حول الحوار الفلسطيني ومشاركة “حماس والجهاد الاسلامي” فيه

بقلم ممدوح نوفل في 24/08/1997

رغم الاعتراض الامريكي الاسرائيلي على مشاركة حركتي حماس والجهاد الاسلامي عقدت مؤتمرات الحوار الوطني الداخلي وانتهت. وصدرت عنها بيانات وتصريحات تلبي جوانب اساسية من الغرض السياسي المباشر لعقدها في هذا الوقت بالذات. حيث اكد المشاركون على دعم مواقف السلطة الرفضة لسياسة الاملاءات الاسرائيلية، ووحدة القوى الوطنية الفلسطينية، بمختلف أطيافها السياسية والعقائدية، في مواجهة التحديات التي فرضها نتنياهو على الشعب الفلسطيني. وأكدوا عزمهم الدفاع عن مصالح الشعب الفلسطيني. وقالوا “بان كل الخيارات باتت مفتوحة” في مواجهة مواقف نتنياهو ومخططات الليكود المعادية لصنع السلام العادل في المنطقة، وللاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين. والمصممة على الاستمرار في استعباد الشعب الفلسطيني وسلبه ارضه. وقرروا تحضير الاوضاع الفلسطينية لكل الاحتمالات. ويفترض ان تستكمل “هيئة سكرتاريا الحوار الوطني “الشامل” مناقشة القضايا السياسية والتنظيمية والعملية التي طرحت عناوينها وبعض تفاصيلها في المؤتمرات وفي البيانات التي صدرت عنها.
لا شك في ان لقاء القوى الوطنية الفلسطينية، بصرف النظرعن ثقل كل منها في الشارع الفلسطيني، للتباحث في الشؤون الوطنية العامة مفيد في كل الظروف والاحوال، ويكتسي في هذا الظرف اهمية استثنائية. حيث تواجه القضية الوطنية ارضا وشعبا وأهداف اخطار كبرى ومتنوعة، وتواجه السلطة ومنظمة التحرير تحديات مباشرة كثيرة. فعملية السلام التي عرفناها على مسارها الفلسطيني الاسرائيلي انتهت ودخلت مرحلة التصفية النهائية على يد حكومة الليكود امام سمع وبصر العالم. وأدخلت معها العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية طورا جديدا وجهته التصادم وليس الوفاق، دون ان يحرك الراعي الامريكي ساكنا حتى الآن.
واذا كان من المفيد، وطنيا، تسجيل التقدير لمشاركة المعارضة الفلسطينية وبخاصة حركتي حماس والجهاد الاسلامي في الحوار بعد ان قاطعتاه سابقا، وابدائهما الاستعداد للمساهمة في تحمل المسؤولية في هذه الظروف القاسية والصعبة، فمن المفيد وطنيا ايضا ان تقدر المعارضة وبخاصة حركتي حماس والجهاد الاسلامي، رفض السلطة وقيادة م ت ف الخضوع للمطالب والاملاءات الاسرائيلية الامنية المتعلقة بكوادر الحركتين، ورفضها الاستجابة للمطالب الامريكية العلنية المعترضة على مشاركة الحركتين في الحوار. لاسيما وان الكل يعرف ابعاد تحدي الادارة الامريكية في هذا الوقت بالذات وفي ظل الظروف القاسية والاوضاع الصعبة التي تمر بها السلطة الوطنية الفلسطينية. صحيح ان الحوار الفلسطيني شأن داخلي الا ان الكثير من الشؤون الفلسطينية الداخلية لم تعد ملكا لاصحابها، وتصرف اصحابها بها على هواهم يجلب لهم متاعب كثيرة ومتنوعة، ويلقي على كاهلهم اعباء اضافية. وبصرف النظر عن هذا التقدير المتبادل، اعتقد بأن طبيعة المخاطر التي تواجهها المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني تفرض على الجميع تجاوز كل صنوف الحساسيات التي اصابت علاقة الطرفين خلال الفترة الماضية. وان يركزوا في اجتماعات هيئة التنسيق على ما يوحد الجهود والطاقات. وان يركزوا على قضايا الحاضر والمستقبل الفلسطيني حسب اولوياتها. وان لا يلتفتوا كثيرا لمواقف الآخرين من حوارهم الداخلي، وان يتعاملوا معها كحوافز تدفعهم لتفعيل القواسم المشتركة فيما بينهم. وان لا يغرقوا “كما حصل في المؤتمرات” في مناقشة القضايا الخلافية التي لا يمكن التوصل لاتفاق حولها، مثل: الانسحاب من المفاوضات وتجميد عملية السلام، والغاء الاتفاقات..الخ فالاصرار على مناقشتها الان مضيعة لوقت ثمين، وهدر للجهد والطاقات، وفيه تضييع للاولويات. فالطبيب الفاشل هو الذي يؤجل علاج النزيفويهدر وقته في معالجة الصداع حتى لو كان شديدا ومزمنا. ويفترض ان لا يكون هناك خلاف فلسطيني على ان نتنياهو هو الذي كان وما زال يريد قتل عملية السلام ان لم يكن قد قتلها للآن. وتجميد المفاوضات ونجح في تجميدها. وشطب الاتفاقات، وشطب عمليا بعض بنودها المتعلقة بالمعابر، وبالتعامل مع الشخصيات المهمة حملة بطاقات ال v I p ، وبالاستيراد والتصدير. واظن ان الاخذ بالحكمة القائلة “عندما اجد نفسي وعدوي في خندق واحد وموقف واحد عليّ ان أعيد النظر في تقديراتي وحساباتي” يفرض على المعارضة وكل من وقف ضد المشاركة في عملية السلام وضد الاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية، مراجعة حساباتهم ومواقفهم. وآمل ان لا تفهم المعارضة هذه الرؤية بمثابة دعوة لاعلان الموافقة الآن على الاتفاقات، والمشاركة في المفاوضات، والدفاع عن اسس عملية السلام ، فاتخاذ المعارضة موقفا كهذا يضعف الموقف الفلسطيني في الصراع الناشب حولها ولا يفيد المعارضة شيئا. لكنها بالتأكيد دعوة اولا، لعدم محاولة فرض هذه المسائل على المناقشات الفلسطينية كقضايا رئيسية ولها الاولوية على سواها، كما فعل البعض في المؤتمرات. ودعوة ثانيا لاستيعاب مواقف السلطة حين تستخدمها وسيلة لتوسيع جبهة الاصدقاء ولتقليص جبهة الخصوم والاعداء قدر الامكان على المستويين الاقليمي والدولي. وكاسلحة مساندة في مواجهة الهجوم الشرس الذي يشنه نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني. ودعوة ثالثا للدخول مباشرة في مناقشة القضايا الوطنية الملحة. والخروج بخطة عمل واقعية موحدة تتلائم مع الاحداث والتطورات التي تعصف بالعلاقات الفلسطينية الاسرائيلية، وقادرة على حشد طاقات الشعب كله في المواجهة المفروضة على الجميع. ودعوة رابعا للتعامل مع الاتفاقات ومع المشاركة في عملية السلام باعتبارها بعض ادوات الصراع المفيدة.
واذا كان من غير المفيد وطنيا الان التوقف مطولا امام اسس الدعوة لحضور المؤتمرات، ولا الدخول في عملية تحليل وتشريح للمداخلات والمناقشات التي حصلت على مشرحة الغايات والاهداف الوطنية من عقد الحوار، وبخاصة في مؤتمر رام الله، فانجاح اجتماعات لجنة التنسيق، وكل اللقاءات الثنائية والجماعية المنوي عقدها، وتحقيق الغايات الاساسية من الحوار الوطني تستوجب تسجيل ثلاث ملاحظات اساسية: الاولى تتعلق بالحضور، والثانية بالتحضير للمؤتمرات وجدول اعمالها. والثالثة تتعلق بدور السلطة ومشاركتها المباشرة في الحوار. فالحضور كما اعتقد كان ناقصا “ولم يكن شاملا” وشابه عدد من الثغرات الهامة. حيث طغى وجود ممثلوا الفصائل على المستقلين، في وقت يقر الجميع وتبين الاستفتاءات الشعبية، ضمور جماهيرية الفصائل وتؤكد التجربة الميدانية ضعف فعاليتها. وغاب عن الاجتماعات ممثلوا المنظمات والاتحادات الشعبية، في وقت تجمع الآراء على حشد اوسع الطاقات الممكنة في الصراع الجاري. وغاب ممثلوا الراسمال الخاص الفلسطيني، في وقت تحتل مسألتي التصدي لحرب التجويع والاذلال التي يمارسها نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع ومسألة معالج تدهور وضع الاقتصاد الفلسطيني، اهمية استثنائية، ويفترض ان يفرد لها حيزا كبيرا في النقاش. وكان حضور ممثلوا تجمعات الشعب الفلسطيني وفعالياتها الوطنية ومؤسساته في الخارج ضامرا، وكاد ان يكون معدوما، في وقت تفرض الضرورة حشد طاقات كل الشعب “داخل وخارج” في مواجهة التحديات التي فرضها نتنياهو على الشعب الفلسطيني. واذا كانت الاجراءات الاسرائيلية قد حالت دون توسيع مشاركة الخارج في الحوار فالضرورة الوطنية تفرض عقد جولة حوار او اكثر في الخارج تحضرها الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية المستقلة.
اما بشأن التحضير للمؤتمرات فاني اعتقد بان اللقاءات التمهيدية التي تمت بين القوى والاحزاب، وبين السلطة وفصائل المعارضة قبل بدء مؤتمرات الحوار كانت مفيدة وكانت ضرورية. الا ان عدم تحضير اوراق عمل، وعدم وضع جدول اعمال محدد وتركه مفتوحا، افسحا في المجال لتشتت البحث، ولم يساعدا في توحيد الرؤية الوطنية لطبيعة المرحلة، وما تواجهه القضية الوطنية من اخطار مباشرة. ولم يساهما في تركيز النقاش في القضايا ذات الاولوية الملحة. وتم خلط القضايا بعضها ببعض، الرئيسية بالثانوية، الملحة المباشرة بالمؤجلة، والمتفق عليها بالمختلف حولها، كما لم يساعدا على الخروج بنتائج واستخلاصات شاملة واضحة ومحددة عملية سياسية وتنظيمية ملزمة للجميع. فلم يخرج المجتمعون بخطة عمل موحدة تحشد فيها كل الطاقات الوطنية كل حسب طاقته وقدرته.
اما حول مشاركة السلطة في الحوار بصورة رسمية ومقررة، فقد كنت وما زلت ارغب واتمنى ان يتم الحوار في مراحله الاولى بمعزل عن السلطة، وان تتولى قيادة م ت ف هذه المهمة، واذا تعذر ذلك ان يكون حوارا بين القوى والتيارات السياسية والفكرية الفلسطينية مستقلا من الناحية الرسمية عن السلطة. فالمهمة التي نحن بصددها تهم كل الشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين. المنظمة هي بيت كل الفلسطينيين، وهي الاطار الاوسع والاقدرعلى توحيد طاقات الشعب الفلسطيني واستيعابها في حركة موحدة باعتبارها. وتبني السلطة للحوار ونتائجه يساهم بصيغة او اخرى في الحد من رفع سقف موقف القوى الوطنية الفلسطينية ويجعله محصورا في حدود متطلبات نجاح الحركة الدبلوماسية والسياسية للسلطة، ويحد من حرية الحركة الشعبية ويقننها في اطار ما تسمح به ظروف السلطة والتزاماتها الدولية والاقليمية. ناهيك عن تحمّلها المسؤولية الكاملة عن كل التوجهات التي تقررها المؤتمرات او اجتماعات هيئة التنسيق. وفي هذا السياق اعتقد بان عودة المقاطعين للتنفيذية عن مقاطعتهم يساعد في احياء دور المنظمة وتفعيل مؤسساتها.
وطالما ان الحوار ما زال في بداياته والكل حريص على انجاحه، فاني اعتقد ان بالامكان تجاوز بعض هذه النواقص والثغرات التنظيمية فورا، اما بعضها الآخر فيمكن تداركه لاحقا. ونجاح اجتماعاته اللاحقة وخروجها بالنتائج المرجوة فيتطلب الدخول فورا في مناقشة اوراق عمل، وليس خطابات وكلمات شفوية، تمثل وجهات نظر الاطراف حول القضايا الملحة المطروحة على بساط البحث والنقاش. وابرزها 1) توحيد الرؤية الفلسطينية لطبيعة المعركة المفتوحة من قبل نتنياهو ضد السلطة الفلسطينية.2) قواعد وشروط ومتطلبات المواجهة الفلسطينية الناجحة. 3) تحديد انجع اشكال المواجهة والقادرة على حشد الطاقات الوطنية وتفعيل طاقات الاشقاء العرب. 4) مقومات استنهاض القوى الشعبية وتعزيز الصمود في الارض ومواجهة حرب التجويع والاذلال المفتوحة 5) سبل واسس احياء منظمة التحرير وتفعيل دورها، والتفكير في تشكيل قيادة وطنية الموحدة. 6) ) تفعيل حركة قوى السلام الاسرائيلية وكل القوى الاقليمية والدولية المساندة لصنع السلام العادل والشامل في الشرق الاوسط. واية قضايا اخرى يرى الملتقون في اطار هيئة التنسيق العليا او اية صيغة اخرى، لها اولوية على سواها.
ولعل من المفيد القول ان بامكان مراكز الابحاث والدراسات الفلسطينية المساهمة في تحضير الاوراق الازمة ووضع السيناريوهات المختلفة امام المجتمعين وتقديم اقتراحات محددة، فهي قادرة على ذلك، ومساهمتها في هذه المهمة واجب وطني، حتى لو لم يجري تكليفها بها بصورة رسمية. واخيرا يفترض ان لا يكون هناك خلاف فلسطيني على ان مواقف نتنياهو المعلنة من عملية السلام ومن السلطة الوطنية ومن الاتفاقات الموقعة معها هي مواقف استراتيجية وليست تكتيكية، تعبرعن قناعاته الفكرية المتطرفة، وعن القناعات الايدلوجية لاطراف الائتلاف الحكومي. وانه سوف يبقى متمسكا بها طيلة فترة حكمه. وسيناضل من اجل فرضها على الارض والشعب الفلسطيني بشتى السبل والوسائل المتاحة له. وهذا يعني ان المعركة بكل ابعادها سوف تبقى مفتوحة خلال السنوات الثلاث الباقية من عمر حكومته. وان وتيرة تنفيذه لتوجهاته سوف تنشط وتخبوا وفقا لردود الفعل الفلسطيني والعربي والدولي عليها، وحسب ما تمليه عليه مصالحه الحزبية. واعتقد بانها سوف تتكثف وتتسارع كلما تفجرت خلافات داخل الائتلاف الحكومي، ووكلما اقتربت القوى الاسرائيلية من انتخابات الكنيست. ويخطئ من يعتقد بأن النصف الثاني من حكم نتنياهو يصلح لاي نوع من المفاوضات. ولن يتورع نتنياهو وأركان حكومته خلق شتى انواع القلاقل والارباكات داخل المناطق التي تيسطر عليها السلطة كي يتسنى له المضي قدما في تنفيذ توجهاته المعادية لعملية السلام والطامعة بالارض الفلسطينية. فهل ستكون نتائج اجتماعات الحوار متناسبة مع تطلعات الشعب الفلسطيني، ومساعدة عل تمكنّه من تجاوز ثلاث سنوات عجاف..؟