الانتخابات التشريعية الفلسطينية نهاية حكم الحزب الواحد
بقلم ممدوح نوفل في 20/01/2006
قبل استعراض الحاضر والغائب في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية 2006، والبحث في مجرياتها والتجول في بازارها وتفحص معراضاته وقراءة نتائجها وتفاعلاتها الداخلية والخارجية، لا بد من التوقف أمام عدد من الاسئلة المركزية التي يتداولها الحاكم والمرشح والمراقب والمواطن الناخب: هل ستجري هذه الانتخابات بهدوء وسلام؟ وهل سيتمكن رئيس لجنة الانتخابات المركزية د.حنا ناصر من إعلان نتائجها في الوقت المقرر، أم أن هناك مفاجئات ومخاطر جمة تحيط بهذه الانتخابات حتى اقفال صناديق الاقتراع؟
لا شك في ان إجراء انتخابات تشريعية، حرة ونزيهة، تحت الاحتلال أمرا ليس يسيرا، خاصة اذا كانت المحتل استيطاني وممارساته فاشية وتقوده عقليته عنصرية، ويعمل بشتى السبل على نشر الفوضى والفقر والتخلف في صفوف من يحتلهم، ويسعى دوما لاظهارهم متخلفين لا يفهمون معاني الديمقراطية ولا يستحقون العيش في ظلالها. وهذه المواصفات كلها وأكثر منها موجوده في فكر وسلوك قوة الاحتلال “اسرائيل”. وأظن ان نجاح الفلسطينيين في الوصول الى صناديق الاقتراع يوم 25 كانون الاول/ يناير في ظل هكذا احتلال يعتبر انجازا وطنيا كبيرا. ولا أتجنى على “شارون”، المريض فاقد الوعي ويعيش في غيبوبة كاملة، منذ الرابع من الشهر الجاري، اذا قلت ان اصابته بجلطة دماغية جمد مخططات تخريبية كان شارون يبيتها ضد الانتخابات الفلسطينية. وهو الذي ظل يرفض تعزيز مكانة عباس وسلطته، ولم يكن يخفي مواقفه العدوانية لدمقرطة المجتمع الفلسطيني. وغياب شارون عن الوعي شجع الرئيس عباس على حسم الأمر وسهل عليه اتخاذ قرار اجراء الانتخابات في موعدها. وسهل أيضا على أركان الادارة الامريكية حلحلة بعض العقد ونجحوا في إزالة عقبات كبيرة زرعها شارون في طريق الانتخابات الفلسطينية من نوع مشاركة حركة “حماس” فيها دون شروط شارون المسبقة، ومشاركة أهل مدينة القدس وفق ترتيبات انتخابات الرئاسة مطلع عام 2005 والانتخابات التشريعية الأولى عام 1996. صحيح ان “اولمرت” خليفة شارون ملتزم نهج سيده، لكنه بالتأكيد لا يملك الجرأة والقوة اللتين يملكهما شارون، وغير مؤهل مثل شارون لتحدي الادارة الامريكية سرا او علنا.
اعتقد ان تراجع او اضمحلال دور اسرائيل التعطيلي للانتخابات لا يعني ان جميع العقبات الخارجية والداخلية قد زالت وطريقها باتت سالكة مئة في المئة. ولا أحد في القوى “الوطنية والاسلامية”، سلطة ومعارضة، يستطيع الجزم بأن الانتخابات ستجري بهدوء وأمان كما جرت انتخابات الرئاسة والانتخابات البلدية الفلسطينية. ولا أحد أيضا في المؤسسة الأمنية يستطيع الجزم بأن رئيس لجنة الانتخابات المركزية “د.حنا ناصر”، سيعقد، بعد اغلاق صناديق الاقتراع، مؤتمرا صحفيا يعلن فيه النتائج ويهنأ شعب فلسطين بانتصار الديمقراطية الفلسطينية على أعدائها، ويؤكد للعالم إنجاز المرحلة الأخيرة في الانتخابات بسلام ودون حوادث تؤثر في نتائجها وتمس نزاهتها. حتى ابو مازن رئيس السلطة لم يطرد الشك باليقين في لقائه برؤساء تحرير الصحف المحلية ومحطات التلفزة العربية والاجنبية، وأقصى ما قدمه للناس هو تأكيد حرصه الشخصي على إجراء الانتخابات في موعدها وتوفير المناخ الملائم للمشاركة فيها. وأكد عزمه حشد طاقات السلطة لانجاح العملية وتكليف الاجهزة الأمنية بحمايتها من ألفها الى يائها، بدءا من حرية الدعاية، حسب القانون، وانتهاء بتوفير الأمن للمرشحين والأمان للناخبين وحماية صناديق الاقتراع وفرز الاصوات واعلان النتائج النهائية.
الى ذلك، يمكن القول ان هناك جهات اقليمية أخرى، غير اسرائيل، لا مصلحة لها في نجاح الانتخابات وسيادة الهدوء في الاراضي الفلسطينية، وهي أصلا تعارض الانتخابات النزيهة وتعارض تطور الديمقراطية الفلسطينية. وهذه الجهات لديها قوى ووسائط محلية قادرة على التشويش ان لم نقل التحريب.
ومن حق السلطة الفلسطينية وانصار الانتخابات ادراج العملية الانتحارية التي نفذت يوم 19/1/2006، قبل خمس أيام فقط، من موعد الانتخابات في خانة التخريب والتشويش على العملية الديمقراطية، والموقف ذاته ينطبق على كل عمل مشابه يتم قبل وخلال يوم الانتخابات 25/1/2005. وابو مازن وجميع أنصار الانتخابات يعرفون أن المتضريين من الانتخابات كثرو في “فتح” والسلطة والحركة الوطنية، وان المجموعات المسلحة “السائبة” في المحافظات التابعة ل”فتح” والفصائل الاخرى وتعمل تحت مسميات متعددة، تلقى دعما من مراكز القوى في “فتح” والسلطة، وتحاول الابتزاز وقادرة على التشويش على الانتخابات وتعطيلها في مواقع كثيرة من رفح حتى اريحا وجنين ان هي قررت ذلك، وإن بعضهم قد لا يتورع عن منع الناس بالقوة من الوصول الى مراكز الاقتراع ومداهمتها وسرقة الصناديق. ومن لم يتورع عن تخريب عملية الانتخابات التمهيدية الداخلية الفتحاوية “البرايمرز”، لا يتورع عن تكرار المشهد لأسباب حزبية وشخصية متنوعة، وبعضهم يجاهر بموقفه ويتلقى دعم وتشجيع عناصر قيادية تتضرر من الانتخابات.
ولا اكشف سرا اذا قلت ان الرئيس عباس تعرض الى ضغوط داخلية لتأجيل الانتخابات مصدرها الأساسي أغلبية أعضاء اللجنة المركزية للحركة واعضاء في المجلس الثوري وكتلة “فتح” في المجلس التشريعي المنحل. ورفض عباس نصائح واقتراحات قادة أجهزة الامن الفلسطينية بتأجيل الانتخابات أطول فترة ممكنة، ولم تهتز قناعته حتى عندما ابلغوه ان ليس بمقدورهم حماية مراكز الاقتراع. وظل ابومازن شبه وحيد في قيادة “فتح” يتمسك باجرائها في موعدها. وهدد بالاستقالة من مناصبه عندما قرر أغلبية أعضاء مركزية “فتح” ابلاغ اللجنة المركزية للانتخابات سحب مرشحي “فتح”. وكل من يعرف ابو مازن يسجل له اصراره على الانتخابات بصرف النظر عن نتائجها وهذا الاصرار كان ولا يزال نابعا من قناعته الشخصية وايمانه بالديمقراطية وبتبادل السلطة بصورة سلمية. صحيح انه تعرض لضغط أمريكي أوروبي لاجراء الانتخابات في موعدها، لكن الصحيح ايضا ان قناعته ظلت هي الأساس في اتخاذ القرار، ولم يحاول الاستقواء على اخوانه بمواقف القوى الخارجية.
لاشك في ان نسبة كبيرة من الناس سوف يتوجهون الى مراكز الاقتراع، اذا لم يحصل ما يعكر الاجواء الأمنية، ولن يعيقهم شتاء كانون وبرده القارص عن ممارسة حقهم في اختيار ممثليهم الى البرلمان. وفي هذا السياق يسجل للشهيد ابوعمار ان انتخابات الرئاسة والانتخابات التشريعية اللتين تمتا بعد رحيله حققتا له ما أراد حين كرس الانتخابات التشريعية بعد عودته للوطن. ورفض مقولة بعض المتزلفين من قانونيين وسياسيين مقربين: انت منتخب من المجلس الوطني رئيسا لدولة فلسطين التي اعترف بها العالم، والمجلس الوطني أعلى من المجلس التشريعي، والدولة اكبر من السلطة. وأصر في حينه على اجراء انتخابات رئاسية، وان يتم ذلك كله تحت اشراف مباشر من المراقبين الدوليين المباشر.
وفي جميع الحالات تعتبر الانتخابات اختبارا للنظام السياسي الفلسطيني، ونجاح الفلسطينيين في اجرائها مكسبا وطنيا وانجازا مهما بصرف النظر عن الذي يفوز فيها. ومردود هذا الانجاز، المباشر والمنظور، اذا تحقق كبير: يعزز نضالهم ضد المحتل الاسرائيلي ويسهل حشد القوى وتوحيد الجهود، ويرسخ مكانة النظام السياسي الفلسطيني وسط محيطه العربي وفي حقل السياسة الدولية. ويسهل علي الفلسطينيين تنظيم أوضاعهم وتمتين تماسكهم السياسي والاجتماعي, ويكرس الديمقراطية ناظما للعلاقات، ويسهم في حلحلة بعض جوانب الأزمة المركبة الفكرية والسياسية التنظيمية التي تعيشها القوى الوطنية والاسلامية بشقيها، سلطة ومعارضة. الى ذلك، توفر الانتخابات فرصة جيدة للفلسطينيين لاستعادة زمام المبادرة سياسيا وازالة التشويه الذي لحق بصورة النضال الفلسطيني واظهار تمسكهم بالخيار الديمقراطي باعتباره حاجة وطنية قبل ان تكون مطلبا أمريكيا او دوليا.
شخصيا كنت ولم أزل من أنصار الانتخابات الفلسطينية البلدية والتشريعية والرئاسية، في كل زمان ومكان، باعتبارها وسيلة مجربة لتفعيل طاقات المجتمع وتطوير فكر وبنية وعلاقات النظام السياسي الفلسطيني. وفي عام 1996 أيدت اجراءها ورفضت بشدة دعوات المقاطعة والتحريم التي اطلقتها قوى المعارضة الفلسطينية “الاسلامية” و”العلمانية”. واعتبرت المبررات والذرائع التي ساقتها تلك القوى، خصوصا، قولها بان الانتخابات لن تكون حرة ولا نزيهة تحت الاحتلال على انه هروب من الامتحان وهروب من المواجهة من وتحمل المسؤولية وقت الشدة. وفي مطلع عام 2005 استغربت موقف المعارضة ذاتها حين أبدت، من جهة، رغبة شديدة في المشاركة في المرحلة الاولى من الانتخابات البلدية في ظل الاحتلال، ورفضت، من جهة، أخرى المشاركة في انتخابات الرئاسة الفلسطينية ودعا بعضها لمقاطعتها.
وبصرف النظر عن رأي المعارضة التي قاطعت الانتخابات التشريعية الاولى عام 1996، ولم تشارك في انتخابات الرئاسة بعد رحيل عرفات، وظلت خارج هيئات منظمة التحرير، فان وقائع الحياة في الساحتين الداخلية والخارجية أكدت ان المقاطعة ألحقت أضرارا فادحة بالمصالح العليا للشعب وبالمقاطعين أنفسهم. وأضعفوا دور المجلس التشريعي في مواجهة مؤسسة الرئاسة وفي مراقبة عمل السلطة، وحرموا اعلى هيئة تشريعية من حرارة البحث والنقاش التي يولدها وجود معارضة قوية. وغابت المعارضة عن المشاركة في صياغة القوانين والانظمة والتشريعات التي تنظم المجتمع الفلسطيني. وفي سياق تبرير الموقف الخطأ تورط، في حينه، بعض من لم يشارك في انتخابات عام 1996 في مهاجمة العملية الديمقراطية، وهاجمو المجلس التشريعي وطعنوا بشرعية دوره. واظن تصحيح هذا الخلل الذي نتج عن ذاك الخطأ يفرض على قيادات حماس والجهاد الاسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية مصارحة الناس والاعتراف بالخطأ. ذلك ليس فقط بهدف خلق اجواء ديمقراطية حقيقية بل وايضا تأكيد العزم على المشاركة في تحمل عبئ المرحلة الثقيل جدا.
وبشأن الغائب والحاضر في الانتخابات يمكن للمراقب بسهولة ملاحظة تركيز الكتل الانتخابية والمرشحين المستقلين على الشأن الفلسطيني الداخلي وتراجع الاهتمام بالشأن السياسي والوطني العام. وتكاد شوارع المدن والمخيمات تخلو من تمجيد الكفاح المسلح وتمجيد العمليات “الاستشهادية” او “الانتحارية” و أيضا من صور الشهداء أبطال هذه العمليات ولا ذكر لهم. ومن ناحية أخرى يكاد لا يخلو ملصق واحد من التعهد بالاصلاح والتغيير والتجديد وشعار محاربة الفساد وتوفير الأمن والأمان ونشر الديمقراطية.
وبجولة سريعة في بازار الانتخابات الفلسطينية المفتوح على مدار الساعة من رفح وحتى اريحا وجنين، يمكن للمراقب المحايد ملاحظة ان الانتخابات اصبحت القضية المركزية الطاغية على الحياة السياسية الفلسطينية تكرس لها القوى جهدها ولا تهتم بغيرها. وانها أيضا تحظى باهتمام عربي ودولي كبيرين، وتنال رضا وتقدير المراقبين والمحلين العرب والاجانب الذين بداوا بمراقبة الانتخابات والتدقيق في الحملات الانتخابية. ويلاحظ ايضا ان البازر صاخب والتنافس على أشده وزاخر بالصور ومليء بالشعارات المعتدلة وايضا الملتبسة والمصاغة على قاعدة الغموض البناء. ويستطيع ببساطة ان يقرأ في الشعارات رسائل كثيرة موجهة في كل الاتجاهات خاصة تجاه القوى الدولية المعنية بشؤون المنطقة، وهذه الشعارات تحمل بين طياتها اشارات تبين الاستعداد للتكيف مع التطورات الاقليمية والدولية ومع مقتضيات صنع السلام والاستقرار في المنطقة، “نحن نفهم بالسياسة ونفاوض أحسن من الآخرين”، “المقاومة لا تعني السلاح فقط”. وبسهولة ايضا يستطيع المتجول في البازار تلمس “نعومة” زائدة في شعارات الجميع ضد اسرائيل وأمريكا. بدءا من حركة “حماس” وحتى جبهة التحرير بقيادة “ابو العباس”. وغابت كليا شعارات المقاطعة والتخوين ودعوات افشال عملية السلام واسقاط اتفاق اوسلو وتحريم المفاوضات واللقاءات مع “العدو الصهيوني” التي رفعت في بازار انتخابات عام 1996. وغابت أيضا الشعارات التي تدعو الى “تدمير الكيان الصهيوني اسرائيل”، و”تحرير فلسطين من النهر الى الساحل”. وحل محلها شعارات تؤكد “لا للتنازلات” و”نحن أقدر على ادارة المفاوضات”. وشعارات أخرى تؤكد رغبة قوى المعارضة المشاركة في السلطة وانها القادرة على التغيير والاصلاتح..ويسجل للقوى الوطنية والاسلامية انها انعشت قطاع المطابع والدعاية والاعلان. وعملت المطابع والمصانع على مدى اكثر من شهر، ليل نهار، لتلبية طلبات بازار الانتخابات المتزايدة.
وفي سياق استعراض الغائب والحاضر في انتخابات 2006 يبرز بشكل فاقع غياب اسم منظمة التحرير الفلسطينية، علما ان المجلس التشريعي يمثل جزء من المجلس الوطني الفلسطيني حسب قرارات مؤسسات م. ت. ف. التشريعية والتنفيذية مجلس وطني ومجلس مركزي ولجنة تنفيذية. ويتبين أيضا كيف حالت الاعتبارات الحزبية والشخصية الضيقة دون تشكيل قائمة موحدة تحمل اسمها. ولا أحد من أهل المنظمة يأتي في الحملة الانتخابية على ذكرها ولم يحاولوا كشف سلبيات مواقف الآخرين منها ورفضهم العمل تحت رايتها. ولم تفكر القوى الوطنية المنضوية تحت لوائها استثمار تاريخ المنظمة ودورها في قيادة النضال وفي الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني. ورغم حديث بعضها في الصحف والاذاعات والاعلانات عن أهمية الانتخابات، فاني لا أتجنى على أحد اذا قلت ان معظم قيادات الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، وغالبية وزراء السلطة يخشون ان تكون نتائجها في غير صالحهم افرادا وتنظيمات وتكشف ثقلهم وثقل تنظيماتهم الخفيف في الشارع الفلسطيني.
قد يكون سابق لاوانه رسم لوحة نهائية لتركيبة المجلس التشريعي الفلسطيني الثاني لكن من المؤكد ان قوى جديدة سوف تدخل عتباته. وقيادة “حماس” لا تخفي رغبتها في انتزاع حصتها في السلطة ومنظمة التحرير بعد فوزها في معظم البلديات الأساسية، وتسعى لدخول المجلس التشريعي بقوة. وطبعا دون مراجعة مواقفها السابقة والمواقف الخاطئة التي اتخذت سابقا من الانتخابات التشريعية والرئاسية. وأظن ان المجلس الجديد سوف يتميز عن الأول يضم عددا لا بأس به من الأسرى والمعتقلين والمطاردين ورجال دين ضمنهم مشايخ وأئمة مساجد مهنتهم الدعوة. وسوف يجلس في مقاعده، ضمن حصة المراة، محجبات ومنقبات.. ولا أدري اذا المجلس بتركيبته الجديدة المتوقعة سوف يكون أقدر من المجلس الاول على سن القوانين والتشريعات!
وتؤكد مجريات المعركة الانتخابية واستطلاعات الرأي العام ان النتيجة الابرز لانتخابات 2006، سوف تكون: نهاية نظام حكم الحزب الواحد، اي نهاية تفرد فتح بالقرار الوطني، وظهور نظام حكم متعدد القوى والاحزاب. وتدقيق مواقف القوتين الكبيرتين “فتح” و”حماس” يبين ان هم قيادة “فتح” ينصب على الحصول على أغلبية بسيطة وعدم خسارة موقعها القيادي المقرر في السلطة والمجلس التشريعي وفي تشكيل الحكومة، وان طموحها بالاغلبية المطلقة قد تراجع. اما قيادة “حماس” فهي معنية أولا وقبل اي شيء آخر بالفوز في هذه المعركة الديمقراطية ووهمها المركزي ينصب على نيل اكبر نسبة تمثيل في المجلس التشريعي تمهيدا لتكريس حضور فاعل يمكنها لاحقا من فرض مواقفها وتوجهاتها ومقارعة “فتح” والآخرين تحت قبة المجلس وفي الحكومة. وأظن ان اي من القوتين “فتح” و”حماس” سوف لا تحصل على نسبة حاسمة من مقاعد المجلس التشريعي تمكنها التحكم في اعمال المجلس وتوجيه قراراته.
واذا كانت المصلحة الوطنية العليا تفرض على الجميع العمل على تجاوز يوم 25 كانون الثاني/ يناير بهدوء وامان وسلام، فالمصلحة ذاتها تفرض على حماس توضيح مواقفها من القضايا السياسية المركزية وتوضيح مفهومها للحكم الصالح. وعلى قيادة “فتح”، قبل سواها، مواصلة العمل وبذل كل جهد ممكن لتجنب تحمل المسؤولية عن تعطيل الانتخابات او تخريبها، وتقبل النتيجة بروح ديمقراطية. فالخسارة الوطنية والفتحاوية في حال تحمل هذه المسؤولية الثقيلة اكبر بكثير من خسارة عدد من مقاعد المجلس التشريعي. وكل من يؤمن بدمقرطة المجتمع الفلسطيني واصلاح النظام السياسي الفلسطيني، وابتهج عام 2005 لاجتياز شعب فلسطين انتخابات الرئاسة والانتخابات البلدية بأمان وسلام، يتمنى لشعب فلسطين النجاح في هذا الامتحان الجديد المقرر خوضه بعد اقل من اسبوع. وبديهي القول ان الفشل في هذا الامتحان يلحق خسائر فادحة بشعب فلسطين وقواه الوطنية والاسلامية دون استثناء، وقد يتسبب كارثة وطنية خاصة اذا كانت أسباب الفشل ذاتية فلسطينية.
وآمل ان لا تتسبب الانتخابات في تكرار التجربة تفجير أزمة “فتح” وصراعاتها الداخلية الكامنة في بنيتها والتي ظهرت على السطح في مرحلة التحضير للانتخابات. وان لا يتبادل الفتحاويين، بعد الانتخابات، التهم حول المسئولية عن خسارة الأغلبية المطلقة في المجلس التشريعي وخسارة التحكم بالقرار. والوطنيين والديمقراطيون الفلسطينيون يتمنون لقيادة “فتح”، النجاح في المحافظة على وحدة الحركة وتعطيل انفجارها كما نجحت في تعطيله قبلها.
كما اتمنى ان تكون الانتخابات التشريعية عاملا مساعدا في استكمال الانتخابات البلدية، واجراء انتخابات حرة ونزيه للاتحادات والمنظمات الشعبية الفلسطينية بدءا من اتحاد الكتاب مرورا العمال والطلاب والمرأة والمعلمين وانتهاء باصغر نقابة او اتحاد. فاجراء الانتخابات في هذه المستويات يساهم في معالجة بعض الامراض التي تعانيها هذة المؤسسات، ويساهم في تفكيك بعض المعضلات التنظيميية التي تعيشها منظمة التحرير الفلسطينية.