تعززت مكانة م ت ف عربيا وانتعش دور عرفات خاصة بعد تحرك ايران وعدد من الزعماء العرب نحوه بناء على طلب قيادة “أمل” والقيادة السورية، ومطالبتهم له بوقف التمدد الفلسطيني باتجاه الجنوب داخل المناطق الشيعية. وغير الزعيم الليبي معمر القذافي موقفه، وأوقف هجومه ضد عرفات وقيادته التي ألف أن يسميها المستسلمة، وهاجم قيادة “أمل” واتهمها بالتآمر مع إسرائيل ضد الوجود الفلسطيني في لبنان وغمز من قناة سوريا.
وبعد تيقن المخابرات السورية بقيادة غازي كنعان من عجز قوات “أمل” عن طرد المقاتلين الفلسطينتيين من مغدوشة، صعّد السوريّون مستوى ضغطهم على مصطفى سعد والتنظيم الناصري ووليد جنبلاط ومحسن ابراهيم. ورفعوا وتيرة الضغط والتهديد لقيادة الجبهة الديمقراطية في دمشق وطالبوها بسحب قواتها من مغدوشة اذا ارادوا البقاء في الشام. واعتقلوا عصام عبد اللطيف عضو المكتب السياسي للجبهة، لانه تهكم على السياسة السورية في لبنان واتهما بمحاولة التقرب من الامريكيين على حساب الدم الفلسطيني. وطلبت المخابرات السورية وقيادة حزب البعث من اصدقائهم في جبهة الانقاذ مشاركة حركة “أمل” في القتال ضد العرفاتيين، وممارسة ضغط قوي على قيادة “فتح” والديمقراطية في لبنان للانسحاب. واستجابت معظم فصائل الانقاذ للشق الثاني من الطلب السوري ونقلوا رسائل التهديد. وحاول بعضهم التورط في عمليات اغتيال قياديين في حركة “فتح” والديمقراطية.
وفي هذا الجو، دخلت إسرائيل على خط الصراع ولم تستطع البقاء في موقف المتفرج، وخشيت اندفاع قوات م ت ف نحو الجنوب وتطوير هجومها واحتلال مواقع متقدمة تستطيع منها ضرب المستوطنات والمدن الإسرائيلية القريبة من الحدود مع لبنان. وتدخل الطيران الاسرائيلي فقصف مواقع القوات الفلسطينية في مغدوشة ومنطقة قرى شرق صيدا مرات عدة، وتمكنت القوات الفلسطينية من إسقاط طائرة اسرائيلية حطّ حطامها في مكان خارج نطاق سيطرة هذه القوات قرب بلدة عنفون، وأسرت مجموعات “أمل المؤمنة” بقيادة ابو علي مصطفى الديراني طيارها “رون اراد*.
إلى ذلك، تضعضعت أوضاع حركة “أمل” العسكرية والسياسية وصعد دور “حزب الله”، وارتفعت أصوات وطنية لبنانية سنية ودرزية وعلمانية ضد هيمنة “أمل” وضد تصرفاتها المؤذية للوضع الوطني اللبناني برمته.وتوترت علاقة الجبهة الديمقراطية بسورية،واتخذت المخابرات السورية إجراءات أمنية وإدارية ضد وجود قيادة الجبهة في سوريا. وفوجئت ببرقية من المكتب السياسي للجبهة ارسلت مفتوحة دون تشفير تقول إن “المكتب السياسي قرر سحب قوات الجبهة من مغدوشة وقرى شرق صيدا”.
في البداية لم أصدق ما جاء في البرقية بل اعتبرته نوعا من المناورة بهدف امتصاص النقمة السورية. لكن تكرار البرقية وتاكيد طلب الالتزام بمضمونها دفعتني الى التخوف من ان تكون تهديدات وضغوط المخابرات السورية افلحت في التأثير على موقف الرفاق. وظهر أن ما يردنا في لبنان من برقيات باسم المكتب السياسي هو قرارات رسمية وليس مناورة. لكن الامر ظل غير محسوم في ذهني الى ان جاءت برقية تؤكد على مضمون البرقية الاولى وتطلب منا الرد وتصر على التنفيذ خلال 24 ساعة. ومن جانبي قررت اهمال البرقيتين واخفاء الامر عن الجميع وطلبت من عامل الاشارة نزعهما من الارشيف.
ــــــــــــــــــــــــــــ
* ـ في اطار صراعات داخل “أمل” والطائفة الشيعية، شكل مصطفى الديراني “أبو علي” احد كوادر “أمل” تنظيما داخل التنظيم أطلق عليه في البداية اسم “أمل المؤمنة” وهي مجموعة لم تكن تعادي الفلسطينيين. لاحقا، التحق أبو علي وجماعته بحزب الله. وفي مرحلة تالية قامت القوات الإسرائيلية بعملية خاصة وخطفته من منزله في منطقة بعلبك بأمل معرفة معلومات إضافية بشأن الطيار رون اراد. وظل أبو علي الديراني في السجن الإسرائيلي سنوات طويلة إلى ان اطلق سراحه في عملية التبادل التي اجراها حزب الله بوساطة المانية.
وقصة الطيار “رون أراد” بدأت عندما تمكنت المقاومات الأرضية المشتركة، “جبهة ديمقراطية و”فتح”، المتمركزة في مغدوشة من اصابة طائرة إسرائيلية سقطت في منطقة بين مغدوشة والنبطية. وتمكنت احدى المجموعات التابعة ” لمصطفى الديراني” من اسر الطيار وكان مصابا بجروح بليغة. وفي أكثر من لقاء مع الديراني، حاولت قيادة الجبهة و”فتح” في لبنان استلام الطيار، الا ان المجموعة وقائدها كانوا يقولون الامر خرج من أيديهم. وتعهد أبو علي الديراني بان يتبنى اطلاق سراح مجموعة كبيرة من الاسرى الفلسطينيين تساوي، بالحد الادنى، ضعف الاسرى اللبنانيين حين يمكن اجراء مبادلة على الطيار مع اسرائيل.