أزمة السلطة الفلسطينية و سبل الخروج منها

بقلم ممدوح نوفل في 11/10/1997

1) تحسن العلاقات الفلسطينيه ـ الاسرائيلية لا يعالج الأزمة
يكثر الحديث في الأوساط الفلسطينية الرسمية و الشعبية ، و الدبلوماسية العربية و الدولية حول أزمة السلطة الفلسطينية . أما حال الوزارة و الوزراء و أجهزة الأمن فهو موضوع تندر شبه دائم عند أهل الداخل قبل و أكثر من أهل الخارج . و كثيرا ما يساهم الوزراء و المدراء في اضعاف الثقة بادوارهم و بهم انفسهم وبوزاراتهم .فمن لا يسهم منهم في حفلات الردح لرئيس السلطة ، يستغيب هذا الوزير أو ذاك ويتسلى بالحديث عن أجهزة الأمن ويزود الرواة والرداحين بالقصص والحواديث الهامة وغير الهامة بدء من غياب البرمجه والتخطيط، مرورا بآلية الإجتماعات و تدخل رئيس السلطة في كل كبيرة و صغيرة ، و إنتهاء بقصص التعيينات و المكاتب والمشاريع و الموازنات ، وحول ما يدور في المفاوضات . و عندما يسأل السادة الوزراء ، فرادى و مثنى وثلاث و رباع عن دورهم في إصلاح هذا الخلل و تلك الأعطال ، بعضهم يصمت و كأن الأمر لا يعنيه ، أو يدعو للصبر على ما كتبه الله، وانتظار الفرج من عنده. و بعضهم ينتظره من البنك الدولي و رابين . آخـرون يحـملون أبو عمار كل المسؤولية ، و يعترفون بأنهم محـبطون وعاجـزون عن الفعل و التأثير ، و بأنهم فاقدو الأمل في التصحيح ، و منهم من يضيف بإنه يفكر في الإستقالة و حديثهم عن الإستقالة لا يؤخذ على محمل الجد . أما الناس العاديين، و النقاد الموضوعيين ، فلا يعفون أحدا من أركان السلطة و قيادة منظمة التحرير من المسؤولية عن الخلل والأعطال التي يتحدث عنها الجميع. وبات الكثير منهم يتحدث عن ضر ورة التصحيح والتغيير لاسيما وان تجربة السلطه منذ تشكيلها وحتى الان وأحاديث الوزراء عمقا الشك فى قدرة السلطه بتركيبتها الحاليه على النهوض بالمهام الوطنيه الكبرى الموكله لها فى هذه المرحله الحرجه من النضال الوطني الفلسطيني .والان وبعد مئة يوم من دخول السلطة الى غزة واريحا بات من الضروري ان تبادر السلطه الفلسطينيه الى اجراء مراجعه وتقييم لدورها انطلاقا من البرنامج الذي رسمته لنفسها واعلنته للناس في بيان رسمي يوم الاعلان عن التشكيل .
و في سياق البحث عن العلاج أعتقد أن إعتماد القدرية و المواقف السلبية في معالجة هموم و مشاكل الناس، لا تسمن ولا تغني عن جوع .و ذات الشيء ينطبق على الإكتفاء بالردح والتنكيت. و كلاهما لا يصلح الخلل ولا يصحح الأخطاء . ولا يعالج الأزمة أو الأزمات التي تعانيها السلطة الفلسطينية. و أظن أن إلقاء المسؤولية على كاهل الإحتلال وتركته الثقيلة، أو تحميلها لرابين والبنك الدولي والـDonors و عدم إلتزامهم بما وعدوا به، لا يحل الأزمه وفيه هروب من تحمل المسؤولية، وغير مقنع لأهل غزة وأهل الضفة الغربية. وإن تبسيط الأزمة أو إنكار وجودها يعمقها ويوسع نتائجها السلبية، و يشبه موقف النعامة التي تدفن رأسها في الرمال عندما يطاردها الصياد. أما الدعوة الى تأجيل تقييم دورالسلطة الفلسطينية باعتبارها حديثة التكوين ولم تأخذ الوقت الكافي لإثبات جدارتها فأظنها تضر ولا تنفع لأن عدم تشخيص الأمراض مبكرا يساعدعلى استفحالها. والتعمق في دراسة الأزمة يظهر انها ليست واحدة بل عبارة عن أربعة أزمات أساسية، كبرى وحقيقية. الأولى وزارية ، والثانية اقتصادية ، والثالثة تتعلق بالدور الفلسطيني في المفاوضات مع اسرائيل ، والرابعه هي الأزمه في العلاقه مع العديد من الدول العربيه والأجنبيه. وهذه الأزمات الأربع متداخله ومتشابكة في الجذور ومتساندة في الفروع . تتغذى من بعضها البعض ، وتدعم كل واحدة منها الأخرى . وفكفكتها بعضها عن بعض يسهل الحل ويساعد على رؤية الموضوعي منها والطبيعي الناتج عن الإحتلال ،وتمييزه عن الطارئ الناشئ عن زراعة الذات ومن صناعة القيادة الفلسطينية ووأداء االسلطة الوطنية . و إذا كانت القراءة الموضوعية تحمل الإحتلال مسؤلية تدمير الإقتصاد الفلسطيني وزرع أزمة إقتصادية عميقة الجذور ، علاجها صعب ويحتاج وقتا طويلا ومساعدة خارجية ،فهذا الشيء لا ينطبق على الأزمة في العلاقات العربية ولا على الأزمة الموجودة في الدور الفلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل ، ولاعلى الأزمة الوزارية . فمنذ تشكيل السلطه الفلسطينيه اختفت الهيئات المعنيه عن متابعة المفاوضات فلا القديم بقي ولا جديد تشكل. وبدون انتقاص من كفاءة احد اظن ان المجموعه الفلسطينيه المفاوضه بحاجه الى تدعيم واسناد بعدد من الكفاءات ، وتغيير في تركيبتها فتنقيل وتدوير ذات الفرد او المجموعه على كل اللجان وكل مستويات ومجالات التفاوض الأمن الاقتصاد المرحله الانتقاليه المعتقلين، مساله غير صحيحه وباتت ضاهره غيرصحيه . ولا نذيع سرا يستفيد منه المفاوض الاسزائيلي اذا قلنا ان سبب احجام وتردد العديد من الكفاءات عن المشاركه في المفاوضات لا علاقة له اطلاقا بالقناعت الفكريه او السياسيه بل ناتج عن عدم قناعه بالطريقه التي تدار بها المفاوضات وعن شعور قوي بان المجموعه المفاوضه تريد احتكار الموضوع وتقاوم انضمام مفاوضين جدد خاصة اذا كانواقوياء . اما مواضيع التفاوض وتنفيذ الاتفاقات فالواضح انها لازالت تدور حول ذات المسائل التي نوقشت وصيغت في بروتكولات تم التوقيع عليهافي القاهرة في احتفال مهيب يوم 4/5/94 ( البروتوكولات) . واعتقد ان مسؤليه المفاوضين الفلسطينيين لاتزول بالقول ان الجانب الاسرائيلي متعنت ويتراجع عن التزاماته لاسيما وان الجانب الفلسطيني تعززت اوراقه التفاوضيه بعد العبور الى غزة واريحا وبعد تسلمه عددا من السلطات في بقية الضفة الغربية . اما العلاقات الفلسطينيه العربيه والدوليه فالواضح فقدت منذ تشكيل السلطه من يتابعها ومن يرعاها ، وبات البعض يتذكرها في المناسبات ومنذ ذلك التاريخ تراجع دور منظمة التحرير وغاب ذكرها ولم تجتمع اية هيئة من هيئاتها علما انها هي المعنيه عن الغلاقات الفلسطينيه العربيه وعن العلاقات الخارجيه للسلطه ، ولانبالغ اذا قلنا ان سفارات فلسطين في الدول العربيه وشتى انحاء العالم لم تتلقىتعميما واحدا يزودها بالمعلومات حول ما يدور في المفاوضات وحول حقيقه ما يجري مع البنك الدولي والدول المانحه. ولم تتلقى اية توجيهات حول اولويات العمل في العلاقه مع الدول العربيه، وما يجب فعله مع هذا البلد اوذاك وحث الجميع على دعم واسناد السلطه الفلسطينيه ،ولم يجري تزويدها بما يلزم من مواقف ووثائق تساعدها في الرد على الأسئله اليوميه التي تطرح عليها من الجاليه الفلسطينيه ومن الأشقاء والأصدقاء، علما بان السلطه الفلسطينيه كانت ولازالت مطالبه بتوضيح موقفها ورؤياها من عدد من القضايا القوميه وفي مقدمتها مستقبل العلاقات الفلسطينيه العربيه ـ الاسرائيليه لاسيما وان طريق المفاوضات طويل وقضاياها القادمه متداخله وبعضها مشترك مثل المياه واللاجئين والحدود والنازحين …..الخ وبغض النظر عن صحه المواقف العربيه الرسميه والشعبيه التي تحمل قياده المنظمه مسؤلية اقفال الابواب في وجه الدعم والاسناد العربي فالواضح ان بعض العلاقات العربيه الفلسطينيه راوحت في مكانها وبعضها الاخر تراجع للوراء ومنها من تدهور. اما الأزمة الإقتصادية فهي أخطر الأزمات وأعقدها على الإطلاق ، وتهدد بانفجار إنتفاضة الجياع في القطاع ضد السلطة الفلسطينية وضد الإحتلال وضد البنك الدولي، وقد تطال كل المؤسسات الدولية الموجودة في قطاع غزة ، ولهذا لابد في سياق البحث عن حلول من تقديمها على سواها من الأزمات الأربعة ، و يخطئ كل من يعتقد أن تطور و تحسن العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية ، أو ما يمكن ان يقدم من مساعدات خارجية كفيل بحلها . فمهما تطورت العلاقات مع إسرائيل فلن تصل في المرحلة الإنتقاليه الى حدود إستيعاب البطالة في الضفة والقطاع ، وذات الشيء ينطبق على المساعدات الخارجية لاسيما وأن التجربة من أوسلو و حتى الآ ن اكدت ان التوصل الىاتفقات سياسه وأمنيه واقتصاديه ووقوع تحسن في العلاقات لا يعني تدفق المساعدات المالية الخارجية بصورة أوتوماتكية على السلطة الفلسطينية ، كما تشتهيها و كمكافئات . و ستنتظر السلطة الفلسطينية طويلا إذا إعتقدت أن الدول المانحة ستقدم لها الدعم المالي ككرم أخلاق أو هكذا و بدون شروط . و ستنتظر فترة أطول إن هي إستمرت في رفض التعامل بايجابية مع هذه الشروط .
واكدت تجربة العام الأخيرايضا ان تقدم المفاوضات وتحسن العلاقات لايعني تدفق تشريع بوابات العبور الإسرائيليه امام عشرات الألوف من العمال الفلسطينيين العاطلين عن العمل. فالتقدم في المفاوضات وفي تنفيذ الإتفاقات لها تفاعلات عديده ومتنوعه داخل المجتمعين الفلسطيني والأسرائيلي المنقسمين على ذاتهما . فهي من جهة تريح بعض القوى لكنها تدفع من جهة اخرى بقوى نحو المزيد من التطرف والتوتير . وأضن ان هذا النمط من التفاعلات يضيق في المراحل الأولى فتحات بوابات العبور الإسرائيليه امام العمال الفلسطينيين ولا يوسعها .ويجعل العمل في اسرائيل خاضعا لتقلبات الأوضاع الأمنيه والسياسيه بين الجانبين واعتقد ان اقتراب المفاوضات الفلسطينيه ـ الأسرائيليه لاحقا من قضايا الإستيطان والقدس ومواضيع النازحين واللاجئين سوف يزيد من التوتر والتطرف ويرفع وتيره التقلبات الأمنيه وسوف يدفع بالقياده الإسرائيليه الى تقليص نسبه الإحتكاك المباشر بين الشعبين بما في ذلك تقليص عدد العابرين للعمل في اسرائيل . و مع تقلص نسبة العمالة ، و تأخر الدعم الخارجي المخصص للمشاريع تبرز الحاجة الماسة إلى دور أكبر للرأسمال الفلسطيني و العربي في منع تدهور الأوضاع الإقتصادية أكثر فأكثر ، و في إقامة المشاريع الإنتاجية القادرة على إمتصاص جزء من البطالة ، و تأسيس قاعدة للإقتصاد الفلسطيني . وأعتقد أن تشجيع الرأسمال الفلسطيني و العربي في الإستثمار ، وتسرسع وصول المساعدات الخارجية بات يتطلب إجراء تصليح سريع للخطأ الذي ارتكب عند تشكيل السلطة الفلسطينية (الوزارة) . أي إذا كانت الأزمة الإقتصادية هي أخطر الأزمات و تهدد بانتفاضة الجياع ، فمعالجة الأزمة الوزارية هو المدخل الرئيسي لمعالجة الأزمة الإقتصادية ، وهي الحلقة المركزية التي يجب الإمساك بها . بعد هذا العرض للازمات اظن ان بالامكان تقديرما ستؤول لهالاوضاع الفلسطينيه اذا استمرت السلطه الفلسطينيه في نهجها الذي سارت عليه حتى الان . ولعل الدعوه الى اجتماع موسع يضم اللجنه التنقيذيه والقياده الفلسطينيه واعضاء السلطه لدراسه الموقف واستنباط الحلول امرا في غايه الاهميه. فهل هذا الامرممكن ؟ ام ان مثل هذا الاجتماع وكل اجتماعات هيئات مـ.ت.ف انتهت مع تشكيل الوزارة الفلسطينيه ؟