ممدوح نوفل.. سلاما..
بقلم يحيى رباح في 26/07/2006
رحل ممدوح نوفل بهدوء جدا في زمن الصخب والضجيج والأسئلة الصعبة التي تبحث عن إجابات دون جدوى والعجز الكامل في ساحاتنا عن إنجاز أعظم وأقدس ما يمكن أن تفعله الشعوب الصغيرة مثلنا وهو التآمر مع الذات لخداع التاريخ!!
وممدوح نوفل واحد من فرسان جيل الوفاء والذكاء والمحاولة المستمرة!! ذلك أن الزمن الفلسطيني منذ لحظة النكبة الكبرى، وانهيار الكيان، واحتلال الأرض وبعثرة الهوية، هذا الزمن الفلسطيني لم يكن إلا زمنا صعبا، بل خارق الصعوبة!! وقد تمكن جيل ممدوح نوفل من استخدام أقصى حالات الذكاء الوطني، للتسلل عبر الدروب الخارقة الصعوبة، لتشكيل الكيانية الفلسطينية، لاستعادة أشلاء فلسطين من يد سارقيها الكثيرين، ولإسماع صوت فلسطين رغم صراخ الجوقات الجوفاء، ولرفع يافطة الحضور الفلسطيني في مناخ كامل كان عنوانه الغياب.
وللحقيقة: فإن معرفتي بممدوح نوفل تعود الى مطلع السبعينيات، حين كان للجبهة الديمقراطية مواقع عسكرية في جنوب سوريا، في وادي الرقاد ومنطقة درعا،وكنت هناك بحكم أن مواقع فتح كانت هي المنتشرة بشكل كثيف في تلك المنطقة وصولا الى أحراش السويداء تلك العاصمة الدرزية التي انطلق منها المناضل الدرزي الكبير سلطان باشا الأطرش في ثورته ضد الفرنسيين في عام 1925 وكان ممدوح نوفل هو المسؤول العسكري لقوات الجبهة الديمقراطية ثم أصبح قائدها العام، ثم تواصلت معرفتنا في دروب الثورة الممتدة، وفي مواقعها المتعددة، وفي منافيها البعيدة الى أن عدنا الى أرض الوطن تحت جناح اتفاق أوسلو الذي لم تقدر كامل مزاياه الى أن فقدناه!!
ممدوح نوفل، من حركة القوميين العرب، الى الجبهة الشعبية الى الديمقراطية، الى حركة فدا، مثل الآلاف من أبناء جيله في اتجاهاتهم المتعددة، ماذا كانت الفكرة الملهمة؟؟ وماذا كان الحافز المتجدد؟؟
والإجابة واضحة: لأننا هذه الأيام نكاد نعيش عكسها تماما، وصورتها المقلوبة، لقد كانت الفكرة المهمة أن الفلسطينيين يريدون وطنا لأن المنافي لا تصلح أن تكون وطنا!! والفلسطينيون يريدون كيانا لأن الشعارات لا تصلح أن تكون كيانا، والفلسطينيون يريدون قيامة من موتهم ولا يريدون أن يكونوا رمادا مقدسا يتبارك به العاجزون لسد عجزهم أو الطامعون لشرعنة أطماعهم!! وكان زعيم ذلك الجيل ياسر عرفات يردد دون وجل في كل المحافل الدولية ” أننا في نضالنا لسنا جمعية خيرية توزع دماء بالمجان، بل نحن لنا أهداف وطنية نريدها أن تتحقق” وهكذا انخرط ذلك الجيل في البحث المضني، والتقصي المتواصل، والمحاولة دون كلل أو ملل بحثا عن المصلحة الوطنية الفلسطينية، أينما كانت تذهب إليها، وأينما إرادتنا أن تكون فإننا نتكيف لكي نكون، فدائيين أو مفاوضين، انتحاريين أو مسالمين، نغوص في بحيرات الوحل دون خوف لأن نجمتنا تهدينا، ونجمتنا التي لا تغيب هي قيامة فلسطين من الموت وحضور فلسطين من الغياب.
جيل ممدوح نوفل: لم يكن من الملائكة، لأن الملائكة لا يستطيعون أن يحملوا أعياد هذه القضية، ولم يكن جيلا معصوما لأن العصمة والكفاح المرير لا يلتقيان أبدأ، بل كان جيلا كثير الأخطاء، ولكنها كانت أخطاء يتم الاعتراف بها، قابلة للحوار بصوت مسموع، وبالتالي فإنها كانت أخطاء يتم تجاوزها وإصلاحها على الطريق.
رحيل ممدوح نوفل: أثار في وجداني هذه التداعيات ولذلك أقول أن رحيله ورحيل أمثاله ـ رغم أنه سنة الله الخالدة ـ يشكل خسارة كبيرة لنا، لأن فرسان هذا الجيل يرحلون بينما الأسئلة الصعبة تظل بلا إجابات.
ممدوح نوفل.. سلاما..
فماذا يريد أي إنسان أكثر من أنه ظل وفيا لفكرته الملهمة حتى لحظة الرحيل، فلك السلام