ممدوح نوفل (ابو مضر)
بقلم احمد دحبور في 25/07/2006
لم يكن ينقصنا الألم حتى يضربنا ابو مضر بهذه المباغتة. هكذا ونحن في رعاف الوقت وتوتر الدم، وحين تضع الامة يدها على قلبها اللبناني، وتحنو على جرحها الفلسطيني، فيما يتقهقر الحكام الى حيث يجب ان يكونوا، يرفع ممدوح نوفل اصبعه بين الاتهام والاحتجاج، ويحجب ضحكته المتفائلة، ليعلن الغياب المدوي، ملتحقا بالشهداء الذين يدحرون اليأس وهم يؤكدون احقيتنا في الحياة.
فجأة يدخل هذا المقاتل المثقف الصبور خانة اوراق النعي، ونستيقظ فإذا بممدوح نوفل هو هذا الشهيد.
لو كان لي ان اغمض العينين على صورة له، لما رأيت صورة تسبق حلمه السرمدي بفلسطين ولن انسى ذلك اليوم المتوتر الصعب الخانق، عندما كان ياسر عبد ربه يلقي كلمة الشباب الذين لم يصبحوا >فدا< بعد، وما اعقب ذلك في قصر المؤتمرات الجزائري، خلال عقد المجلس الوطني الفلسطيني، من مشاحنات وضجيج وردود افعال متضاربة. يومها كنت واحدا من العشرات، ان لم يكن من المئات، الذين التفوا على الفريقين يناشدونهما الا يتحول الخلاف الى دم. وما زلت اذكر ابتسامة ممدوح المطمئنة وهو يقول بصوته العميق: لا تخافوا منا ولا علينا.. فنحن أم الولد وابوه.. ولن نضحي بالتجربة من اجل اصطفاف على اهمية هذا الاصطفاف. وفي وقت آخر، كان يمسح عرق الجبين وهو يشير الى كوكبة من الشباب مؤكدا: صدقوني انني لا أدري اين يقف هؤلاء. لكنهم معنا لأننا معا في آخر حساب. وبعد ذلك بدا ممدوح نوفل في طليعة المتحمسين لظهور الاتحاد الوطني الديمقراطي فدا. وكانت حجته المقنعة هي اننا ما دمنا مختلفين فما معنى الصراع المجاني على اسم واحد؟ واضاف: من مفارقة الامور اننا ننشق لأننا وحدويون، والدم الفلسطيني اغلى من وجهات النظر.. وصاحب هذا المنطق هو الذي استبسل دفاعا عن وحدة فتح ومنظمة التحرير، وكان من ابرز قادة الجبهة الديمقراطية، يومذاك، الداعين الى حسم الموقف ضد الانشقاق. بل انه لم يسلم أحيانا من تهمة العرفاتية. ولم يكن ذلك جديدا، فعام 1976 عندما كان النظام في حالة تشبه الحرب مع فتح، فوجئ ممدوح بوقوع بعض رفائه في مأزق يهدد بوصولهم الى حبل المشنقة. ويومها قال: اذا كان ثمن حماية منظمة التحرير يقضي بان يكونوا شهداء فكلنا شهداء. وابو مضر الذي كان اول فدائي- ولعله الوحيد- الذي يحمل صفة رئيس هيئة اركان قوات حزبه المسلحة، هو نفسه الذي كان معنيا بالفكر السياسي، حتى ان محاولاته في الكتابة سرعان ما تحولت الى جزء من تراث التجربة الفلسطينية فكريا. كان عنيدا في وجهة نظره ولكن التعصب لم يعرف الى عقله سبيلا.. وكان بين الفترة والفترة يضحك ويسأل: هل سنعيش حتى نعرف نهاية الفيلم؟. وها هو يمضي والفيلم في ذروته. نحن محاصرون. ولبنان يبيعه المتخاذلون فيرفع رأس الامة بصمود لا مثيل له. وقبل ان ترتفع الستارة عن الفصل الاخير يمضي ابو مضر. العزاء لشعبنا ولأنفسنا ولأختنا فيرا. وليس علينا الا ان نواصل ما بدأ به ابو الولد.. حتى نعود الى البلد.