عودة لتقرير لينوفيتز بشأن مفاوضات الحكم الذاتي
بقلم ممدوح نوفل في 29/08/1992
في 24 آب، التقت الوفود العربية والاسرائيلية في واشنطن، وعقدوا جولتهم السادسة من المفاوضات المقرر لها أن تدوم شهرا كاملا حسب ما جاء في رسالة الوزير بيكر.
وبمراقبة سلوك ومواقف الوفود المشاركة يمكن الاستنتاج بأنها مجمعة على أمرين أساسيين. الاول اختلاف الجولة السادسة عن سابقاتها في الشكل والمضمون. والثاني توفر رغبة متبادلة في مناقشة القضايا الجوهرية ومحاولة الوصول الى نتائج ملموسة رغم الاختلاف الواسع في المواقف.
وبغض النظر عن الاجواء المتفائلة او المتشائمة التي صدرت عن الاطراف حتى الان، أو تلك التي قد تصدر لاحقا عند احتدام المفاوضات، واقتراب المتفاوضين من بلورة النتائج او الاتفاقات، فالواضح سلفا ان تباين وتباعد مواقف الاطراف بعضها عن بعض سيجعل من تدخل راعي المؤتمر امر لا مفر منه. وشبه حتمي اذا اريد لهذه الجولة (كما هو ظاهر) تحقيق تقديم حقيقي. سواء جاء هذا التدخل برغبة من الراعي نفسه او جاء بناء على طلب او استدراج الاطراف له.
وفي نطاق البحث عن حدود وسقف التدخل الامريكي المحتمل المباشر او غير المباشر على محور المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية، وللتعرف على صدقية وجدية المقترحات الاسرائيلية المقدمة بشأن ترتيبات المرحلة الانتقالية لا بد كما اعتقد من العودة لبنش ملفات اتفاقات كامب ديفيد، وملفات مفاوضات الحكم الذاتي بين مصر واسرائيل في سنوات 79، 80، 81 حيث كان هذا الموضوع محور نقاش طويل ومعقد بين المصريين والاسرائيليين استغرق ما يزيد على 25 جلسة وكل جلسة عدة ساعات وبمشاركة امريكية مباشرة على طاولة المفاوضات وحصيلة تلك المناقشات لخصها في حينها صول لينوفيتش الممثل الشخصي للرئيس كارتر في تقرير خاص رفعه للبيت الابيض بتاريخ 14 يناير 1981.
وقيمة العودة لذاك التقرير تكمن ايضا في امكانية استخدامه من قبل المفاوض الفلسطيني في هذه الجولة، في مفاوضاته مع الوفد الاسرائيلي وفي مباحثاته مع الراعي الامريكي. والانطلاق منه لمطالبة الطرفين بالالتزام بما جاء فيه كحد أدنى وكأساس لانطلاقة جديدة في المفاوضات لانجاز ترتيبات المرحلة الانتقالية وقيام الحكم الفلسطيني الانتقالي.
في مقدمة تقريره يقول صول لينوفيتش “السيد الرئيس: يسرني ان اسلم لك هذا التقرير المقتضب الذي يلخص التقدم الذي أنجز حتى الان في مفاوضات الحكم الذاتي”. وتحت عنوان “التقدم في مفاوضات الحكم الذاتي” يقول التقرير “انطلاقا من التزامهما وجهودهما تمكنت مصر واسرائيل من انجاز تقدم ملموس، ومن تضييق خلافاتهما بشكل جلي حول مجموعة واسعة من القضايا المصيرية والجوهرية، وثيقة العلاقة بمفهوم “الحكم الذاتي الكامل” المنصوص عليه في اتفاقات كامب ديفيد. ورغم بقاء اختلافات هامة حول قضايا هامة تتطلب مفاوضات موسعة ومكثفة..الا أن باستطاعتنا القول ان اجماعا جوهريا يقوم بين الاطراف حول العناصر التي سنطرحها لاحقا. هذا وقد كررت مصر موقفها في عدد من المجالات والقائل بأنها غير مفوضة للموافقة على بنود تفصيلية في غياب مشاركة سكان المناطق. ورغم ذلك فالاجماع القائم يوفر أساسا متينا لاتمام اتفاقية شاملة تؤسس لترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”.
وتحت عنوان: انتخاب سلطة الحكم الذاتي، يعدد التقرير نقاط الاتفاق على النحو التالي: “ينتخب سكان المناطق سلطة الحكم الذاتي، وتقوم هذه السلطة باختيار التنفيذيين من بين الاعضاء المنتخبين وتحدد نظمها الداخلية. ولقد تقدم كلا الطرفين بمقترحات حول حجم وبنية سلطة الحك الذاتي، وتم انجاز بعض التقدم في تضييق الاختلافات. الا ان التقرير لم يحدد طبيعة التقدم الذي تحدث عنه، الا أن المعلومات المتوفرة تشير الى أن الجانب الامريكي اقترح في حينها أن يكون عدد أعضاء المجلس المنتخب ما بين 50-60 عضوا اما الجانب الاسرائيلي فقد وافق على 25 عضو اي عدد المجالات التي ستتولاها سلطة الحكم الذاتي المنتخبة والتي حددها تقرير لينوفيتز كقضية متفق عليها على النحو التالي: “… ان الاطراف المشاركة ف يعملية التفاوض قد اتفقت على ان المجالات والوظائف التالية تشكل الحد الادنى الذي ستمارس عليه سلطة الحكم الذاتي مسؤولياتها فيه:
1) تطبيق العدالة 2) الزراعة 3) الميزانية 4) الخدمات المدنية 5)التجارة 6) الثقافة 7) البيئة 8) التعليم 9) المالية 10) الصحة 11)الاسكان والبناء 12) الصناعة 13) الاتصالات الداخلية والخارجية 14)النقل الداخلي 15) العمل 16) الشرطة المحلية والسجون 17) الطاقة البشرية 18) الشؤون البلدية 19) المحافظة على البيئة والحدائق العامة 20) الاشغال العامة 21) اعادة تأهيل اللاجئين 22) الضمان الاجتماعي 23) الضرائب 24) الشؤون الدينية 25) السياحة. هذا ويضيف التقرير قائلا “ان المجالات والوظائف الاخرى الخاضعة لمسؤولية سلطة الحكم الذاتي فلا تزال قيد البحث والنقاش. وتتوقع الاطراف ان يكون لسلطة الحكم الذاتي السلطات الضرورية والملائمة من اجل ممارسة مسؤولياتها المتفق عليها وذلك سيتضمن ضمن سلطات أخرى سلطة اقرار الميزانية وتحديد سبل تمويلها، وتوظيف الموظفين، والتوقيع على عقود..الخ”
وفي سياق الحديث عن ممارسة سلطة الحكم الانتقالي لمسؤولياتها يقول لينوفيتز “… ان سلطة الحكم الذاتي تقوم وتباشر دورها خلال شهر واحد من انتخابها. ومن ذلك التاريخ تبدأ فترة الخمس سنوات الانتقالية، ويتم انسحاب الحكومة العسكرية الاسرائيلية والادارة المدنية، لتأخذ سلطة الحكم الذاتي مكانها، ثم يتم انسحاب القوات المسلحة الاسرائيلية، ويتم اعادة نشر القوات الاسرائيلية المتبقية في مواقع أمنية محددة”.
اما حول الانتخابات فيقول التقرير “..يتفق الطرفان ان الانتخابات يجب ان تكون حرة بالاستناد الى مباديء حرية الاجتماع وحرية الحملات الانتخابية حسب الاتفاق حول شكل الانتخابات، وهذا الاتفاق شبه منجز ولم تختار الاطراف حتى الان نظاما لتوزيع التمثيل بسبب من خلافاتهم القوية حول مسألة مشاركة السكان الفلسطينين في القدس” ويضيف التقرير حول ذات الموضوع “يتم تنظيم الانتخابات واجراؤها والاشارف عليها من قبل لجنة الانتخابات المركزية المؤلفة من فلسطينيين محليين يتفق عليهم من قبل مفاوضي الحكم الذاتي ومن طاقم اسرائيلي مدني مخول بالاضافة الى مدنيين آخرين -أفراد ومؤسسات- يتفق عليهم المفاوضون. وستتوفر حرية الحركة لوسائل الاعلام الدولية وللخبراء الذين يتفق عليهم”.
وحول مسألة الارض يقول صول لينوفتيز “وفيما يتعلق بمسألة الارض، فالتوجه هو نحو عدم المساس بالملكية القانونية للاراضي الخاصة خلال الفترة الانتقالية، اما الاراضي العامة فيجب معالجة وضعها النهائي واستخداماتها في مفاوضات الوضع النهائي.. هذا وقد طرحت مؤخرا مقترحات قد تشكل اساسا لحل مشكلة الاراضي العامة والمستوطنات الاسرائيلية خلال الفترة الانتقالية..” هذا ولم يوضح التقرير ماهية هذه المقترحات ولكن من الضروري الاشارة الى ان هذا الامر بحث في عهد بيغن المؤمن بأرض اسرائيل التوراتية، وحزب العمل كما هو معروف لا يشاركه في هذا الايمان وطرح في برنامجه استعداده للتنازل عن اجزاء من الارض مقابل السلام. ويعترف حزب العمل بالقرار 242 كأساس للتوصل للتسوية، ونص هذا القرار معروف للجميع بما يتعلق بمسألة الارض. أما بشأن موضوع المياه فيقول لينوفتيز بأنه قد تم تقليص الهوة بين مواقف الطرفين “وستلتزم الاطراف بضمان “ان استخدام الموارد المائية لن يؤثر سلبا على سكان المناطق او على اسرائيل.. ويوافق الطرفان ان سكان المناطق واسرائيل لهما مصلحة حيوية في توزيع الموارد المائية الجوفية تحت المناطق واسرائيل وفي سبيل ذلك فان التنسيق بينهما سيكون ضروريا. وقد يحبذ الطرفان تأسيس هيئة اقليمية تمثل الشعوب المختلفة في المنطقة بهدف تطوير واستخدام موارد المياه لفائدة جميع هذه الشعوب”.
وحول موضوع الامن يقول التقرير “اتفق الاطراف ان سكان كل من المناطق واسرائيل بحاجة الى امن داخلي ونظام عام مضمون خلال الفترة الانتقالية وبالتالي تقر الاطراف بأن قوة الشرطة المحلية القوية التي سيتم تأسيسها من قبل سلطة الحكم الذاتي يجب ان توفر مثل هذا الامن. ومن اجل ضمان الامن الخارجي وفي غياب المشاركة الاردنية فان مسؤولية الامن الخارجي ستقع بشكل منطقي على اسرائيل في الفترة الانتقالية..” وحول عودة المواطنين الذين شردوا من ديارهم في عام 67 فيقول لينوفتيز “وتخطط الاطراف لاقامة لجنة متابعة بعضوية مصر واسرائيل وسلطة الحكم الذاتي (ويبقى للاردن خيار الانضمام) مع دعوة الولايات المتحدة كذلك للمشاركة، وستقرر هذه اللجنة بالتوافق مع صيغ السماح بعودة الاشخاص الذين شردوا في عام 1967 مع الاجراءات الضرورية لمنع المساس بالنظام والاخلال بالأمن”.
بعد هذا العرض المكثف لتقرير الممثل الشخصي للرئيس الامريكي كارتر، في مفاوضات الحكم الذاتي المصرية الاسرائيلية اظن من حق الوفد الفلطسيني مطالبة راعيي المؤتمر بالحكم على المشاريع والمقترحات الاسرائيلية المقدمة في الجولة السادسة من المفاوضات بالقياس لما ورد هذا التقرير الامريكي، ولعل الامانة والعدل في رعاية المفاوضات تفرض على الراعيين مطالبة والزام المفاوض الاسرائيلي بأن تبدأ أطروحاته من حيث انتهت مباحثات الحكم الذاتي المصرية الاسرائيلية وليس من حيث بدأت كما يفعل روبنشتاين الان.
ورغم أن الجانب الفلطسيني ليس طرفا في تلك المباحثات والاتفاق الا أنه كما أعتقد يستطيع استثمار تلك النتائج خاصة وانها ملزمة لاسرائيل امام الولايات المتحدة ومصر والامم المتحدة حيث اودعت تلك الاتفاقات.
واظن أيضا ان من واجب الوفد الفلسطيني وحقه ان يرفض تحقيق تقدم في مفاوضات مع ممثلي حزب العمل وميرتس حول المرحلة الانتقالية وحول سلطة الحكم الذاتي الانتقالي اذا كانت هذه المفاوضات ستبدأ من مواقف دون التي وافق عليها الليكود قبل عشر سنين وفي عهد بيغن لأن حقيقة الحركة تكون تراجع للخلف وليس تقدم للامام وأظن ان الاستمرار في التردد والاحجام عن استخدام الاتفاقات المصرية الاسرائيلية حول الحكم الذاتي كأوراق للضغط على حكومة رابين ومن ضمنها تقرير صول لينوفيتز يساهم في اضاعة الوقت ويساعد رابين على الاستمرار في مواقفه الديماغوجية ومواصلة هجوم السلام الغير الجدي الذي يشن على كل جبهات ومحاور المفاوضات. ويفقد المفاوض الفلسطيني نقاط وأوراق قوية وفعالة تساعده في حال استخدامها في تعرية مواقف رابين أمام جمهوره وشركائه في الحكم وأمام القوى الراعية لعملية السلام والمشاركة فيها أيضا امام العالم اجمع.
فهل سيتحرر المفاوض الفلسطيني من عقدة كامبد ديفيد ويبدأ هجومه المضاد انطلاقا من تقرير صول لينوفيتز مثلا ؟ .
تونس