مدلولات التصعيد العسكري الاسرائيلي واهدافه / نشرة فدا
بقلم ممدوح نوفل في 26/11/2000
شهدت المصادمات الفلسطينية الاسرائيلية، في الاسبوع الثامن من الانتفاضة تصعيدا عسكريا اسرائيليا مبرمجا في جميع محافظات الوطن، بلغ ذروته يوم20/11/200 عندما قصف الجيش الاسرائيلي جوا وبرا وبحرا عددا كبيرا من البيوت السكنية ومراكز السلطة الفلسطينية ومقرات اجهزة الامن الفلسطينية في قطاع غزة، واغتال خمسة مناضلين فلسطينيين. قابله ارتفاع عدد الاصابات القاتلة والمتوسطة في صفوف الجيش الاسرائيلي والمستوطنين، وطغت الاعمال العسكرية للطرفين على ما عداها من تحركات جماهيرية وحزبية وسياسية، ويبدو ان هذا النمط من الاعمال مرشح للتصاعد في الأسابيع القادمة.
ويعتقد باراك واركانه ان نقل الصراع خطوة جديدة نحو ذروته، وابراز الاعمال الحربية وتوسيع رقعتها يساعدهم في تضليل الرأي العام العالمي، واسقاط تهمة الافراط في استخدام القوة ضد الأطفال والشيوخ والنساء، ويخفف من الحملة التي تتعرض لها إسرائيل على الصعيدين الإقليمي والدولي. ويبرر لباراك عدم التزامه بالاتفاقات التي وقعتها إسرائيل مع السلطة الفلسطينية، وتسهل عليه تصفية حسابه مع اتفاق أوسلو الذي لم يؤمن يوميا به وبما لحقه من اتفاقات مرحلية أخرى. وان اتهام أجهزة الأمن الفلسطينية بالوقوف خلف العمليات العسكرية التي نفذت مؤخرا يسرع في استدراج هذه الأجهزة إلى ميدان القتال وتصدر المواجهات اليومية، وتحويل الانتفاضة الى اشتباكات عسكرية بين جيشين، يحقق فيها جيشه المتفوق، بالعدد والمعدات، نصرا مضمونا، يوقف الانتفاضة. وان قصف المناطق بقوة، وضرب المتظاهرين بنيران غزيرة من الرشاشات الثقيلة، واعدام بعض كوادر الانتفاضة، ورفع نسبة الخسائر في صفوف المدنيين، يرعب الشعب الفلسطيني ويربك نشطاء الانتفاضة ويضعف حركتها النضالية. وان محاصرة السلطة الفلسطينية اقتصاديا، وشن حرب نفسية ضدها وتهديد قادتها وشل حركتهم، وضرب منشآتها المدنية ومرتكزاتها الأمنية والعسكرية، يرغم القيادة الفلسطينية على قبول ما لم تقبل به بالتي هي أحسن، والإسراع نحو التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار، مع القيادة الإسرائيلية مباشرة، والتراجع عن طلب قوات حماية ومراقبين دوليين تفصل بين الطرفين، وتوفر الحد الأدنى من الحماية للمدنيين. والواضح انه يعمل على استغلال تفجير العبوة التي استهدفت باص المستوطنين في قطاع غزة، وعملية التفجير التي تمت في وسط مدينة الخضيرة، في قطع الطريق على الجهود الدولية المبذولة لاستصدار قرار من مجلس الامن الدولي بتشكيل هذه القوات.
ولا يمكن لاي مراقب محايد، عزل هذا التصعيد العسكري الإسرائيلي وتوقيته عن الصراع الداخلي الذي يخوضة باراك من اجل ضمان مستقبله السياسي، والبقاء في ديوان رئاسة الوزراء أطول فترة زمنية ممكنة. ويعتقد باراك ومستشاروه السياسيون ان استخدامه الطائرات والدبابات، يموة على مبالغته في الحديث عن الأخطار الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل، ويبرر استدعاء الاحتياط، ويقنع الإسرائيليين بانهم يعيشون حالة طوارئ لا يجوز الحديث خلالها عن حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وتتطلب رص الصفوف وتحمل الخسائر البشرية والاقتصادية. ويظن ان الافراط في استخدام القوة ضد الفلسطينيين سلطة وشعب، يساعده في مد جسور جديدة، على جثث الفلسطينيين، للعلاقة مع الأحزاب الدينية المتزمتة، ومع حزب ليكود بزعامة شارون، والوصول معهم الى اتفاق على تشكيل حكومة طوارئ تطيل عمره السياسي وتمد في عمر حكومته، ويتجنب الذهاب الى انتخابات مبكرة يعرف انه سيخسرها حتما، ويخسر بعدها مستقبله كزعيم سياسي كبير.
وايا تكن أهداف باراك من تصعيد أعماله الحربية في الأسبوع الأخير، يفترض ان لا يكون جدال على كل المستويات الفلسطينية والإسرائيلية، بان صيغة التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي التي بنت عليها إسرائيل استراتيجيتها، بعد دخول الشرطة الفلسطينية الى غزة والضفة، في محاربة “الارهاب”، وصيانة امن المدنيين الاسرائيليين في “المناطق” وضمنهم المستوطنين، قد انتهت، ودفنت مع جثث الشهداء. واشك في ان المؤسسة الامنية الاسرائيلية تفكر باحياء الاموات او لديها قدرة على ذلك، وستضطر بعد هذا التطور السلبي في علاقتها بالمؤسسة الامنية الفلسطينية الى اعادة النظر في خططها وبرامجها الامنية المتعلقة بمكافحة الارهاب وحماية المستوطنيين.
الى ذلك، يسجل لباراك ممثل اليسار انه تفوق على نتنياهو زعيم اليمين مرتين الاولى عندما سمح لشارون بزيارة الحرم القدسي الشريف والثانية عندما استخدم الطائرات والدبابات في قصف المدن الفلسطينية وضرب مؤسسات السلطة الفلسطينية. واعتقد ان صمت حمائم حزب العمل وبقية زعماء واحزاب وتجمعات اليسار الاسرائيلي يعكس تكوين هذا اليسار ومدى تأثير الفكر الصهيوني في مواقفه، وتحديد نشاطاته وتوجهاته الانسانية. واستمرار هذا الصمت المريب، يطلق العنان في الفترة القادمة لقوى اليمين والمتطرفين في المجتمع الاسرائيلي وداخل المؤسسة العسكرية للامعان في قتل الفلسطينيين ووأد عملية السلام وتعميق الحقد والكراهية بين الشعبين.