أوراق التفاوض العربية في مواجهة الأوراق الاسرائيلية ـ الاهرام
بقلم ممدوح نوفل في 25/12/1991
مع انتهاء الحرب الباردة، وانهيار منظومة البلدا الاشتراكية، وتفكك الاتحاد السوفياتي، دخل العالم بأسره مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، حيث تراجعت سمتها الاساسية التي كانت سائدة في العقود الاربعة او الخمس الماضية والتي كانت تقوم على نظام القطبين. وأخذ يحل مكانها نظام دولي جديد لازال في طور التشكل والتكوين.
واذا كان من المبكر ومن الصعب التنبؤ بالصيغة المستقبلية النهائية التي سيرسوا عليها النظام الدولي الجديد، فالواضح الآن أنه في طوره الراهن، وخلال مسار تشكله يضغط على كل التجمعات الاقليمية باتجاه اعادة تشكيل بعضها، وتغيير الاسس التي بني عليها البعض الآخر، ودفعها نحو نوع من الاستقرار.. كل ذلك بهدف تسهيل جذبها واحكام ربطها بالقطب الأقوى راهنا (الولايات المتحدة). ومن الطبيعي أن يعكس هذا التطور النوعي نفسه بحركته الراهنة على مناطق الصراع في العالم، ومن البديهي أن تكون نتائجه المباشرة أكثر وضوحا وملموسية في مواقع الصراع الساخنة، خاصة تلك التي كانت موضع تجاذب القطبين سابقا، كالشرق الاوسط وافغانستان وكموديا وجنوب أفريقيا. ونظرا لخصوصيته الاقتصادية (نفط+سوق استهلاك) وطبيعة مشاكله المعقدة، حظي الشرق الاوسط باهتمام امريكي خاص، تميز عن سواه من المناطق الاخرى في العالم، بوقوع حرب طاحنة فيه والقاء الادارة الامريكية بثقلها السياسي والديبلوماسي نحو قضاياه، فقام وزير الخارجية الامريكي بزيارته ثمان مرات خلال أقل من ثمانية أشهر، وحضر الرئيس الأمريكي حفل افتتاح مؤتمر السلام الذي عقد من أجله في مدريد، كما تميز بدعوة كل الدول الفاعلة في العالم للمشاركة في أعمال المؤتمر الثاني المتعدد الاطراف الذي تقرر انعقاده في نهاية الشهر القادم في موسكو.
وفي ضوء ذلك يمكن القول أن تقييم العملية التفاوضية، الفلسطينية والعربية الاسرائيلية الجارية واللاحقة يجب أن لا تخرج من اطار القراءة للوضع الدولي الجديد ومسار حركته المرئية والمباشرة. ونعتقد في هذا السياق أن الجانب الفلسطيني والعربي أحسنا صنعا عندما انتهجا سياسة واقعية باتخاذ القرار في المشاركة في العملية التفاوضية رغم وجود العديد من النواقص في أسسها. فبمجرد قبول المشاركة بات في متناول الجانب الفلسطيني والعربي، كما نعتقد، ورقتان أساسيتان من أوراق التفاوض، الأولى ورقة الوضع الدولي وضغطه المتزايد مع انتهاء الحرب الباردة باتجاه حل قضايا الصراع العربي والفلسطيني-الاسرائيلي على أساس قرارات الشرعية الدولية. أما الورقة الثانية فهي تلمس الرأي العام العالمي والقوى المناضلة من أجل السلام لرغبة الجانب العربي والفلسطيني في صنع سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الاوسط. فهاتان الورقتان بقيتا طيلة الفترة الماضية بيد القيادة الاسرائيلية، حيث لعبت بورقة الحرب الباردة ونجحت في الهروب من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 242 الذي يلزمها بالانسحاب من الاراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها عام 67. وبذات الورقة غطت اسرائيل سياستها العدوانية التوسعية التي مارستها طيلة ربع قرن ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى حيث أعطت نفسها (وبغطاء أحد القطبين) دور الشرطي الحارس لمصالح لمعسكر الرأسمالي. وفي ظل تلك الظروف نجحت اسرائيل في تضليل الرأي العام الأمريكي والاوروبي والظهور بمظهر البلد الديمقراطي الداعي للسلام، وسط تجمع من الديكتاتوريات المتخلفة الرافضة للسلام، واستفادت في عمليتها التضليلية في تلك الفترة من المواقف العربية والفلسطينية التي كانت تقوم على رفض المفاوضات المباشرة مع اسرائيل.
والى جانب هاتان الورقتان يدخل المفاوض الفلسطيني والعربي قاعة المفاوضات وبيده ورقة عدالة قضاياه مسندة بنصوص قرارات الشرعية الدولية ومواثيقها وفي مقدمتها قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للامم المتحدة التي تقر له بحقوقه في أرضه وفي سيادته عليها. فالقرار 242 و338 يؤكدان على انسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها عام 67، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بصورة عادلة، وضمان أمن جميع دول المنطقة. كما وأن اتفاقية جنيف الرابعة تجعل الاستيطان وكل ما قامت به اسرائيل من تغييرات على الاراضي العربية المحتلة اجراءات باطلة في نظر القانون الدولي. ونعتقد أن ليس بامكان اسرائيل اقناع العالم بتفسيراتها الخاصة لهذه القرارات، وخاصة فيما يتعلق بالانسحاب من الضفة الغربية والقدس والقطاع وهضبة الجولان وجنوب لبنان.
ويستطيع المفاوض الفلسطيني الاستفادة من بعض نصوص اتفاقيات كامب ديفيد والاستعانة بالعديد من القرارات الاخرى التي صدرت عن مجلس الامن والهيئات الدولية الاخرى القديم منها مثل قرار 194 الخاص بموضوع اللاجئين، أو ماصدر على امتداد ربع القرن الاخير.
والى جانب قرارات الشرعية الدولي يمتلك المفاوض الفلسطيني والعربي التزامات أمريكية واضحة بالعمل على حل قضايا الصراع العربي والفلسطيني-الاسرائيلي وفقا لمفهوم امريكي جرى تحديده بدقة متناهية في خطاب الرئيس بوش يوم 6 /آذار/1991، وفي رسائل التطمينات التي قدمها الجانب الأمريكي للجانب العربي والفلسطيني، وفي نص رسالة الدعوة الى مؤتمر مدريد، ورسالة الدعوة الى جولة المفاوضات التي عقدت مؤخرا في واشنطن. وبالتدقيق في هذا المفهوم يتبين أنه أقرب الى المفهوم العربي منه الى المفهوم الاسرائيلي. فهو يقوم على أساس مبادلة الارض بالسلام، وانسحاب اسرائيل من الاراضي العربية التي احتلت عام 67، واعتبار الاستيطان عقبة في طريق السلام، ويعترف بالفلسطينيين كشعب “له الحق في السيطرة على قضاياه السياسية والاقتصادية وأية قرارات أخرى تؤثر على حياتهم ومصيرهم” (رسالة التطمينات فقرة 5).
كما يمكن اعتبار المشاركة الدولية الواسعة والشاملة في المؤتمر المتعدد الاطراف ((Multilataral ورقة تفاوضية هامة بيد المفاوض الفلسطيني والعربي. ويمكن استثمارها في الضغط على اسرائيل لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومنعها من مواصلة التهرب من الالتزامات التي تفرضها عليها هذه القرارات. لا سيما وان مواقف الاطراف والدول المدعوة لهذا المؤتمر (دول السوق الاوروبية، اليابان، كندا، الصين) أقرب الى الموقف الفلسطيني، وأكثر تقدما من الموقف الامريكي، كما عبرت عن نفسها في بيان مدريد وفي العديد من المواقف الرسمية الأخرى.
وبامكان المفاوض الفلسطيني والعربي الاستفادة من وجود نوع من الانقسام السياسي داخل اسرائيل ومن وجود قوى تنادي بالسلام العادل وفقا لمفهوم متقارب مع المفهوم الفلسطيني (حركة السلام الان) وأخرى ليست بهذا القرب، الا أنها مع مبادلة الارض بالسلام، وضد مفهوم الليكود.
والى جانب ذلك كله يستند المفاوض الفلسطيني والعربي الى الموقف الشعبي داخل الاراضي المحتلة، المصمم على نيل الحرية والاستقلال. فالانتفاضة الباسلة المتواصلة منذ أكثر من أربع سنوات تعتبر من أهم الاوراق التي يمسك بها المفاوض الفلسطيني والعربي، هذا والى جانبها ورقة المقاومة الوطنية اللبنانية المناضلة ضد وجود قوات الاحتلال في جنوب لبنان، وورقة تمسك أهالي الجولان بعروبتهم. ان فشل الاحتلال على مدى ربع قرن من الزمن من ايجاد قوى فلسطينية او سورية تتعاون معه وتقبل السير في مخططاته تبقى عقبة كأداء في وجه جيش الاحتلال وفي مواجهة السياسة التوسعية الاسرائيلية. وان التزام الجماهير الفلسطينية داخل الضفة والقدس والقطاع والعربية في الجولان وجنوب لبنان بمواقف قياداتها السياسية ووفودها المفاوضة، يعطي للموقف التفاوضي الفلسطيني والعربي أرضية صلبة يمكنه الاستناد اليها في صراعه مع المفاوض الاسرائيلي مهما طال أمد هذا الصراع.
بعد هذا العرض لأوراق التفاوض العربية والفلسطينية، وقبل الانتقال لاستعراض اوراق التفاوض الاسرائيلية، نعتقد أنه من الضروري الاشارة الى نقاط الضعف الاساسية في الموقف التفاوضي الفلسطيني والعربي، والتي يمكن تجاوزها، وبتجاوزها تتعزز أوراقها التفاوضية.
لا شك أن غياب وحدة الموقف العربي من عملية السلام الجارية، وعدم امتلاك الوفود العربية المفاوضة لاستراتيجية تفاوض موحدة تمثل أخطر الثغرات في الموقف التفاوضي العربي، ويتوقع أن تزداد خطورة هذه الورقة طرديا مع كل تقدم تحرزه عملية السلام، وقد تؤدي في حال استمراره ليس فقط الى تفرد الجانب الاسرائيلي بالاطراف العربية طرفا طرفا، بل وايضا الى وقوع شرخ قومي، وصراعات عربية عربية، تترك آثارا مدمرة على الوضع والعلاقات العربية العربية لسنوات طويلة. ونظن أننا في غنى عن الاسترسال في الحديث عن مخاطر ومضار غياب الموقف العربي الموحد في ظل التطورات الدولية المتسارعة وخلال مرحلة المفاوضات، فهذه الثغرة تتحدث عن نفسها كل ساعة وفي كل المجالات.
والى جانب نقطة الضعف هذه، فاننا نعتقد أن تاريخ العلاقة المعقدة بين العرب والادارة الامريكية يمثل هو الاخر نقطة ضعف ثانية ستواجه المفاوض الفلسطيني والعربي خلال مراحل المفاوضات. وخطورة هذه الثغرة تمكن في الدور الحاسم للادارة الامريكية في العملية السياسية الجارية، وكذلك الموقع المقرر الذي تحتله راهنا على صعيد القرار الدولي.
ويمكن القول أن ضعف القدرة العسكرية العربية في مواجهة القدرة العسكرية الاسرائيلية، تمثل أيضا نقطة ضعف أخرى في الموقف التفاوضي العربية، يمكن للمفاوض الاسرائيلي استغلالها معنويا وماديا في المفاوضات، فهو يتصرف باعتبار أن ضعف الوضع العسكري العربي، يعفيه نفسيا وماديا من تسريع المفاوضات.
ونعتقد أن صورة النظام السياسي العربي المشوهة لدى الرأي العام الامريكي والاوروبي تعتبر هي الأخرى ثغرة تعيق حصول المفاوض العربي على دعم هذا الرأي بطاقاته القصوى. ان صور الديكتاتوريات العربية، وغياب الديمقراطية، هضم حقوق الانسان، وانعدام الحريات وبعض الممارسات الارهابية ..الخ وصورة انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي للنظام العربي، يعطي ولا شك للموقف الاسرائيلي ذرائع ومبررات لتعنتها في مواقفها خلال المفاوضات، وتفسح المجال لوجود قوى على المستوى الدولي وآذانا تصغي لهذه الاقوال وتتفاعل معها بغض النظر عن واقعية المواقف العربية في المفاوضات.
أما بشأن اوراق التفاوض الاسرائيلية، فاننا نعتقد أنها تتكون من:
1) أقواها على الاطلاق هو ما ورد ذكره من نقاط ضعف وثغرات في الموقف العربي.
2) والى جانبها يمسك المفاوض الاسرائيلي بقوة بورقة احتلاله للاراض الفلسطينية والعربية والتي تجعله يواجه الوفود العربية والاطراف الدولية الاخرى من موقع قوة. وهذا الموقع يعطيه هامشا واسعا من المناورة والمساومة يتيح له رفع سقف مواقفه التفاوضية مع كل طرف من الاطراف العربية صاحبة الاراضي المحتلة.
3) انفتاح باب الهجرة اليهودية على مصراعيه في العامين الاخيرين، ونجاح سياسة الاستيطان في ابتلاع ما يزيد عن 50 % من أراضي الضفة الغربية وغزة وتوطين ما يقارب 150,000 مستوطن، تمثل ولا شك عنصر قوة يضغط يوميا على المفاوض الفلسطيني خاصة والعربي عامة.
4) لا يمكننا تجاهل العلاقة الاستراتيجية التاريخية الموثقة باتفاقات خطية بين الادارة الامريكية واسرائيل. فبفعل تاريخ طويل من التعاون المشترك الامريكي الاسرائيلي الرسمي (45 سنة) استطاعت اسرائيل أن تبني لنفسها مواقع معنوية ومادية يؤثر بنسبة أو بأخرى على طبيعة القرار الامريكي وفي طريقة وسرعة اتخاذه. وما اعتماد الادارة الامريكية لسياسة المكيالين في الدفاع عن قرارات الشرعية الدولية الا واحدة من نتائج هذه العلاقة الاستراتيجية.
5) وبالاستناد لهذا العنصر وعناصر القوة الاخرى، السابقة الذكر أو اللاحقة، استطاعت القيادة الاسرائيلية أن تملي بعض شروطها المتعلقة بأسس واطار ونوعية وشكل المشاركة في مؤتمر السلام، وبالاعتماد عليها ترسم كل مواقفها التفاوضية الاستراتيجية والتكتيكية وتتشبث بها، دون أن تخشى ردود فعل راعي او راعيي المؤتمر.
6) نجاح الحركة الصهيونية في توحيد مواقف الجاليات اليهودية خلف الموقف الاسرائيلي، ونجاحها في تأطيرهم وتنظيمهم في مواقع اقامتهم خاصة في امريكا واوروبا الغربية والشرقية وحشد طاقاتهم وامكاناتهم لتقديم كل اشكال الدعم السياسي والمعنوي والمادي لاسرائيل. وقدرة الجالية اليهودية في الولايات المتحدة على التأثير في الرأي العام الامريكي وبالتالي التأثير على صناعة القرار الامريكي وخاصة ما يتعلق منه باسرائيل.
7) نجاح الحركة الصهيونية والقيادة الاسرائيلية في التأثير على الرأي العام الغربي عامة وتضليله وكسب تعاطفه مع اسرائيل من خلال ابراز الوجه الديمقراطي للنظام السياسي في اسرائيل (التعددية، الانتخابات، الحريات الشخصية، استقلالية القضاء..الخ) واخفاء الوجه الآخر، العنصري غير الديمقراطي، والتغطية على كل صنوف الارهاب والقمع ومصادرة الحريات والاستيلاء على اراضي الغير بالقوة..الخ من الممارسات العنصرية ضد ما يزيد على 750 الف فلسطيني يعيشون داخل اسرائيل، هذا بالاضافة لكل صنوف الممارسات الفاشية لسلطة وجيش الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني في القدس والضفة والقطاع وابناء الشعب السوري واللبناني في الهضبة السورية وجنوب لبنان المحتل.
8) التفوق العسكري الاسرائيل على الدول العربية واطمئنان القيادة الاسرائيلية الى تواصل العجز والضعف العربي، وضمان تفوقها باستمرار.
بعد هذا العرض لاوراق التفاوض العربية واوراق التفاوض الاسرائيلية، وبالتدقيق فيها يمكن القول أن عناصر القوة في الموقف العربي هي نقاط ضعف الموقف الاسرائيلي وعكس ذلك صحيح تماما. كما ويمكن الوصول الى استخلاص مؤداه أن الظروف والعوامل الدولية المحيطة بعملية السلام الجارية (تفاعلات انتهاء الحرب البادرة وبروز ميل متزايد نحو حماية قرارات الشرعية الدولية) تساعد الجانب الفلسطيني والعربي الان وفي المستقبل على تقليص نقاط ضعفه، وتنمية عناصر قوته وزيادة فعالية وتأثير الاوراق التفاوضية التي بحوزته، وذلك من خلال التخلص أولا وقبل كل شيء وبأسرع وقت ممكن من نقاط الضعف الناشئة عن عوامل ذاتية عربية صرفة محددة في بداية هذا المقال. وذلك بوضع المصلحة القومية فوق كل اعتبار آخر، ووضع استراتيجية عمل عربية يتم خلالها توزيع وتكامل الادوار وتنسيق العمل على الرئيسية وفقا للتصور التالي:
أولا / جبهة المفاوضات الثنائية والمؤتمر المتعدد الاطراف والمواضيع:
– تحلي الوفود العربية المفاوضة وموجهيها بالصبر وطول النفس، والتعامل بواقعية مع العملية التفاوضية باعتبارها عملية طويلة شائكة ومعقدة وسوف تستغرق عدة سنوات، المرئي منها على المحور الفلسطيني خمس سنوات كحد أدنى. والحرص على عدم الانجرار وراء الاستفزازات الاسرائيلية.
– ابراز الحرص العربي على تواصل المفاوضات وعلى بقاء الباب مفتوحا أمام فرص تحقيق السلام العادل، وانتهاج التكتيكات الكفيلة بكشف الموقف الاسرائيلي على حقيقته والهادف الى افشال العملية برمتها، وفضح مناوراتها وتكتيكاته التعطيلية أمام الرأي العام وأمام راعيي المؤتمر والاطراف الأخرى المشاركة فيه. وتجنب في كل الاحوال تحمل المسؤولية عن أي توقف للمفاوضات.
– اعتماد أسلوب مرحلة الاهداف، وانتهاج تكتيك يقوم على مراكمة الانجازات الصغيرة وتجميعها من جديد وتحويلها الى مواقع قوة يمكن الاستناد اليها في المفاوضات، والحرص في هذا السياق على ترابط مراحل الحل والتعامل بايجابية مع كل مقترح يصب في هذا الاتجاه يقدمه أي من الاطراف الدولية الاخرى المشاركة.
– الحرص على اتخاذ مواقف، وتقديم مقترحات واقعية تصون الحقوق، وتكون مفهومة لدى الرأي العام العالمي وعند الدول الراعية او المشاركة في المفاوضات. والتركيز دائما على القضايا المحقة والتي لا لبس في وضوح أحقيتها والتي تكاد تكون موضع اجماع دولي مثل قضية وقف الاستيطان والقضايا العملية المتعلقة ببناء الثقة وتلك التي لا غنى عنها لضمان سير المفاوضات.
– تنسيق عمل الوفود العربية المفاوضة، باعتبارها تخوض معركة موحدة على جبهة واحدة، تتكون من عدة محاور أساسية وربط أي تقدم على أي من المحاور بالتقدم بمستوى مقبول على المحاور الأخرى. وفي هذا الاطار تبرز ضرورة ربط انعقاد المؤتمر المتعدد الاطراف باحراز تقدم مقبول في الثنائيات، وبالحد الادنى ربط التوصل الى صيغ اتفاقات نهائية على جبهة المتعدد الاطراف والمواضيع بتقدم عملي مقبول على محاور المفاوضات الثنائية الفلسطينية والاردنية-الاسرائيلية، والسورية-الاسرائيلية، واللبنانية-الاسرائيلية.
– الحرص باستمرار على تفعيل دور راعيي المؤتمر في المفاوضات، وعلى ابقاء الادارة الامريكية أمام مسؤولياتها وتنشيط دورها في كل جولات ومراحل المفاوضات على قاعدة مواقفها الرسمية المعلنة، خطاب بوش في 6 آذار 91، وخطاب الوزير بيكر في مؤتمر مدريد، وما ورد في رسائل التطمينات التي قدمتها الادارة الامريكية للاطراف العربية كأساس للمشاركة في المفاوضات، وايضا ما احتوته رسائل الدعوة الى مؤتمر مدريد، وجولة مباحثات واشنطن.
-تشجيع الدول الاوروبية واليابان وكندا والصين على دعم مسيرة السلام، وتحمل مسؤولياتها الدولية تجاه المحاولات الاسرائيلية لتعطيلها وتخريبها. والتعامل مع هذه الدول في اطار المتعدد الاطراف والمواضيع بايجابية وبما يمكنها من المساهمة المباشرة في صنع السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة.
ثانيا / جبهة الوضع العربي وعلاقاته الدولية:
أ- المستوى السياسي
-مواصلة النهج الواقعي الذي تكرس في القدرة على التعامل الموضوعي مع المتغيرات الدولية وبرز في الموافقة على المشاركة في العملية السياسية، والذي أسقط صورة ومقولة رفض العرب سابقا للمفاوضات الثنائية المباشرة التي كانت تتذرع بها اسرائيل للهروب من السلام العادل ومن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. وأبرز موقفا عربيا جديدا لقي تقدير واحترام كل الدول والقوى الحريصة على مشاهدة الاستقرار والسلام العادل والدائم يسود الشرق الاوسط.
– العمل باستمرار على تحسين الصورة الايجابية التي تشكلت عن الموقف الفلسطيني والعربي في مؤتمر مدريد ومباحثات واشنطن، وذلك من خلال مواصلة التعاطي الايجابي مع متطلبات تواصل عملية السلام، والحرص دائما على اطلاق المزيد من المبادرات السلمية والمقترحات الواقعية والايجابية والتي تصون الحقوق، وتساعد في نفس الوقت على توسيع التحالفات على جبهة المفاوضات، وحشد الدعم الدولي للموقف التفاوضي العربي والفلسطيني، وحشر الموقف الاسرائيلي وفضح نواياه الحقيقية في تعطيل عملية السلام.
– لتمسك بقرارات الشرعية واظهار الموقف العربي على أنه المدافع الأمين والملتزم بقرارات الامم المتحدة والحريص على تنفيذه هي وكل الاتفاقات الدولية مثل اتفاقيات نيف الرابعة وسواها.
– وضع خطة اعلامية عربية متكاملة موجهة للرأي العام العربي، قادرة على فضح تزوير حقائق لتاريخ الصراع العربي الاسرائيلي والفلسطيني الاسرائيلي الذي قامت به الحركة الصهيونية، وأيضا اظهار حقيقة المواقف العربية بشأن صنع السلام العادل في المنطقة والقائم على أساس العيش المشترك وضمان الامن لجميع دول وشعوب المنطقة ضمن حدود مرسومة معترف بها دوليا وحل مشاكل اللاجئين.
– السعي لتعزيز علاقات التعاون العربي-الاوروبي، وصولا الى تفاهم مشترك حول طبيعة السلام وأسسه ودور أوروبا في صنعه. والعمل على تشجيع اليابان وكندا والصين على أخذ مواقعهم في مؤتمر السلام المتعدد الاطراف وتفعيل أدوارهم فيه. ويمكن للعرب في هذا الاطار استثمار امكاناتهم الاقتصادية الكبيرة والعلاقات الخاصة لهذه الدولة او مجموعة الدول مع هذه الدول والتكتلات الدولية المنخرطة فيها.
ب- على مستوى الوضع الذاتي
– وضع المصلحة القومية العليا فوق اية اعتبارات أخرى، والعمل على اعادة توحيد الموقف وتوحيد الصف العربي الرسمي على اسس تكفل المصالحة الوطنية للجميع وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتمنع وقوع كل ما يمس أمن وسلامة الجميع، وترسي أسسا واضحة وملزمة لحل أية خلافات قد تبرز بين الدول العربية. وتأسس للشروع من جديد في عمل عربي موحد ومنسق يضمن حماية المصالح العربية، وانتزاع الحقوق الوطنية والقومية في العملية التفاوضية الجارية، ويضمن كذلك حماية الذات العربية، ويجنبها كل اشكال الخضات والصراعات التي تحملها معها رياح وعواصف المتغيرات الجارية بتسارع على الساحة الدولية. ولعل الدعوة لعقد قمة عربية شاملة، او الى لقاء عربي يضم الاطراف المشاركة في عملية السلام، مع تغليب العقل على العواطف والقفز فوق الجراح الوطنية والذاتية التي لحقت بهذا الطرف او ذاك ابان حرب الخليج وبعدها، تشكل نقطة انطلاق جديدة في تنظيم العلاقات العربية-العربية، وعلاقات العرب مع دول العالم.
– العمل على تعزيز الوحدة الوطنية داخل كل بلد عربي، وحشد طاقاته خلف وفده المشارك في المفاوضات. وذلك من خلال تعزيز الديمقراطية في العلاقة بين النظام الحاكم والقوى السياسية المعارضة، بما يعط لكل طرف حقوقه، مع ضمان التزام الجميع بالواجب الوطني المشترك وبأسس الديمقراطية. ولعل تعزيز الحياة البرلمانية، والانتهاء من نظام الحزب الواحد، واطلاق الحريات السياسية والاجتماعية، والغاء مظاهر الفردية والديكتاتورية، وتشجيع اقامة لجان حقوق الانسان في البلدان العربية واحترام آرائها..الخ تسهم في تغيير صورة النظام العربي في نظر الرأي العام الغربي، وتسقط المقولة الاسرائيلية بأنها البلد الديمقراطي الوحيد في المنطقة تعيش وسط غابة من الديكتاتوريات والنظم الفردية العربية.
– تحرر الاطراف العربية المشاركة في مؤتمر السلام من عقدة الشعور بالاجحاف بسبب الشروط والاسس التي على أساسها بني المؤتمر وتمت المشاركة فيه. وأيضا من الشعور بضعف أوراق التفاوض التي تمتلكها، وان انعدام الخيارات الأخرى هو الدافع الوحيد الذي ألزمها على الدخول في العملية السياسية الجارية. فمثل هذه المواقف تندرج كما نعتقد في مرحلة ما قبل انعقاد مؤتمر مدريد وقبل بدء المفاوضات، حيث أثبتت مجريات الصراع على طاولة المفاوضات وفي الممرات أنها قراءة أحادية الجانب لاسس العملية السياسية. عدا عن كونها لا تسهم في تعبئة وحشد طاقات الشعوب العربية في معركة لمفاوضات ودعم الوفود المفاوضة. كما أنها لا تسهم في تعزيز ثقة المفاوض العربي بقدراته وبأوراقه التفاوضية وتضعه في جو نفسي مضغوط يعطل قدرته على اطلاق المبادرات وانتهاج التكتيكات السليمة المساعدة له في كسب المعركة في المفاوضات.
– العمل على دعم الانتفاضة الفلسطينية الباسلة، ودعم صمود الجماهير الفلسطينية والعربية الصامدة في الاراضي العربية والفلسطينية المحتلة، وذلك من خلال تقديم كل اشكال الدعم المادي والمعنوي لها. ولعل اعادة احياء اللجان العربية لدعم الانتفاضة وبعث روح عملية فيها يسهم في تمتين وتصليب هذه الورقة التفاوضية الهامة والرئيسية ويزيد من فعلها وتأثيرها ليس فقط على طاولة المفاوضات بل وأيضا في تغيير موازين القوى داخل الارض المحتلة وفي صفوف الرأي العام العالمي.
– العمل على تعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية على المستوى العربي والدولي باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وترسيخ قناعة عربية تقوم على أن اي اضعاف للمنظمة هو اضعاف لأوراق التفاوض العربية، ويخطيء من يعتقد أن نجاح مسيرة السلام، ومعالجة ما تتضمنه من قضايا فلسطينية مثل قضية اللاجئين، أو رسم الحدود بين دول المنطقة، أو حل مشاكل المياه او القضايا العسكرية، ممكن بمعزل عن دور منظمة التحرير.
– ونعتقد أن كسب معركة السلام الجارية، يتوقف على حسن استخدام المفاوض العربي لأوراقه، وأيضا والى حد كبير، على كسب موقف الشرعية الدولية، وكسب الرأي العام العالمي وخاصة المؤثر منه في قرار الدول الكبرى. وان نسبة تحقيق هذا المكسب مرهونة بعوامل متعددة ولعل الدور الاعلامي النشط يمثل عاملا رئيسيا فيها. ونعتقد أن تشكيل لجنة اعلامية عربية تضم ممثلين عن الاطراف المشاركة في عملية السلام، ورصد الامكانات اللازمة لها يسهم في تعريف العالم بعدالة القضية العربية ومشروعية مطالب الوفود المفاوضة.
– حشد طاقات الجاليات العربية في بلدان المهاجر الاوروبية والامريكية وتنظيم صفوفها بما يمكنها من المساهمة الفعالة في نقل رسالة السلام العربية الى الرأي العام في البلدان التي تقيم فيها، وخلق شيء من التوازن، في الفعل والتأثير السياسي، مع الدور الذي تقوم به الجاليات اليهودية بقيادة الحركة الصهيونية في عدد من دول العالم.
ثالثا / محور العمل على الساحة الأمريكية
من الواضح أن حجم ونوعية المتغيرات التي شهدها العالم خلال العامين الأخيرين هي من الضخامة لدرجة يصعب التكهن بتأثيراتها في المدى المتوسط و البعيد على النظام الدولي، وخاصة مصير ومستقبل الدول والشعوب الصغيرة والقفثرة، وتلك المتعددة القوميات والديانات. لكن الظاهر والملموس منها هو تبوؤ الولايات المتحدة الامريكية موقعا حاسما ومتميزا في النظام الدولي الجديد، وفي تحديد مسار العلاقات الدولية ومستقبلها، وفي حل النزاعات والصراعات القديمة أو المستجدة بين الدول. وانطلاقا من المصلحة الوطنية الفلسطينية، ومصالح الشعوب العربية الأخرى فاننا نعتقد أن هذه التطورات تفرض بالضرورة اعادة النظر عربيا في العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية، واعادة تنظيمها على اساس توازن المصالح، وتحريرها من كل القيود الايديولوجية التي كانت تؤثر فيها، والتحرر أيضا من كل عقد ورواسب ماضيها المأزوم. ونظن أن انتهاء الحرب الباردة، وتبخر عملية الاستقطاب الدولي، وحجم مصالح الولايات المتحدة في منطقتنا العربية ترسي أساسا لاعادة تنظيم العلاقات العربية-الامريكية على أسسها الجديدة.
بعد اقلاع قطار التسوية السياسية لقضايا المنطقة من محطته الاولى تحت الاشراف المباشر للادارة الامريكية يتطلب التعامل فلسطينيا وعربيا مع الساحة الامريكية (سلطة ورأي عام) باعتبارها محورا اساسيا في محاور العمل والنشاط الفلسطيني والعربي، واحداث تغيير نوعي في النظرة السابقة لتلك الساحة وفي أساليب وطرق العمل التي كانت معتمدة سابقا، بما يضمن بالحد الادنى تحييد الموقف الامريكي وجعله يتعامل مع قضايا المنطقة بمكيال واحد لا مكيالين. ولعل ذلك يتطلب:
– العم لعلى توسيع صف الجمهور الامريكي الداعي الى اقامة سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة على اساس قرارات الشرعية الدولية ومواثيقها الدولية.
-القيام بحملة اعلامية منظمة تستهدف تعريف الجمهور الامريكي بعدالة القضايا العربية، وبالمواقف العربية من مسألة السلام وبالمبادرات التي قدمتها من أجل ذلك، وايضا بمواقف الوفود العربية المفاوضة، وكشف عملية العربية للشعب الامريكي، واستثمار علاقاتها العامة والخاصة
– تنظيم وضع الجالية العربية في الولايات المتحدة وتفعيل مؤسساتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، باتجاه أخذ دورها في شرح المواقف العربية للشعب الامريكي، واستثمار علاقاتها العامة والخاصة مع الحركات والمؤسسات والاحاب والتجمعات والشخصيات الامريكية الفاعلة في المجتمع. والعمل على توطيد العلاقات مع حركة السلام الآن.
– مواصلة التعاطي الايجابي مع الدور الامريكي في عملية السلام الجارية الان، وتجنب كل ما من شأنه ان يقود الى تصادم مباشر مع مواقفها والبحث دائما عن قواسم مشتركة بين الموقف الامريكي والموقف العربي بما لا يمس الثوابت الوطنية وخاصة مسألة الانسحاب الاسرائيلي من كل الاراضي العربية المحتلة ومسألة السيادة على الارض. وحثها باستمرار على تحمل مسؤولياتها والوفاء بالتزاماتها التي قدمتها للاطراف العربية في رسائل التطمينات، وفي المواقف الرسمية المعلنة في أكثر من مناسبة وفي وثائق أخرى.
– انطلاقا من كون مواقف الادارة الامريكية من مسألة الانسحاب، والسيادة، والمستوطنات، أقرب الى الموقف العربي منه الى الموقف الاسرائيلي، فلعل ذلك يفسح المجال للعمل عربيا باتجاه الوصول الى تفاهم مشترك حول مسار العملية وحول نتائجها النهائية، وتنسيق المواقف والمقترحات في كل جولة من جولات الحوار.
– العمل على تجنب التصادم العلني والمباشر في المحافل الدولية وعلى الارض مع مواقف الادارة الامريكية بشأن القضايا الدولية والاقليمية، والبحث دائما عن قواسم مشتركة توفق ما بين الموقفين، لا سيما وأن نتائج مثل هذا التصادم معروفة سلفا، على الاقل في هذه المرحلة. ولعل نتائج التصويت في الجمعية العامة للامم المتحدة حول الموقف من الصهيونية مؤشرا على ذلك.
– استثمار العلاقات الاقتصادية والتجارية الامريكية-العربية وتوظيفها قدر الامكان في خدمة القضايا السياسية العربية، ولا سيما وان العديد من الشركات الصناعية والتجارية الامريكية ليست بعيدة عن التأثير في توجيه وصنع القرار السياسي الامريكي.
– العمل على استثمار العلاقات الخاصة التي تربط الولايات المتحدة مع عدد من الدول العربية (مصر، السعودية، والمغرب…) باتجاه مالجة أية تأزمات أمريكية عربية، وباتجاه تقريب الموقف الامريكي من المواقف العربية في المفاوضات الجارية ونصرة الحق العربي كما تقره الشرعية الدولية.
رابعا / العمل على المحور الاسرائيلي:
يستطيع كل مدقق في المنطلقات الايديولوجية لسياسة الليكود ومصالحه الخاصة، الوصول الى استخلاص بأنه من المتعذر الوصول الى سلام عادل وشامل ودائم مع القيادة الاسرائيلية الحالية بدون تدخل ضاغط من راعيي المؤتمر وخاصة ضغط الولايات المتحدة، أو وقوع تحولات نوعية في القناعات السياسية داخل المجتمع الاسرائيلي ووصول أغلبيته (أكثر من 51 %) الى قناعة بأن السلام العادل والشامل والدائم هو في مصلحة اسرائيل شعبا ودولة. ولعل قبول الليكود دخول العملية السلمية بوجود مسار فلسطيني اسرائيلي، وكذلك القرارات والتوجهات السياسية التي صدرت عن المؤتمر الاخير لحزب العمل، وعوة الروح من جديد لقوى حركة السلام الان مؤشرات أولية ودليلا على أن حصول مثل هذه التحولات النوعية باتجاه الواقعية السياسية أمرا ليس مستحيلا. ولا شك أن تواصل الانتفاضة، وتفاعلات التطورات الدولية، وخاصة صعود البحث عن الذات القومية، وانتهاء الحرب الباردة، وتواصل العملية التفاوضية سوف تسهمفي خلق مزيدا من القناعات عند الشعب الاسرائيلي بضرورة حل الصراع العربي الاسرائيلي والفلسطيني الاسرائيلي والوصول الى سلام وتعايش بين شعوب المنطقة.
الا ان هذا لا يعني بقاء الدور والفعل الفلسطيني والعربي مجمدا بانتظار نتائج ما سيحققه الزمن، بل لا بد كما نعتقد من فعل عربي موحد ومنسق يسرع في وقوع مثل هذه التحولات. ونظن أن كسب معركة السلام الدائرة الآن، تتطلب اعتبار هذه المهمة بمثابة أحد محاور العمل الرئيسية للقوى الواقعية العربية الحاكمة وغير الحاكمة. ولعل مبادرتها باتجاه شن هجوم سلام منظم على المجتمع الاسرائيلي وفتح أسوار القلعة الاسرائيلية المغلقة من داخلها يسهم في تسريع وقوع التحولات الاسرائيلية نحو الواقعية السياسية. وفي هذا السياق لربما كانت التوجهات التالية مدخلا للشروع في انجاز هذه المهمة:
1) عقد ندوة فكرية عربية تبحث وتدقق في هذه المهمة، امكاناتها، مداخلها، اسسها، وتحدد الفواصل والتخوم بين التطبيع الضار، وبين التفاعل الذي تفرضه المصلحة العربية. وكيفية الاستفادة مثلا من العلاقات المصرية الاسرائيلية القائمة الآن.
2) وضع خطة اعلامية عربية متكاملة قادرة على اختراق الأسوار الحديدية التي تبنيها القيادة الاسرائيلية حول الرأي العام الاسرائيلي، وتعريف المواطن هناك بحقائق الصراع العربي والفلسطيني الاسرائيلي، وتضعه أولا بأول في صورة المواقف العربية على طاولة المفاوضات.
3) توجيه المزيد من فعاليات الانتفاضة باتجاه مخاطبة المجتمع الاسرائيلي مباشرة. فقد أثبتت مجريات الاحداث أن مسيرات اغصان الزيتون أوقعت جيش الاحتلال والقيادة الاسرائيلية في حالة من الارتباك، ونقلت رسالة السلام الفلسطينية الى قلب المجتمع الاسرائيلي والرأي العام العالمي.
4) نعتقد أن بامكان مؤسسات م.ت.ف ومنظماتها الشعبية الاسهام في هذا المجال، وكذلك العديد من القوى العربية. فالمعروف أن اكثر من نصف سكان اسرائيل هم من اليهود الشرقيين وغالبيتهم من اصول عربية، وهذا يساعد ولا شك في تحديد ما يمكن أن يقوم به كل طرف من اطراف حركة التحرر الوطني العربي، وفي ايجاد المداخل لذلك. ولعل الوقت مناسبا الان لشن حملة اعلامية واسعة ضد قرار الكنيست الاسرائيلي العنصري الذي يحظر على الاسرائيليين الاتصال واللقاء مع قوى م.ت.ف.
5) العمل على تطوير العلاقة مع قوى السلام في اسرائيل وتفعيل دور اللجان والمؤسسات الفلسطينية العاملة داخل الاراضي المحتلة في هذا المجال، ولعل دخول عدد من القوى العربية على هذا الخط يسهم أيضا في تسريع التحولات داخل اسرائيل، ويساعد في الضغط على القيادة الاسرائيلية وارغامها على العمل بصدق وجدية من اجل صنع السلام العادل والشامل والدائم بين الشعبين.
بعد هذا العرض لمحاور عمل الجانب العربية، فاننا نعتقد أن الشروع في انجاز ما ورد ذكره من مهام على كل محور من المحاور، يسهم بفعالية في تعزيز وتقوية أوراق التفاوض العربية. وعكس ذلك صحيح تماما.
فهل ستبقى القوى العربية، الحاكمة أو غير الحاكمة، بانتظار ما يفعله القدر وما يصنعه الزمن ؟؟، أم أنها ستفيق من غفوتها العميقة وتنطلق نحو العمل…
السؤال مطروح على الجميع برسم الجواب !!!