كل الأطراف راغبة في العودة الى طاولة المفاوضات
بقلم ممدوح نوفل في 13/04/1993
إثر انتهاء زيارته لعدد من دول المنطقة حرص الوزير كريستوفر على التوجه الى جنيف للقاء نظيره الروسي شريكه في رعاية عملية السلام. ومن هناك أعلن الراعيان أنهما اتفقا على استئناف مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية في واشنطن ووجها الدعوات لحضور الجولة التاسعة يوم 20 نيسان الجاري.
ورغم رفض الجانب الفلسطيني استلام الدعوة، بقي الوزير كريستوفر يقول بأن الجولة التاسعة ستعقد في موعدها وبحضور كل الأطراف المشاركة فيها. والآن ومع اقتراب موعد 20 نيسان، تكثر التساؤلات في الأوساط الشعبية الفلسطينية، والأوساط الديبلوماسية العربية والدولية حول مصير الجولة من هذه الاسئلة.. هل ستنعقد الجولة في الموعد المحدد لها؟ وهل ستشارك فيها كل الأطراف؟ أم أنها مرشحة للتأجيل أو التعليق أو الانعقاد بغياب هذا الطرف أو ذاك؟. والى جانب التساؤلات تدور في الاوساط الرسمية والحزبية الفلسطينية نقاشات وحوارات حول جدوى المشاركة الفلسطينية في هذه الجولة والبعض يمضي، بناء على قناعات مسبقة وقديمة، الى ما هو أبعد من ذلك فيطرح التساؤلات حول جدوى استمرار المشاركة في كل عملية السلام ويطالب الوفد المفاوض وقيادة م.ت.ف باعلان الانسحاب منها.
وبغض النظر عن المعلومات التي يمتلكها الوزير بيكر وعن المقومات التي بنى عليها موقفه حين وجه الدعوات وبنى رهانه عليها وحين تحدث بثقة عن انعقاد الجولة في موعدها وعن حضور جميع المعنيين، فالواضح أنه لم يكتفي بتحديد زمان ومكان الجولة الجديدة بل تابع جهوده ونشاطاته من أجل نجاح دعوته، فهو يعرف أكثر من سواه حجم المخاطر والآثار السلبية التي يحدثها مثل هذا الفشل ليس فقط على مستقبل عملية السلام وإنما على رصيده الشخصي كوزير للخارجية الامريكية، وعلى الرصيد والسمعة الدولية للادارة الامريكية كلها باعتبارها ادارة جديدة معرضة للاختبار. ويعرف أن هذا الفشل بالتحديد يعني أنه “من أول غزواته كسر عصاته” حسب المثل الشعبي العربي المشهور. ولتجنب الدخول في “القزاز” رمت الادارة الامريكية بكل ثقلها بما في ذلك ورقة الرئيس نفسه لازالة كل المعوقات والعراقيل من طريق الجولة التاسعة. مركزه على الاساسيات منها. وتندرج في هذا السياق أيضاً الرسائل العديدة والزيارات الفلطسينية والعربية والاسرائيلية الهامة التي تمت مؤخراً لواشنطن وكل النشاطات والتحركات التي شهدتها مؤخراً عديد من عواصم المنطقة، بدءاً من المغرب وانتهاء بالقدس مروراً بتونس والقاهرة وعمان والرياض ودمشق وبيروت.
وحسب المتوفر من المعلومات، ووفقاً لما أعلن من مواقف رسمية من هذا الطرف أو ذلك أعتقد أن بالامكان الدخول في مغامرة بالاجابة على الاسائلة المطروحة من خلال تثبيت الاستخلاصات اللاساسية التالية:
أولاً : جميع الاطراف راغبة في العودة للمفاوضات:
أظن أن لا حاجة لأن يكون الانسان عبقرياً حتى يقول أن وزير الخارجية الامريكية وارن كريستوفر قد ناقش في كل العواصم التي زارها مسألة استئناف المفاوضات وموعد الجولة التاسعة ومكانها وأنه تلقى اجابات شجعته مع نظيره الروسي على الاعلان الرسمي عن الموضوع. وحسب المعلومات المتوفرة فقد سمع كريتسوفر من رابين رغبة اسرائيلية في حضور الجولة، وذات الشيء سمعه من كافة العواصم العربية مع بعض الاضافات من هذا الطرف او ذاك تتعلق بضرورة معالجة موضوع المبعدين تسهيلاً لعودة الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات. وبغض النظر عن بعض التصريحات النافرة التي اطلقت من هذا المسؤول الفلسطيني او ذاك والتي تندرج تحت بند المزاودات وبعضها بند المساومات، فالموقف الرسمي للمنظمة لم يقل يوماً ان م.ت.ف مع المقاطعة او الانسحاب من المفاوضات. فبيانات اللجنة التنفيذية والقيادة الفلطسينية بقيت تقول أن الطرف الفلطسيني حريص على عملية السلام، وحريص على تواصل المفاوضات، وراغب في العودة الى طاولة المفاوضات، وأنه من أجل ذلك يطالب الراغبين وكل الحريصين على عملية السلام بازالة العقبات التي زرعها رابين في طريق المفاوضات، داعية راعيي المؤتمر الى تحمل مسؤولياتهم والعمل على:
_ معالجة موضوع المبعدين باعتباره الحدث المباشر الذي جمد المفاوضات منذ ديسمبر الماضي وحتى الان، وباعتبار مبدأ الابعاد عمل يتعارض مع الأسس التي قامت عليها عملية السلام. ناهيك عن كونه يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية ومع أبسط مباديء حقوق الانسان.
_ معالجة المسائل الجوهرية التي عطلت وقوع تقدم في المفاوضات على مدى ثمان جولات.
_ معالجة الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وتعيشها منظمة التحرير.
ثانياً: الافكار والحلول المطروحة تزيل العقبات:
من الواضح أن اللقاءات العديدة التي عقدها كريستوفر ومساعديه على امتداد الشهر الاخير مع أطرف الصراع، كانت بمثابة استطلاع تعرف من خلالها على الحدود القصوى والدنيا لمواقف الاطراف، وبناء عليها تقدمت الادارة الامريكية بأفكار ومقترحات محددة تعبر عن وجهة نظرها في معالجة موضوع المبعدين ومعالجة القضايا الاخرى المتعلقة بالمفاوضات. ولم يعد سراً بأن الوفد الفلسطيني عاد من واشنطن يحمل صفقة أمريكية متكاملة تتكون من ثلاث حزم مترابطة، الاولى فلسطينية وتحتوي على اعلان فلسطيني بالموافقة على العودة الى طاولة المفاوضات وقبول ما تتضمنه الرزمة الثانية والثالثة. أما الثانية فهي اسرائيلية وتحتوي على ديباجة حول الأمن الاسرائيلي، وتنص على أن لا نية اسرائيلية لابعادات جديدة في حال استئناف المفاوضات، وتلتزم بعودة المبعدين وفقاً لجدول زمني محدد، مع الموافقة على اعادة أعداد ممن أبعدوا في فترة 67-78. واتخاذ خطوات عملية ملموسة على الارض تتعلق بحقوق الانسان الفلسطيني والموافقة على دخول الاخ فيصل حسيني الى طاولة المفاوضات، وأن توضع هذه المسائل كلها في إطار اعلان رسمي يصدر عن أعلى المستويات. أما الرزمة الثالثة فهي أمريكية، وتتضمن اعلان رسمي من أعلى المستويات يؤكد على التزام الادارة الامريكية بنجاح عملية السلام على أساس تنفيذ قرار 242 والارض مقابل السلام وضمان الأمن لاسرائيل وجميع دول المنطقة، واحقاق الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وتأكيد رغبتها في لعب دور الشريك الكامل في المفاوضات للمساعدة في تحقيق السلام العادل والشامل باعتباره الهدف الرئيسي للمفاوضات. ولا نذيع سراً اذا قلنا أن القيادة الفلسطينية وجدت في الصفقة نواقص أساسية وسجلت أيضاً تضمنها بعض المشجعات للعودة الى طاولة المفاوضات والمشاركة في الجولة التاسعة. وبالتدقيق في المساومات الجارية الآن حول بنود هذه الصفقة يمكن توقع تمخضها عن بعض التحسينات لصالح الطرف الفلسطيني.
وبغض النظر عن القرار النهائي الذي ستتخذه القيادة الفلسطينية في غضون الايام القليلة القادمة، فإني أعتقد أن الصفقة المعروضة تلبي الكثير من المطالب الفلسطينية التي حددتها القيادة الفلسطينية كشروط ينبغي تحقيقها قبل الدخول الى طاولة المفاوضات.
ولا مبالغة في القول أن القيادة الفلسطينية قد نجحت حتى الان في إدارة معركة المبعدين (أنجح المرات) وأن مصلحة الشعب الفلسطيني تفرض عليها عدم تبديد المعروض الذي يرسي أساساً لتحقيق المزيد من المكاسب والانجازات المساعدة على تحسين الموقف الفلسطيني داخل وخارج غرف المفاوضات. فدخول فيصل الحسيني الى طاولة المفاوضات مكسب هام لأنه يعني دخول القدس حتى ولو كان عنوانه الثاني في المريخ ولا أظن أن هناك حاجة للاسهاب في توضيح هذا الموضوع. وعودة بضع مئات أو بضع عشرات من المبعدين ما بين عام 67-87 مكسب ثاني يشق الطريق لاعادة ميئات الألوف من الفلسطينيين الذين نزحوا عن ديارهم منذ الخامس من حزيران عام 67. وبغض النظر عن الجدول النهائي الذي سترسوا عليه المساومات الجارية بشأن عودة المبعدين فاعلان اسرائيل الالتزام بالقرار 799 واختراق ما اتفق عليه اسرائيلياً-أمريكياً وتعديل جدولة عودة المبعدين الأخيرين مكسب ثالث لا يجوز التقليل من قيمته وأبعاده اللاحقة. كما ويمكن اعتبار الوعود الرابينية بطرح أفكار جديدة تساعد على تقدم المفاوضات، ووعوده باجراءات ملموسة تتعلق بحقوق الانسان الفلسطيني في حال العودة الى طاولة المفاوضات مكسب رابع يستطيع المفاوض الفلسطيني التسلح به عند استئناف المفاوضات. أما المكسب الخامس فيتمثل في ما سيقدمه الجانب الأمريكي لجهة الاعلان عن رفضها لمبدأ الابعاد لأنه يتعارض مع اتفاقية جنيف الرابعة. وتقديم وعد بالمساعدة على معالجة المسائل الاقتصادية والتأكيد على الالتزام بما ورد في رسالة التطمينات المقدمة للطرف الفلسطيني. وفي هذا السياق لعل من المفيد الاشارة الى أن تلك التطمينات تقول “ان الادارة الامريكية تعتبر القدس الشرقية أراض محتلة، وأنها تعارض كل تغيير في حدودها البلدية التي كانت قائمة في عام 67″ وحتى لا نكون كمن يقول ولا تقربوا الصلاة .. ويتوقف عن استكمال الآية الكريمة لا بد من القول أنها تنص أيضاً على بقاء القدس مدينة موحدة. وأظن أن لا حاجة لأن يكون الانسان عبقرياً حتى يكتشف التطور الايجابي في موقف ادارة الرئيس كلينتون بشأن موضوع القدس. فالكل يتذكر أقوال ومواقف الرئيس كلينتون ونائبه ال غور خلال الحملة الانتخابية بشأنها.
وعلى ضوء ما تقدم يمكن القول أن مفاوضات الجولة التاسعة بدأت قبل الموعد المحدد لها وحرارتها مرتفعة منذ الان، وأنها دارت على الارض الفلسطينية بصورة عنيفة تبادل خلالها الطرفان كل الاسلحة الممكن استخدامها، ودارت بالواسطة في العديد من العواصم العربية والدولية ولم يبقى طرف عربي أو أوروبي مهتم بقضايا النزاع والسلام في الشرق الاوسط الا وشارك فيها. واذا كانت النتائج النهائية لم تتضح بعد بصورتها النهائية فالمقدمات الملموسة حتى الان تشير الى أن الجولة التاسعة ستعقد في موعدها وبحضور كل الأطراف وأنها سوف تكون جولة مفصلية وتحمل في طياتها آفاقاً جديدة وحاسمة بالقياس لما سبقها من جولات.