وداعا ممدوح نوفل
بقلم ريما كتانة نزال في 24/07/2006
حزمت ورحلت، لم تعطك الحقيقة الوقت لإنهاء ما بيدك، أو انها اختصرت مسافة الألم على الأحبة، أغمضت عيناك في نصف إغفاءة، فأنت غير مقتنع بالموت الذي فاجأك؛ ولا زلت متشبثا بالحياة على الرغم من الانسحاب الظاهري الذي أبديته في حزيران الماضي.
في حينها لم أشأ أن اتعب قلبك ولم أقوى أصلا على مشاكستك فقد بدوت ممدوحا آخر، تمردت بصمت مجلجل على معاملة القدر؛ ولم تشأ مناقشته بالظلم الذي وقع، لكتك جادلته بأسلوب آخر في مصيرك الذي اختاره لك، فأدرت ظهرك بهدوء لممدوح العنيد المناكف؛ وأخرجت عنيدا آخر لا يجادل بالحياة أو الموت بعد أن أصبحا سيان، لم تعد المقاومة كطبع نمطي يميزك، ولكنك بقيت شجاعا باستسلامك لإرادة القدر ممزوجة بلا مبالاة واضحة بخياراته، أو ربما أردت ان ترد له الصاع باثنين، بأن لا تقاومه أصلا ولا تكترث أصلا به؛ لتشعره بأنه لم يجرك الى ميدان لا تريد الصراع على جبهته، ولا تتقن فنونه وصبره، فهو لم يخلق لحبك غير المشروط للحياة.
لم يهن عليك أن تقر بالمرض، لأنك لا تستطيع الإقرار بضعفك، فأبت نفسك القوية أن تعترف بهزالها، وعندما تحدثت تحت الحاحي عن الداء؛ استخدمت ضمير الغائب لتقديم الجسد المنهك بالمرض وتداعياته، عرضت الوضع بموضوعية وكأنك تتحدث عن الصراع بين قوى الخير والشر، أفردت الحالة كفكرة؛ أوكأنها بحث علمي تقيمه بتجرد ولا علاقة لك به، أما ممدوح الذي أعرفه فغاب وراء غلالة من التعالي والكبرياء، في حالة قرار ذاتي لا تريد لأحد ان يشاركك به أو يأخذه عنك.
بعيدا عن الموت أحب أن اتذكرك.. وعلى وجه الخصوص رأيك بي لحظة سألك صديقنا الراحل عنه يوم قدمني اليك..” تبدو كطفلة حالمة..ابحث عن غيرها”.. “مواصفات جيدة لزوجة المستقبل” أجابك “خالد” مدعيا الشخصية الذكورية.. فصادقت على رأيه ضاحكا بعبثك المعهود.. يوم ودعتك مؤخرا ذكرتك بجملتك تلك عاتبة ومحاسبة بأثر رجعي، وبأني وإن ودع عمري طفولته دون مشورتي، فقد أبقيت على بعض الأحلام الواقعية، وكنت أدعي الفهلوة لاستفزاز ممدوح القديم وجرك الى مساحة أمسك بناصيتها، لأصل الى هدفي المكشوف والنقاش بمفاهيم تبدل الانماط السلوكية للبشر، وعن معاني القوة والضعف، فأومأت برأسك موافقا ومختصرا مع اشراقة حزن في عيونك الذابلة اسقطت بعضا من قناع الكبرياء، “المهم أن لا تكون أحلامنا كلها كوابيس”، وأنهيت النقاش في مساحتي؛ وجررتني الى حوار كنت به الأقوى.
* كاتبة وناشطة نسائية تقيم في مدينة نابلس.