الانتخابات الاسرائيلية انعشت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيية
بقلم ممدوح نوفل في 16/06/1999
ازاحت الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة الستار عن الانقسامات الحادة التي تنخر المجتمع الاسرائيلي. وظهر كمجتمع فسيفسائي مركب من مجموعات عرقية ودينية وطائفية غير متجانسة لم تتخلى عن انتمائها السابق. فيه تنظيمات صغيرة كثيرة، صعد دورها على حساب الاحزاب الكبيرة، من خلال تعبيرها عن مصالح اقتصادية واجتماعية محددة لفئات ضيقة. ولا يوجد في اسرائيل الان حزب يمكن ان نطلق عليه حزب الاغلبية. ولم يعد بمقدور الحزبين الكبيرين “الليكود والعمل” معا تشكيل حكومة حكومة وحدة وطنية تحظى باغلبية في الكنيست دون الاستعانة بالاحزاب الصغيرة. وباتت توجهات حكومة باراك السياسية والاقتصادية والاجتماعية اسيرة لطبيعة التحالف الذي بنيت عليه.
وبصرف النظر عن اثر نتائج الانتخابات وتفاعلاتها اللاحقة على المجتمع الاسرائيلي وعلاقة قواه السياسية والاجتماعية بعضها ببعض، فاثرها على المسار الفلسطيني قبل فتج صناديق الانتخابات يختلف كليا عنه بعدها؛ قبل فتح صناديق الاقتراع هرب نتنياهو من تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق “واي ريفر”، وبدد وقتا طويلا وثمينا من حياة عملية السلام على مسارها الفلسطيني. وأدخل المفاوضات حالة جمود قاتلة، وفرض على المفاوضين الفلسطينيين إجازة قسرية زادت مدتها عن 6 أشهر. وخلقت ظروف دولية واقليمية فرضت على المجلس المركزي لمنظمة التحرير تاجيل اعلان قيام الدولة، وتاجيل تحديد موقف من انتهاء المرحلة الانتقالية وانتهاء مفاوضات الحل النهائي قبل ان تبدأ. وبعد ظهور نتائجها والاعلان عن انتقال السلطة من الليكود للعمل وفوز قوى اليسار والوسط بأغلبية مقاعد الكنيست، عادة الروح لها على مساراتها الثلاث الفلسطيني والسوري واللبناني، وانتعش أمل اهلها بتحقيق تقدم ملموس خلال فترة قصيرة. وخلقت ظروفا محلية واقليمية ودولية مواتية لاعادة قطار السلام على سكته الاصلية. وزادت قدرة الراعي الامريكي على التأثير في حركته. والقيام بدوره بقدر من الاحراج أقل بكثير من الذي واجهه في عهد حكومة نتياهو.
فهل نتائج الانتخابات ستمكن الاسرائيليين الفلسطينيين من حل نزاعهم التاريخي وصنع سلام عادل ودائم؟ وهل سيكون باراك قائدا سياسيا فذا صانعا للتاريخ، ام سيبقى عسكري يتقن الهجوم بالدبابات ويجيد قيادة العمليات الخاصة برا وبحرا وجوا ؟ قاده تاريخه الامني العسكري، وتخبط نتنياهو ونفور اغلبية الاسرائيليين منه وتفكك الليكود..الخ الى رئاسة الوزراء، وسيتردد في شن هجوم حاسم لصنع السلام الحقيقي بين الشعبين. أسئلة كبيرة كثيرة تنتظر القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية، لايمكنهما التهرب طويلا من الاجابة عليها، فالشارعين الفلسطيني والاسرائيلي يلحان على الجواب، وكل الدول المعنية بصنع السلام في المنطقة تنتظره. وسيصطدمان بها في اول لقاء يجمعهما، سواء كان ثنائيا او ثلاثيا بحضور الرئيس كلينتون، او خماسيا بحضور الرئيس مبارك والملك عبد الله.
واي تكن العوامل التي دفعت الناخب الاسرائيلي لاحداث التغيير فتبدل نظام الحكم في اسرائيل يشير ضمن امور كثيرة الى عودة أغلبية المجتمع الاسرائيلي للتعاطي بواقعية مع قضايا الصراع العربي الاسرائيلي، والتكيف مع الوضع الدولي الجديد. والقول ان باراك صقر متنكر في ريش حمامة، او ليكودي في لباس حزب العمل، والفروق بين الليكود والعمل بسيطة وشكلية وغير جوهرية في القضايا الاساسية..الخ يمكن فهمه فقط اذا أدرج في خانة ممارسة الضغوط السياسية، والتفاوض عبر وسائل الاعلام، أو في اطار الرد على بعض المواقف المتطرفة التي ظهرت ابان الحملة الانتخابية. لكنه يصبح غير مستوعب وضار ومربك للموقف الفلسطيني والعربي ويفقد صنّاع القرار القدرة على استغلال الظروف الملائمة واشتقاق توجهات صحيحة ووضع خطط تفاوضية منتجة اذا عكس الامور الثلاثة التالية او واحدا منها: النظر لنتائج الانتخابات الاسرائيلية من زاوية ضيقة تطل فقط على الفروقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ظهرت في مواقف الاحزاب ابان الحملة الانتخابية وبخاصة برامج الحزبين الكبيرين. فمثل هذه النظرة تقود للتعاطي مع الوضع الجديد وآفاقه المستقبلية من زواياه الشخصية والحزبية والمحلية الاسرائيلية الضيقة. ولا تبين دور تواصل عملية السلام وما انبثق عنها من اتفاقات وعلاقات سلام، خلال ما يقارب 8 سنوات، في التغيير الذي حصل في اسرائيل. والثاني، قراءة خاطئة لأثر التطورات الدولية والاقليمية على حركة المجتمع الاسرائيلي وسياسة حكوماته، فمثل هذه القراءة تسقط تأثير العوامل الخارجية في المرتكزات الفكرية والتنظيمية والاجتماعية للنظام السياسي في اسرائيل. وتغفل دور تصادم نتياهو مع التوجهات الامريكية ومقاومته “الباسلة” لرياح التغيير التي هبت على المنطقة وظهور نظام القطب الواحد بعد انتهاء الحرب الباردة، وتأثيرها على خيارات الناخب الاسرائيلي. وتسقط مفعول العلاقة الحميمة بين حزب العمل والادارة الامريكية وقدرة الاخيرة على التاثير في السياسة الاسرائيلية في عهد حكومة باراك. والامر الثالث، الارتباك والتردد عند المنعطف الحاسم، والهروب في اللحظة الحرجة من مواجهة استحقاقات المرحلة الجددية التي دخلتها المفاوضات والعلاقات العربية ـ الاسرائيلية بعد تشكيل الحكومه الاسرائيلية وزيارة رئيسها باراك لواشنطن.
ولا مجازفة في القول ان الاستعداد العالي الذي يبديه باراك للتكيف مع السياسة الامريكية والانسجام مع الوضع الدولي والتعامل بواقعية أكبر مع مقتضياته كاملة على المسارين السوري واللبناني، وجزئية على المسار الفلسطيني مع التشديد على جزئية، سيقود لخلق حقائق جديدة في المنطقة، قادرة، مع الزمن، بديناميكيتها وميكانزمها الذاتي تعميق الواقعية في الفكر السياسي الاسرائيلي اكثر فاكثر، ودفع القناعات الايديولوجية التوسعية والمعتقدات الغيبية المثالية تدريجيا للوراء، تاركة لمن يشاء حق الاحتفاظ بها في اعماق الضمير. وخلق حقائق سلام جديدة على الارض تربك توجهات اليمين الاسرائيلي اذا عاد الى سلطة بعد اربع سنوات. واذا كان سقوط نتياهو المدوي من رئاسة الوزراء وانسحابه بسرعة من الحياة السياسية، وخسارة الليكود واليمين القومي عددا كبيرا من مقاعد الكنيست، مكسبان هامان لصنع السلام في المنطقة وبناء علاقات فلسطينية عربية ـ اسرائيلية افضل، فمسيرة المفاوضات على المسار الفلسطيني والاتفاقات التي انبثقت عنها اسهمت في تحقيقهما.
الى ذلك سيولي براك مسالة الامن اهمية استثنائية طيلة عهده، وتفوقه على نتنياهو بفارق كبير من الاصوات كان بمثابة تفويض شعبي قوي للامن قبل السلام. وعلى المفاوض الفلسطيني ان يضع في اعتباره ان حكومة باراك ستعمل في سنوات حكمها على تكريس الفصل بين الشعبين وفق مفهومها التوسعي القائم على تعديل الحدود، وضمن استراتيجية أمنية بعيدة المدى. تصون هوية اسرائيل كدولة يهودية، وتغلق الطريق امام امكانية تحولها الى دولة ثنائية القومية. وستسعى لتحسين صورة الموقف الاسرائيلي الذي شوهه نتنياهو، عبر رفع مستوى التنسيق الثنائي المسبق مع الادارة الامريكية، والتشاور مع الدول الاوروبية. ولن يجد باراك صعوبة كبيرة في تمييز مواقفه من السلام عن سلفه نتنياهو. ويكفي استئناف المفاوضات مع السوريين وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع الفلسطينيين ليسجل لنفسه هذا التمايز، ويمتص الضغوط الامريكية والاوروبية التي تعرضت لها اسرائيل ابان حكم الليكود. وسلفا يمكن القول انه غير مستعد لتقديم تنازلات جوهرية على الجبهات الثلاث الفلسطينية والسورية واللبنانية دفعة واحدة وفي وقت واحد. باعتبار ذلك، من وجهة نظره، خطرا على أمن وسلامة اسرائيل، ويفوق قدرة المجتمع الاسرائيلي المنقسم على نفسه على التحمل، ويفجر التناقضات الايدلوجية والصراعات الحزبية الكثيرة التي طفت على السطح بعد الانتخابات. فالاتفاقات المتوقعة مهما كانت مجحفة بالحقوق العربية ستتضمن اجراءات وخطوات اسرائيلية ملموسة اعتبرها البعض لفترة طويلة تنازلات خطيرة.
أولوية باراك للمسارين السوري واللبناني
الى ذلك أكد باراك في كل الاتصالات الدولية والعربية والفلسطينية التي تمت بعد الانتخابات بشأن التفاوض مع الفلسطينيين على ان حديثه عن الانسحاب من جنوب لبنان خلال عام لا يعني اهمال المسار الفلسطيني، وبأنه سيباشر تنفيذ بقايا اتفاق “واي ريفر” في وقت قريب. وسيعطي الاولوية للتعليم وخلق فرص عمل جديدة للعاطلين عن العمل وليس للاستيطان، وسيتعامل مع المستوطنين كما تعامل معهم رابين. واكد رغبته بناء مفاوضات جدية متواصلة حول قضايا الحل النهائي، والتوصل الى اتفاق حولها خلال وقت قصير، اذا ليّن الفلسطينيون مواقفهم. اعتقد انه جاد، بحدود، في ما قاله بشأن تنفيذ واي ريفر، خاصة وان اصرار القيادة الفلسطينية على تنفيذه يلقى تفهما امريكيا ودعما اوروبيا قويا. لكن حديثه عن اعطاء اولوية للمسار الفلسطيني ولمفاوضات الحل النهائي يفتقر الدقة والصدق حتى لو كرره مرات عديدة. فباراك خاض معركته الانتخابية تحت شعار “اسرائيل واحدة ودولة الجميع، وايهود براك رجل الامن والسلام”، وشعاره لم يكن مجرد دعاية مؤقته. والتزم أمام ناخبيه ومنافسيه بموقفين أسياسيين عمليين ؛ الاول اجراء استفتاء شعبي حول اي اتفاق يتم يتوصل له بشأن قضايا الحل النهائي مع الفلسطينيين، ولم يحدد تاريخ انتهاء المفاوضات حولها، علما انه انتهى في 4 أيار الماضي. والثاني، سحب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان خلال فترة اقصاها عام. ووضع ترتيبات أمنية تضمن عدم تعرض مواقعه العسكرية وقراه ومدنه الشمالية لهجمات عسكرية، وتفك ارتباطه بقوات انطوان لحد وتعفيه تحمل مسئولية مصيرها.
ويعرف باراك ان الوفاء بالتزامه الثاني يستوجب استئناف المفاوضات مع السوريين حول الانسحاب من حيث توقفت في عهد رابين وبيريز، والتوصل الى اتفاق معهم حول الانسحاب من الجولان قبل تسوية الوضع في جنوب لبنان. فالمساران السوري واللبناني اصبحا توأمان مترابطان في المصالح ومتلازمان في الحركة على طريق الحرب والسلام، ولا مصلحة لبنانية في فك ترابطهما. ومصالح سوريا العليا تدفع قيادتها لتأخير اي اتفاق لبناني اسرائيلي لحين الاتفاق، كحد ادنى، على الخطوط العريضة “لاعلان مبادئ” لحل مشكلة الجولان، وعلاقاتها باللبنانيين حكومة وبرلمان وقوى سياسية تؤمن لها ذلك. واظن ان ايعاز قيادة الجيش الاسرائيلي مؤخرا لعميلها انطوان لحد سحب قواته من جزين، ليست سوى محاولة احياء فكرة “جزين أولا” التي طرحت خلال رئاسة باراك لهيئة الأركان. واشارة سلام عملية ملموسة مقدمة بموافقة باراك وعلم الادارة الامريكية، من القيادة الاسرائيلية لسوريا ولبنان وحزب الله، هدفها تأكيد اولوية المسار اللبناني، ويتضمن محاولة رسم نموذج أولي للوضع المستقبلي في جنوبه بعد الانسحاب. ومحاولة دق اسفين بين حزب الله والحكومة اللبنانية والسوريين، واختبار لسلوكه ومدى قدرة السلطة اللبنانية الرسمية السيطرة على المناطق التي يتم الانسحاب منها، ومدى نجاحها في تحمل مسئولية حفظ الامن العام فيها، ومنع المقاومة الوطنية اللبنانية من استخدامها قواعد لانطلاق عملياتهم القتالية ضد اسرائيل.
ويدرك باراك أكثر من غيره ان الظروف الدولية والاقليمية مهيئة لانطلاقة تفاوضية جديدة قوية على المسارين السوري واللبناني. وان الشروع في المفاوضات مع السوريين من النقطة التي توقفت عندها في عهد بيريز عام 1996، والتي يعرفها جيدا بحكم مشاركته فيها، يمكّنه من تحقيق هذا الهدف والوفاء بالتزامه الذي قطعه على نفسه امام ناخبيه. وسيجد في قيادة حزب العمل من يدعم موقفه بقوة وبخاصة من صاروا مقتنعين ان السلام والتطبيع مع العرب يمران عبر طريق حيفا ـ دمشق وليس عبر مسار التفاوض مع الفلسطينيين. الى ذلك تلقى توجهات باراك لاعطاء اولوية للمسارين السوري واللبناني ترحيبا حارا من الادارة الامريكية، ومجموعة الدول الاوروبية، فهو يلبي، في هذه الفترة، متطلبات توافق سياسة حزب العمل مع مصالحها في المنطقة، وضمنها تواصل عملية السلام واستقرار اوضاع المنطقة، وانفتاح الدول العربية على اسرائيل وتشكيل سوق اقتصادية واحدة. ووزير الخارجية “اولبرايت” قالت مؤخرا امام جماعة يهودية امريكية “بعد الانتخابات الاسرائيلية سنحض الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، على تنفيذ الالتزامات المستحقة من اتفاق واي ريفر”. وأضافت “وسنكون مستعدين لبذل جهود جديدة لاستئناف المفاوضات وتحقيق تقدم جوهري على المسارين السوري واللبناني”. ويعتقد اركان الادارة الامريكية ان الظروف سانحة للتوصل الى اتفاقات على هذين المسارين، غير متوفرة على المسار الفلسطيني، قبل رحيل الرئيس كلينتون من البيت الابيض واجراء الانتخابات الامريكية اواخر العام القادم، وانه سيكون، اذا تم، بمثابة اختراق نوعي يحققه الرئيس كلينتون على طريق صنع السلام في المنطقة شبيه بالاختراق الاستراتيجي الذي حققه الرئيس الامريكي كارتر في كامب ديفيد في عهد بيغن.
لا شك في حق القيادة السورية وواجبها العمل باسرع وقت لتحرير ارضها وتوقيع الاتفاقات التي تمكنها تحقيق هذا الهدف القومي الكبير، تماما كما مارست القيادة الفلسطينية حقهما في توقيع اوسلو وما تلاه من اتفاقات. وبديهي القول ان الاتفاق لن يتم دون اتفاق السوريين واللبنانيين على تواجد دولي او امريكي على الارض، ودون توفير الضمانات السياسية والقانونية الدولية التي تطلبها اسرائيل، وانهاء حالة الحرب القائمة بين الطرفين، وتطبيع العلاقات التجارية والسياحية والثقافية وتبادل السفراء في اطار معاهدة سلام دائم. وسيطالب الجانب الاسرائيلي قبل او بعد توقيعه بتفعيل مفاوضات المتعددة الاطراف وبعث الحياة في المؤتمر الاقتصادي الشرق اوسطي ومشاركة سوريا فيهما. واي تكن تفاصيل الترتيبات الامنية الواسعة التي ستطالب بها حكومة باراك وبخاصة في قمم جبل الشيخ الاستراتيجية، والسفوح الغربية للهضبة المسيطرة على منطقة الحولة وطبريا والاغوار الشمالية، فالاتفاق حول الجولان سيعيد حتما كامل الهضبة للسيادة السورية تماما كما عادت سيناء للمصريين قبل اكثر من 20 سنة. ويحرر الاقتصاد والشعب السوري من النفقات الباهظة والاجراءات الامنية الاستثنائية التي فرضتها، لسنين طويلة، متطلبات حالة الحرب مع اسرائيل، ويفتح آفاقا رحبة لتعزيز الديمقراطية في الحياة السياسية السورية. ويحرر مساحة هامة من الارض الفلسطينية، “قطاع الحمة” بقييت تحت السيطرة السورية عام 1948 وحتى حرب حزيران عام 1967. واذا كان الرئيس السوري الاسبق “امين الحافظ” عرض اوائل الستينات على الفلسطينيين استلام تلك المنطقة واقامة نواة دولة فلسطينية عليها، فلن يتعذر على القيادتين السورية والفلسطينية وجامعة الدول العربية الاتفاق على اعادتها لاصحابها وتمكين آلاف اللاجئين الفلسطينيين من الاقامة فيها وتحقيق حلمهم بالعودة.
وبصرف النظر عن راي القوى العربية الرسمية والشعبية المعارضة لعملية فالاتفاق السوري الاسرائيلي القادم يرسي اسسا اضافية نوعية لصنع سلام حقيقي شامل وعادل في المنطقة، وبناء علاقات سلمية نامية بين شعوبها. ويعزز مواقع المعتدلين وقوى السلام في اسرائيل على حساب القوى اليمينية المتطرفة. ويجعل السلام نهجا راسخا لا رجعة عنه لسنوات طويلة. ويصلب عود الاتفاق الاردني الاسرائيلي الطري، ويزيد من قدرة القيادة المصرية والاردنية على الحركة ولعب دور فاعل في بناء علاقات عربية ـ اسرائيلية سليمة تضمن مصالح الجميع. وتسهل عليهما القيام بدور مساند للفلسطينيين في مفاوضات قضايا الحل النهائي ” القدس المياه والحدود واللاجئين والامن”، خاصة وان بعضها مشترك، وحزب العمل لا يعارض ،كما ليكود، قيامهما بدور مساعد في المفاوضات. ولا يمكن تصور توصل الفلسطينيين الى اتفاقات حول هذه القضايا دون تنسيق مسبق مع الاردن ومصر ولبنان.
تنفيذ قضايا المرحلة الانتقالية يعزز الموقف الفلسطيني
أما بشان المفاوضات مع الفلسطينيين حول قضايا المرحلة الانتقالية المؤجلة فالواضح انها ستركز على تنفيذ بقايا اتفاق “واي ريفر، وبقية قضايا المرحلة الانتقالية التي التزم بها نتنياهو ولم ينفذها. وتنفيذها يعزز صدقيته داخليا وخارجيا، وينسجم مع التوجهات الامريكية. ويمتص اي ضغوط دولية واقليمية محتملة على اسرائيل لتحقيق تقدم سريع ملموس في مفاوضات الحل النهائي، وينقل معظمها على الطرف الفلسطيني. ولن يجد معارضة داخلية قوية قبل او بعد التنفيذ، فنتائج الانتخابات وفوزه الساحق على باراك وعودة حزبه بقوة للسلطة متحررا من ابتزاز الاحزاب اليمينية الدينية والعلمانية الصغيرة والكبيرة تسهل عليه امر التنفيذ. خاصة وان حكومة نتياهو وافقت عليها، وبعضها مضى عليه سنوات، والمعارضة مشتتة.
الى ذلك سيحاول باراك المساومة عليها، وتراوده احلام دمجها كلها وبالحد دمج الادنى المرحلة الثالثة من الانسحاب بمفاوضات قضايا الحل النهائي. وسيطالب قبل التنفيذ بالتزامات فلسطينية جديدة، بعضها يتعلق بمحاربة الارهاب وأمن المستوطنين والمستوطنات، واخرى لها علاقة بمفاوضات الحل النهائي وتأجيل اعلان الدولة لحين الاتفاق على عاصمتها وحدودها وامنها ومياهها وحركة الدخول منها واليها. وسيعمل على برمجة تنفيذها في جرعات صغيرة، ووفق اجندة معقدة وجدول زمني طويل يحتفظ بهما لنفسه وليس وفق امنيات الفلسطينيين. وسيلمس المفاوض الفلسطيني تشددا اسرائيليا بشأن الامن والانسحاب من الارض لا يقل عن تشدد نتياهو. لاسيما ان الانسحابات الجديدة ستؤثر على وضع بضع مستوطنات، وبراك تحفظ على اتفاق اوسلو فور الاعلان عنه، وحشد موقف ضباط الاركان خلفه، وفرضوا عدم قدسية التواريخ الواردة فيه. وهو صاحب فكرة تقسيم الارض الفلسطينية الى مناطق A B C ومرحلة الانسحاب منها على فترات متباعدة. وكان على راس دعاة الاتفاق اولا على الخرائط النهائية للضفة والقطاع قبل وضع خطط الانسحاب المرحلية.
الى ذلك اذا كان لباراك مفهومه حول تنفيذ قضايا المرحلة الانتقالية ويرغب في دمج بعضها بمفاوضات الحل النهائي او فتح مسار مستقل لها يستعمله للماطلة فمن حق الجانب الفلسطيني ربط الدخول في مفاوضات الحل النهائي بثلاثة مسائل رئيسية: الاولى تحديد تاريخ واضح وجدول زمني محدد “يوم وساعة” لاغلاق ملف قضايا المرحلة الانتقالية كاملة اغلاقا تماما، وضمنها المرحلة الثالثة من الانسحاب التي نص عليها اتفاق اوسلو. والتمسك بموقف يقوم على رفض الدخول في مفاوضات حول قضايا الحل النهائي قبل تنفيذ هذه القضايا المؤجلة من المرحلة الانتقالية، او بالحد الادنى وضع جدول زمني محدد لتنفيذها. خاصة وان الفترة الزمنية المحددة لانتهاء المرحلة الانتقالية، ولمفاوضات الحل النهائي انتهت. والثانية الحصول على قرار اسرائيلي رسمي ملزم بوقف كل الاعمال الاستيطانية وقفا نهائيا وشاملا وتشكيل لجنة مراقبة امريكية او مشتركة لمراقبة الوضع على الارض. والاصرار على ازالة كل البؤر والمواقع الاستيطانية التي اقيمت بعد اتفاق واي ريفر. والثالثة، تحديد سقف زمني لنهاية المفاوضات حول قضايا الحل النهائي. وهذه المسائل الوطنية الكبرى تستحق الدخول في اشتباكات تفاوضية قوية مع حكومة براك وتحويلها لامتحان حقيقي لمواقف اليسار الاسرائيلي والجناح المعتدل في حزب العمل خاصة ان اتفاقات الطرفين تتضمنها بنصوص واضحة، وتعهدات الراعي الامريكي ضمنتها كاملة.
لا شك في ان تنفيذ قضايا المرحلة الانتقالية يدفع بعملية السلام خطوات كبيرة الى الامام، ويعيد لها بعض مصداقيتها التي فقدتها خلال عهد الليكود. وتمكّن الفلسطينيين من تحقيق انجازات اضافية وعلى طريق انتزاع المزيد من حقوقهم الوطنية ومراكمتها فوق ما انتزع سابقا، تساعدهم في تصليب اوضاعهم فوق أرضهم، وتقربهم من اهدافهم في التحرير وإقامة الدولة. ويحسن موقفهم على الصعيدين العربي والدولي ومع الاسرائيليين. ويقوي أوراقهم في مفاوضات الحل النهائي اللاحقة. فتنفيذ بقايا اتفاق واي ريفر، يوفر نسحاب الجيش الاسرائيلي من 10% من الأرض، ونقل 14% من B الى A يعني دحر جزئي للاحتلال وتحرير أجزاء اضافية من الارض يرفع نسبتها الاجمالية الى 44%. وتحرير أعداد اضافية من السكان “نصف مليون تقريبا” يرفع نسبتهم الى ما يزيد على 95%. وينقل أوضاعهم الى حالة وحياة أفضل لا يمكن اطلاقا مقارنتها بأوضاعهم وحياتهم القائمة. ناهيك عن القيمة المعنوية الكبيرة لتحرير قرابة 600 معتقلا من السجون الاسرائيلية. وغني القول أن استكمال بناء الميناء وتشغيل مطار دون منغصات، وفتح الممرين الامنين بين الضفة والقطاع وضمان استمرارهما مفتوحين يساعد على توحيد اقتصاد السوق الفلسطيني. وينهي الكثير من عذابات المواطنيين الفلسطينيين من التنقل والاعتقال على المعابر والطرقات، ويمكنهم قطف بعض ثمارعملية السلام التي حرموا من تذوقها. ويقود الى فقدان الجانب الاسرائيلي عددا من اوراق الابتزاز والضغط الامني والاقتصادي والاجتماعي التي يستخدمها ضد الفلسطينيين سلطة وشعب. ويحسن موقع السلطة في صفوف قطاع واسع من الفلسطينيين وبخاصة الغزيين المحرومين من الوصول للضفة الغربية للقاء باهلهم والدراسة والعلاج. وقد يخلص القيادة الفلسطينية من تهمة القفز عن حرية حركة المواطنيين مقابل أقل من 400 بطاق V I P. اعتقد ان تحقيق كل هذه المكاسب الهامة ممكن في عهد باراك، وتستحق توحد الفلسطينيين حول سبل انجازها ووضعها في قمة اولوياتهم الوطنية، وتكييف مواقفهم الداخلية والخارجية لتحقيقها خلال اقصر فترة زمنية ممكنة. وعلى الفلسطينيين المستهترين بها ان لا ينسوا ان رفض الاتفاق وتعطيل تنفيذه يعني بقاء اجزاء من الارض والشعب تحت الاحتلال، وان الكفاح المسلح الفلسطيني ثلاثين عام والتضحيات العربية على مدى نصف قرن لم تحرر شبرا من الارض الفلسطينية.
مفاوضات الحل النهائي طويلة ومعقدة
صحيح ان حزب العمل هو صاحب اتفاق اوسلو وتوابعه، ويدعو للفصل بين الشعبين، واسقط من برنامجه معارضة قيام دولة فلسطينية، وعدد من قادته يرون في نتائج الانتخابات الاسرائيلية تفويضا شعبيا قويا للحزب بقيادة باراك للتوصل الى اتفاقات نهائية على المسارات الثلاث. الا ان هناك ايضا من يدعو للحذر، ويفكر بالتوسع والاحتفاظ بالاستيطان. ولاءات باراك الاربع الشهيرة التي رفعها الحزب خلال حملة الانتخابات تدينهم بالجرم المشهود، “لا لتقسيم القدس عاصمة اسرائيل الموحدة، لا لعودة اللاجئين، لا لازالة التجمعات الاستيطانية الاساسية، لا لوجود جيش قوي غرب نهرب الاردن،”. وتكشف تقاطع، ان لم يكن تطابق، لغة حزبهم من قضايا الحل النهائي مع لغة ومواقف اليمين السياسي المتطرف. الى ذلك فرؤية بعضهم الواقعية للسلام مع الفلسطينيين تصطدم بفاهيم باراك الامنية، وتتعارض مع رؤيته لمخاطر انقسام المجتمع الاسرائيلي وسبل لملمته وتعطيل تفجير صراعاته المتنوعة. ولا تنسجم مع طموحاته الشخصية بان يكون قائدا “لاسرائيل واحدة” يراعي مواقف كافة الاتجاهات الفكرية والسياسية. واعتقد ان معارضتهم لمواقف القوى اليمينية التي تعتبر الضفة الغربية جزء من ارض اسرائيل، ودعوتهم للفصل بين الشعبين، لا تخخف من حجم الجريمة التي يفكرون بارتكابها ضد الحقوق الفلسطينية وضد صنع السلام في المنطقة. فالتباين بين العمل والليكود، حسب أطروحات باراك، بشأن القدس واللاجئين والامن والمياه شكلي تماما ان لم يكن معدوم، ونسبي فيما يتعلق بتعديل الحدود وبالمساحة المنوي ضمها لاسرائيل من الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. ولا أظن أن تبدلا نوعيا من هذه المسائل سيقع خلال فترة قصيرة في مواقف باراك و قادة حزب العمل الذين يشايعونه رأيه.
الى ذلك بينت وقائع 8 سنوات من المفاوضات ونتائج الانتخابات السابقة والاخيرة أن درجة تطور الفكر السياسي في المجتمع الاسرائيلي خطى خطوات هامة نحو الواقعية، لكنها لم تصل مستوى تحقيق مصالحة تاريخية حقيقية بين الشعبين، ولم ترقى لدرجة الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه في اقامة دولته على الاراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس. فأغلبيته يرفضون التقدم بإتجاه حل عادل لقضية القدس يقبله الفلسطينيون، ويصرون على بقائها عاصمة لاسرائيل وحدها. وحق العودة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم في عام 47-48 مرفوض بالمطلق ليس فقط من قوى اليمين بل من كل الاحزاب الاسرائيلية. أما تعويض اللاجئين عن أراضيهم وممتلكاتهم التي سلبت منهم فالواضح أنها قضايا شائكة ومعقدة، خاصة وان هناك من يفكر ربطها بقضية المهاجرين اليهود من الدول العربية، والتفاوض حولها سوف يستغرق سنين وذات الشيء لعودة النازحين. وهذا يعني بقاء نصف الشعب الفلسطينيي في الشتات في عهد باراك لاجئين، وبقاء قضاياهم وكل القضية الفلسطينية معلقة دون حلول. فقضية اللاجئين جوهر القضية الفلسطينية، ودون حلها لاحل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي. وذات الشيء ينطبق على الاستيطان والحدود والامن. واصرار باراك على السيطرة على احواض المياه الجوفية في الضفة الغربية، واجراء تعديلات واسعة في الحدود، وضم التجمعات الاستيطانية الكبيرة لاسرائيل، ترجمة لمفاهيمه الامنية التوسعية وللفصل بين الشعبين، ستصطدم أجلا او عاجلا بموقف فلسطيني يرفض منح اسرائيل اراض جديدة، ويصر على خضوع المستوطنات الامنية والسياسية للسيادة الفلسطينية او ايجاد حل لها يتجاوز ضمها لاسرائيل واخضاعها لسيادتها. ولا تستطيع القيادة الفلسطينية التفريط بالدولة وبالقدس عاصمة لها. ولا يمكنها التصرف بقضية اللاجئين والقضايا الكبرى الاخرى دون الرجوع للشعب في كل اماكن تواجده. فالمفاوضات حول المرحلة الانتقالية وقضاياها شيء يختلف عن المرحلة النهائية.
الى ذلك من غير المفيد الدخول الان في مناقشة هل كان تأجيل اعلان قيام الدولة قرارا صائبا ام خاطئا ؟ واذا كان متعذرا تقدير أثر التأجيل في الاطاحة بنتنياهو، فالتأجيل حصل والاضرار وقعت، ونتائج الانتخابات حلت محل موعد اجراؤها. والاعلان عن قيامها بات أعقد. ويصعب على القوى الدولية المؤيدة لحق الفلسطينيين في دولة، استيعابه اذا تم قبل استئناف المفاوضات بين الطرفين. وعلى القيادة الفلسطينية الادراك سلفا بان الضغوط الامريكية والدولية لتأجيل آخر ستبقى وستزيد في عهد براك، وموقف اركان البيت الابيض الداعي لربط قيام الدولة بنتائج مفاوضات الحل النهائي لن يتغير ما لم يتغير موقف اسرائيل. واذا كان اعلان قيام الدولة سيؤخذ ذريعة لتعطيل تنفيذ مستحقات واي ريفر فاعادة النظر فيه امر مشروع، مع الاحتفاظ به كحق مبئي ثابت وتحديد ناريخ ممارسته.
اعتقد ان الاوضاع الدولية السائدة والمرئية، لا تتجه نحو إلزام إسرائيل بقبول حلول عادلة وشاملة لقضايا الحل النهائي الشائكة. وليست المرة الاولى التي تتهيئ فيها ظروف اقليمية ودولية وتسنح فرصة مؤاتية لتقدم نوعي في عملية السلام لكنها تتبخر وتضيع في زحمة الصراعات المحليةن وتردد الادارة الامريكية. وبصرف النظر عن الكلام الامريكي المعسول الذي سمعته القيادة الفلسطينية قبل وبعد الانتخابات الاسرائيلية حول تسريع مفاوضات الحل النهائي فمن الخطأ الرهان على امكانية رفع سقف الموقف الامريكي، في عهد باراك وحزب العمل، لمستوى ممارسة ضغوط جدية على اسرائيل، واقفال ملفات مفاوضات الحل النهائي خلال سنة واحدة كما تامل ادارة كلينتون. واذا كان انجاز القليل من قضايا المرحلة الانتقالية السهلة استغرق 6 سنوات، فبالامكان تقدير عدد سنوات المفاوضات في عهد براك حول قضايا الحل النهائي المعقدة. فقضايا الخلاف جوهرية، ولاءات براك الشهيرة عقدتها اكثر، وحلها او حلحلتها يتطلب تدخلا امريكيا يصعب الحصول عليه قبل مطلع عام 2001 خاصة وان الادارة الامريكية مرشحة للاستمرار في الانشغال في ترتيب اوضاع البلقان، وستنشغل في الشهور القادمة في استئناف المفاوضات على المسارين السوري واللبناني، وع مطلع العام القادم تدخل معركتها الانتخابية ضد الجمهوريين. وأظنهم سيستجيبوا لطلب باراك تقليص تدخلهم المباشر في المفاوضات مع الفلسطينيين، والاكتفاء بدور الراعي لها عن بعد، خاصة اذا التزم بتنفيذ اتاق واي. ويبدو ان اولبرايت ومساعدوها مقتنعين ان بامكان الطرفين في عهد حزب العمل تحقيق تقدم مقبول دون الحاجة للرمي بثقلهم وثقل الرئيس كلينتون كما فعلوا في عهد الليكود. ومقنعين انفسهم ان تنفيذ بقايا واي ريفر واستمرار الدعم المالي للسلطة الوطنية فقط يرضي بصورة واخرى الفلسطينيين، ولن يغيروا مواقفهم دون أزمة في المفاوضات ودون تأزيم للوضع على الارض. واذا كان الدور الامريكي مرشح في عهد باراك للتراجع من دور الشريك المباشر في المفاوضات الى دور الراعي لها خارج غرفها، فالصوت الاوروبي الذي سمعناه في عهد نتنياهو حول دعم اعلان الدولة بقوة قيام نهاية العام الجاري مرشح للخفوت والضياع في ضجيج المفاوضات على مساراتها الثلاث.
لا شك في ان المصالح العليا للشعب الفلسطيني تفرض على السلطة وقيادة م ت ف عدم تحمل مسئولية تدمير عملية السلام، وتجنب التصادم مع الامريكية. والعمل على تطوير مواقف الاشقاء، وتوسيع جبهة الاصدقاء، ومراكمة مزيد من الانجازات. وذات المصالح تفرض عليها نبذ أي أوهام حول التوصل الى حلول عادلة لجميع قضايا الحل النهائي خلال الاربع سنوات القادمة. وعليها تحضير اوضاعها واعداد ملفاتها تمهيدا لمعركة دبلوماسية قاسية ومفاوضات طويلة وصعبة. والتمسك بحقها في اعلان قيام الدولة وبسط السيادة على الارض دون ربطه بنتائج المفاوضات واختيار التوقيت المناسب له. واظن انه حان الوقت لخلق مؤسس مفاوضات جدية فاعلة، واحياء اللجنة الوطنية العليا لمفاوضات، والعمل على استعادة كل المستشارين والخبراء الاخصائيين الذين انفضوا لاسباب متنوعة من حول الوفد المفاوض.
الى ذلك لا بد من احياء التضامن العربي، ورفع مستوى التنسيق الفلسطيني السوري اللبناني الاردني المصري، اذا اراد العرب استرداد اقصى ما يمكن استرداده من حقوقهم. ولا بد من الاتفاق على استراتيجية موحدة تعالج السيناريوهات المحتملة، والسعي لوضع خطوط عربية حمراء في مواجهة لاءات براك. فالمفاوضات في عهد حزب العمل مرشحة للدخول على كل مساراتها مرحلة جديدة يتشابك فيها الوطني بالقومي. وتحمل في طياتها تسابق بين المسارين على من ينال اولوية في التفاوض ومن يوقع اتفاقه اولا. وفكرة “جزين اولا” جزء من خطة قديمة “لبنان أولا” وتتضمن حسب التوجهات الاسرائيلية الفصل بصيغة او اخرى بين المسارين السوري واللبناني. وبحث قضايا القدس واللاجئين والنازحين والحدود والامن والمياه على المسار الفلسطيني طويلة وشاقة وتطال المصالح العليا والامن القومي للدول العربية المحيطة بفلسطين. والشيء ذاته ينطبق على اي اتفاق حول الجولان قبل الاتفاق على استراتيجية عربية موحدة. الى ذلك فاحياء المفاوضات على المسار السوري الاسرائيلي واحتمال التوصل الى اتفاق خلال عام تثير مخاوف فلسطينية واقعية ومشروعة مسبقة من انشغال الادارة الامريكية بالمسار السوري واستفراد الجانب الاسرائيلي القوي بالطرف الفلسطيني بعد حل مشكلة الجولان. وقد يفجر صراعات عربية جديدة اذا ذهب السوريون واللبنانيون والفلسطينيون لمفاوضاتهم دون تنسيق مسبق. خاصة وان الاتصالات الاولية لعقد قمة عربية موسعة او مصغرة لمناقشة انعكاس نتائج الانتخابات الاسرائيلية على اوضاع المنطقة أحيت خلافتهم القديمة حول اوسلو وحول مفهوم العلاقة بين مسارات التفاوض العربية. واذا كانت تخوفات اركان القيادة الفلسطينية من انعكاس الاتفاق السوري الاسرائيلي سلبا على مسارهم التفاوضي لها ما يبررها كما اعتقد ، خاصة وان لاءات باراك الاربع حاضرة في الاذهان، فالتشكيك في قيمة الانسحاب من الجولان وجنوب لبنان قبل حل قضايا الحل النهائي على المسار الفلسطيني خطأ استراتيجي. وازالة المخاوف الفلسطينية ممكن ان يتم بموقف عربي موحد يصدر عن قمة موسعة او مصغرة، يؤكد بان القضية الفلسطينية كانت ولا تزال جوهر الصراع في المنطقة. وان كل الاتفاقات الثتائية العربية الاسرائيلية القديمة والجديدة تبقى ناقصة ولا توصل للسلام الشامل والدائم ما لم يتم انهاء الاحتلال للاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 كاملة، وتسوية قضايا الحل النهائي بصورة عادلة تمكن الشعب من نيل كامل حقوقه. لقد عارضت سوريا انفتاح العرب اقتصاديا ودبلوماسيا على اسرائيل قبل التقدم الحقيقي في المفاوضات وكانت محقة في طلبها، ومن حق الجانب الفلسطيني ان يطالبهم ربط تطبيع علاقاتهم باسرائيل بتقدم المفاوضات على المسار الفلسطيني، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. ومطالبتهم تفعيل حركتهم الداعمة للحقوق الفلسطينية في الساحة الدولية، وبالعلاقة المباشرة مع باراك وحكومته. واستمرار ظهورالفلسطينيين والعرب دون خطة تفاوضية منسقة، ودون مواقف حازمة مشتركة من القضايا الاساسية يلحق أضرارأ كبيرة وكثيرة بمصالحهم الوطنية والقومية، ويشجع الطرف الاسرائيلي على التصلب والتمسك بشروطه ومواقفه التوسعية. ويعفي الادارة الامريكية من تحمل مسئوليتها، ويسهل عليها تركيز ضغطها على الاطراف العربية للقبول باطروحات باراك، او الاستمرار في ادارة الازمات بدلا من رمي ثقل لحلها حلا عادلا.
ومفيد تذكير باراك وقادة حزب العمل بان تجربة المفاوضات الطويلة على المسار الفلسطيني وأكثر من عشرين عاما من اتفاقات كامب ديفيد، بينت ان الاتفاقت الثنائية العربية الاسرائيلية تصنع ترتيبات امنية وليس سلام شامل ثابت يقوم على التكافؤ واحترام المصالح المشروعة والعادلة. ويخطئ من يعتقد السلام يمكن ان يتحقق دون حل مشكلة القدس واللاجئين الفلسطينيين حلا عادلا. واخطر ما يواجهه النظام الرسمي العربي، بعد فوز باراك، هو ان يخطئ الحسابات ويجد نفسه محاصرا امريكيا واوروبيا. وان يتورط اطرافه في موجة جديدة من الصراعات الداخلية تزيده عجزا عن حالة العجز التي يعيشها منذ اواخر العقد الماضي.